عاجل:

بنية تحتية وفوقية معادية للمقاومة: تفاصيل خطة ترامب لاستملاك غزّة (الأخبار)

  • ٤٠

كتب عمر نشابة:

تتضمّن خطّة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، خلاصات دراسة كان قد وضعها البروفسور الإسرائيلي - الأميركي في «جامعة جورج واشنطن»، جوزيف بيلزمان، في تمّوز 2024، وحملت عنوان «خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة: نموذج بي أو تي (بناء – تشغيل – تحويل)». وبحسب الخطة المشار إليها، فإنه بعد إخلاء القطاع وتسويته أرضاً، ستعمل شركات أميركية على إعادة بناء البنية التحتية ومنشآت سياحية وتجارية وإدارية وسكنية، تشغلها على مدى 50 عاماً، ومن بعدها، قد يسلّم المستثمرون غزة إلى «ناس في المنطقة».

وعلى رغم خلفية بيلزمان العلمية والأكاديمية، إلا أن الدراسة/ الخطة التي عمل عليها تفتقد للحد الأدنى من الالتزام بالأمانة العلمية والأخلاقيات الأكاديمية؛ إذ استهلّها بتبرير مواصلة الإبادة الجماعية التي رأى أنها حرب «دفاعية»، وهدفها «استعادة أكثر من 200 رهينة اختطفتهم «حماس» وشركاؤها، والقضاء على حماس والمسلحين الآخرين المتآمرين معها»، معتبراً أن «التكلفة» التي يتحمّلها سكان غزة تعود بالكامل إلى وجود «مقاتلي حماس»، محمّلاً إياهم مسؤولية «خلق الفوضى وتعظيم الخسائر البشرية». وأشار إلى أنه «كجزء من إعادة هيكلة غزة وضمان القضاء التام على شبكة حماس المسلحة، يجب حفر منطقة غزة بأكملها. ويمكن دمج هذه العملية مع البدء في تحديد تكلفة بناء شبكة فنادق على الجانب الغربي (الواجهة البحرية)، ومجمع سكني على الجانب الشرقي»، وهو ما يورده في الصفحة 22 من الدراسة المؤلفة من 49 صفحة، نعرض في الآتي أبرز ما تتضمّنه.

تحمّل الدراسة حركة «حماس» كامل المسؤولية عن دمار القطاع، كما تشبّه ما حصل في غزة من دمار شامل وانهيار لمقوّمات الحياة بإفلاس مصرفي يستدعي اعتماد الـ«بي أو تي» كحلٍّ شامل للصراع القائم، في ما يُعد تجاهلاً واضحاً لكل الأسس القانونية السياسية والاقتصادية التي تنظّم العلاقات الدولية تبعاً لنظام الأمم المتحدة. وتشير الدراسة إلى ضرورة قيام إدارة مدنية في غزة تعتمد نظاماً اقتصادياً يستند إلى قاعدة «تأمين الخدمات العامة من خلال القطاع الخاص»، في إطار القانون الجديد الذي سيجري اعتماده لتثبيت الحكم الجديد. وفيما تذكّر بأن خطة غزة هي استكمال لاتفاقيات «أبراهام»، وصف بيلزمان الهجمات التي شنّها الجيش الإسرائيلي على غزة في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021، بأنها جزء من حروب الـ«بينغ بونغ» (كرة الطاولة) نظراً إلى أنها لم تكُن حاسمة في اتجاه «حماس»، التي كانت تردّ في كل مرة وتستهدف المستعمرات الصهيونية.

لمحة تاريخية

تناول بيلزمان المشروع البريطاني لإنشاء وطن لليهود في فلسطين، لافتاً إلى أن هذا المشروع كان يفترض أن يضمّ كل المساحة التي تشمل الأردن اليوم وقطاع غزة والضفة الغربية، واصفاً التعديل الذي خضع له بين عامي 1921-1922، بـ«الخطأ الأكبر تاريخياً». أما بشأن مصر، فقد أورد تشويهاً إضافياً للحقائق، بقوله: «ظهر المصريون على الساحة في عام 1948 عندما هاجموا إسرائيل واحتلوا القطاع الذي كانت تسيطر عليه بريطانيا في السابق.

ولم تقم مصر بضم غزة وحافظت على الحكم العسكري المدني لكنها لم تمنح السكان حقوق الملكية». وخلص بيلزمان إلى أن «الدولة الوحيدة التي يمكنها منح حقوق التأجير للمستثمرين الأجانب بموجب القانون الدولي هي إسرائيل». كما تشير دراسته إلى «خطأ استراتيجي» في السماح لقطر بتمويل «حماس» في غزة؛ إذ ورد في الصفحة الـ8 أن الأموال القطرية استُخدمت من قبل «حماس» لتطوير بنيتها العسكرية، فيما حمّل مصر مسؤولية «تهريب السلاح الذي يقتل المدنيين الإسرائيليين إلى القطاع».

تشويه الوقائع والتلاعب بالقانون

استخدم بيلزمان معلومات ثبت أنها خاطئة ومضلّلة عن أحداث 7 أكتوبر 2023؛ إذ قال إن «حماس اجتاحت إسرائيل وقتلت وقطعت رؤوساً وأحرقت أكثر من 1200 مدني»، على رغم أنه تبيّن لاحقاً أن معظم القتلى سقطوا بسبب القصف الإسرائيلي على المستعمرات بهدف دفع «حماس» إلى الانسحاب منها. وأضاف بيلزمان فقرة في الهامش المخصّص للمراجع العلمية، ادّعى فيها بأن الهجوم الإسرائيلي على غزة «يتناسب مع قواعد القانون الدولي»، على الرغم من وصفه من قِبل «محكمة العدل الدولية» بالإبادة الجماعية، واعتبار «المحكمة الجنائية الدولية»، أيضاً، أنه يشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

كما ذكرت الدراسة عدة مراجع في القانون الدولي تسمح باستهداف المستشفيات والمنشآت المدنية والمدارس والإسعافات «إذا كانت هذه الأماكن تُستخدم لدواعٍ عسكرية وقتالية»، علماً أنها تجاهلت غياب الدليل على ذلك، كما تجاهلت مبدأ التناسبية في الحروب وتحريم التجويع وتجنّب التعذيب والمعاملة غير الإنسانية واستخدام الأسلحة المحرّمة، وغيرها من مبادئ القانون الدولي الإنساني الملزمة لكل دول العالم.

كما تنقل الدراسة عن الجيش الإسرائيلي أن «100% من المساجد والمستشفيات والمدارس والمنازل بُنيت فوق الأنفاق، وتقع فيها مداخل الأنفاق وهي تُستخدم لتخزين العتاد العسكري»، زاعمةً أن عدد المدنيين الذين قُتلوا في غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي هو «26 ألف عربي» (من دون ذكر أنهم فلسطينيون)، بالإضافة إلى 13 ألف مقاتل ينتمون إلى «حماس». أيضاً، تشكّك الدراسة في دقة أعداد القتلى التي نشرتها منظمتا «الأمم المتحدة» و«الصحة العالمية» و«الهلال الأحمر الفلسطيني» ووزارة الصحة الفلسطينية، فيما تحرّض على استكمال الدمار الشامل في غزة.

نسف «حلّ الدولتين»

تدّعي الدراسة بأن قطاع غزة، بحسب اتفاقات «أوسلو»، هو «أرض متنازع عليها»، وأن انسحاب الإسرائيليين منه عام 2005 كان «لمنح الفلسطينيين فرصة لتطوير القطاعين السياحي والزراعي هناك، لكنهم قاموا بعكس ذلك وحوّلت حماس غزة منذ عام 2007 إلى دولة مقاتلة طوّرت على مدى 15 سنة بنية تحتية عسكرية للاعتداء على المدنيين الإسرائيليين».

ولم تذكر الدراسة الحصار الخانق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على غزة وآثاره ونتائجه على الناس بشكل عام، وعلى القطاعات: الاقتصادي والتجاري والإنتاجي، كما على القطاعات: الصحي والاجتماعي والسياسي. وزعمت أن «إسرائيل وافقت على خمسة أنواع مختلفة لمشروع حلّ الدولتين، لكنّ (ياسر) عرفات رفض كلاً منها»، من دون تقديم أي دليل أو شرح لهذه المزاعم. وفي الصفحة 19، يشير بيلزمان إلى أن «أكثرية العرب المقيمين في الضفة الغربية وغزة يعارضون مشروع حل الدولتين»، مضيفاً أن «معظم المدنيين الفلسطينيين يسعون إلى إبادة اليهود جماعياً»، في ما بدا تبريراً للاستمرار في إبادتهم.

مشروع استملاك بتكلفة تريليوني دولار

تفترض الدراسة أن تكلفة مشروع استملاك غزة قد تصل إلى تريليوني دولار، من دون تحديد المساهمين، موردةً أنّه «ستراوِح تكلفة بناء مجمع فندقي ووحدات سكنية بما في ذلك الحفر الكامل لأنفاق الإرهاب ومجموعة كاملة من البنية التحتية للطاقة الشمسية، بين 500 مليار دولار و1 تريليون دولار» (صفحة 22). وفي فقرة أخرى يرد الآتي: «ستراوِح تكلفة عملية إعادة الإعمار الضخمة هذه في غزة، بين 1 و2 تريليون دولار، وسيستغرق استكمالها من 5 إلى 10 سنوات».

ولم تحدد الدراسة عدد المدارس والطلاب الذين يتوقّع أن يكونوا في غزة بعد انطلاق العمل بالمشروع، لكنها حدّدت وجهة المنهاج التعليمي بأنه ضمانة للقضاء على ثقافة المقاومة، إذ ورد فيها أنه «ينبغي أن يعتمد النظام التعليمي والتربوي في غزة المنهاج المعدّل المعتمَد في الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية»، والذي لا يتضمن دروساً تشرح القضية الفلسطينية بدقّة وأمانة علميّة، لا بل يُشوّه في محاولة لمنع ممارسة الحقّ في مقاومة الاحتلال.

بداية المشروع في شمال غزة

يبدأ المشروع في شمال غزة ببناء محطة لتحلية المياه ومرفأ، فيما توكل «مهمة حفظ الأمن» في القطاع إلى «شركاء محايدين لديهم مصلحة في القضاء على حماس ونزع السلاح بشكل كامل وحماية المستثمرين». وإلى جانب ذلك، ترد في الدراسة إشارة إلى «الحكم المدني في غزة، حيث يكون لدى أصحاب المصالح أفضل الحوافز لإدخال المواهب الأكثر تأهيلاً من الخارج لحماية استثماراتهم المالية». وتلفت إلى أن هذا النموذج متّبع في بَنما وبويرتو ريكو (جنوب أميركا)، علماً أن هذه الدول لم تشهد حرب إبادة جماعية ونقل السكان أو تجويعهم.

وخُصصت أقسام من الدراسة لتناول تفاصيل محطة توليد الكهرباء والمطار والميناء والسكك الحديدية. وحول الكهرباء، تذكر أن أي استثمار في التوليد المحلي في غزة، يجب أن يُحل محل الديزل مزيج طاقة أنظف، بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية. أما حول الغاز، فقد اقترحت المفوضية الأوروبية وهولندا و«مكتب اللجنة الرباعية»، بحسب بيلزمان، برنامجاً استثمارياً لتوفير إمداداته إلى غزة، فيما تقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بما يراوِح بين 85 و100 مليون دولار. ويهدف ما يسمى بمشروع «الغاز من أجل غزة» (G4G) إلى ربط غزة بشبكة الغاز الطبيعي الإسرائيلية. وبشكل عام، فإن تكلفة إنشاء محطة كهرباء واحدة في غزة، مستقلة عن إسرائيل، ستبلغ حوالي 20 مليار دولار.

وتقدّر الدراسة تكلفة بناء ميناء بحري - وهي عبارة عن تقديرات متوسطة فقط للبنية التحتية القياسية للنقل، ولا تشمل تكلفة شراء الأرض -، بين 16 مليون دولار لكل رصيف بطول 300 متر، و7 مليارات دولار لكل ميناء تجاري كامل.

وبالنسبة إلى نظام السكك الحديدية العادي، تورد أن تكلفة بنائه تراوِح بين مليون دولار لكل كيلومتر و5 ملايين دولار لكل كيلومتر. وبالنسبة إلى نظام السكك الحديدية السريعة، فإن التكلفة ستكون بين 20 و30 مليون دولار لكل كيلومتر.

«الاقتصاد الأخضر السيادي غير العسكري»

يدّعي بيلزمان بأن مسألة المستقبل الاقتصادي لغزة، هي «مسألة ديناميكية»، متسائلاً عمّا «سيحدث لاقتصاد غزة إذا حدثت تغييرات معينة في علاقتها مع إسرائيل. وقد تتعلق مثل هذه التغييرات بالبنود الاقتصادية القياسية مثل التحويلات الإسرائيلية والضرائب الإسرائيلية». وبناءً عليه، يوصي باستخدام نموذج «التوازن العام المحسوب» (CGE) المعروض في الورقة - لتتبع اقتصاد غزة المكوّن من ثلاثة قطاعات (السياحة والزراعة والتكنولوجيا المتقدمة) -، والذي سيتم تنفيذه «لمعالجة مسارات بديلة لتطوير هذا الاقتصاد الأخضر السيادي غير العسكري».

من هو جوزيف بيلزمان؟

هو، بحسب جامعة جورج واشنطن، مرجع «معترف به دولياً»، وخبير في سياسة التجارة الدولية للولايات المتحدة و«منظمة التجارة العالمية»، واقتصادات القانون التجاري الدولي، وسياسات التجارة الدولية المعاصرة والتي تؤثّر على جمهورية الصين الشعبية، وله اهتمام بحثي بـ«الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي آسيا. قبل انضمامه إلى هيئة التدريس في «جامعة جورج واشنطن» عام 1980، كان باحثاً في السياسة الاقتصادية في «معهد بروكينغز». وقبل ذلك، كان عضواً في هيئة التدريس في «جامعة كارولينا الجنوبية» (1976-1979). كما شغل مناصب في «جامعة رنمين»، و«كلية الاقتصاد» في بكين (جمهورية الصين الشعبية) كباحث في برنامج فولبرايت (2012)، وفي «جامعة بن غوريون» في النقب (فلسطين المحتلة) كباحث في «برنامج فولبرايت» (1995-1996)، وعمل أستاذاً زائراً للقانون والاقتصاد في كلية الحقوق في «الجامعة الكاثوليكية» (2001-2005)، وأستاذاً زائراً للقانون في «كلية الحقوق رادزينر»، المركز المتعدد التخصصات في هرتسليا (فلسطين المحتلة) (2001)، وباحثاً في «معهد موريس فالك للأبحاث الاقتصادية» في فلسطين المحتلة، و«الجامعة العبرية» في القدس (1988-1997)، وباحثاً في مركز الأبحاث الروسي في «جامعة هارفارد» (1991-1992)، وأستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس (1984-1985).


المنشورات ذات الصلة