عاجل:

لبنان عاد إلى العرب وينتظر عودتهم... بن سلمان: مرحلة جديدة في لبنان الشقيق (الجمهورية)

  • ٣٠

يفترض أنّ زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للسعودية ومن ثم حضوره القمة العربية الطارئة في القاهرة قد أعادا لبنان إلى العرب وأعاد العرب إليه، وقد عكس ذلك حفاوة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعون، وتفاعل الملوك والرؤساء العرب مع كلمته أمام القمة خصوصاً من حيث تأكيده عروبة لبنان ودفاعه عن القضية الفلسطينية وتشديده على انّ لا سلام من دون تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ومن دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، ودعوته العرب للعودة إلى لبنان الذي عاد إليهم بعد انتظام مؤسساته الدستورية.

وقد رحّب ولي العهد السعودي بدعوة وجّهها عون إليه لزيارة لبنان، وقال عبر منصة «إكس» عقب المحادثات بينهما: «مرحلة جديدة في لبنان الشقيق عنوانها النماء والازدهار والاستقرار بإذن الله».

اعتبرت اوساط سياسية أنّ اهم ما أنجزته زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للسعودية ومشاركته في القمة العربية في القاهرة هو انّهما أعادتا دمج لبنان بمحيطه العربي وتظهير حضوره على أعلى مستوى رسمي ممثلاً برئيس الجمهورية بعد فترة طويلة من الشغور الرئاسي ومن التجاذب الحاد حول موقع لبنان الإقليمي وخياراته.

وقالت هذه الأوساط لـ«الجمهورية»، انّ خطاب عون أمام القمة العربية كان لافتاً في نمط مقاربته للتجارب التي مرّ فيها لبنان وللتحدّيات التي تواجهه، معتبرة انّه حمل نَفَساً جديداً يعكس الثوابت الاستراتيجية لرئيس الجمهورية، سواء على صعيد الواقع اللبناني او على صعيد القضايا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

وأكّدت الأوساط نفسها، انّ خطاب عون كان متوازناً، وربما ستجد فيه القوى الداخلية أجزاء ترضيها وأخرى لا ترضيها، وهذا مؤشر إلى انّه أتى في سياق بعيد من أي اصطفافات. ولفتت إلى انّ عون استخرج عبر كلمته عصارة الاختبارات الصعبة التي خاضها لبنان خلال مراحل مختلفة للبناء عليها والاتعاظ منها، مشدّدة على ضرورة أن يستفيد اللبنانيون من دروس تلك الاختبارات ويتعلموا منها لتفادي تكرارها.

التوازن

وإلى ذلك، توقف مصدر نيابي عند التوازن الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية في غير مناسبة، بين حق لبنان في استعادة كل أرضه التي يحتلها الإسرائيليون اليوم وإعمار القرى المهدّمة وحصرية بسط سلطة الدولة. وقال المصدر لـ«الجمهورية» إنّ التحدّي الذي تواجهه السلطة الجديدة الممثلة برئيس الجمهورية والحكومة يكمن في القدرة على ترتيب الأولويات داخل هذا المثلث. واضاف: «إنّ مفتاح الحلول هو تأمين انسحاب إسرائيل الكامل. ومن دونه، لا يمكن الكلام على إعادة الإعمار. كما أنّ اللبنانيين سيجدون أنفسهم أمام مأزق تخلّي المقاومة عن سلاحها، ما دام الاحتلال قائماً، وما دامت الحرب على لبنان مستمرة، يومياً، وفي أشكال مختلفة».

وأبدى المصدر خشيته من «صدمة قد تتعرّض لها الحكومة الجديدة وتؤدي إلى إصابتها بالشلل قبل أن تنطلق في المهمات التي رسمتها في بيانها الوزاري، إذا لم تنجح الجهود اللبنانية الرسمية والوساطات في إقناع الولايات المتحدة بممارسة الضغوط على إسرائيل لتأمين انسحابها الكامل. ولعلّ عودة لبنان إلى الحضن العربي توفّر له تغطية يحتاجها لتدعيم موقفه، لكن هذه التغطية قد لا تكون كافية لدفع إسرائيل إلى الانسحاب».

عون أمام القمة

وكان الرئيس عون قال في كلمته امام القمة: «علّمتني حروبُ الآخرينَ في لبنانَ، أنّ البُعدَ العربيَّ لقضيّةِ فلسطينَ، يَفرضُ أن نكونَ كلُّنا أقوياءَ، لتكونَ فلسطينُ قويّةً. فحينَ تُحتلُّ بيروتُ، أو تُدمَّرُ دمشقُ، أو تُهدَّدُ عمّانُ، أو تَئِنُّ بغدادُ، أو تَسقُطُ صنعاءُ... يستحيلُ لأيٍّ كانَ أن يَدَّعيَ، أنّ هذا لِنُصرةِ فلسطينَ. أن تكونَ بلدانُنا العربيّةُ قويّةً، باستقرارِها وازدهارِها، بسَلامِها وانفتاحِها، بتطوّرِها ونموِّها، برسالتِها النموذجيّة... إنّه الطّريقُ الأفضلُ لنُصرةِ فلسطينَ.

فكما أنّ سيادةَ لبنانَ الكاملةَ والثّابتةَ، تَتحصَّنُ بالتّعافي الكاملِ في سوريا، كما بالاستقلالِ النّاجزِ في فلسطينَ، الأمرُ نفسُه بالنّسبةِ إلى كلِّ دولةٍ من دُوَلِنا، في علاقاتِها وتفاعلِها مع كلِّ جارٍ عربيٍّ، ومع كلِّ منطقتِنا العربيّةِ. فأيُّ اعتلالٍ لِجارٍ عربيٍّ، هو اعتلالٌ لكلِّ جيرانِه، والعكسُ صحيحٌ». وأضاف: «في بَلدي، تمامًا كما في فلسطينَ، ما زالت هناك أرضٌ مُحتلّةٌ مِن قِبَلِ إسرائيلَ. وما زال هناك عُدوانٌ يَوميٌّ تَرتكبُه. وما زال هناك أبرياءُ مِن شَعبي يَسقُطونَ كلَّ يومٍ، بينَ شَهادةٍ وجِراحٍ، بينَ دَمارٍ ودِماءٍ ودُموعٍ. أَنحني أمامَ عذاباتِهم، وأرفعُ رأسي أنّني مِن بِلادِهم. فلا سلامَ مِن دونِ تحريرِ آخرِ شِبرٍ مِن حُدودِ أرضِنا، المُعتَرَفِ بها دُوليًّا، والمُوثَّقةِ والمُثبَتةِ والمُرسَّمةِ أُمَمِيًّا. ولا سلامَ مِن دونِ دولةِ فلسطينَ. ولا سلامَ مِن دونِ استِعادةِ الحُقوقِ المَشروعةِ والكامِلةِ للفلسطينيّينَ. وهو ما تَعَهَّدنا به كدُوَلٍ عربيّةٍ، مُنذ مُبادرةِ بيروتَ للسّلامِ سنةَ 2002، حتّى إعلانِ الرّياضِ في تشرينَ الثّاني الماضي. هذا ليس موقفاً عقائدياً ولا اصطفافاً سياسياً، هذا توصيف لواقع حياتي يعرفه ويعيشه في وجدانه ويومياته كل إنسان في لبناننا ومجتمعاتنا».

واشار عون إلى انّ «لبنان عانى كثيراً لكنه تعلّم من معاناته، تعلّم أن لا يكون مستباحاً لحروب الآخرين، والاّ يكون مقراً ولا ممراً لسياسات النفوذ الخارجية، ولا مستقراً لاحتلالات او وصايات او هيمنات، والّا يسمح لبعضه بالاستقواء بالخارج ضدّ أبناء وطنه، حتى لو كان هذا الخارج صديقاً او شقيقاً، والّا يسمح لبعضه الآخر باستعداء صديق او شقيق، او إيذائه فعلاً او حتى قولاً. تعلّم لبنان انّ مصالحه الوجودية هي مع محيطه العربي، وانّ مصالحه الحياتية هي مع العالم الحرّ كله، انّ دوره في منطقته ان يكون وطن لقاء لا ساحة نزاع، وانّ علّة وجوده هي في صياغة الحرّية وصياغة الحداثة وصناعة الفرح، فرح الحياة الحرّة الكريمة السيدة المزدهرة اللامعة المنفتحة على كل ما هو جمال وحق وخير وعدل وقيم إنسانية جامعة حية».

لبنان والبيان

وشدّدت القمة العربية الطارئة في بيانها الختامي حول لبنان على «ضرورة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بجميع بنوده والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701، وإدانة الخروقات الإسرائيلية لهما، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان إلى الحدود المعترف بها دولياً، وبتسليم الأسرى المعتقلين في الحرب الأخيرة والعودة إلى الالتزام بمندرجات اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل لعام 1949، والوقوف مع الجمهورية اللبنانية وأمنها واستقرارها وسيادتها».

لقاءات

وكان عون اختتم لقاءاته واجتماعاته على هامش القمة العربية غير العادية بلقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حضور وزير الخارجية يوسف رجي ونظيره المصري بدر عبد العاطي وأعضاء الوفدين اللبناني والمصري. وقد شكر عون للسيسي المساهمة المصرية في إنجاح الجهود التي بُذلت لملء الفراغ الرئاسي، من خلال مشاركة مصر في اللجنة الخماسية. وتحدث عن العلاقات اللبنانية - المصرية وسبل تفعيلها في جميع المجالات، لافتاً إلى أنّه سيُلبّي لاحقًا الدعوة التي وجّهها إليه السيسي لزيارة مصر.

وعرض عون للأوضاع في لبنان عمومًا، وفي الجنوب خصوصًا، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس المتاخمة للحدود، مؤكّدًا ضرورة العمل على إنهائه في أسرع وقت، وإعادة الأسرى الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال الحرب الأخيرة. كما لفت إلى استمرار الاتصالات من أجل تنفيذ إسرائيل للاتفاق الأخير في 27 تشرين الثاني الماضي.

وأشاد السيسي بكلمة عون في القمة ووصفها بأنّها معبّرة وشاملة. كما أشار إلى أنّ مصر تعمل مع عدد من الدول المعنية لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي من كامل الجنوب اللبناني. ونوّه بالجهود التي يبذلها عون في إطار عملية النهوض في لبنان، قائلًا له: «ابنِ لبنان، ونحن معك، وستجد مصر إلى جانبك». وقد دعاه عون لزيارة لبنان، فشكره السيسي ووعد بتلبيتها في الوقت المناسب.

الشرع ورؤساء وأمراء

والتقى عون الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث تناولا عددًا من المسائل العالقة، وتمّ الاتفاق على التنسيق عبر لجان مشتركة تُشكَّل بعد تأليف الحكومة السورية الجديدة. كما تمّ التأكيد على ضرورة ضبط الحدود بين البلدين لمنع كل أنواع التجاوزات.

والتقى عون ايضاً امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي اكّد استعداد بلاده «مواصلة تقديم الدعم للجيش اللبناني، والمساعدة في دعم مشاريع حيوية كتطوير قطاع الكهرباء». ثم تبادلا الدعوات الرسمية لزيارة البلدين.

والتقى عون ملك الاردن عبدالله الثاني وشكره على الدعم الذي تقدّمه الاردن للجيش اللبناني، وأكّد الملك أنّ «دفعة جديدة من الآليات العسكرية سترسل إلى لبنان لدعم الجيش».

وكان لعون ايضاً لقاء مع نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد الذي دعاه إلى زيارة العراق، مؤكّداً انّ بلاده تولي أهمية للوضع في لبنان وتتطلّع إلى مواصلة آفاق التعاون في مختلف المجالات، مشدّداً على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين التي «تعود إلى فجر التاريخ». فيما ثمّن عون «وقوف العراق الدائم الى جانب لبنان في مختلف الظروف على صعد متنوعة من سياسية وإقتصادية ونفطية وإنسانية».

لبنان والسعودية

وكانت المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية أصدرتا بياناً مشتركاً في ختام المحادثات بين عون وبن سلمان هذا نصه: «بدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وانطلاقًا من العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية، وتعزيزًا للعلاقات الثنائية بينهما، قام فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السيد جوزاف عون بزيارة رسمية بتاريخ 3 رمضان 1446هـ الموافق 3 مارس 2025م.

استقبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السيد جوزاف عون، في قصر اليمامة بالرياض، ونقل سموه إلى فخامته تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتمنياته لفخامته موفور الصحة والعافية، وللجمهورية اللبنانية وشعبها الشقيق المزيد من التقدّم والرقي، وطلب فخامته من سمو ولي العهد نقل تحياته وأصدق تمنياته إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بدوام الصحة والعافية، وللشعب السعودي الشقيق النماء والرخاء. وعقدا جلسة مباحثات رسمية، استعرضا خلالها العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين، وسبل تطويرها في المجالات كافة، وأنّ لبنان عضو أصيل في المنظومة العربية، وأنّ علاقاته العربية هي الضمانة لأمنه واستقراره. وتمّ تبادل وجهات النظر حول مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، وأكّد الجانبان أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا الهامة على الساحتين الإقليمية والدولية.

واتفق الجانبان على البدء بدراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والإجراءات اللازمة للسماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى الجمهورية اللبنانية. وأكّد الجانبان أهمية تطبيق ما جاء في خطاب القَسَم الرئاسي الذي ألقاه فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السيد جوزاف عون بعد انتخابه وأعلن فيه رؤيته للبنان واستقراره، ومضامين البيان الوزاري. كما أكّدا أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، والتأكيد على الدور الوطني للجيش اللبناني، وأهمية دعمه، وضرورة انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية.

واتفق الجانبان على ضرورة تعافي الاقتصاد اللبناني وتجاوزه لأزمته الحالية، والبدء في الإصلاحات المطلوبة دوليًا وفق مبادئ الشفافية وتطبيق القوانين الملزمة.

وفي ختام الزيارة، أعرب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السيد جوزاف عون عن شكره وتقديره لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على ما لقيه فخامته والوفد المرافق من حسن الاستقبال وكرم الضيافة. وأعرب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عن أطيب تمنياته بالصحة والعافية لفخامة الرئيس جوزاف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، وبمزيد من التقدّم والرقي للشعب اللبناني الشقيق.

وقد وجّه فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السيد جوزاف عون، دعوة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لزيارة بلده الثاني لبنان، من جانبه أعرب سموه عن تقديره لهذه الدعوة والترحيب بها».


المنشورات ذات الصلة