عاجل:

إذا انفجر برميل البارود في الضفة فلن يتضرر الفلسطينيون وحدهم فقط بل الجماهير الإسرائيلية أيضاً (هآرتس)

  • ٥

في 21 كانون الثاني/يناير، بدأت عملية "السور الحديدي" في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس في الضفة الغربية. وأكد وزير الدفاع الشكوك في أن ما يجري ليس عبارة عن عمليات محدودة ضد التنظيمات "الإرهابية" هناك، بل هو تنفيذ لخطة اليمين المتطرف بشأن تهجير سكان المخيمات لفترة طويلة من الوقت. يحتفل اليمين المتطرف وممثلوه في الكنيست، فالوزير بتسلئيل سموتريتش نجح في اجتياز نسبة الحسم في استطلاعات الرأي، ويدّعي وزير الدفاع والجيش أن هذه هي طريقة الدفاع عن الإسرائيليين في وجه "الإرهاب الإسلامي".

وفي ضوء عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وضعف منظومة القانون والنظام الدوليَّين، وحتى قبل ذلك، لا يبدو أنه توجد في هذه المرحلة أطراف دولية قادرة على وضع كوابح لسلوك الحكومة الإسرائيلية، حتى على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، لا توجد عناصر مهمة في المعارضة تهمها حقوق الإنسان ومصير المدنيين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم في ظل عمليات الجيش في المخيمات، أو في أماكن أُخرى في الضفة، بسبب المجازر والهجمات الإرهابية للناشطين من اليمين الإسرائيلي.

تتصرف إسرائيل بصورة عشوائية، ليس فقط ضد السكان الفلسطينيين. ويتوهم اليمين المتطرف أن ما فعلته إسرائيل في غزة وفي الجنوب اللبناني، يمكن أن تفعله في الضفة الغربية، هذه الأوهام تتجاهل حقيقة أن في داخل برميل البارود، الذي يحاولون تفجيره، يعيش أيضاً نصف مليون مواطن إسرائيلي في 147 مستوطنة رسمية و236 بؤرة ومزرعة معزولة، من دون الحديث عن القدس الشرقية (استناداً إلى أرقام حركة "السلام الآن"). هذا الانتشار الكبير للمستوطنات والبؤر الاستيطانية في كل أنحاء الضفة يؤذي السكان الفلسطينيين بشدة، لكنه أيضاً يضرّ بالقدرة على الدفاع الناجع عن سكان هذه المستوطنات.

لم ينجح الشاباك والجيش الإسرائيلي في إحباط كل الهجمات "الإرهابية". يوم الخميس الماضي، انفجرت عبوات في 3 باصات في مدن تقع في وسط البلد، ضمن إطار ما يبدو كأنه محاولة لهجوم متعدد الساحات. الضفة الغربية طافحة بالسلاح بصورة لم نشهد مثيلاً لها، لذا، فإن انفجار برميل البارود سيؤدي إلى عمليات "إرهابية" لا نهاية لها في الضفة، وفي داخل إسرائيل، ومن المتوقع أن يواجه الجيش الإسرائيلي والشاباك صعوبة بالغة في التصدي لها.

خلال الانتفاضة الثانية، لم يتم إحباط العديد من الهجمات "الإرهابية" التي أدت إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الإسرائيليين. يومها، كان يعيش في الضفة الغربية "فقط" نحو 228 ألف إسرائيلي في 120 مستوطنة رسمية و90 بؤرة استيطانية. والهجوم الأكثر إثارةً للصدمة كان مقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة الذين خرجوا في نزهة بالقرب من منازلهم في تكواع [أيار/مايو 2001].

منذ ذلك الحين، دأبت الحكومات الإسرائيلية وأغلبية الجمهور الإسرائيلي على تجاهُل تحذيرات ناشطي حقوق الإنسان الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين في الضفة. ورأينا كيف تجاهلت حكومة نتنياهو والمناصرون لها التحذيرات المتكررة من أن أهداف الحرب في غزة متناقضة، وأنه من غير الممكن إعادة كل المخطوفين الذين لا يزالون في قيد الحياة، وفي الوقت عينه، محاربة "حماس" حرباً لا هوادة فيها. اليوم أيضاً، تبدو أهداف الحرب في الضفة متعارضة. لا يمكن تفجير برميل البارود هناك والتسبب ببدء انتفاضة جديدة ستكون أوسع وأكثر تسلّحاً من سابقاتها، وفي الوقت عينه، تقليص الضرر الذي سيلحق بحياة الإسرائيليين الذين يسكنون هناك، وبمجتمعهم، وخارج هذا المجتمع أيضاً، في داخل إسرائيل. ومن المتوقع أن يحدث العكس تماماً.

بدلاً من أن نكذب على الجمهور الإسرائيلي، يجب أن نقول له الحقيقة: إذا فجّرتم برميل البارود في الضفة، لن يتضرر الفلسطينيون وحدهم فقط، بل جماهير المواطنين الإسرائيليين أيضاً. وسيمرّ وقت طويل، وسيسقط العديد من الضحايا، إلى أن تخمد نيران البرميل، بانتظار الانفجار المقبل.

ومثلما حدث في المرات السابقة، فإن تفجير برميل البارود لن يؤدي إلى أيّ حل حقيقي، بل سيوسّع دائرة الضحايا والانتقام وسفك الدماء من الجانبين

المنشورات ذات الصلة