عاجل:

بعد الثقة بالحكومة: امتحان الأولويات والإصلاحات (الجمهورية)

  • ٤٣

يبدو أنّ صفة الاستعجال ملازمة لعمل اللجنة الوزارية المكلّفة صياغة البيان الوزاري للحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون، حيث توحي أجواء اللجنة بأنّ إنجاز الصيغة النهائية للبيان موضوعة على نار حامية، بجيث يتطلّب ذلك جلسة او جلستين على أبعد تقدير، وفق ما اكّدت مصادر وزارية لـ»الجمهورية»، على أن يتمّ العبور تلقائياً إلى جلسة المناقشة العامة والتصويت على الثقة بالحكومة في مجلس النواب. على انّه في موازاة الاستحقاق الحكومي تبقى الأنظار مشدودة إلى الاستحقاق الأمني الأقرب المتمثل بانسحاب جيش الإحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية التي توغل إليها خلال عدوانه الأخير على لبنان وبعد التوصل الى اتفاق على وقف لإطلاق النار، حيث تتجلّى تجاه هذا الاستحقاق مراوغة إسرائيلية في إتمام الانسحاب في موعده المقّرر في 18 من الشهر الجاري.

الحكومة .. والثقة

حكومياً، تعود لجنة صياغة البيان الوزاري إلى الإجتماع في جلسة ثانية اليوم، وسط ما كشفته مصادر وزارية عن وجود توجّه لدى رئاسة الحكومة إلى الإستفادة من الوقت والتعجيل في الإنتهاء من الصياغة في مهلة أقصاها منتصف الاسبوع المقبل.

وقالت المصادر لـ«الجمهورية»، انّ الاجتماع الاول للجنة كان ممتازاً، وأجواء الوزراء الأعضاء في اللجنة لا تشي بتشنجات او احتمال حصول اي عراقيل من اي نوع كان، على جاري ما كان يحصل في فترات سابقة من مدّ وجزر حول بعض مضامين البيان الوزاري.

ورداً على سؤال، قالت المصادر: «اجتماع لجنة الصياغة اليوم، سيكمل ترتيب مندرجات البيان وتحديد سلّم الأولويات الحكومية للمرحلة المقبلة. والصياغات تجري بموضوعية وسلاسة، وتمّ قطع شوط مهمّ جداً، ولا توجد أي تباينات حول أي من مضامين البيان الوزاري، وهذا يؤشر إلى أنّ ما يجمع الوزراء هو نظرة مشتركة إلى حاجة البلاد إلى انطلاق الحكومة سريعاً نحو ورشة واسعة النطاق للعمل في شتى المجالات. وربطاً بهذه الأجواء لا يفترض ان يكون هناك أي تأخير، حيث قد يتطلّب الامر جلسة او جلستين للجنة، تليهما جلسة مجلس الوزراء لإقرار البيان الوزاري. وبعدها يأتي دور مجلس النواب في ما خصّ جلسة مناقشة البيان الوزاري ومنح الثقة للحكومة».

حجز مسبق

في هذه الأجواء، ينتظر رئيس المجلس النيابي نبيه بري انتهاء الحكومة من إنجاز بيانها الوزاري، ليُصار إلى تحديد موعد جلسة المناقشة العامة والتصويت على الثقة. والمعلومات الأولية تشير إلى أنّ انعقاد هذه الجلسة قد يكون خلال الاسبوع الأخير من شباط الجاري، ما لم يطرأ ما يقدّم هذا الموعد أو يؤخّره.

وعلى جاري المعتمد مع جلسات نيابية من هذا النوع، فإنّها تمتد لأكثر من يوم بجولات نهارية ومسائية، الّا إذا تقرّر اختصار الكلمات والخطابات ربحاً للوقت، ووقائعها تُنقل مباشرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. واللافت في هذا السياق مسارعة عدد من النوّاب إلى حجز أدوارهم على منبر الخطابة في جلسة المناقشة، وبعضهم استبق إعلان ولادة الحكومة رسمياً، وتواصلوا مع الأمانة العامة لمجلس النواب لحجز أدوارهم على المنبر المرئي والمسموع.

الثقة

وعلى ما هو مؤكّد، فإنّ الثقة مضمونة للحكومة، وتتقاطع التقديرات حول نيلها ثقة تزيد عن الـ80 صوتاً، موزعة على أصوات نواب ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله»، وحزب «القوات اللبنانية»، «اللقاء الديموقراطي»، «تجدّد»، «الكتائب»، ونواب مصنفين تغييريين. فيما حسمت بعض الأطراف الأخرى مواقفها لناحية حجب الثقة عن الحكومة كـ«التيار الوطني الحر»، وعدد من نواب منطقة عكار وعدد من نواب السنّة. وذلك لأسباب متعددة، منها ما هي تمثيلية، ومنها ما هي مناطقية ومنها ما هي احتجاجية على عدم التوزير.

مشوار محفوف بالمطبات

وإذا كان محسوماً انّ الحكومة ستعبر امتحان الثقة بنجاح مؤكّد، الّا انّ الامتحان الأصعب ينطلق بعدها، في مواجهة الكمّ الهائل من التحدّيات والإستحقاقات التي تنتظرها. وعلى ما يقول مرجع كبير لـ«الجمهورية»: «هذه الحكومة لا تُحسد على وضعها، كونها تأتي في ظروف هي الأكثر دقة والأقسى على لبنان، حيث أنّ مشوارها محفوف بالتحدّيات والمطبات ربطاً بالأزمات الداخلية المتشعبة في لبنان والكمّ الهائل من الأعباء الملقاة على اللبنانيين، سواء المالية والاقتصادية او الأضرار التدميرية المهولة التي خلّفها العدوان الإسرائيلي الاخير في المناطق اللبنانية، ولاسيما الضاحية الجنوبية وبلدات الجنوب والبقاع، تضاف إليها التطورات المتسارعة في المنطقة والتي يقع لبنان في عين عواصفها».

إستحقاقات .. وضرورات

وبحسب معلومات حكومية، فإنّ جدول أولويّات الحكومة يتضمّن بالدرجة الاولى والمستعجلة، الشروع سريعاً في خطة اصلاحية شاملة التزم بها رئيس الحكومة، والأساس فيها تعيين الهيئات الناظمة لبعض القطاعات الأساسية، وتطبيق ما هو معطّل من قوانين، ولاسيما تلك التي ترتد بفائدة على الوضع المالي. ويواكب ذلك بصورة عاجلة حسم ملف التعيينات لملء المراكز الإدارية والأمنيّة الأساسية الشاغرة، مع توجّه لاسترداد مشروع الموازنة العامة لإعادة ضبطه على النحو الذي يتلاءم مع متطلبات وضرورات المرحلة الجديدة.

وتشير المعلومات إلى انّ لدى المراجع الرسميّة على اختلافها توجّهاً للقيام بجولات خارجية على الدول الصديقة والشقيقة لحشد الدعم للبنان وتوفير ما تتطلّبه إعادة الإعمار وتمكين لبنان من إزالة مخلّفات وآثار العدوان الاسرائيلي من مساعدات. وهذا الأمر، على ما يصفه مسؤول رفيع المستوى عبر «الجمهورية»، يقع في رأس قائمة التحدّيات الملحّة، ويلقي على كلّ مستويات الدولة من دون استثناء، مسؤولية طرق باب المجتمع الدولي والأشقاء العرب على وجه الخصوص، وكذلك كلّ المؤسّسات الدولية، للمساهمة في إعادة إنهاض لبنان، وإدراجه في قائمة الدول الأكثر حاجة للمساعدات السريعة، وخصوصاً في مجال اعادة الإعمار التي لا قدرة للبنان في ظروفه المالية الصعبة، على إنجازها وتوفير امكاناتها.

ورداً على سؤال عمّا اذا كانت هناك التزامات بتوفير المساعدة الفعلية للبنان قال المسؤول عينه: «كل الموفدين والزوار أعربوا عن تعهدات أوّلية، هناك وعود مقطوعة، موعودون بأن تُترجم، خصوصاً في مجال اعادة الإعمار».

تسليم وتسلم

وكانت قد توالت أمس، عمليات التسليم والتسلّم في الوزارات. وفي هذا السياق بادر وزير المال ياسين جابر خلال تسلّمه الوزارة إلى توجيه الشكر إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي على «دعم ترشيحي والرئيسين عون وسلام على ثقتهما. والبلد في وضع صعب جدًّا وأمامنا مهمّات كثيرة». ودعا إلى التعاون من أجل إنجاز المهمّات، لافتاً إلى أنّ «هذه الحكومة سترشدنا إلى الطريق الصحيح الذي يجب اتباعه وهو طريق الإصلاح». وتوجّه إلى المجتمع العربي بالقول: «لبنان بدأ رحلة العودة لكي يكون دولة قانون. ونطلب دعم الدول العربيّة في هذه المرحلة الصعبة». وللمجتمع الدولي قال: «ملتزمون بإجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية اللازمة حتى يتمكّن لبنان من استعادة الثقة المحلية والدولية».

مماطلة في الانسحاب

من جهة ثانية، وفي ما خصّ الاستحقاق الجنوبي المتمثل بالانسحاب الإسرائيلي، وفي موازاة الخروقات والاعتداءات المتمادية على المناطق الجنوبية، باتت جلية مماطلة إسرائيل في سحب جيش الاحتلال من المناطق التي توغل إليها خلال العدوان الأخير وبعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. حيث أُفيد أمس، بأنّ إسرائيل أبلغت لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار بعزمها البقاء في بعض النقاط في جنوبي لبنان (تلال العويضة والحمامص والعزية واللبونة وجبل بلاط) حتى 28 شباط الجاري.

وقرنت إسرائيل ذلك بتحذير إلى أبناء الجنوب اطلقه نهاراً المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال فيه انّه «تمّ تمديد فترة تطبيق الاتفاق، ولا يزال الجيش الإسرائيلي منتشرًا في الميدان، ولذلك يُمنع الانتقال جنوباً». وأتبعته مساء برسالة استفزازية عبر خرق الطيران الحربي الاسرائيلي لجدار الصوت على دفعتين بصورة عنيفة في أجواء العاصمة بيروت. فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين كبار في الحكومة، انّ إسرائيل حصلت على إذن أميركي بالبقاء بعد تاريخ وقف اطلاق النار في نقاط عدة في لبنان. كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي قوله، إنّ الإنسحاب من لبنان قد يتمّ قريبًا، موضحًا: «يبدو لي أننا سنعيد تمركزنا فعلاً في الأسبوع القادم، والاتفاق سيخرج إلى حيز التنفيذ».

عون: للضغط على إسرائيل

وفي الموضوع ذاته، أُفيد بأنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون أبلغ الجانبين الأميركي والفرنسي بأنّ لبنان يريد انسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال بما في ذلك النقاط الخمس. وخلال استقباله وزير الخارجية البرتغالية باولو رانجيل في القصر الجمهوري في بعبدا أمس، طلب «أن تضغط دول الاتحاد الأوروبي لاستكمال انسحاب إسرائيل ضمن المهلة المحدّدة في 18 شباط الحالي». مؤكّداً أنّ «لبنان يدعم المبادرة العربيّة للسّلام، ويرفض الطّروحات الّتي تؤدّي إلى حصول أي نوع من أنواع تهجير الفلسطينيّين من أرضهم، أو المساس بحقوقهم المشروعة الّتي كرّستها قرارات الأمم المتّحدة».

بري ينفي

واستباقاً لعودة نائبة المبعوث الاميركي إلى الشرق الأوسط مورغان اورتاغوس إلى بيروت الاسبوع المقبل لجلاء حقيقة الموقف الأميركي من عدم الانسحاب الاسرائيلي، قابل لبنان الطرح الإسرائيلي برفض قاطع، فيما برز ما بدا انّه تشويش على الموقف اللبناني من قبل بعض القنوات التي تحدثت عن موافقة لبنان على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، اعلن المكتب الإعلامي للرئيس بري «انّ ما نسبته قناة «الحدث» عن مصادر حول اتفاق بين الرئيس نبيه بري و«حزب الله» على تمديد وقف النار مرّة ثانية هو محض إختلاق ومزيف تماماً».

وعَكَس زوار عين التينة قلقاً بالغاً لدى الرئيس بري من مماطلة إسرائيل وإخلالها باتفاق وقف اطلاق النار وعدم الانسحاب من الاراضي التي تحتلها، وهو الامر الذي يشرّع الباب على الاحتمالات واسعاً بعد 18 شباط الجاري. وحول الوعود التي اطلقها الأميركيون حول إتمام الانسحاب الإسرائيلي، نقل الزوار أنّ بري لا يثق بكل الوعود التي يطلقها الأميركيون. وبحسب ما افادوا فإنّ الفرنسيين الذين يشاركون في لجنة المراقبة لم يخفوا عدم ثقتهم بفرض ضغوط أميركية على إسرائيل تلزمها وقف النار نهائياً، والانسحاب من كل الأماكن التي احتلتها».

وقالت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، انّ اتصالات مكثفة جرت مع الراعيين الاميركي والفرنسي لاتفاق وقف إطلاق النار لحسم الانسحاب الاسرائيلي في موعده، وتمّ إبلاغ الجانبين رفض لبنان بقاء جيش الاحتلال على أراضيه. ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ الجانب الفرنسي على تواصل مستمر مع الجانب الإسرائيلي ويبذل جهوداً كبرى بغية إتمام الانسحاب في موعده».

«بلومبرغ»

واللافت في هذا المجال، ما ذكرته وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصادر مطلعة، «من أنّ اسرائيل تسعى إلى الاحتفاظ بعدد قليل من المواقع المرتفعة داخل لبنان لحماية مستوطنات الشمال. لافتة الى أنّ قرار إسرائيل يأتي بعد رفض واشنطن طلبها إبقاء الجزء الأكبر من قواتها بعد الموعد المحدّد». واشارت الوكالة إلى «انّ انتهاكات «حزب الله» لم تكن كبيرة بما يكفي لتأخير الخطوة التالية من اتفاق الهدنة».


المنشورات ذات الصلة