عاجل:

في مواجهة الجولاني وتركيا و"حماس" تحاول إسرائيل صوغ واقع جديد في سوريا (يديعوت أحرونوت)

  • ٣٠

كتب رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت":

"المجزرة" التي ارتكبها عناصر أبو محمد الجولاني في المدن العلوية في غرب سورية، تعزز وجهة النظر الإسرائيلية بأن المقصود نشوء تهديدات تتطلب من إسرائيل الاستعداد المسبق لمواجهة التطورات. ليس المقصود فقط تهديد الجهاديين الذين سيطروا على السلطة، ويحاولون الظهور بمظهر معتدل ومستقر، بل تُحول سورية إلى كيان سياسي هشّ، بما في ذلك وجود قواعد عسكرية للسلطنة العثمانية التي يحاول أردوغان إحياءها من جديد.

أحد التهديدات التي تتطور بسرعة الآن، وتُقلق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، هو تهديد "حماس" والجهاد الإسلامي، اللذين ربما يريدان العمل من سورية ضد المستوطنات الإسرائيلية على الحدود مع الجولان، وفي إصبع الجليل. من المعروف أنه في الأيام الأولى لسيطرة تنظيمات المتمردين التي توحدت ضمن إطار "هيئة تحرير الشام"، بزعامة أحمد الشرع (الجولاني)، أطلقت هذه التنظيمات عناصر رفيعة المستوى من "حماس" والجهاد الإسلامي كانوا معتقلين في السجون السورية.

وحالياً، بعد إطلاق سراحهم، بدأ هؤلاء "المخربون" من "حماس" والجهاد بالتخطيط لهجمات. هاجم سلاح الجو الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة عدداً من مخازن السلاح التي نجحت التنظيمات في إخفائها عن أعين النظام الجديد في سورية. في هذه الأثناء، لا يحاول "المخربون" الفلسطينيون التوجه نحو جنوبي منطقة دمشق، في اتجاه الحدود الإسرائيلية، لكنهم ينشطون ويخططون.

عنصر آخر هو سكان سورية من السّنة الذين يتأثرون، في أغلبيتهم، بـ"داعش"، ويتمركزون في مدينة درعا التي اندلعت منها الثورة السورية ضد نظام الأسد في دمشق. صحيح أن إسرائيل تُجري حواراً مع هذه الأطراف بواسطة سكان سوريين في الجولان، وهم استفادوا خلال الحرب الأهلية من مشروع "الجار الطيب" مع إسرائيل، لكن العناصر السّنية المتطرفة التابعة لـ"الغرفة الجنوبية للحرب" يرفضون الالتزام بالمحافظة على الجيرة الطيبة مع إسرائيل.

إلّا إن التهديدات لا تنتهي هنا. ليس سراً أن تركيا تنوي السيطرة على سورية، بواسطة النظام الجهادي السّني الذي تربطها به علاقة جيدة ووثيقة. ومن الصحيح أن "هيئة تحرير الشام" والجولاني ليسا خاضعَين لتركيا، ولا يأتمران بأوامرها، لكن نظراً إلى أن أنقرة هي القناة اللوجستية الوحيدة المفتوحة أمامهما حالياً، فهما مضطران إلى الإصغاء إلى أردوغان وعدم العمل ضد إرادته.

في هذه الأثناء، لا يبدو أن تركيا تريد السيطرة على سورية بشكل كامل، بل فقط تحويلها إلى دولة تابعة لها، سياسياً وعسكرياً، من خلال بناء جيش سوري جديد، وقواعد لها في شتى أنحاء سورية، بما في ذلك في الجنوب، على مسافة عدة كيلومترات من الأراضي الإسرائيلية. لا تريد إسرائيل وجود تركيا على حدودها في الجولان، ومن المؤكد أنها لا تريد وجود المجموعات الجهادية وعناصر القاعدة السابقين، ولا الأتراك.

حالياً، لا يسعى أردوغان للحصول على الفوائد التي يتطلع إليها من سورية، بل يريد السيطرة على الجيب الكردي المستقل الموجود في شمال شرق سورية، والذي يحول دون تحقيق ذلك الجنود الأميركيون الموجودون هناك، والذين يساعدون قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي تضمّ قوات من الأكراد، ومن عشائر عربية - سنّية تقاتل "داعش"، وهي تقوم بذلك بنجاح.

المشكلة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد إخراج جنوده من سورية، بحجة أن واشنطن غير معنية بالحرب. لقد حاول أن يفعل ذلك في ولايته الأولى، والآن، يفكر مرة أُخرى في إخراج الجنود الأميركيين الذين يساعدون الأكراد، ويدافعون عنهم في وجه تركيا. يتخوفون في إسرائيل من هذا الإمكان، ويسعون لإقناع ترامب بإبقاء الجنود الأميركيين في سورية، على الأقل، حتى استقرار الوضع، وكي لا يصبح الأكراد فريسة للأتراك الذين يخططون لغزو شرق نهر الفرات، حيث يوجد هؤلاء. نجحت إسرائيل في ذلك في الولاية الأولى لترامب، لكن نجاحها في الولاية الحالية غير مؤكد.

هناك طرف آخر يتخوف من سيطرة الأتراك، الروس الذين يريدون مواصلة الاحتفاظ بقاعدتهم الجوية في حميميم، الواقعة في جنوبي اللاذقية، المدينة العلوية، ومرفأ طرطوس، الواقع أيضاً في منطقة الساحل الغربي السوري. هذه القواعد مهمة لروسيا من أجل وجودها في حوض شرق المتوسط، وللمحافظة على تواصُلها مع مواقعها في أفريقيا.  لكن حالياً، هذه القواعد متوقفة عن العمل لأن سورية منعت روسيا من التحليق في مجالها الجوي، أو الملاحة في المياه الإقليمية بين الدولتين.

طبعاً، هناك قلق آخر هو أن تقوم تركيا بتسليح جيش الجهاديين التابع للجولاني وتدرّبه. وعلى الرغم من رغبة السعوديين الذين يعتقدون أنه من الأفضل أن يقوموا هم بذلك، وليس الأتراك، فإن إسرائيل تدّعي أنه في نهاية المطاف، يجب عدم التسرع في تقديم الدعم للجولاني ورجاله.

بالنسبة إلى الإسرائيليين، المسألة المركزية هي: هل أصبح أتباع الجولاني مستعدين فعلاً ليكونوا معتدلين، ويتخلّون عن نياتهم الجهادية، والتركيز على إعادة بناء سورية من جديد.

منظومة دفاعية من 3 مناطق


في مواجهة هذه التهديدات، تنوي إسرائيل صوغ واقع جديد في المنطقة المتاخمة للحدود في جنوبي دمشق. لقد سبق أن أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أن إسرائيل لن تقبل دخول مسلحين من النظام الجديد في دمشق إلى الجنوب، وممنوع على الجهاديين السّنة من الجنوب السوري التجول بسلاحهم في منطقة الجولان السورية. هناك عدد كبير من المواقع التي تركها الجيش السوري السابق في هذه المناطق، وهي مليئة بالسلاح، ويمكن استخدامها بسهولة من طرف عناصر معادية لإسرائيل. وبالإضافة إلى التحذيرات التي أُرسلت، عبر قنوات مختلفة، مباشرةً إلى الحكم في دمشق، تسعى إسرائيل لخلق منظومة دفاعية في ثلاث مناطق، أو قطاعات جغرافية.

القطاع القريب من إسرائيل يشكل منطقة فاصلة، حسبما جرى تحديدها في اتفاقات الهدنة في سنة 1974، وتوجد فيها إسرائيل لفترة زمنية غير محدودة، بما في ذلك قمة جبل الشيخ السورية التي تسمح بمراقبة ما يجري في دمشق، وفي البقاع اللبناني أيضاً. يمتد هذا القطاع الفاصل على مساحة عدة كيلومترات، من قمة جبل الشيخ السوري، وصولاً إلى مثلث الحدود بين الأردن وسورية وإسرائيل في منطقة الحمة.

بالإضافة إلى المنطقة العازلة، حيث الوجود العسكري الإسرائيلي الدائم، هناك منطقة أمنية يوجد فيها العديد من القرى السورية. يدخل الجيش إلى هذه المنطقة بشكل محدود عندما يجد أن هناك حاجة عملانية، مثل منع تخزين السلاح في المخازن الموجودة في المكان، أو منع وجود مسلحين يهددون مستوطنات الحدود في إسرائيل. وهذا القطاع يسمح بالمراقبة وإطلاق النار من مسافات بعيدة.

فضلاً عن المنطقة الأمنية، هناك ما تسميه إسرائيل "منطقة نفوذ" على الحدود الشرقية، بالقرب من طريق دمشق السويداء (عاصمة الدروز في جبل الدروز). تبلغ مساحة هذه المنطقة نحو 65 كيلومتراً مربعاً، وتشمل كل المراكز السكانية الدرزية التي أصبحت، عملياً، تشكل حكماً ذاتياً، وتتطلع إسرائيل إلى المحافظة على هذا الوضع في المستقبل إلى أن تستقر سورية.

الراهن حتى الآن، أن إسرائيل تعتبر أن من واجبها حماية المنطقة الدرزية وسكانها من خلال الدفاع عنهم وتأمين حاجاتهم الأساسية بسبب التزاماتها حيال الطائفة الدرزية في إسرائيل. وكذلك تفكر إسرائيل في السماح لدروز السويداء بالعمل في إسرائيل وتأمين رزقهم، مثلما فعلت خلال فترة "الجدار الطيب" مع لبنان [الذي أقامته إسرائيل بدءاً من سنة 1975 وحتى أيار/مايو 2000، تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان].

عملياً، هذه المناطق الثلاث موجودة اليوم؛ لقد شُيدت المواقع في المنطقة الفاصلة، ويسيّر الجيش دوريات في المنطقة الأمنية، وفي منطقة النفوذ، هناك علاقات بدرجات مختلفة. لكن في سورية، كل شيء ممكن الآن، حتى إن الروس قلقون، ومؤخراً، شاركوا إسرائيل قلقهم بسبب المعارك الدائرة بين النظام والعلويين في غرب سورية.

تدور هذه المعارك على مسافة قريبة جداً من القواعد الروسية، ويحاول عدد كبير من العلويين الاحتماء بها. حالياً، ليس لدى إسرائيل أيّ نية للتدخل، سواء في المواجهات بين النظام السّني الجهادي في دمشق وبين العلويين من مؤيدي الأسد في منطقة الساحل، والتي وقعت على خلفية رغبة العلويين في التمرد على النظام الجديد في دمشق، تماماً مثلما تمرّد السنة على عائلة الأسد العلوية.

تراقب إسرائيل ما يحدث، وتتدخل بصورة أساسية من خلال سلاح الجو، ولا تخفي رغبتها في أن تصبح سورية فدرالية. لقد نُشر سابقاً أن الرئيس ترامب أثار في حديث مع رئيس الحكومة نتنياهو إمكان سيطرة إسرائيل على سورية. ليس لدى القدس نية للسيطرة على هذه الدولة، لكن دعم ترامب يسمح لكاتس ونتنياهو بأن يحاولا، على الأقل، صوغ واقع جديد منزوع السلاح في جنوبي دمشق، في المنطقة المتاخمة للحدود مع إسرائيل.

المنشورات ذات الصلة