تتّجه الأنظار اليوم إلى الرياض التي يزورها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه وتشكيل الحكومة ونيلها الثقة النيابية، على أن ينتقل منها إلى القاهرة مترئساً وفد لبنان إلى القمة العربية الطارئة التي يفترض أن يكون للبنان نصيب من الاهتمام فيها، لدعمه في عملية النهوض، بعدما اكتمل عقد مؤسساته الدستورية، وكذلك دعمه في جهوده الديبلوماسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لما تبقّى من أراضٍ احتلتها إسرائيل خلال عدوانها الاخير، ووضع حدّ لخرقها اليومي والمتمادي لوقف إطلاق النار وللقرار الدولي 1701.
وقالت مصادر مواكبة للزيارة الرئاسية لـ»الجمهورية»، انّ عون سيشكر في مستهل المحادثات القيادة السعودية على دعمها للبنان ومبادراتها التي أدّت إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتشكيل الحكومة، ثم يتركز البحث على تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وستتخلل المحادثات خلوة بين عون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يُتوقع أن تتناول توجّهات لبنان وثوابته للخروج من الأزمة في ضوء مضامين خطاب القَسَم الرئاسي والبيان الوزاري للحكومة، وما يمكن للسعودية أن تقدّمه من دعم في هذا المجال. على ان تكون لرئيس الجمهورية زيارة ثانية قريباً للرياض، يشارك فيها رئيس الحكومة نواف سلام ووفد وزاري موسع، ويتمّ خلالها توقيع 22 اتفاقية بين البلدين كانت أُعدّت سابقاً للتوقيع، فيما ينكّب الوزراء المعنيون على درسها الآن لإدخال تعديلات عليها، تأخذ في الاعتبار التطورات الحاصلة، وهي تشمل مختلف مجالات التعاون بين البلدين.
شريك في الحلول
وفي المواقف، قال أمس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في عظته الأحد من بكركي: «لقد سُرّ المجتمع اللبنانيّ بحصول حكومة نوّاف سلام الثقة بخمسة وتسعين صوتًا، وهي صورة ثقة اللبنانيّين والدول، بالإضافة إلى ثقتهم بشخص رئيس الجمهوريّة جوزاف عون. وها هما أمام واجب تثمير هذه الثقة بالإصلاحات، وإعادة الإعمار، والنهوض الإقتصاديّ، وترميم المؤسّسات العامّة من الداخل، وقيام الدولة ومؤسّساتها، وإجراء المصالحة بين اللبنانيّين على أساس الإنتماء إلى وطن واحد، والمساواة بينهم جميعًا، بحيث يكون «لبنان وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه» كما تنصّ المادّة الأولى (أ) من مقدّمة الدستور، على أن يكون ولاء جميع اللبنانيّين لهذا الوطن الواحد. وبعد ذلك السير نحو إعلان الحياد الإيجابيّ بجميع مفاهيمه».
وأشار إلى «أنّ الحياد لا يعني الإستقالة من «الجامعة العربيّة»، ومن «منظّمة المؤتمر الإسلاميّ»، ومن «منظّمة الأمم المتّحدة»، بل يعدل دور لبنان ويفعّله في كلّ هذه المؤسّسات وفي سواها، ويجعله شريكًا في إيجاد الحلول عوض أن يبقى ضحيّة الخلافات والنزاعات»...
جنبلاط والمكائد
في غضون ذلك، عَقدَ الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، مؤتمراً صحافياً بعد ظهر أمس في كليمنصو، في حضور رئيس الحزب النائب تيمور جنبلاط، تحدث فيه عن التطورات الجارية وعن التحضيرات لإحياء الذكرى 48 لاستشهاد كمال جنبلاط. وقال: «صبرنا، وصمدنا، وانتصرنا. بعد 48 عاماً سقط النظام السوري وتحرّر الشعب، وعادت الحرّية إلى سوريا بفضل الشعب السوري، وبفضل أحمد الشرع والفصائل السياسية المتعددة والمتنوعة»، مضيفاً: «نريد لـ16 آذار 2025 ذكرى كبيرة شعبية، ولن تكون هناك دعوات رسمية، ونريد العلم اللبناني وحده». وأضاف: «الذي يريد أن يأتي من المسؤولين والأحزاب أهلاً وسهلاً به، ولن نوجّه أيّ دعوة، وسيكون هناك علم واحد هو العلم اللبناني. لا أريد أعلاماً حزبية أو غير حزبية. انتماؤنا المختارة للبنان، وانتماؤنا العريض للعروبة».
وتطرّق إلى الوضع السوري فقال: «على أحرار سوريا أن يحذروا من المكائد الإسرائيلية. وعلى الأحرار في جبل العرب، أحفاد سلطان باشا، إذا كانت قلة قليلة مأجورة من هنا أو هناك تريد جرّ سوريا إلى فوضى، فلا أعتقد أنّ الذين وحّدوا سوريا من أيام سلطان باشا ورفاقه من جميع المناطق السورية، سيستجيبون لدعوة نتنياهو للتخريب لعزل العرب الأحرار عن كل المحيط العربي والإسلامي، ولجعلهم فقط حراس حدود».
وقال جنبلاط: «سأزور دمشق مجددًا لأقول للجميع إنّ الشام هي عاصمة سوريا، وطلبتُ موعداً للقاء الشرع».
وعن موضوع الجنوب، أكّد أنّ «هناك احتلالاً في الجنوب، ونعوّل على جهود الرئيس جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، والرئيس نبيه بري والجميع، في الاتصالات الديبلوماسية مع الدول الكبرى. لكن هناك احتلالاً ومخالفة واضحة في القرارات الدولية من 1701 إلى اتفاق الطائف». محذّراً من أنّ «هناك مشروع تخريبٍ للأمن القومي العربي في سوريا وغزة والضفة الغربية. وعلى العرب في المؤتمر الذي سيجري في القاهرة أن ينتبهوا لأنّهم لن يكونوا بمنأى عن التخريب والتقسيم».وقال: «تريد إسرائيل أن تستخدم الطوائف والمذاهب لمصلحتها، وتريد تفكيك المنطقة. هذا مشروع قديم جديد، ومررنا عليه في لبنان في مرحلة معينة، وفشل في لبنان بالرغم من الخسائر الفادحة التي مُني بها لبنان. لكن اليوم تعود إسرائيل لتتمدّد، ومشروعها التوراتي ليس له حدود، من الضفة الغربية من السامرة، من يهودا إلى بلاد كنعان. اقرأوا تورات العهد القديم، والتفاسير المتعددة التي لا حدود لها. هي تريد تحقيق إسرائيل الكبرى، وهذه هي مسؤولية القادة العرب قبل فوات الأوان».
وأشار إلى أنّ «إعادة الإعمار مرتبطة بالإصلاح، والبرنامج الذي وضعه نواف سلام مقبول، وأهمّ بند هو ودائع صغار ومتوسطي المودعين، وذلك من جملة بنود أخرى مثل الكهرباء والاتصالات».
وعمّا إذا كانت المساعدات مشروطة بتطبيق القرار 1701، قال جنبلاط: «القرار 1701 تعدّله الولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل. أمّا موضوع الإصلاحات فهو أمرٌ داخلي». واضاف: «سنبقى كما كنا مع الرئيس بري والقوى الوطنية، ومع سليمان فرنجية (الجد) ورشيد كرامي، كنا وسنبقى ضدّ الصلح مع إسرائيل إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية ويكون الحل للّاجئين الذين هربوا من فلسطين المحتلة عام 1948».
خطوات بالغة الخطورة
وشرحت مصادر سياسية مواكبة لـ«الجمهورية» خلفيات الموقف الذي أطلقه جنبلاط، وقالت إنّ الرجل استشعر حقيقة الاتجاه الذي يسلكه الوضع في جنوب لبنان وجنوب سوريا، حيث تبدو الأمور في صدد المزيد من التعقيد والصدمات.
فمن الواضح، تقول المصادر، أنّ حكومة بنيامين نتنياهو على وشك تنفيذ خطوات بالغة الخطورة في الجنوب السوري، مستغلة بعض الحساسيات الطائفية هناك، وتحديداً الوضع الدرزي، وهي أوعزت رسمياً إلى الجيش الإسرائيلي ليكون في وضعية التأهّب للتدخّل وضرب أهداف تابعة للحكم في سوريا، إذا نفّذ هذا الحكم إجراءات إنتقامية ضدّ أبناء الطائفة الدرزية في بلدة جرمانا، في ريف دمشق، على خلفية الحادث الذي حصل هناك قبل أيام.
فما يخشاه جنبلاط هو أن تستغل إسرائيل حال التوتر في الجنوب السوري، وتتذرّع بحماية الأقلية الدرزية لتنفيذ مخططات التقسيم في سوريا. وهذا الأمر لا يصبّ إطلاقاً في مصلحة الدروز في سوريا، كما ينعكس على واقع الطائفة في لبنان. وهذا أيضاً ما دفع جنبلاط إلى ترتيب زيارة ثانية للرئيس السوري أحمد الشرع، في وقت لاحق، استكمالاً للزيارة الأولى، ولتأمين أوسع حماية ممكنة لأبناء الطائفة في البلدين، وتجنيبهم مخططات قد يكلّفهم التورط فيها أثماناً باهظة.
حاضنة سعودية
ومن جهته، رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» طلال أرسلان حذّر من «التمادي الإسرائيلي وخطورته بالتمدّد داخل الأراضي السورية واحتلاله والتوغل في الشؤون الداخلية للسوريين». وقال: «من منطلق المسؤولية التاريخية والمستقبلية، أناشد السعودية بالتدخّل السريع مع المعنيين في دمشق لوضع حدّ للتجاوزات التي حصلت وقد تحصل في أي وقت بصيغ وأسباب مختلفة». ولفت إلى انّ «الدروز، كما غيرهم من الطوائف والمذاهب والأعراق، بمن فيهم إخواننا السنّة، بحاجة إلى حاضنة عربية مخلصة تبدّد مخاوفهم، ولا نرى أهم وأحق وأولى من السعودية لتقوم بهذا الدور لحماية سوريا وشعبها من الشرذمة والانقسامات والفتن».
وأضاف: «على الإدارة السورية الجديدة أن تعي مخاطر المرحلة، وهذا يتطلّب وضوحًا وشفافية في مقاربة المشكلات الداخلية السورية، والابتعاد عن الإبهام في الأجوبة والتفسير والمواقف. وبكل صراحة أقول، لن تحمى سوريا من الداخل إلّا باعتماد الدولة المدنية التي يتساوى فيها كل الشعب السوري في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية».
السياسات الضامنة
ودعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، إلى «تكوين سياسات وطنية تحفظ هذا البلد المطوق بالمخالب الخارجية»، وإلى «الإنحياز للبنان ولا حياد بالمصالح الوطنية. وهذه حقيقة دولية وإقليمية ولسنا في المريخ، والمواقف المعلنة للنهوض بالبلد مهمة لكّنها لا تفي بواقع النهوض الوطني إلّا عبر سياسات ضامنة على الأرض، وتاريخ لبنان معقّد». وقال: «المطلوب من الحكومة تأكيد واقع لبنان كقوة كيانية راشدة، والإصلاح ضرورة بالقياس الوطني لا الطائفي والسياسي، والواقع الدولي والإقليمي ليس جمعيةً خيرية». معتبراً انّ «المطلوب أن نكون سياديين بوجهتنا وقرارنا الوطني ومصالحنا اللبنانية الميثاقية، وحماية المؤسسة العسكرية وتأكيد دورها الضامن ضرورة ماسّة بعالم مصالح لبنان، والإلتزامات الخارجية يجب أن تأخذ هذه الحقيقة في الإعتبار». ودعا العرب إلى «ملاقاة لبنان كجزء من المصالح المشتركة بعيداً عن دوّامة اللوائح والمشاريع الدولية التي تمرّ ببلاد العرب».
«حزب الله» والخروقات
وعلى صعيد الخروقات الإسرائيلية لوقف النار، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات وهمية فوق النبطية، اقليم التفاح، الريحان، بنت جبيل، ومرجعيون. فيما أطلق الجيش الإسرائيلي النار في محيط مجموعة من المواطنين كانوا يقفون مقابل دشمة اسرائيلية على طريق عديسة كفركلا. في وقت عملت جرافة إسرائيلية على التجريف في محاذاة الجدار الحدودي مع كفركلا. وأفيد عن استهداف أطراف كفرشوبا بقصف مدفعي.
ولاحظ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، أنّه «إلى الآن لم تتمكن الدولة من خلال مؤسساتها أن تعالج أياً من القضايا المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على بلدنا وهي الاحتلال والاعتداءات المستمرة والأسرى، والدولة تقول إنّها ستعالجها، فلتتفضّل وتعالجها وسنكون معها وإلى جانبها، وعندما تُنجز سنقول إنّ الدولة استطاعت أن تُنجز، لكن بعد مرور كل هذه الفترة لم تنجز شيئاً».
وبدوره عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عزّ الدين قال: «طالما هناك مقاوم ينبض قلبه فلبنان لن يكون إسرائيليًّا ولن يكون مطبّعًا ولن يرفع راية الإستسلام». ولفت إلى »أنّ مجيء رئيس الحكومة إلى الجنوب رسالته كانت كما قالوا إنّها التزام من هذه الحكومة لقضايا الجنوب، وهذا موضع شكر لرئيس الحكومة». وأضاف: «نالت هذه الحكومة الثقة على أساس برنامجها الذي قدّمته للمجلس النيابي ومن أولوياته تحرير العمل بكافة الإجراءات التي توصل إلى تحرير ما تبقّى من أرضنا، والأمر الآخر إعادة البناء والإعمار الذي دمّره العدو. وهذه الحكومة معنية بتبيان كيف ستتعامل مع بقاء هذا العدو في مجموعة من النقاط الإستراتيجية».