كتب ناجي شربل وأحمد عزالدين:
يتوقع أن تخفت وتيرة الاحتجاجات في الشارع، من دون طيها بشكل نهائي، بل إبقاؤها «غب الطلب» في ضوء «الكباش» غير الخفي بين السلطات الرسمية اللبنانية و ««حزب الله».
الأولى تسعى إلى تكريس منطق الدولة في عهد جديد تريده مختلفا عن المشهد الذي سبقه، والذي امتد منذ 13 أكتوبر 1990 حتى 9 يناير الماضي، تاريخ انتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية.
في حين يريد «حزب الله» فصل نتيجة مواجهته في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، عن وضعه في الداخل، لجهة إمساكه بالأرض وباللعبة السياسية، وتفوقه على بقية الأفرقاء السياسيين والأحزاب، بفعل ترسانة أسلحة داخلية وعديد غير مسبوق من العسكر النظامي.
وبين ما تريده الدولة وما يسعى إلى عدم التفريط به «حزب الله» من مكتسبات فرضها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، يهتز الشارع بإيقاع مضبوط حتى الآن ضمن لعبة «التوازنات المحسوبة».
وتتعاطى الدولة اللبنانية بروية وصبر مغلفين بحزم في قمع المخالفات والتعدي على الحريات الشخصية والأملاك العامة والتعرض للقوى الأمنية النظامية اللبنانية والقوات الدولية «اليونيفيل»، ومنع تعطيل المرافق العامة.
ويتوقع أن تنتقل المبادرة إلى «الحزب»، مع اقتراب موعد الانسحاب الإسرائيلي من القرى والبلدات اللبنانية التي احتلها جيشه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، والمقرر غدا، والذي كما بات معلوما لن ينفذ بشكل تام وناجز، مع إصرار الجانب الإسرائيلي على البقاء في نقاط إستراتيجية ضمن الأراضي اللبنانية، وفي هذه الخطوة إضعاف لدور السلطة المركزية اللبنانية.
كما سيفيد «الحزب» من مناسبة 23 فبراير، التي يشيع فيها الأمينان العامان السابقان له، السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، في مدينة كميل شمعون الرياضية في بئر حسن.
وأصدر «حزب الله» أمس بيانا علق فيه على الأحداث الأخيرة، وقال فيه: «إن الاعتصام الشعبي الذي نظمه استنكارا للتدخل الإسرائيلي السافر في الشؤون اللبنانية واستباحة السيادة الوطنية كان تحركا سلميا تعبيرا عن موقف رافض للخضوع غير المبرر للإملاءات الخارجية»، وأضاف أن المعتصمين «فوجئوا بإقدام بعض عناصر الجيش اللبناني على إطلاق القنابل المسيلة للدموع باتجاههم»، على حد قول البيان.
ودعا الحزب قيادة الجيش إلى فتح تحقيق عاجل واتخاذ الإجراءات المناسبة. كما دعا الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة في حماية المعتصمين السلميين، وطالبها بالتراجع عن قرارها بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت.
وأدان حزب الله الحادثة التي تعرضت لها قوات «اليونيفيل» في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، وأكد رفضه القاطع لأي استهداف لها، وكذلك لأي مس بالممتلكات العامة والخاصة».
وفي رد ضمني، ولو غير مباشر على بيان «حزب الله»، أصدر الجيش اللبناني بيانا جاء فيه «توضيحا لما يتداول عبر وسائل الإعلام من تدخل الجيش خلال الاعتصام على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، تؤكد قيادة الجيش أنه تم التنسيق مسبقا مع منظمي الاعتصام لناحية الالتزام بالتعبير السلمي عن الرأي، وعدم قطع الطريق المؤدي إلى المطار، غير أن عددا من المحتجين عمدوا لاحقا إلى قطع الطريق والتعرض لعناصر الوحدات العسكرية المولجة حفظ الأمن، والتعدي على آلياتها، ما أدى إلى إصابة 24 عسكريا، بينهم ثلاثة ضباط، بجروح مختلفة، ما اضطر هذه الوحدات إلى التدخل لمنع التعدي على عناصرها وفتح الطريق. لقد جاء تدخل الجيش تطبيقا لقرار السلطة السياسية بهدف منع إقفال الطرقات والتعدي على الأملاك العامة والخاصة، ولضمان سير المرافق العامة والحفاظ على أمن المسافرين وسلامتهم، حفاظا على الأمن والاستقرار».
في غضون ذلك، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، في عظة الأحد الأسبوعية أمس ان «لبنان قبل أن يكون دولة وكيانا سنة 1920، كان مجتمعا. وهذا ما ساعد آباءنا وأجدادنا على الصمود قبل نشوء دولة لبنان الكبير وبعد نشوئها». أضاف: «هو المجتمع، لا الدولة، ما مكن لبنانيي السيادة والاستقلال والتحرير من مواجهة الاحتلالين السوري والإسرائيلي». وقال: «كان مجتمعنا الوطني يملك قضية مثلثة: الأمن، والحرية والحضارة. قال لنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني في ختام أعمال السينودس من أجل لبنان سنة 1995: «ما خلص لبنان ونجاه من الدمار هو مجتمعه المميز بالعيش المشترك المسيحي - الإسلامي. سنة 1975، سقطت الدولة وبقي المجتمع، فصمدنا وانتصرنا معا وأعدنا بناء الدولة».
بموازاة ذلك، من المتوقع أن تقر حكومة الرئيس نواف سلام اليوم بيانها الوزاري. ولن تواجه صعوبة في تمريره بمجلس الوزراء، من دون استبعاد اعتراض بعض الوزراء خصوصا على تغييب كلمة المقاومة عن البيان.
وقال مصدر وزاري لـ «الأنباء»: «استوحى البيان عباراته من اتفاق الطائف وخطاب القسم لرئيس الجمهورية. وتمت تعديلات على عبارات درجت البيانات الوزارية على تكرارها حول المقاومة والعلاقة مع سورية. وبدلا من عبارة المقاومة وحق اللبنانيين بتحرير أرضهم، أصبحت حق الدولة بتحرير أرضها. كما جرى التركيز على التمسك باتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل والموقع عام 1949، وانتشار الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية. واستبدلت فقرة العلاقة مع سورية بالعلاقة مع الدول العربية، وألا يشكل لبنان ممرا لأية إساءة إلى العمق العربي».
كذلك تتجه الأنظار إلى الجنوب غدا مع موعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من البلدات والقرى الحدودية. وقد أبلغت إسرائيل لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار ببقاء جيشها في 5 تلال، من دون تحديد الفترة الزمنية التي ستستمر فيها، بعد ما فشلت المساعي الفرنسية في إقناع حكومة بنيامين نتنياهو، بأن تتولى الأمن في هذه المواقع وحدات من «اليونيفيل» وجنود من الوحدة الفرنسية.
وقد عمدت القوات الإسرائيلية إلى إحراق منازل وتفجير أخرى، في عدد من البلدات. وعملت قوة من الجيش الإسرائيلي على شق طريق في حرج سدانة شمال كفرشوبا، في اتجاه كفرحمام والهباري.
من جهة ثانية، وجهت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبناء القرى الحدودية للتحرك يوم غد الثلاثاء 18 الجاري، تحت عنوان «العودة - 4» لدخول بلداتهم بمناسبة انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي الممددة. فيما طلبت بعض البلديات من المواطنين التعاون مع الجيش اللبناني لتجنب إشكالات أمنية محتملة، أو الدخول في مناطق لم يتم تطهيرها من الألغام.
وأطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص في اتجاه أحياء حولا بعد دخول الأهالي إليها لتفقد ممتلكاتهم، ما أدى إلى سقوط مواطنة وإصابة آخرين. كما أسر الجيش الإسرائيلي 5 مواطنين من أبناء البلدة.
وشددت قيادة الجيش اللبناني في بيان، «على ضرورة عدم توجه المواطنين إلى المناطق الجنوبية التي لم يستكمل الانتشار فيها، والالتزام بتوجيهات الوحدات العسكرية المنتشرة، وذلك حفاظا على سلامتهم وتفاديا لسقوط أبرياء، نظرا إلى خطر الذخائر غير المنفجرة من مخلفات العدو الإسرائيلي، إلى جانب احتمال وجود قوات تابعة للعدو في تلك المناطق».