وسط حقل الالغام الاقليمي، والتحديات الدولية، الممتدة من غزة الى الداخل السوري، مرورا بالحدود الجنوبية والشرقية، تقلع حكومة العهد الاولى، في رحلة تغيير واصلاح، ومواجهة ازمات على كافة الصعد، اولها اعادة بناء المؤسسات، تواكبها آمال حذرة بامكان احداث التغيير المنشود، والذي ارسلت التركيبة الحكومية رسائل حوله، بناء على التجارب السابقة، التي خبرها اللبنانيون، طوال سنوات الازمة.
انهيار اقليمي
فحتى وقت قريب، كان التقدير السائد ان ما يهم الرئيس دونالد ترامب وادارته، هو تحقيق السلام ونظام اقليمي جديد، من خلال انهاء الحروب مع لبنان وفي غزة، عقد صفقة اميركية كبيرة مع السعودية، تطبيع العلاقات بين تل ابيب والرياض، والفوز بجائزة نوبل، غير ان مواقفه خلال الساعات الاخيرة بينت على استعداده لمنح رئيس الوزراء الاسرائيلي الضوء الاخضر للتراجع عن الاتفاقات المبرمة وتدمير العقبات التي قد تقف امام تحقيق تطلعاته سواء في غزة او غيرها، وصولا الى طهران.
تهديدات ترامب تعيد إلى الذاكرة ما قاله قبل دخوله البيت الأبيض بأيام عندما هدد حماس بفتح أبواب الجحيم إذا لم يُفرَج عن المحتجزين قبل أن يتولى منصبه. لكن تهديدات ما بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة ليست كما قبله. ومن يتابع الخطوات التي تنفذها إدارة ترامب وفقا لكل القرارات التي وعد بها قبل تنصيبه يتأكد أن أبواب الجحيم ستُفتح وستعمّ الفوضى.
فمع ارتفاع وتيرة التهديدات الأميركية، وموقف حماس الثابت يقابله نفاق اسرائيلي، بات يُخشى من انهيار وقف إطلاق النار في غزة. فهل ينسحب هذا المشهد المأزوم على الواقع الميداني في الجنوب اللبناني؟
المشهد اللبناني
مشهد لا بد سيترك تداعياته على الوضع اللبناني في ظل تضارب المعلومات حول الانسحاب في 18 شباط، حيث اكدت مصادر من العاصمة الاميركية ان المفاوضات ما تزال جارية بين واشنطن وتل ابيب في محاولة لضمان «امن الشمال والمستعمرات»، من خلال، اولا، الحفاظ على منطقة، عازلة وفقا لخطة يناقشها ضباط اميركيون واسرائيليون، وثانيا، منع حزب الله من العودة الى جنوب الليطاني، دون الاخذ بالاعتبار تنصل اسرائيل من التزاماتها في اتفاق وقف النار.
وفي هذا الاطار ذكرت القناة الإسرائيلية أن نتنياهو طلب من الرئيس الاميركي دونالد ترامب دعم تمديد انتشار الجيش الإسرائيلي، زاعما بأن «الجيش اللبناني لا ينتشر بشكل فعال ولا يمنع حزب الله من إعادة تنظيم صفوفه، وأن حزب الله يستعد للعودة إلى المنطقة الحدودية بمجرد رحيل الجيش الإسرائيلي»، وهو موقف ووجه باتصالات اجرتها رئاسة الجمهورية بكل من فرنسا وواشنطن، طالبة الضغط على «اسرائيل» للانسحاب.
اوساط دبلوماسية في بيروت اكدت ان الوضع اللبناني تحت مجهر الخارج الذي يراقب بحذر مجريات الامور وتطورها، وسط زخم سياسي ودعم دولي «خف الى حد ما»، كاشفة ان الموقف الاميركي الذي عبرت عنه مساعدة المبعوث الاميركي الى المنطقة من بعبدا، والتي دعت الى اجراءات فعلية على صعيد الاصلاح ومكافحة الفساد، لاطلاق برامج المساعدات، وهو امر يبدو انه لن يكون سهلا في ظل «حكومة الانتخابات والـ 1701»، وفي هذا الاطار تعاني الجهود الفرنسية من اجل عقد مؤتمر لدعم الجيش اللبناني في آذار «بعض العرقلة».
وكشفت المصادر ان نائبة المبعوث الخاص الى الشرق الاوسط مورغان اورتاغوس ستعود الى لبنان خلال الايام المقبلة، لمتابعة ملف الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في 18 شباط الجاري، حاملة معها قرار بلادها، وسط امكانية انسحاب «اسرائيل» الكامل من الاراضي اللبنانية مقابل تمركز وحدات من اليونيفل والفريق الاميركي في لجنة مراقبة تنفيذ الهدنة في النقاط التي تصر تل ابيب على البقاء فيها، مشيرة الى ان البحث ما زال جارياً في هذا السياق.
جلسة الحكومة
في ظل هذه الاجواء اقلعت العجلة الدستورية، فعقدت الحكومة العتيدة، للمرة الاولى بعد تشكيلها، جلسة توصيات اكثر منها نقاش في الملفات، في القصر الجمهوري، استمرت 35 دقيقة، بدأت بالصورة التذكارية، وانتهت بتشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري، وبين المحطتين رسائل بالجملة، من الوقوف دقيقة صمت عن ارواح شهداء العدوان الاسرائيلي، الى دعوة الوزراء الى ان يكونوا خداما للشعب، فيما طلب رئيس الحكومة في مداخلته اليهم ضرورة الفصل بين العام والخاص، من خلال تعليق عضوياتهم في النقابات المهنية التي ينتمون اليها، وفي مجالس الشركات والمصارف، والتفرغ الكامل للعمل الحكومي، مع تسريب معلومات عن شروط صارمة وضعت للوزراء تتصل باسلوب اختيارهم لفريق عملهم ومستشاريهم، وللاسماء التي ستخضع للتدقيق من قبل رئاسة الحكومة.
البيان الوزاري
جلسة بعبدا كان سبقها خلوة ثلاثية بين «ترويكا» السلطة، تطرقت الى البيان الوزاري، الذي عقدت اللجنة المشكلة لانجازه، والمؤلفة من كل من: رئيس الوزراء، ونائبه طارق متري، ووزراء: المالية ياسين جابر، الثقافة غسان سلامة، الصناعة جو عيسى الخوري والاشغال العامة والنقل فايز رسامني، جلسة اولى لها الرابعة عصر امس، حيث بدأت مناقشة المسودة التي اعدها فريق رئيس الحكومة، والتي تواجه في مضمونها استحقاقات كسب ثقة المجتمع الدولي، والتحديات الكبيرة والقرارات حاسمة، المطلوبة.
وفيما توقعت مصادر مطلعة ان يتم انجاز صيغة البيان الوزاري باسرع وقت، ليتم اقراره بعد مناقشته في مجلس الوزراء واحالته الى المجلس النيابي لنيل الثقة، المرجحة مطلع الاسبوع المقبل، علم ان النقاشات ستتمحور حول العناوين التالية: تطبيق اتفاق الطائف، تحرير لبنان، تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف النار، الامن والحدود، الانتخابات والاستحقاقات الدستورية وضرورة اتمامها في مواعيدها، انجاز التعيينات الادارية والمالية والامنية، والاصلاحات المطلوبة دوليا.
سلام في السراي
وفيما كان الوزراء يتسلمون مهامهم تباعا، باشر الرئيس سلام مهامه رسميا بتوقيع التعميم المتعلق بكيفية ايداع ملفات رئاسة مجلس الوزراء، ليتناول بعدها الغذاء في «كافيتريا» السراي، برفقة عائلته وعددا من مستشاريه، قبل ان ينضم لاجتماع لجنة صياغة البيان الوزاري.
زيارات خارجية
على صعيد آخر، وبعد سلسلة الزيارات لمبعوثين دوليين، وبرقيات «المبروك المشروطة»، توقعت مصادر سياسية، ان يباشر رئيس الجمهورية جولة خارجية له قريبا، بعيد اخذ الحكومة الثقة، تبدأ من السعودية وتقوده الى مجموعة من الدول الخليجية منها قطر والكويت، كما ستكون له زيارة الى فرنسا قبل ايار، موعد انعقاد مؤتمر لدعم لبنان في مجال اعادة الاعمار، من تنظيم باريس في بيروت، حيث تشير المعلومات الى ان عون سيحمل معه برنامجا وخطة للفترة المقبلة تستند الى البيان الوزاري، والحاجات الملحة.
الوضع الجنوبي
في غضون ذلك تسود حالة من الترقب والحذر على بعد ايام من المهلة المفترضة للانسحاب الاسرائيلي الكامل من لبنان. فقبل ايام من انتهاء المهلة الثانية لوقف اطلاق النار، لم يتبلغ لبنان بعد بتاريخ وموعد انسحاب الاحتلال الكامل والشامل، من البلدات والنقاط التي لا زال يحتلها، ومعظمها في القطاع الشرقي، وهي: بليدا، حيديب، ميس الجبل، حولا، مركبا، العديسة، كفركلا، الوزاني، سردة والعمرة. اما في القطاع الاوسط، فلا تزال بلدة مارون الراس محتلة بشكل كامل، فضلا عن خراج بلدات عيتا الشعب، رميش، يارون، عيترون، ورامية الواقعة بين القطاعين الشرقي والغربي، جبل البلاط في القطاع الغربي بين رامية ومروحين، تلال اللبونة في خراج الناقورة وفي خراج علما الشعب والضهيرة.
اما في التلال، فلا يزال الاحتلال الاسرائيلي، متمسكا بالتلال والمزارع التي سبق وتمركز فيها في الحمامص، على اطراف الخيام، العزية في دير ميماس، مزرعة بسطرة في خراج كفرشوبا، بركة النقار والسحالة في خراج شبعا، ومزرعتي العباسية والمجيدية في خراج الماري.
علما ان مصادر وزارية اكدت ان الجيش اللبناني انجز خطة متكاملة للامساك بالنقاط التي سينتشر فيها فور انسحاب «اسرائيل» منها، وذلك وفق الالية المتبعة بالتنسيق مع لجنة مراقبة اتفاق وقف اطلاق النار، وقوات اليونيفيل.
وكانت نفذت قوات الاحتلال أعمال تجريف وحفر ورفع سواتر عند تلة الحمامص قبالة مستعمرة المطلة، كذلك قامت بحرق منازل في مركبا واطراف طلوسة، فيما سمع صوت قوي في اجواء القطاع الغربي ناجم عن انفجار جسم طائر غريب لم تحدد نوعيته في أجواء جنوب الناقورة .