عاجل:

إعادة الإعمار مشروطة دولياً (نداء الوطن)

  • ٤٧

تتواصل المساعي والاتصالات الدبلوماسية لتحرير التلال الخمس، وفيما أثبت المسار الدبلوماسي مع المجتمع الدولي مدى جدّيته وفعاليته في إتمام انسحاب القوات الإسرائيلية من القرى والبلدات الجنوبية في 18 شباط، تاريخ انتهاء التمديد الثاني لاتفاق وقف إطلاق النار، يعوّل على المسار ذاته اقتصادياً، لإعادة النهوض بالبلد وإخراجه من كبوة أزماته المتلاحقة طيلة السنوات الماضية.

أمام هذه التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يتحمل “حزب الله” مسؤولية الجزء الأكبر منها، بعد توريطه لبنان بحرب مدمرة لا ناقة له فيها ولا جمل، ينكب لبنان الرسمي من خلال حكومته الجديدة على العمل الجدي لوضع خطط ممنهجة لإعادة إعمار المناطق المنكوبة والمدمرة بسبب الحرب الإسرائيلية.

وفيما تبرز إشكالية توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، المشروطة بتنفيذ القرارات الدولية وبسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني، وحصر السلاح بيد الشرعية، وإظهار نية حقيقية وجدية وشفافة أمام المجتمع الدولي، للبدء بالإصلاح، ترأس رئيس الحكومة نواف سلام اجتماعاً، للإطلاع على مشروع تقرير مسح الأضرار الناجمة عن الحرب الإسرائيلية والخطة الأولية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار، بحضور وفد من البنك الدولي برئاسة المدير الإقليمي جان كريستوف كاريه.

البنك الدولي: مليار دولار قيمة الخسائر

وزير المال ياسين جابر كشف بعد الاجتماع أن البنك الدولي، أعد دراسة أولية لمشروع تقدير الخسائر المباشرة وغير المباشرة لإعادة الإعمار، تتركز بشكل أساسي على البنى التحتية وإزالة الركام الموجود في المناطق، وخاصة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، بكلفة مليار دولار وسيقدم البنك الدولي أولاً 250 مليون دولار، وبمجرد إقرار هذا المبلغ، ستكون هناك مساهمات من دول أخرى، للمضي قدماً في المشروع.

وفيما أشارت مصادر إلى تشديد وفد البنك الدولي على ضرورة تأسيس صندوق لجمع أموال إعادة الإعمار، الأمر الذي سبق وأشار إليه البيان الوزاري من خلال العمل على إعادة الإعمار بكل شفافية عبر صندوق دعم، شدد مصدر لـ “نداء الوطن” على ضرورة التعويض عن الخسائر والأضرار المباشرة وغير المباشرة التي أصابت مناطق غير الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.

ويشكل وجود البنك الدولي على خارطة ملف إعادة الإعمار خطوة جدية للمشروع، ويكسبه مصداقية تشجع على توفير مساهمات من دول أخرى.

الدولية للمعلومات: أرقام مبالغ فيها

وفي هذا السياق يقول الباحث في شركة “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، لـ”نداء الوطن”، لقد سبق للبنك الدولي أن أعد دراسة في أيلول الماضي حدد فيها قيمة الأضرار بثمانية مليارات دولار ونصف. أما اليوم فقد أعد دراسة حدد فيها الخسائر بـ 26 مليار دولار، 14 مليار دولار حجم الأضرار المباشرة و12 مليار دولار للأضرار غير المباشرة.

يعتبر شمس الدين أن الرقم مبالغ فيه وغير صحيح، خصوصاً في ما يتعلق بالأضرار غير المباشرة، فيما تثبت الدراسات أنها بحدود 4 مليارات دولار. يضيف، “إن تكلفة الأضرار جراء الحرب تتراوح ما بين 8 و10 مليارات دولار، ولا تشمل أضرار المؤسسات الصناعية والتجارية، أما تكلفة أضرار البنى التحتية فتقدر بحوالى مليار دولار.

وعن الوحدات السكنية المتضررة يقول شمس الدين، عددها 317 ألفاً، 51 ألفاً متضررة بالكامل بينها 9 آلاف في الضاحية الجنوبية، و1500 في البقاع، و22 ألفاً في منطقة الشريط الحدودي.

صعوبة إعادة ترميم هيكلية “الحزب”

أمام هذه الأرقام المرتفعة جداً، وتجفيف كل مصادر تمويل “الحزب” غير الشرعية، والتي وضعته أمام أسوأ ضائقة مالية، وجد “الحزب” نفسه في مأزق كبير، فبات محرجاً أمام بيئته، لعدم قدرته على التعويض بعد الوعود التي أطلقها الأمين العام لـ “الحزب” الشيخ نعيم قاسم في وقت سابق عن استعداده لعملية إعادة إعمار واسعة، وتشديده على أن البيوت والمصالح التي تهدمت ستعود أجمل مما كانت.

هذه العوامل دفعت بالشيخ قاسم إلى التراجع عن وعوده ورمي كرة إعادة الإعمار في ملعب الدولة اللبنانية، وحمّلها مسؤولية هذا الملف مؤكداً أن لبنان لا يمكن أن يُعمّر إلا بتعاون جميع الأطراف.

مصادر مطلعة أكدت لـ “نداء الوطن”، أن تحميل “الحزب” للدولة مسؤولية إعادة الإعمار، يظهر حجم الضائقة المالية التي يعانيها، والاستنسابية في عودته إلى الدولة متى تقتضي مصالحه. يضيف المصدر، من حق الدولة أن ترفض التكفل بإعادة الإعمار، لأن “الحزب” صادر قرارها في الحرب والسلم، وورطها بحرب تسببت في حصول هذا الدمار الهائل، فيما كان لبنان يعاني من تبعات أسوأ أزمة اقتصادية، وعلى “الحزب” التعويض وحتى إيران أيضاً، التي وعدت أكثر من مرة بالمساعدة شرط أن تكون مساعداتها من خلال الدولة اللبنانية وإذا سمحت القوانين الدولية بذلك في ظل العقوبات المفروضة عليها.

وفي هذا السياق وعلى مشارف نهاية شهر شباط، لفتت مصادر لـ نداء الوطن” إلى أن جميع المدرجين على لوائح الرواتب في “حزب الله” لم يتقاضوا رواتبهم حتى الساعة. ورجحت المصادر تفاقم الأزمة أكثر في خلال الشهرين المقبلين.

كما يعتبر المصدر أن “الحزب” وفي خلال السنوات الماضية كان يعتمد بشكل أساسي على المال لضبط قواعده وتركيبته بالإضافة إلى عوامل “فائض القوة” التي استند إليها لتسيير شؤونه، الأمر الذي حلّ بشكل رئيسي مكان الاعتبارات الأخرى الدينية منها والإيديولوجية.

من هنا يؤكد المصدر أنه من الصعب إعادة ترميم هيكلية “حزب الله” من دون قدرات مالية كبيرة. وعليه فإن الإيديولوجيا اليوم لا يمكنها أن تحل مكان المال وعناصر السلطة والقوة. وانطلاقا من الواقع الجديد الذي يمرّ به “حزب الله” فإن الترجيحات تميل إلى ازدياد النقمة داخل بيئته خاصة بعد غياب كل الآفاق المرتبطة بإعادة الإعمار أو حتى التعويضات المرحلية التي لم يلتزم “حزب الله” بها بالكامل حتى الساعة.


المنشورات ذات الصلة