عاجل:

إلى جوزيف عون ونواف سلام: السلم الأهلي رهن موقفكم (الأخبار)

  • ٦٠

كتب ابراهيم الامين:

قد يكون ممكناً التعامل بمسافة مع الحدث المتصل بالحصار الإسرائيلي - الأميركي على لبنان لدفعه إلى فتنة داخلية تستهدف أساساً المساس بحزب الله داخلياً، بعد فشل الحرب الإسرائيلية في تحقيق هدف القضاء على المقاومة عسكرياً.

لكنّ الأمر يصبح مستحيلاً عندما ينتقل الأميركيون إلى مستوى جديد من الضغط، يتزامن مع قرار العدو بالإبقاء على احتلاله المباشر لأراضٍ لبنانية، وإعطاء نفسه حق التصرف عسكرياً وأمنياً في لبنان في أي وقت يراه مناسباً.

ومع تطور الأحداث، يبدو أنه لا يمكن أخذ أي مسافة من هذا الحدث. فانشغال اللبنانيين في إعادة بناء بلدهم، جراء العدوان الإسرائيلي من جهة، وجراء الهدم الداخلي للمؤسسات من قبل السلطات المتعاقبة، ليس ذريعة لعدم القيام بما يلزم، لمواجهة المسعى الأميركي – الإسرائيلي لفرض وقائع داخلية في لبنان، تحاكي جانباً من أهداف الحرب الإسرائيلية من جهة، والاستفادة من تداعيات التغيير الكبير الذي شهدته سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، باعتباره من حلفاء المقاومة في لبنان، وخصماً للجانبين الأميركي والإسرائيلي.

العدو يرفض الانسحاب الكامل من الجنوب، ويريد إدخال تعديلات على اتفاق وقف إطلاق النار، بدعم أميركي كامل. وفي مكان آخر، تتوسّع سياسة الحصار على كل ما يتصل بالمقاومة وأهلها، ولا سيما محاولات منع حزب الله من إطلاق ورشة الإعمار الواسعة بعدما اقترب من إنجاز أضخم عملية لإيواء نحو ربع مليون لبناني، والمباشرة بترميم أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية تضرّرت بفعل الحرب، والمحاولة الفاشلة لتحقيق أحد أهداف الحرب بإبعاد حزب الله عن حكومة العهد الأولى. وفيما أبلغ الحكم الجديد في سوريا لبنان أنه غير جاهز لترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وليس جاهزاً لعودة النازحين السوريين، ولا يملك قدرات على ضبط الحدود مع لبنان، إلا أنه وجد أنه قادر على خوض معارك بالسلاح في مقطع من الحدود الشرقية للبنان، «صودف» أنه ملاصق لمناطق نفوذ حزب الله في البقاع الشمالي.

داخلياً، تبدو الحكومة الجديدة منشغلة بصياغة البيان الوزاري. وبمعزل عما ستخرج به من تصورات وأولويات، إلا أن المناخ الذي رافق اختيار الوزراء، وتوزّع الحصص على القوى السياسية، دلّ على أن هناك ميلاً أكيداً لتوفير مناخ حكومي في حالة خصومة مع المقاومة، أو أقله سعي لنيل رضى الولايات المتحدة والغرب والسعودية وحلفائها في لبنان.

وهذا ما ينعكس خطوات قد تؤثّر على الوضع العام في لبنان، خصوصاً أن الأميركيين يعدّون منذ الآن لائحة مطالب من الحكومة، مع تهديد بأن واشنطن ستطلق الشهر المقبل سلسلة جديدة من العقوبات ضد شخصيات وكيانات لبنانية على صلة بالمقاومة.

والأهم أن الجانب الأميركي مهتم حالياً بالملف المالي، ليس لجهة تقديم المساعدات للبنان، بل لوضع الشروط قبل تقديم أي نوع من الدعم، سواء على شكل هبات أو قروض. وفي رأس الأولويات الأميركية اليوم دفع الحكومة في لبنان إلى اتخاذ خطوات تمنع وصول أي أموال إلى حزب الله، من إيران أو من أي دول أخرى، أو حتى من أفراد. وتقضي الخطة الأميركية بالضغط على الحكومة لإصدار سلسلة قرارات، منها:

أولاً، اعتبار أن ملف إعمار ما دمّرته الحرب من مسؤولية الدولة اللبنانية، وبالتالي السعي إلى منع حزب الله من القيام بأي مبادرة تساعد المتضررين على إعادة إعمار بيوتهم وقراهم.

ثانياً، وضع عراقيل أمام ما يقوم به حزب الله في هذا المجال، من خلال استصدار قرار رسمي من الحكومة بإقفال مؤسسة «القرض الحسن»، ومنعها من فتح فروع لها، واتخاذ إجراءات لمنعها من التداول في الأموال، وصولاً إلى اعتبارها مؤسسة مخالفة للقانون. ويعتقد الأميركيون بأن خطوة كهذه ستعرقل آلية توزيع أموال إعادة الإعمار من جهة، كما ستدفع المودعين لدى المؤسسة إلى سحب ودائعهم من أموال وذهب وغيرهما، ما يجبرهم على التوجه إلى المصارف اللبنانية.

ثالثاً، اتخاذ إجراءات قانونية من نوع رفع السرية عن جميع الحسابات المصرفية، مع التشديد على إعادة درس الودائع لجهة التثبّت من مشروعية الأموال ومصدرها، وصولاً إلى الحجز على كل وديعة لا يثبت صاحبها مصدرها.

رابعاً، الشروع في خطوات عملية لتقليص مساحة التواصل بين لبنان وإيران، مع محاولة لإحياء مشروع الرئيس الأسبق أمين الجميل مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما قطع العلاقات مع إيران على خلفية دعم طهران لقوى لبنانية معادية لحكم الكتائب في حينه. ويسعى الأميركيون إلى دفع الحكومة اللبنانية إلى وضع عراقيل وشروط على العلاقة مع إيران، من بينها منع شركات الطيران الرسمية أو الخاصة الإيرانية من التوجه إلى لبنان، علماً أن العقوبات الأميركية المفروضة على الطيران الإيراني تعقّد عمله في كثير من دول العالم، لكنها لا تعطّله بصورة كاملة.

خامساً، توسيع الرقابة على كل ما يرد إلى لبنان من إيران أو العراق وإخضاعه لتفتيش دقيق للتثبت من أن حزب الله لا يستفيد من أي دعم مالي أو غير مالي يصله عبر هذين البلدين، مع التشديد على تعاون أمني بدأ مع الحكم الجديد في سوريا التي أعلن رئيسها الجديد أحمد الشرع التزامه بمنع حزب الله من استخدام الأراضي السورية لعبور الأموال أو السلاح.

وقد بدأت الفرق الأمنية والعسكرية التابعة للشرع خطوات عملانية في هذا المجال، سواء على الحدود مع العراق أو على الحدود مع لبنان، علماً أن سلطات دمشق الجديدة تبرّر ما تقوم به بأنه لمواجهة عمليات التهريب وتجارة المخدّرات، بينما يعرف العالم كله أن منطقة إدلب نفسها تشكل إحدى أكبر بؤر هذه التجارة في سوريا، وقد توسّع نشاط المهربين هناك بعد استيلاء «هيئة تحرير الشام» على دمشق.

عملياً، ليس هناك أي غموض في البرنامج الأميركي - الإسرائيلي في لبنان. وليس منطقياً، كما أنه ليس مقبولاً، أن يسألنا أركان الحكم عن تفاصيل هذا البرنامج. وبينما يقع على عاتق الناس ابتداع آليات المواجهة المباشرة لهذا المشروع وأدواته، فإن المسؤولية الكبرى تقع اليوم على عاتق رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، وعلى عاتق الحكومة الجديدة ورئيسها نواف سلام.

وكي لا يبقى الأمر قيد نقاش عبثي، فالأمور الجارية تقول لنا، بوضوح، إن ما يريده الأميركيون، هو ما يريده الإسرائيليون، وعلى الرئيسين عون وسلام تحمل المسؤولية المباشرة، ليس لخوض معركة مع واشنطن، بل لإشعارها أولاً بخطورة ما تدعو إليه، ولمنع تدهور الأوضاع الداخلية التي قد تذهب إلى صدام كبير، رغم أن حزب الله يمارس منذ لحظة توقف الحرب المباشرة والواسعة مع العدو أعلى درجات ضبط النفس، ويتحمل حتى اللحظة ما تقوم به قوات الاحتلال.

وعلى أهل الحكم إدراك أن مستوى الانضباط لدى قواعده وناسه، وعدم الذهاب نحو خيار التصادم، إنما هو انعكاس لقرار مركزي، بينما ستصبح الأمور أكثر صعوبة بطريقة لا يعود الحزب قادراً على ضبطها، عندما تشعر بيئة المقاومة بأن هناك من يريد إذلالها.

بكل بساطة، والكلام للتفسير والتوضيح وليس للتهديد كما سيقول خصوم المقاومة، على عون وسلام، وأركان الحكومة الحالية، المبادرة إلى وضع إطار لحماية السلم الأهلي، إذ إن الانفجار في حال حصوله، لن تنفع معه التحليلات والتبريرات، ولا كل بيانات الدعم الآتية الآن من خلف البحار...

ببساطة، ليست هناك الآن أولوية تتقدّم على أولوية حماية السلم الأهلي. أمّا مقاومة الوصاية الأميركية، فهي برنامج طويل، سيتعزز يوماً بعد يوم، وسيكون له ناسه والقادرون على تحويله إلى وقائع تضع حداً لهذه العربدة!


المنشورات ذات الصلة