عاجل:

عون لمستشار الأمن القومي: الانسحاب وإعادة الأسرى (الجمهورية)

  • ٣٩

أبقت إسرائيل الوضع في المنطقة الحدودية جمراً تحت رماد اعتداءاتها، إنْ من خلال زرعها قنابل مَوقوتة وآيلة للتفجير في خمس تلال داخل الأراضي اللبنانية، أو من خلال خرقها المتمادي لاتفاق وقف إطلاق النار الذي استمر بصورة فاضحة أمس، باعتدائها على الجيش اللبناني باستهداف مركزه قرب بلدة شبعا، واستهداف المدنيّين ما أدّى إلى ارتقاء شهيد وسقوط جرحى من المواطنين العائدين إلى قراهم الحدودية.

وأمّا على الخط السياسي، فيبدو التركيز مُنصّباً على أمرَين، الأول بمثابة تحدٍ كبير ماثل أمام الدولة في كيفية حشد الدعم الدولي والفاعل للبنان، وإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من كامل الأراضي اللبنانية. والثاني اكتمال البنية الحكومية بنيل حكومة نواف سلام ثقة المجلس في الجلسة العامة التي سيعقدها المجلس يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين، وذلك كنقطة انطلاق للعهد الرئاسي والسياسي الجديد في ورشة عمل حكومية فاعلة وواسعة لمواجهة بنك الأولويات التي تنتظرها في شتى المجالات.

إتمام الانسحاب ضرورة

معلومات موثوقة لـ"الجمهورية" تؤكّد أنّ ملف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، يُشكّل بنداً أساسياً وحاضراً في رأس قائمة أولويات العمل الرئاسي والحكومي في هذه المرحلة، وضمن هذا السياق تُبقي رئاسة الجمهورية قناة الإتصال مفتوحة في كل الاتجاهات الدولية لنزع فتيل إبقاء إسرائيل احتلالها للتلال الخمس داخل الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكّل خرقاً فاضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وعاملاً لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. والرهان الأساس في هذا الإطار يبقى على الجانب الأميركي الذي قطع وعوداً جدّية في تحقيق الإنسحاب الإسرائيلي الكامل، يُريد لبنان أن يرى ترجمة أكيدة لها من دون إبطاء.

عون والأميركيّون

وموضوع الاحتلال الإسرائيلي، حضرَ أمس، في حديث بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ومستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، فأكّد عون أنّه "من الضروري إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في النقاط المتبقية واستكمال تنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 لضمان تعزيز الاستقرار في الجنوب وتطبيق القرار 1701". وشدّد على "ضرورة الإسراع في إعادة الأسرى اللبنانيِّين المعتقلين في إسرائيل".

من جهته، أكّد والتز للرئيس عون "متابعة الإدارة الأميركية للتطوّرات في الجنوب، بعد الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية واستمرار احتلالها لعدد من النقاط الحدودية"، وأشاد بـ"الدور الذي لعبه الجيش اللبناني في الانتشار في المواقع التي أخلاها الإسرائيليّون"، مؤكّداً أنّ "الولايات المتحدة ملتزمة تجاه لبنان بالعمل على تثبيت وقف النار وحل المسائل العالقة ديبلوماسياً". كما أكّد على "أهمية الشراكة اللبنانية-الأميركية وضرورة تعزيزها في جميع المجالات".

تعاطف فرنسي

في موازاة التأكيد الصادر عن الأمم المتحدة وقيادة "اليونيفيل" على أنّ تأخير الانسحاب إلى جنوبي الخط الأزرق يُناقض ما كنا نأمل حدوثه ويُشكّل انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار وللقرار 1701، فإنّ الجانب الفرنسي، وكما تشير المعلومات، يُبدي تعاطفاً أكيداً مع الموقف اللبناني الرافض لبقاء الاحتلال في أيّ بقعة من لبنان، والمستويات الرسمية في لبنان تبلّغت عزم باريس على أداء دور فاعل ومتواصل، سواء في موقعها في لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، أو عبر التواصل المباشر مع الجانب الإسرائيلي. وهذا الأمر أكّدت عليه وزارة الخارجية الفرنسية التي أعلنت "أنّ فرنسا أخذت علماً بأنّ جيش الدفاع الإسرائيلي ما زال متواجداً في خمسة مواقع على الأراضي اللبنانية"، لافتةً إلى "أنّ فرنسا تذكّر بضرورة الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، في أقرب وقتٍ ممكن، وفقاً لبنود اتفاق وقف إطلاق النار".

نحو مجلس الأمن

وإذا كان لبنان على مستوياته الرئاسية الثلاث، قد أكّد في موازاة الإنسحاب الإسرائيلي الناقص والمبتور، رفضه القاطع لبقاء الإحتلال الإسرائيلي ولاسيما في النقاط الخمس داخل الأراضي اللبنانية، فإنّ بيان الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونواف سلام ونبيه بري بعد اجتماعهم في القصر الجمهوري في بعبدا أمس الأول، وكما تؤكّد مصادر رسمية متابعة لـ"الجمهورية"، يشكّل قاعدة لتحرّك رسمي سريع ومكثف في اتجاه الدول الشقيقة والصديقة، وكذلك في اتجاه مجلس الأمن الدولي لحمل إسرائيل على الإلتزام الكامل بالقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار المعلن في 27 تشرين الثاني الماضي وتطبيق مندرجاته، ولاسيما الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية التي توغل إليها الجيش الإسرائيلي خلال العدوان الأخير".

إسرائيل تتعمّد التوتير

في هذا الإطار، أكّد مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" أنّ بيان الرؤساء الثلاثة يُعبّر عن كل اللبنانيّين ورفضهم بقاء الاحتلال، ومضمونه يخاطب الدول الكبرى لتحمّل مسؤولياتها والإيفاء بالتزاماتها في إلزام إسرائيل بالإنسحاب من كامل الأراضي اللبنانية".

وأضاف: "ما من شك أنّ إبقاء إسرائيل لاحتلالها للنقاط الخمس، يمسّ صدقية الدول، ولاسيما الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة الى أنّ عدم التزامها بوقف إطلاق النار وتعمّدها التوتير منذ لحظة إعلانه أواخر تشرين الثاني الماضي، يُثيران المخاوف من سعي إسرائيل إلى تثبيت احتلالها داخل الأراضي اللبنانية، وهو أمر من شأنه أن يفرض واقعاً جديداً وتحدّياً خطيراً يُصبح فيه اتفاق وقف إطلاق النار مشكوكاً في صموده".

ورداً على سؤال أكّد المرجع: "الجميع مدركون ما يترتب عليه بقاء الإحتلال الإسرائيلي من مخاطر على لبنان، والآن الأمر متروك للجهد الديبلوماسي، ورئيس الجمهورية يولي هذا الأمر أولوية كبرى، ويؤكّد أنّه لن يعدم وسيلة لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة الجنوبية".

وفي حال لم ينجح الجهد الديبلوماسي، أوضح: "كما سبق وقلت، الأمر متروك الآن للجهود الديبلوماسية التي نأمل أن تثمر ما يرغب به لبنان". واستطرد قائلاً: "لا أحد يجادل في حق لبنان باسترجاع أراضيه المحتلة وبسط سيادته على كامل ترابه الوطني. وبيان الرؤساء الثلاثة شديد الوضوح لجهة التأكيد على حق لبنان في اعتماد كل الوسائل لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي".

موقف الحزب

إلى ذلك، وفي وقت تُثار فيه تساؤلات حول موقف "حزب الله" من إبقاء إسرائيل على احتلالها للنقاط الخمس في الجانب اللبناني، وما يمكن أن يُقدِم عليه حيال ذلك، كشف مطلعون على موقف الحزب لـ"الجمهورية" أنّه يدعم موقف السلطة السياسية، وقرار الحزب حالياً، هو إعطاء الفسحة الزمنية التي تتطلبها الجهود الديبلوماسية التي تقودها الدولة اللبنانية لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية، على رغم من أنّه يشك في أن تتمكّن الديبلوماسية من إتمام هذا الأمر.

وبحسب هؤلاء المطلعين فإنّ "أولوية الحزب في هذه المرحلة منصبّة على تمرير تشييع أمينه العام السيد حسن نصرالله ورئيس مجلسه التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، تُضاف إلى ذلك أولوية احتواء آثار العدوان الإسرائيلي وإعادة الإعمار، وكذلك إعادة تنظيم وتكوين بنيته الحزبية والتنظيمية وتصويب الاختلالات الكبرى التي تعرّض لها خلال العدوان، وهذا الأمر قد يتطلب وقتاً ليس بالقصير".

مخاوف

إلى ذلك، وفي موازاة الإشارات اليومية التي تطلقها إسرائيل لجهة الاستمرار في خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار واستهداف المناطق اللبنانية والمدنيّين، أبلغ مرجع أمني كبير "الجمهورية" إنّ "الأمن الداخلي بصورة عامة تحت السيطرة والأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها ومسؤولياتها على كلّ صعيد، وقرارها مجتمعة أن تضرب بقوة كل العابثين، وأي محاولة لإثارة الفتن والنعرات والإنقسام الداخلي".

وأضاف المرجع: "الأجهزة الأمنية ساهرة، بالتالي لا خَوف على الأمن الداخلي، لكن ينبغي ألّا نخرج من حسباننا العامل الإسرائيلي ومحاولاته العبث بأمن البلد وزعزعة استقراره جرّاء عدم إلتزام إسرائيل الجدّي بوقف إطلاق النار ومواصلتها استهداف المناطق اللبنانية، وكل ذلك يبدو مندرجاً في سياق ما تبدو أنّها محاولة إسرائيلية لصياغة واقع جديد تكون فيه يدها هي العليا بالإعتداءات والاستهدافات والإغتيالات على غرار ما حصل قبل أيام في صيدا وإقليم التفاح".

مرحلة دقيقة

في موازاة تحذير المرجع الأمني، تتحدّث أوساط سياسية وسطية عن مرحلة دقيقة مقبل عليها لبنان، حبلى بالضغوط.

وأوضح زعيم وسطي لـ"الجمهورية": "حتى الآن لا أشعر بأنّ الحرب قد انتهت، وأخشى من خطوات إسرائيلية مبيتة. ما من شك أنّ الإبقاء على النقاط الخمس هو خرق فاضح لاتفاق وقف إطلاق النار ويُشكّل ضغطاً يومياً على لبنان، لكنّ أخطر ما في موازاته هي التوغلات الإسرائيلية بطابع مدني وديني في اتجاه الأراضي اللبنانية، على ما قامت به خلال اليومَين الماضيَين مجموعة من الحريديم تسلّلت نهاراً وعلناً إلى الجانب اللبناني من الحدود، حيث لا يجب تجاهل هذا الأمر، إذ قد تكون لهذه الخطوة ما يماثلها وربما أكبر في المستقبل".

وفي تقدير الشخصية الوسطية عينها، فإنّه لا يستبعد أن يتواصل الضغط الكبير على "حزب الله": "يُريدون إخضاعه بصورة كاملة، ونتنياهو وحكومته المتطرّفة يُحرّضان في هذا الاتجاه. والأميركيّون يَعتبرون أنّ "حزب الله" قد هُزم، ويتحدّثون عن اتخاذ كل الإجراءات لمنعه من إعادة بناء نفسه وتحصين بنيته العسكرية والتسليحية من جديد. هذا الأمر يُبقينا في دائرة الخطر".

العمل الحكومي

حكومياً، إذا كانت ثقة المجلس النيابي محسومة ومضمونة بما يَزيد عن 80 صوتاً لحكومة نواف سلام، إلّا أنّ الإمتحان الحقيقي للحكومة يبدأ بعد الثقة، في مقاربة بنك الأولويات والتحدّيات.

وفيما بدا البيان الوزاري للحكومة طموحاً إزاء تحديد سُلم أولويات، وشكّل نافذة أمل للبنانيّين في تحديد سبُل معالجة الأزمات المَوروثة والملفات الكبرى والعالقة في شتى المجالات، يُضاف إليها الملف الناشئ عن العدوان الإسرائيلي والأضرار الكارثية التي خلّفها، وإعادة الإعمار، إلّا خلاصات تقييمية للواقع اللبناني بصورة عامة، تخلص إلى تجنّب تكبير الحجر ومقاربة وضع البلد بواقعية. فالبيان الطموح في مضمونه، وإن كان يَعِد بإنجازات كبرى وبتصميم حكومي على الحسم والفصل والإصلاح وما شابه ذلك من خطوات، فإنّه يصطدم بعامل الوقت ربطاً بعمر الحكومة القصير نسبياً أقل من سنة ونصف، الذي يحول حتماً دون الإنجاز المَوعود.

وبحسب تلك الخلاصات، فإنّ الحكومة بعد الثقة، وبموازاة الإجراءات الإدارية والتعيينات التي ستجريها لملء الشواغر الواسعة في الوظائف، ستجد نفسها أمام ثلاثة تحدّيات من شأنها أن تصرف الوقت الأكبر من عمر الحكومة؛ أولّها إعداد موازنة عامة تحاكي المرحلة الجديدة ومتطلباتها. وهذا التحدّي قد يكون الأسهل أمام استحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية الذي اقترب موعده (بعد 3 أشهر)، وكذلك أمام استحقاق الانتخابات النيابية العام المقبل، إذ تنتهي ولاية المجلس النيابي الحالي آخر شهر أيار 2026، ومعلوم في الاستحقاق النيابي أنّ كل البلد يتفرّغ بالكامل لهذا الاستحقاق ويدخل في كوما الانتخابات النيابية قبل 6 أشهر على الأقل من موعد إجراء الانتخابات، أي اعتباراً من شهر تشرين الثاني المقبل وتحديداً بعد 9 أشهر.

وكان الرئيس عون قد أمل أمام زوّاره في بعبدا أمس بـ"دعم الدول العربية ليعود لبنان شرفة العرب"، مجدِّداً التأكيد على أنّ "لبنان لن يكون منصّة للهجوم على الدول، ولا سيما الدول العربية الشقيقة. أمامنا فرص كثيرة مقدَّمة من الدول الشقيقة والصديقة، ومن المؤسف أن نضيّعها بسبب خلافات جانبية وحسابات فردية".

وأضاف: "لا إقصاء لأحد في لبنان، فالدولة هي التي تحمي جميع الطوائف، وليس العكس. إنّنا مع حرّية التعبير السلمي، لكنّ التجاوزات التي حدثت قبل أيام، من قطع للطرق والإعتداء على الجيش والمواطنين، هي ممارسات مرفوضة ولن تتكرّر". مؤكّداً أنّ "ما حصل في الجنوب أثَّر سلباً على لبنان بأسره، ولا صحّة إطلاقاً للادّعاء بأنّ الطائفة الشيعية محاصرة. فنحن جميعاً جسم واحد وبيئة واحدة، دفعنا ثمن الحرب ونواجه التحدّيات معاً، والثقة داخل المجتمع اللبناني هي الأساس".


المنشورات ذات الصلة