عاجل:

لبنان المتوثّب للنهوض كأنه “بلاد ما بين نارين” (الرأي الكويتية)

  • ٤٠

مرة جديدة يجد لبنان نفسه وكأنه «بلاد ما بين النارين»، واحدةٌ لم تنطفئ بالكامل في الجنوب والبقاع وتُبْقيها إسرائيل مستعرةً على طريقة «الحرب الموْضعية» متفيئةً تفسيرَها لاتفاق 27 تشرين الثاني، وثانية يُخشى أن تتمدّد إليه ارتداداتها من سوريا التي تبدو على حافة الوقوع في شِباك فوضى تتعاظم المخاوف من أن تتأجّج في ضوء تَقاطُع مصالح «أضداد» عليها.

فمن اندفاعة النار ليل الجمعة جنوباً مع 26 غارة متسلسلةٍ شملتْ مناطق في القطاع الغربي والشرقي والأوسط وصولاً إلى الزهراني وجزين ولم يسبق أن حصلتْ دفعةً واحدةً (في غضون نحو نصف ساعة) منذ اتفاق 27 تشرين الثاني، إلى هبّة الأحداث الدامية في الساحل السوري وما رافقها من بدء نزوحٍ في اتجاه عكار (شمال لبنان) وقلقٍ من تداعياتٍ متعددة البُعد لها على الواقع اللبناني، بدا هذان المساران المشتعلان الأكثر حضوراً في المشهد الداخلي الذي كان مشدوداً قبْلها إلى ملفاتٍ أساسية في سياق إكمال نصاب انطلاقة عهد الرئيس جوزف عون على قواعد جديدة يعاينها الخارج عن كثب، وأبرزها التعيينات الأمنية والعسكرية.

وفي الوقت الذي وضعتْ إسرائيل غاراتها الواسعة النطاق جنوباً والتي تسبّبت في مناطق عدة ولا سيما صور بتهافُت على محطات الوقود خشية انزلاق الأوضاع إلى ما هو أدهى، في إطار استهداف «مواقع عسكرية تابعة لحزب الله تم رصد داخلها وسائل قتالية ومنصات صاروخية» ما «يُعتبر تهديداً لدولة إسرائيل ويشكل خرقاً فاضحاً للتفاهمات مع لبنان»، فإنّ أوساطاً مطلعة أعربتْ عن مخاوف من المنحى الذي لم تَعُدْ معه تل أبيب تُخْفي إفراطاً في استفزاز لبنان، المكشوف واقعياً على تفوِّقها الذي حدّد معالم ونتائج الحرب الأخيرة مع «حزب الله» والذي لا يملك إلا الدبلوماسية لمحاولة ردع إسرائيل عن مزيد من الانتهاكاتِ (أكثرها نفوراً احتلال 5 تلال إستراتيجية وإقامة منقطة عازلة ضمن نطاقها) التي تربطها الأخيرة بنزع سلاح الحزب كهدفٍ نهائي لن تحيد عنه.

«قبر العباد»

وإذ جددت إسرائيل أمس، استهدافاتها المباشرة بغارة نفذّتها مسيّرة ضد سيارة على أطراف بلدة الجميجمة الجنوبية وسط أنباء عن سقوط شخص داخلها، فإن تطوراً خطيراً استوقف الأوساط وشكّله أول «رعاية» معلنة من الجيش الإسرائيلي لدخول مئاتٍ من يهود الحريديم يوم الجمعة إلى «قبر العباد» الواقع ضمن الأراضي اللبنانية عند أطراف بلدة حولا الحدودية تحت غطاء «زيارة دينية» منظّمة لزيارة قبر لـ «الحاخام آشي»، وقد قدّرت صحيفة معاريف عددهم بنحو 900.

وفي حين أعلن الجيشُ اللبناني «أن إدخالَ القواتِ المعادية مستوطنين لزيارة مقام ديني مزعوم في منطقة العباد – حولا يمثل انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية اللبنانية وهو أحد وجوه تَمادي العدو في خرق القوانين والقرارات الدولية والاتفاقات ذات الصلة، ولا سيما القرار 1701 واتفاق وقف النار»، فإنّ هذا التطور معطوفاً على «عاصفةِ الغارات» المتلاحقة قوبل بعلاماتِ استفهامٍ حول مدى ارتباط هذا التصعيد الإسرائيلي ليس فقط بمحاولةِ تكريس وقائع غير قابلة للعودة عنها، إلا بعد إنهاء وضعية حزب الله العسكرية وربما بلوغ اتفاق سلام مع لبنان، بل أيضاً باللحظة الحَرِجة التي تقف أمامها إيران في ضوء تخييرها من الرئيس دونالد ترامب بين «اتفاق سلامٍ» بشروطه أو الحل العسكري «وقد وصلنا إلى اللحظات الأخيرة» مع طهران.

وفيما تساءلتْ الأوساطُ نفسها هل تسعى تل أبيب بالتصعيد «السبّاق» في لبنان إلى ترسيمٍ بالنار لحدودِ أيّ انخراط محتمَل من «حزب الله» في إسنادِ إيران بحالِ اتجّهت الأمور إلى مواجهة عسكرية معها، فإنّها لم تقلّل من الأخطار المحدقة على الجبهة السورية التي وفي موازاة تشابُك المصالح والتعقيدات والتناقضات فيها بين أكثر من دولة (إسرائيل، روسيا، تركيا، إيران، الولايات المتحدة) فإنّ أحداث الساحل السوري تُنْذِر بتفاعلات على أكثر من مستوى في لبنان أبرزها:

– تحدي موجة النزوح الجديد الذي تجلى في تدفق العديد من العائلات السورية خصوصاً من الطائفة العلوية من مدن الساحل السوري عبر مجرى النهر الكبير في اتجاه عكار حيث تم إيواؤهم بشكل موقّت في بيوت العديد من أبناء بلدات وقرى السهل العكاري.

ونُقل عن رئيس بلدية تلبيرة العكارية، عبدالحميد سقر، استضافة أكثر من 150 عائلة سورية في البلدة، متحدّثاً عن «وضع مأسوي تعيشه هذه العائلات، التي وُزِّعت على مراكز في البلدة والمسجد والمنازل».

وقال إنّ «إحصاء يجري إعداده للعائلات التي نزحت ليل الجمعة وأماكن تواجدها في بلدات تلبيرة والريحانية والمسعودية وحكر الضاهري والسماقية والحيصة».

– تحدي ضبْط الحدود اللبنانية – السورية في الاتجاهين، بمعنى قطْع الطريق على أي توريط للبنان في محاولة فلول نظام بشار الأسد، وبدفْعٍ إيراني مرجَّح، استعادة نفوذٍ على أنقاض فوضى تتقاطع طهران مع تل أبيب على مصلحة فيها كل لحساباته، وذلك من خلال أي دخول للسلاح من «بلاد الأرز» (عبر حزب الله) إلى هذه الفلول، وفي الوقت نفسه التشدد في الحؤول دون أي تمدُّد لمجموعاتٍ سوريّة إلى بلدات لبنانية حدودية وما قد يستتبعه ذلك من مواجهات دموية ويشكّله من خطر على الأهالي.

المنشورات ذات الصلة