عاجل:

وقف نار كردي كفيل بتغيير موازين القوى في سوريا وتحدي إسرائيل (هآرتس)

  • ٢٦


الإعلان التاريخي لزعيم حزب العمال الكردي (بي.كي.كي) عبد الله اوجلان في يوم الخميس، الذي دعا فيه الحزب الى القاء السلاح والسعي الى عقد سلام مع تركيا، يمكن أن يؤدي الى تغيير جذري في ميزان القوى في سوريا؛ التأثير على المكانة الإقليمية لتركيا؛ الدفع قدما بسحب القوات الامريكية من سوريا؛ تحدي استمرار تواجد إسرائيل في مناطق في جنوب سوريا.

هذه ليست المرة الأولى التي يستجيب فيها اوجلان لمبادرة تركية للبدء في مفاوضات وتحريك عملية مصالحة تاريخية مع الحركة الانفصالية – التي تعتبر في تركيا منظمة إرهابية. ولكن اذا في 2013، بعد حوالي اربع سنوات من المفاوضات شبه السرية، اقترح اوجلان وقف النار ودعا رجاله الى الانسحاب من تركيا والانتقال الى العراق، في هذه المرة الحديث يدور عن خطوة ابعد بكثير: التنظيم دعي ليس فقط لالقاء السلاح بل أيضا لحل نفسه. 

القرار الذي أعلنت عنه أمس قيادة التنظيم، التي مقرها في جبال قنديل في العراق، تبني بيان اوجلان (حتى الآن بشكل جزئي) والاعلان عن وقف فوري لاطلاق النار، حتى الآن لا يدل على استعدادها لحل الاطار التنظيمي الذي يعمل منذ أربعة عقود، أو نزع سلاحه. مع ذلك، الحديث يدور عن خطوة أولى حيوية قبل البدء في المفاوضات السياسية المليئة بالعقبات المتفجرة، التي من المبكر حتى الآن القول اذا كانت ستتوج بالنجاح. المصلحة الحيوية للجانين، الاكراد والحكومة التركية برئاسة طيب رجب اردوغان، وضع حد للنزاع الذي منذ الثمانينيات أدى الى موت اكثر من 40 ألف شخص، توجد منذ سنوات. ولكن يبدو أن التطورات الإقليمية منذ 7 أكتوبر، التي كانت ذروتها سقوط نظام الأسد وإقامة نظام جديد في سوريا برئاسة احمد الشرع، اوجدت اطار سياسي جديد اعطى الحاحية واولوية لتسوية بين تركيا والاكراد وزيادة احتمالات نجاحه.

تركيا، التي حولت نفسها بسرعة الى دولة رعاية لسوريا بعد سقوط نظام الأسد، تطمح الى أن تكون اكثر من مجرد شريكة رئيسية في مشروع إعادة الاعمار الضخم لهذه الدولة التي تدمرت في الـ 14 سنة من الحرب الاهلية. اردوغان يرى في جارته في الجنوب جزء لا يتجزأ من أدوات نفوذه الاستراتيجية الإقليمية، بعد انسحاب ايران منها، وروسيا من مكانة متدنية تحاول الحفاظ فيها على الأقل على قاعدتين، في حميميم وطرطوس. ولكن جني المكاسب السياسية والعسكرية في سوريا يلزم تركيا بمساعدة الشرع على إقامة دولة موحدة مع جيش وطني واحد يستبدل عشرات المليشيات التي ما زالت تعمل فيها.

من خلال خليط المليشيات هذا هناك قوتان عسكريتان اساسيتان تهددان عملية الانصهار العسكري والسياسي: في شمال الدولة هناك القوات الكردية السورية التي تنتظم في اطار “قوات سوريا الديمقراطية” (اس.دي.اف) وهي الجسم العسكري الذي يتكون بالأساس من الاكراد، لكن أيضا يوجد عرب وسريان وأرمن فيه، هذا الجسم اقامته الولايات المتحدة من اجل محاربة داعش، ومن “وحدات الدفاع الشعبي” الكردية. في جنوب الدولة هناك القوات الدرزية التي نجحت في الحفاظ على درجة من الاستقلال الذاتي وصد سيطرة جيش الأسد على منطقة السويداء ومحيطها.

هذان الاساسان القويان توجد لهما طلبات يصعب تحقيقها، حيث كل واحد يطالب بحقوق حكم ذاتي، ثقافي وسياسي، بصورة يمكن أن تحول سوريا الى دولة كانتونات. حتى اذا تطورت هذه الى دولة فيدرالية فانها ستنتقص من صلاحيات الحكم المطلقة التي يطمح اليها الشرع. في هاتين المنطقتين تسيطر أيضا قوات اجنبية: في الشمال تركيا احتلت مناطق في المحافظات الكردية على طول الحدود مع سوريا، وفي الجنوب سيطرت إسرائيل على عدة مناطق، وهي تعتبر “دولة حماية” للدروز. 

تركيا، التي تقف الى جانب سوريا مع دول عربية مثل السعودية في دعوتها لتحرير سوريا من الاحتلال الإسرائيلي، يجب عليها هي نفسها أن تسحب قواتها من سوريا كي تستطيع استكمال الشراكة الاستراتيجية مع النظام الجديد في سوريا، وكي لا تبقى تعتبر دولة محتلة. في نفس الوقت احباط كل إمكانية لاقامة حكم ذاتي للاكراد يمكن أن يواصل الكفاح المسلح ضدها. وتنفيذ هذه الخطة الرئيسية سيلزم الرئيس السوري بدمج القوات الكردية في الجيش السوري، ومنح المحافظات الكردية درجة معينة من الاستقلال الذاتي الثقافي، لكن بدون أن تتحول الى كانتون منفصل. حتى الآن القوات الكردية أعلنت أنها مستعدة للاندماج في الجيش السوري، لكن ليس كافراد بل كمجموعة منظمة. ولكن الشرع يعارض ذلك خوفا من إقامة جيش للاكراد داخل الجيش الوطني. بناء على ذلك، طالما أنه لم يتم إيجاد حل لقضية القوة الكردية فان تركيا لا تنوي سحب قواتها. 

الادعاء الرئيسي الذي تستند اليه تركيا في سيطرتها في شمال سوريا ومحاربتها للاكراد في سوريا، يقول أن القوات الكردية السورية هي جزء لا يتجزأ من الـ بي.كي.كي، وهكذا هم يشكلون جسم إرهابي يهدد أمنها الوطني. السؤال المطروح الآن هو كيف سيؤثر وقف اطلاق النار الذي اعلن عنه حزب العمال الكردستاني وعملية المصالحة اذا تطورت، على استمرار القتال بين تركيا وبين القوات الكردية السورية.

زعيم القوات الكردية في سوريا، مظلوم عابدي، سارع الى الإعلان بأنه لا توجد اي صلة بين تصريحات اوجلان وقرار الـ بي.كي.كي وبين سلوك قواته، وأن قرارات الـ بي.كي.كي غير ملزمة له. ولكن التواجد العسكري والاقتصادي للقوات الكردية في سوريا يعتمد على الدعم الأمريكي وتواجد 2000 جندي ومدرب امريكي في شمال سوريا.

بالنسبة للقوات الكردية فان الولايات المتحدة يحكمها حاليا الرئيس ترامب الذي سعى بالفعل في 2019 الى سحب قواته من سوريا، وهي الخطوة التي لم تتحقق بسبب ضغط الكونغرس والمجتمع الدولي. الآن حيث الكونغرس الى جانبه وعلاقاته مع “المجتمع الدولي”، أي دول أوروبا، تبدو مثل منافسة للي الاذرع والبصق في الوجه، فان سوريا والتزام الولايات المتحدة بالاكراد لن تحتل صدارة أولويات البيت الأبيض. ترامب يمكنه الآن أيضا أن يقتنع بأن صديقه اردوغان يمكنه استبدال الاكراد بحرب ضد داعش، وهكذا ينهي قضية التدخل الأمريكي في سوريا.

نتيجة لذلك يمكن أن الاكراد يجدون انفسهم في مواجهة عسكرية امام تركيا وسوريا، بدون دعم عسكري من الولايات المتحدة، في حين أنه في نفس الوقت تركيا تجري عملية مصالحة مع حزب العمال الكردي، الذي يمكن لاحقا أن ينزع سلاحه. حسب هذا السيناريو الذي تدفع به قدما تركيا فانه لن يبقى للاكراد في سوريا أي هامش مناورة، سياسي أو عسكري، وسيضطرون الى الموافقة على املاء الشرع، أي املاء اردوغان، الموافقة على سيطرة النظام السوري على كل المحافظات الكردية، الامر الذي سيمكن أيضا من انسحاب تركيا من سوريا. عندها ستقف إسرائيل أيضا في وضع جديد تكون فيه القوة المحتلة الأجنبية الوحيدة في سوريا وستضطر الى أن تواجه ليس فقط الضغط التركي والسوري، بل أيضا ستقف امام الإدارة الامريكية التي يمكن أن تعطي اردوغان إمكانية أن يكون صاحب البيت “من قبلها” في سوريا.

في نهاية الأسبوع نشرت وكالة “رويترز” بأن إسرائيل تحاول اقناع الإدارة الامريكية بالعمل على إبقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا من اجل اضعاف النظام السوري، وكذلك تخفيف نفوذ تركيا في سوريا، الذي تعتبره إسرائيل تهديد لأمنها. التقدير هو أنه في القريب، أيضا المجال الجوي السوري الذي كان مفتوح امام إسرائيل بالتنسيق مع روسيا، سيتم اغلاقه اذا حلت تركيا مكان روسيا كقوة الدفاع الجوي للنظام الجديد.

هذه الخطوات ترتبط بدرجة كبيرة بالاتجاه الذي سيسير فيه ترامب، وبوزن أدوات تأثير اردوغان في واشنطن. هذه يمكنها أن تحصل على افضلية زائدة اذا نجحت تركيا في تحقيق مصالحة مع الاكراد، التي يمكن أن تعطيها أيضا نقاط افضلية في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. هذه ساحة لعب جديدة تسعى فيها إسرائيل الى تحقيق إنجازات تكتيكية، في حين أن تركيا تنوي تحقيق نتائج استراتيجية بعيدة المدى

المنشورات ذات الصلة