عاجل:

أملنا الوحيد هو مستقبل من التعايش المشترك (هآرتس)

  • ٥

كتب حجاي العاد في صحيفة "هآرتس":


عدد لا يحصى من المحللين حاولوا حل لغز اقوال دونالد ترامب فيما يتعلق بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة بعد طرد كل سكانه. في هذه الاثناء ترامب من ناحيته كرر اقواله بعدة صيغ، في الوقت الذي فيه بعض المحيطين به حاولوا التحفظ. محللون في اسرائيل تعاملوا مع اقواله كأقوال لا معنى لها – حيث أن ترامب معروف بالتصريحات التي لا اساس لها والتي تتلاشى بسرعة، وأيضا كعملية سياسية ذكية تهدف الى المساعدة في استقرار حكومة نتنياهو، كلاهما في نفس الوقت. 


ما المقصود من هذه الاقوال؟ هل هي اقوال لا معنى لها أو أنها تتعلق بخدعة؟. أنا ليس لدي أي فكرة. ولكن بدلا من محاولة تفسير ترامب فمن الافضل النظر الى الطريقة التي تضيء فيها اقواله اسرائيل. لأن الضوء الذي يوفره مهم، بدون صلة بدرجة الجدية أو النية الكامنة في اقواله. هذه فرصة مهمة لتذكر وجهة اسرائيل قبل 7 تشرين الاول 2023 وما هي وجهتها الآن. حيث أن ذلك في نهاية المطاف هو فهم مخيف. لقد حدث هنا الكثير في الستة اشهر الاخيرة، كثير من الدماء سفكت بين البحر والنهر، عشرات الآلاف قتلوا والملايين عاشوا وما زالوا يعيشون تحت الدمار والمعاناة غير المسبوقة بحجمها في تاريخ اسرائيل/ فلسطين. ولكن هدف اسرائيل كان وما زال نفس الهدف: محو الفلسطينيين. 


قبل 7 تشرين الاول 2023 ركزت اسرائيل على الصفقة مع السعودية التي استهدفت الدفع قدما بعدة مواضيع – التطبيع مع السعودية لصالح اسرائيل، ومظلة دفاع امريكية لصالح السعودية، وصفقات سلاح ضخمة لصالح الامريكيين. الموضوع الرئيسي الذي لم ترغب الصفقة السعودية الدفع به قدما، بل عمليا ارادت وضعه جانبا، هو القضية الفلسطينية.  


القراء تنافسوا فيما بينهم حول كيف سيصفون بالضبط الضريبة الكلامية للصفقة بخصوص القضية الفلسطينية، بحيث تكون جيدة بما فيه الكفاية لارضاء الرياض على المستوى اللفظي، في نفس الوقت الذي سيفهم فيه الجميع في اسرائيل بأنها لا تعبر عن نية حقيقية. في الحقيقة لا توجد مثل هذه النية. 


اسرائيل تتمسك بنفس الاستراتيجية ونفس الصفقة هي تريد دفعها قدما الآن ايضا وكأنه لم يحدث هنا أي شيء. اتفاقات ابراهيم (2020) كانت نموذج اولي لتجسيد الوهم الذي يقول بأنه يمكن للمرء أن ينظر بعيدا، الى أبو ظبي والمنامة، وتضييق بؤبؤ العين بحيث لا يرى رام الله (القريبة من القدس)، أو قلقيلية (التي تبعد خمس دقائق سفر عن كفار سابا)، أو غزة (المحاصرة خلف الجدار الذكي الذي أقمناه). ولكن كشيطنة فقد تبين أنه مهما كان احتفال التوقيع في واشنطن مثير للاعجاب ومهما قمنا بتضييق العيون إلا أن الفلسطينيين ما زالوا هنا، والحلم بقي على حاله. ما الحل؟ المزيد من نفس الشيء، ولكن بحجم اكبر، الرياض. 


خلال ذلك ظهر الآن ترانسفير ترامب. في الساحة السياسية في اسرائيل سارعوا الى تبنيها من الحائط الى الحائط من قبل الطيف السياسي. فكرة ابداعية، خارج الصندوق، شجاعة، هذه كانت فقط بعض الثناءات التي تم اغداقها هنا. الكثير من الذين اثنوا على اقوال الرئيس عرفوا جيدا أنه لا تقف من ورائها خطة متبلورة. مع ذلك، سارعوا الى احتضانها علنا والتساوق مع التطهير العرقي لمليوني شخص. لماذا؟ لأنه في الاصل هذا ما اردناه. صحيح أن الصفقة السعودية كان يمكنها محو الفلسطينيين كعامل له وزن في السياسة الاقليمية. ترانسفير ترامب يمكن أن يقوم بمحوهم حقا من ناحية جسدية. محو رمزي أو محو جسدي؟. كل ذلك جاء بحكمة صنعك يا الله. اسرائيل في مركز الموضوع، على هذا النحو أو ذاك.


اسرائيل تتخيل نفسها بأنها فيلا في الغابة، محاطة بسور حديدي. هكذا كان الامر قبل 7 تشرين الاول 2023، وهكذا كان الامر بعده. احيانا هي تكتشف أنها ليست وحيدة في الفيلا، أو أن الحائط صنع من الزبدة. وكرد على ذلك فانهم يشترون المزيد من القنابل التي وزنها نصف طن، ويقومون بتجنيد المزيد من وحدات حرس الحدود، وينصبون في الفيلا الحواجز، المصافي، اماكن فحص وغرف سجن كي يتمكنوا من “ادارة” ناجعة اكثر للفلسطينيين. طوال هذا الوقت يتخيلون أنهم ببساطة سيختفون. هذا الوهم غير جديد، وبالتأكيد لا يقتصر على نتنياهو وبن غفير. لأنه ايضا ليفي اشكول، رئيس حكومة المباي المعتدل، رغب في ذلك بعد احتلال القطاع في 1967. في حينه كان يوجد هناك 350 ألف فلسطيني تقريبا، الآن العدد ازداد بستة اضعاف تقريبا، اكثر من نصفهم هم احفاد اللاجئين من النكبة الاولى.


من المعروف، للاسف الشديد، أن هذا الخيال ليس حكرا على الاسرائيليين. فالفلسطينيون ايضا يحلمون بمحو اسرائيل ومواطنيها. ولديهم ايضا حلم أننا لن نكون هنا أبدا، وأن اسرائيل ستختفي. الطرفان يتقاسمان نفس الحلم، كل طرف بطريقته المخيفة الخاصة به.


هذا الحلم يوجد له بديل بالطبع. محو شعب كامل ليس الخيار الوحيد. ليس فقط لأن هذا خيار اجرامي، اخلاقيا وقانونيا، بل هذه عملية فاشلة. فحتى بعد 100 سنة على الصهيونية والنكبة الاولى والنكبة الثانية في غزة، وسرقة المزيد من الاراضي، فان جيش كامل، يتم استخدامه بالاساس كقوة شرطة وقوة قمع، ومئات آلاف المعتقلين وعشرات آلاف القتلى – بعد كل ذلك يوجد الآن ايضا تساوي ديمغرافي بين النهر والبحر. 


مع أخذ هذه الحقائق بالحسبان، كان يجب فحص خيار آخر، غير مرتبط بمحاولة محو شعب آخر. بناء حياة مشتركة. حيث أننا لا نعيش في الرياض وجيراننا ليسوا سعوديين. الفلسطينيون ايضا لن يذهبوا الى أي مكان. ايضا نحن لن نذهب. الفشل الكبير للحركة الوطنية اليهودية، والحركة الوطنية الفلسطينية ايضا، هو غياب الافق السياسي الذي يقود كل الناس هنا الى مستقبل كهذا. ثمن الفشل يتم دفعه منذ عشرات السنين بالدم والدمار والحياة المليئة بالندب والصدمات العابرة للاجيال. كفى. 


اذا كنا نريد الحياة فان الامل الوحيد هو مستقبل لحياة مشتركة، حياة لا تقوم على تفوق اليهود، بل على قيم المساواة والاحترام، واعطاء تعبير كامل للهوية الشخصية والجماعية لكل الناس الذين يعيشون هنا، جميعهم. من الواضح أنه بعد الـ 16 شهر الاخيرة الفظيعة، مع انهار الدماء والدمار غير المنتهية والاعمال الفظيعة والمعاناة الفظيعة، تقريبا لا يمكن تخيل هنا مثل هذا الواقع. وبالتالي، الاعتقاد بأنه هذا التوجه السياسي الوحيد المحتمل هنا. لكن ليس فقط بتحليل اخلاقي، بل ايضا ببساطة بقراءة ذكية للواقع، فانه يتبلور الفهم بأن هذه هي الفكرة السياسية الوحيدة، التي هي في نفس الوقت عادلة، والتي يمكنها ضمان لنا جميعا هنا حياة مستقرة وآمنة ومزدهرة. يجب التوجه نحو هذا الهدف.


يجب التوقف عن الاتكاء على جرائم الماضي وتخيل جرائم المستقبل. يجب البدء في اقامة حياة مشتركة.

المنشورات ذات الصلة