عاجل:

لبنان والمخدرات: قانون متراخٍ وجرائم متزايدة (نداء الوطن)

  • ٢٩

كتب طوني كرم:

تُعَدُّ مسألة تعاطي المخدرات في لبنان من القضايا القانونية الشائكة التي تتداخل مع قضايا جنائية أخرى، ما يتيح في بعض الأحيان للمتهمين فرصة الإفلات من العقاب أو التخفيف من حدة العقوبات المفروضة عليهم، قبل أن تتحول الثغرات القانونية إلى وسيلةٍ تمكن بعض المتعاطين من استخدام الإدمان كذريعة لارتكاب جرائم جسيمة.

يفرّق القانون اللبناني بين تعاطي المخدرات والإتجار بها، حيث تُعامل قضايا التعاطي غالباً على أنها قضايا صحية تستدعي العلاج بدلاً من العقاب. ورغم أهمية هذه المقاربة الإنسانية، إلا أنها قد تُستغل في بعض الحالات، ما يتيح للمتهمين، على غرار ما يحدث في العديد من جرائم القتل والسرقة المنظمة والعنف الأسري التي وقعت منذ بداية العام في لبنان، الادعاء بأنهم متعاطون فقط للتهرّب من المساءلة وتجنب الأحكام المشددة.

إساءة استخدام القانون في لبنان متشعبة. في السابق، ولأسباب كيدية، كان الطالب الجامعي أو المراهق غير المدعوم سياسياً يتعرض للتنكيل والسجن وإذلال عائلته بمجرد ضبطه وهو يدخن سيجارة «حشيشة». في المقابل، كان مروجو المخدرات بكافة أشكالها وأنواعها يحظون بحماية قوى الأمر الواقع آنذاك، وأعوانهم من عناصر وضباط الأمن. ويكشف أحد المطلعين عن تنسيق كان دائماً قائماً بين بعض عناصر وضباط القوى الأمنية والعسكرية مع تجار المخدرات، بحيث يتم إبلاغهم عن أي تحرك لمداهمة منازلهم ومصانعهم.

لقد دفع التشدد مع الحالات الفردية، والتراخي مع التجار، المشرّع اللبناني والمسؤولين إلى منح المتعاطين فرصة الخضوع للعلاج بدلاً من العقوبة السجنية. ومع ذلك، أصبح التعاطي في لبنان سهلاً ومن دون ضوابط، ولا يوجد تشدّد يذكر بشأن إلزام المتعاطين بالخضوع للعلاج. وفي معظم الحالات، تقتصر العقوبة إذا تم ضبطهم على دفع غرامة مالية صغيرة وغير رادعة.

تكمن الخطورة في مقاربة التساهل في تعاطي المخدرات، في انها  تتجاوز الأذى الشخصي والذاتي للمتعاطي، لتتحول إلى خطر على المجتمع، خصوصاً مع طفرة جرائم القتل الباردة. ورغم أن القانون يفرض عقوبات مشددة على جرائم القتل، إلا أن الربط بين التعاطي والجرائم الجسيمة يتيح للمتهمين فرصة الادعاء بأن جريمتهم كانت نتيجة حالة موقتة من فقدان الوعي والسيطرة تحت تأثير المخدرات. ويصعب في غالبية الحالات تحديد ما إذا كان الجاني مدركاً لفعله أم لا، ما يجعل من الصعب تجنب استغلال هذه الثغرة لتخفيف العقوبة والتنصل من الجريمة.

وللحد من هذه الجرائم، تكشف جهات حقوقية لـ»نداء الوطن» عن الحاجة إلى تشديد العقوبات على الجرائم المرتكبة تحت تأثير المخدرات، وفرض رقابة على المتعاطين لضمان تلقيهم العلاج المطلوب، وعدم استغلال مؤسسات العلاج كملاذ للإفلات من العقاب. وتوضح هذه الجهات أن السلطة السياسية والقضائية تتعمد التراخي في تطبيق القوانين، ما يشجع الجرائم المرتكبة بحجة فقدان السيطرة والإدراك.

وفقاً للقانون، تتشدد العقوبة إذا ثبت أن التعاطي كان جماعياً أو في أماكن عامة، أو قرب المدارس والمعاهد التعليمية. وتشير المادة 127 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية إلى معاقبة المتعاطي بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية. ويرى المعنيون أن تطبيق العقوبات المشددة من شأنه أن يشكل رادعاً إضافياً للحد من الجرائم الشنيعة التي ترتكب تحت تأثير المخدرات، لكن هذا التشدد يخالف  النهج المتبع في لبنان، حيث يُركن إلى المواد التخفيفية من القانون، التي تخوّل المحكمة استبدال عقوبة السجن بعلاج إلزامي في مركز تأهيل، من دون ضوابط حقيقية أو متابعة فعالة لضمان الالتزام بالعلاج حتى التعافي. ثم هناك المادة 235 من قانون العقوبات التي «تعفي من العقوبة من كان حين اقتراف الفعل، بسبب طارئ أو قوة قاهرة، في حالة تسمم ناتجة عن الكحول أو المخدرات أفقدته الوعي أو الإرادة».

في المحصلة، وتجنباً لاستسهال جرائم القتل الباردة، ينبغي على المسؤولين التحرك استناداً إلى النصوص القانونية التي توازن بين الردع والعلاج، وإحباط أي محاولة لاستغلال الثغرات القانونية والتنصل من المسؤولية الجنائية. في الوقت ذاته، يستمر  الحديث عن الحاجة إلى الإسراع في إطلاق الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، مع القلق من أن يستغل تجار الكبتاغون تشريع زراعة الحشيشة لترويج حبوبهم القاتلة في لبنان بعد إغلاق موانئ التهريب أمامهم.

هل ستتحرك الحكومة وتضع حداً لتفشي تعاطي المخدرات والحبوب القاتلة، وتتشدّد في تطبيق القوانين واستباق الجرائم الدامية؟ أم أن التراخي سيبقى سيد الموقف، ويتفشى ترويج الممنوعات أكثر، ومعها الجرائم السهلة في لبنان؟


المنشورات ذات الصلة