يُتوقع أن يواصل سوق الدين في السعودية نشاطه خلال العام الجاري، بعد أن نمو ب 20% في العام الماضي مدفوع بخمسة محركات رئيسية تشمل: مبادرات “رؤية 2030″، و”احتياجات تمويل عجز الميزانية، وتنويع الاقتصاد، والالتزامات المستحقة، والإصلاحات الجارية، بحسب تقرير حديث صادر عن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني.
وتُقدر قيمة المشاريع الكبرى التي تهدف لتنويع اقتصاد المملكة -بخلاف مشاريع الطاقة- بحوالي 703 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب بيانات “ميد” (MEED) استنادًا إلى العقود التي جرت ترسيتها حتى أكتوبر الماضي.
استهلت المملكة العام بنشاط قوي في سوق الديون، مع إصدارات مزمعة آخذة في الزيادة، ويُتوقع أن يتجاوز حجم السوق 500 مليار دولار “في وقت قريب، ربما بنهاية العام”، حسب تقديرات بشار الناطور، الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي لدى “فيتش” في التقرير.
اقترضت السعودية منذ بداية العام الجاري ما يصل مجموعه 23 مليار دولار وفق حسابات أجرتها “الشرق”، بعد اعتماد خطة الاقتراض السنوية للعام الجاري، باحتياجات تمويلية متوقعة خلال السنة المالية قدرها 37 مليار دولار تقريبًا. وتسعى السعودية لتغطية العجز المستمر في ميزانيتها منذ ثمانية فصول عبر سوق الديون الدولية.
خلال الشهر الماضي، جمعت حكومة المملكة 12 مليار دولار من أول طرح سندات دولية لها هذا العام، وبلغ حجم الطلب على سنداتها المصنفة ضمن الدرجة الاستثمارية 30.5 مليار دولار، بحسب “بلومبرج”.
كما باع صندوق الثروة السيادي السعودي سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار في أول طرح له هذا العام، عقب أن حصل على أول تمويل بنظام المرابحة بقيمة 7 مليارات دولار، كجزء من استراتيجيته التمويلية متوسطة المدى، وذلك بمشاركة 20 مؤسسة مالية دولية وإقليمية. وبحسب تقديرات “فيتش”، سيرتفع الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 35.3% بحلول نهاية 2026، من 29.8% بنهاية العام الماضي.
يأتي ذلك بينما تعزز المملكة مكانتها في إصدار الديون عالميًا، إذ أصبحت أكبر مصدر للديون الدولارية في الأسواق الناشئة بخلاف الصين، وأكبر مصدر للصكوك الدولارية عالميًا، وبلغ إجمالي إصدارات المملكة من الديون القائمة بكل العملات 432.5 مليار دولار في نهاية العام الماضي، ولم تتخلف أي جهة مصدرة عن سداد صكوك أو سندات سعودية مصنفة من جانب “فيتش” على الإطلاق في 2024 بحسب ما قاله الناطور في التقرير.
شكلت الصكوك أغلبية بنسبة 63% من إجمالي الدين في المملكة، فيما فاقت إصدارات الدين المقومة بالدولار، والتي بلغت 50%، نظيرتها المقومة بالريال والتي شكلت 48.3% من الإجمالي.
تماشى تقديرات “فيتش” مع تلك الصادرة في وقت سابق عن “إس آند بي جلوبال” والتي توقعت استمرار زخم إصدارات الديون السعودية في الأسواق العالمية والمحلية بقيادة البنوك في العام الجاري، مدفوعة بالسعي لتمويل المشروعات الكبرى ضمن “رؤية 2030″، وذلك بعد بداية نشطة للإصدارات الدولارية من المملكة منذ بداية العام.
فضلًا عن المحركات السابق ذكرها لسوق الدين، سيقود الانخفاض المحتمل لأسعار النفط بحسب تقديرات “فيتش”، والتي تشير إلى متوسط عند 70 دولارًا للبرميل في العام الجاري و65 دولارًا في 2026، من مستوى قرب 75 دولارًا حاليًا، إلى زيادة متطلبات التمويل.
تترقب أسواق النفط الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدة دول، وسط مخاوف من أن تؤدي إلى تزايد الحمائية مما قد يلحق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي، ما من شأنه الحد من الطلب على الطاقة.
عزز البنوك السعودية التوسع في إصدارات الديون، إذ زادت أنشطتها في بيع الديون الدولية منذ 2020، بما يتماشى مع استراتيجياتها للنمو واحتياجاتها من العملات الأجنبية، في حين يُتوقع أن تتوسع الشركات في مصادر تمويلها إلى قنوات أخرى بخلاف القروض المصرفية، بحسب “فيتش”.
بدت دلائل هذا التوسع جلية منذ بداية العام، إذ أصدر “مصرف الراجحي” و”البنك السعودي الفرنسي” صكوكًا بقيمة 2.25 مليار دولار إجمالًا، فيما جمع البنك “العربي الوطني” 3.35 مليار ريال من طرح صكوك. كما عينت شركة “معادن” أكبر شركة تعدين في المملكة بنوكًا لإدارة طرح محتمل لصكوك دولارية أمس الثلاثاء.
يؤكد ذلك ما توقعته “إس آند بي” في وقت سابق من أن البنوك ستضطلع بدور أكبر في الفترة المقبلة لتسهيل تنفيذ المشاريع الكبرى في المملكة، وذلك في وقتٍ توقعت فيه “بلومبرج إنتليجنس” أن يواجه القطاع تحديات متعلقة بالسيولة خلال العام الجاري في ظل تنامي الطلب على الاقتراض خصوصًا مع خفض أسعار الفائدة. وأظهر تقرير حديث لـ”مصرف الراجحي” أن نسبة القروض إلى الودائع في النظام المصرفي 106.4% حتى أكتوبر الماضي.
في الوقت ذاته، قد يعزز إدراج الديون السعودية في المؤشرات العالمية، الطلب من جانب المستثمرين الأجانب الذين يشكلون 4.5% بالمئة فقط من قاعدة المستثمرين في إصدارات السندات الحكومية، وفق تقرير “فيتش”.