كتبت بولا مراد:
لم يكن يوم حزنٍ خالص، بل كان يوم عهد، يوم تأكيد أن المسيرة مستمرة، وأن الراية التي حملها الشهيدان لن تسقط، بل ستتلقفها أيدٍ لا ترتجف، وستحملها قلوبٌ لا تعرف الخوف. في زحمة المشيعين، كان كل رجلٍ مقاتلًا بالقلب أو بالسلاح، وكان كل صوتٍ صدى لوعدٍ لن ينكسر: أن الدم الذي روى الأرض لن يذهب هباءً، وأن هذا الزحف العظيم ليس إلا البداية، لأن الشعوب التي تودّع قادتها بهذا المجد، لا تعرف الانكسار.
بالأمس، كتب التاريخ صفحة جديدة، ليس بالحبر، بل بدماء الشهادة، وبجموعٍ قالت للعالم بأسره إن القادة لا يرحلون، بل يتحوّلون إلى دربٍ لا ينتهي، ومسيرة لا تنكسر، ونبضٍ حيّ في قلوب الأوفياء، حتى التحرير والنصر.
هذا وفي تشييع تاريخي وجماهيري ضخم، ودّع لبنان والعالم أمس الاحد الامينين العامين السابقين لحزب الله الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. الا ان «اسرائيل» أبت الا تعكير التشييع بقصفها بعشرات الغارات مناطق في الجنوب والبقاع ، فيما آثرت الاستعراض بطائراتها الحربية وعلى علو منخفض جدا فوق المدينة الرياضية، حيث كان يُقام التشييع، اثناء ترداد المشيعين عبارة «الموت لاسرائيل».
وشارك في التشييع الذي كان على قدر كبير من التنظيم، حشود ضخمة من مختلف المناطق، إلى جانب وفود رسمية وشعبية من لبنان وخارجه.
وفيما وُوري جثمان الشهيد نصرالله الثرى في ضريح أقيم خصيصا له على طريق المطار، من المتوقع ان يتحول محجا لمحبيه في كل اطياف العالم، وسيوارى الشهيد صفي الدين الثرى اليوم الاثنين في بلدته دير قانون النهر الجنوبية.
المقاومة قوية ومُستمرّة
وخلال المراسم، ألقى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خطابا اعتبر فيه أن «الحشد الجماهيري هو تعبير عن وفاء قلّ نظيره في تاريخ لبنان»، مؤكداً أن «معركة إسناد غزة هي جزء من الإيمان بتحرير فلسطين». وقال:»واجهنا الكيان «الإسرائيلي» والطاغوت الأكبر أميركا، التي حشدت كل إمكاناتها لمواجهة محور المقاومة، ولكننا أثبتنا صمودنا». وأضاف: «المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدة، وشعبنا صامد، والآن دخلنا في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وأساليبها».
وأوضح الشيخ قاسم أن حزب الله وافق على طلب العدو وقف إطلاق النار «من منطلقات استراتيجية»، مضيفًا: «التزمنا بالاتفاق، لكن «إسرائيل» لم تلتزم، وهنا تبدأ مسؤولية الدولة اللبنانية بعد انتهاء مهلة الاتفاق لانسحاب العدو».
واذ أكد أن «المقاومة مستمرة، قوية بحضورها وجهوزيتها، وهي حق لن يستطيع أحد سلبه»، شدد على «وجوب أن تنسحب «إسرائيل» من جميع المناطق التي لا تزال تحتلها». وقال: «اتخذنا خطوة واضحة، وهي أن تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها، وسنتصرف وفقاً للظروف، نطلق النار متى نرى مناسباً، ونصبر متى نرى مناسباً».
وتوجه الشيخ قاسم للعدو قائلا: «موتوا بغيظكم، المقاومة باقية وقوية ومستمرة».
اما للأسرى في سجون الاحتلال، فقال: «لن نترككم عند العدو، وسنبذل كل الجهود للإفراج عنكم».
اي رسالة من التشييع؟
وعلّق مصدر في «الثنائي الشيعي» على المشهد يوم أمس، واصفا اياه بـ «التاريخي»، معتبرا ان «مشاركة اكثر من مليون شخص بالتشييع دون تسجيل اشكال واحد، ودون اطلاق رصاصة، يؤكد كيف ان حزب الله لا يزال يضبط جمهوره وفي اعلى درجات القيادة، بعكس كل ما اشيع وتردد في الآونة الاخيرة».
وشدد المصدر لـ «الديار» على ان «اهم رسالة يفترض على اعداء لبنان قراءتها، هو ان جمهور المقاومة لا يزال خلفها ، وخيار المقاومة خيار لا تغتاله الصواريخ»، لافتا الى ان «كل من يفكر بأن حزب الله انتهى ويعمل لتحجيمه سياسيا، عليه ان يعيد حساباته».
واعتبر المصدر ان «المواقف التي اطلقها الشيخ نعيم قاسم يجب التوقف عندها ايضا، وبخاصة اشارته الى وقوف حزب الله خلف الدولة بموضوع تحرير النقاط التي لا تزال محتلة في الداخل اللبناني، كما التأكيد في الوقت نفسه ان اليد ستبقى على الزناد، وستطلق النار متى ارتأت قيادة المقاومة ذلك مناسبا».