عاجل:

عودة الدبابات إلى جنين: العدو يمهّد لاحتلال الضفة (الأخبار)

  • ٢٢

في مشهد غاب عن شوارع الضفة الغربية لأكثر من 20 عاماً، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي بدبابات "ميركافا" إلى مدينة جنين. وإذا كانت إسرائيل تضع ما تقدّم في إطار توسيع العمليات العسكرية في شمال الضفة، فإن خطوتها تحمل الكثير من الرسائل السياسية، والتي تخدم الهدف الرئيسي لعملية "السور الحديدي": ضمّ الضفة. وكان وزير أمن العدو، يسرائيل كاتس، أعلن توسيع العمليات بالتوازي مع الدفع بـ"الميركافا"، فيما باشر جيش الاحتلال، أمس، عملياته في بلدة قباطية، حيث جرّف الشوارع والبنى التحتية، وشرع في تعزيز قواته بوحدات مدرّعة وعناصر إضافيين.

ومع تعمُّق العدوان شمالي الضفة، تبرز الأهداف السياسية التي تدفع به، ولعلّ أهمّها تهجير سكان المخيّمات، والقضاء على هذه الأخيرة وشطب كينونتها الجغرافية والديموغرافية والسياسية، وفق ما اتّضح خصوصاً من تصريحات كاتس نفسه الذي تفاخر بتهجير 40 ألف فلسطيني من مخيّمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين. ويعني القضاء على المخيّمات، بالنسبة إلى إسرائيل، القضاء على حقّ العودة، وتعطيل عمل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" داخل هذه المخيّمات، فضلاً عن أن بقاء قوات الاحتلال حتى نهاية العام الجاري، وفق ما يخطّط له كاتس، يهدف إلى منع السكان من العودة إلى المخيمات عبر جعْلها غير صالحة للحياة، وإعلان احتلال تلك المناطق بشكل كامل، وهو الأمر الذي يقوّض السلطة الفلسطينية الضعيفة أصلاً، والتي يَظهر أنها لم تَعُد قادرة على فعل شيء.

على أن إعلان كاتس احتلال مخيّمات الضفة، وما كشفته بعض المصادر العبرية عن إقامة معسكرات أو نقاط عسكرية دائمة فيها، لن يقتصر على مخيمات شمال الضفة، في ظلّ تأكيد وزير أمن العدو أن العملية ستتواصل لتشمل مخيمات ومراكز فلسطينية أخرى، ضمن استراتيجية تهدف إلى تفكيك فصائل المقاومة وتدمير بنيتها العسكرية. ويبدو أن إسرائيل تسعى من خلال عدوانها المستمرّ إلى خلق واقع جديد من دون مخيّمات، خصوصاً أن كاتس أكّد أن "لا عودة إلى الوضع السابق"، وأن العمليات العسكرية ستستمرّ حتى "القضاء التامّ على الإرهاب"، في إشارة إلى استمرار سياسة التهجير وتكريس الوجود العسكري الإسرائيلي في شمال الضفة.

ويأتي ذلك في وقت بدأ فيه جيش الاحتلال توسيع عمليته العسكرية في البلدات والقرى في جنين، بصورة مشابهة لِما جرى في المخيم، حيث انطلقت أعمال تجريف وتدمير في عدة قرى منها قباطية واليامون، توازياً مع بدء قوات من لواء "ناحال" ووحدة "دوفدوفان" وفصيلة دبابات العمل على الأرض. وعمدت هذه الأخيرة إلى تدمير منطقة مثلث الشهداء والشارع الرئيسي بين جنين ونابلس، إضافة إلى هدم المقاهي في المنطقة وجدار مقبرة الشهداء العراقيين. وقالت اللجنة الإعلامية في مخيم جنين، أمس، إن العدوان الإسرائيلي دخل يومه الـ35 على التوالي، ما أدى إلى استشهاد 27 فلسطينياً أحدهم برصاص أجهزة السلطة، وإصابة أكثر من 50 آخرين، وتهجير آلاف المواطنين قسراً، في حين يعمل الاحتلال على تغيير معالم مخيم جنين وإسقاط صفة المخيم عنه، بتدمير ممنهج طاول أكثر من 483 منزلاً فيه بشكل كلّي أو جزئي. وأضافت اللجنة أن العدوان على جنين ليس لهدف أمني فقط، بل هو جزء من حرب الإبادة بحقّ الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته، في مسعى إلى تهجيره من أرضه.

والتصعيد العسكري في شمال الضفة، والذي جاء بضغط وطلب من القيادة السياسية الإسرائيلية على الجيش، يندرج في إطار مشروع الضم، والذي لا تكترث معه الحكومة الحالية لتحذيرات المؤسسة الأمنية في شأن تداعيات ما قد يحدث في الضفة، ولا تقيم وزناً لِما قد يصيب السلطة الفلسطينية من تداعيات قد تؤثّر على مكانتها وقوتها وحتى وجودها، فضلاً عن كونها تدير ظهرها للمجتمع الدولي في الوقت الذي تحصل فيه على الضوء الأخضر الأميركي. وبالتالي، فإن الحكومة تجد نفسها أمام فرصة ذهبية نادراً ما تتكرّر لتصفية القضية الفلسطينية، بما فيها قضية اللاجئين و"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" والمخيمات، من أجل "ضم الضفة الغربية ومواصلة التطهير العرقي" وإقامة احتلال طويل الأمد.

ويشكّل تغيير الوضع القائم في الضفة، وإعلان احتلالها، جوهر التصريحات الإسرائيلية، والتي لا تتعامل معها السلطة الفلسطينية حتى الآن على محمل الجدّ. لكن ذلك قد يسبّب انفجاراً شاملاً، وهو ما حذّر منه المحلّل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي، حين قال إن العملية العسكرية ضدّ الفلسطينيين في الضفة قد تؤدي إلى انتفاضة ثالثة، وتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف المقاومة. ووفقاً لبن يشاي، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن "سياسة التهجير والعقاب الجماعي لسكان مخيمات اللاجئين قد ترتدّ على إسرائيل بضرر كبير وتكبّدها ثمناً باهظاً محلياً ودولياً"، معتبراً أن إعلان كاتس عدم السماح لـ40 ألفاً من سكان مخيمات اللاجئين في جنين ونور شمس بالعودة إلى بيوتهم لمدّة سنة "قد يدفع الكثير من الشباب إلى التجنيد في صفوف الإرهاب". وأضاف أن "سياسة نتنياهو وكاتس هي محاولة لإرضاء المستوطنين، ولتنفيذ خطّة الإخضاع التي وضعها سموتريتش"، لكنها قد "تضرّ بشرعية إسرائيل عالمياً، وتمنع دخول العمّال وتضعف السلطة الفلسطينية في 3 مستويات اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وفي شرعيتها أمام الفلسطينيين".

من جهتها، خصّصت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها للتصعيد في الضفة الغربية، معتبرة أن ذلك يُعدّ "نوعاً من التعويض لليمين المتطرّف عن حزنه وخيبة أمله" في شأن اتفاق غزة. وأضافت: "كما هي العادة، بدلاً من حلّ المشكلة الجذرية للصراع، أثبتت إسرائيل مرّة أخرى أنها لا تفهم إلّا القوّة ولا تستطيع إلّا التفكير القصير المدى". وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي الذي يهدم المنازل في مخيمات اللاجئين لتوسيع الطرق "قرّر أن يجعل الوضع أكثر صعوبة". وأضافت: "بعد 23 عاماً من عملية السور الواقي في الضفة، لا تزال إسرائيل في الوضع المزري نفسه، في ظلّ غياب الحلّ السياسي". وسألت: "ما الذي قد يؤدي إليه المزيد من العنف والعقاب الجماعي وإساءة معاملة المدنيين والعمل العسكري سوى حلقة مفرغة من العنف وسفك الدماء والإدانات العالمية لإسرائيل؟".


المنشورات ذات الصلة