كتب حيان درويش:
أطلق الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، أمس، شرارة العصيان المعلن ضد مخرجات عمل الحكومة المؤقتة المنتهية ولايتها. ومن خلال بيان وصفته مصادر من محافظة السويداء بـ«الناري»، أعلن الهجري رفضه لـ«الإعلان الدستوري» الذي وقّعه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الخميس الماضي، واصفاً إياه بـ«إعلان ديكتاتوري»، «يسلّم البلاد كلها لشخص واحد بصلاحيات مطلقة تؤسّس لسلطة استبدادية جديدة»، مؤكداً «(أننا) لن ننفّذ أي بند في أي دستور أو إعلان لا يتوافق مع إرادة الشعب وحقوقه».
وطالب الهجري بـ«تنظيم إعلان دستوري سليم أصولاً وقانوناً يؤسّس لنظام ديمقراطي تشاركي من جهات مختصة وطنية من خيرة الأبناء»، عبر تشكيل «لجان تشمل كل المحافظات»، بهدف «إعادة صياغة إعلان دستوري يأخذ بالخصوصية التاريخية والثقافية لكامل البلاد واحترام حقوق الإنسان، وضمان المشاركة الفعّالة للمواطنين في صنع القرار بدولة ديمقراطية موحّدة، تقوم على مبدأ فصل السلطات واستقلاليتها»، بالإضافة إلى «الحدّ من الصلاحيات الاستئثارية لمنصب الرئاسة»، معتبراً أنْ «لا مبرر» للإطالة في تنفيذ ذلك، و«بعدها يمكن لنا الخروج من الفوضى وتحقيق الاستقرار». أيضاً، طالب الهجري بـ«صلاحيات محلية إدارية أوسع للمحافظات السورية»، وهو المطلب الذي وضعه مراقبون في خانة التلميح إلى «إعلان دستوري يمهّد لإعلان فدرلة البلاد أو التأسيس لنظام اللامركزية الإدارية».
كما هاجم الهجري، في بيانه، مجموعة من ممارسات الحكومة الانتقالية، متوجّهاً إلى القائمين عليها، بالقول: «نشير إلى أنكم تتصرفون كمحتلين لا كإخوة وحماة، ما يوجب عدم إشراك الغرباء بجيشنا الوطني وقطاعات الشرطة ومفاصل الدولة»، مضيفاً أن «الشعب السوري واعٍ وصاحٍ وحر، ولا تنطلي عليه أي حيل من تجنيس وتغييرات ديموغرافية أو محاولات للتستر والتخفّي، ولا تغطية أي تصرف بدستور أو قانون أو قرار ملثّم».
وإذ انتقد «مؤتمر الحوار الوطني» وما خرج عنه من توصيات، فهو أدان المجازر الطائفية التي شهدتها حمص والساحل السوري، خاتماً بيانه بالتأكيد أن قبول تصرفات الحكومة الانتقالية أو الصمت عن الأخطاء وعدم تصحيحها كل ذلك هو «عيب علينا بين الأمم وإذلال لنا لا نقبله، وتدوير وتكرير لما ذاقه الشعب من استهانة بإرادته وسلطاته وخيراته، فالشعب يطلب نتائج عادلة حقيقية لانتصاره، لا أن يخرج من ويل إلى ويل، وإرادة الشعب لا تطيق الذلّ، ولا الإذلال».
ويأتي بيان الهجري بعد أن أثمرت «الحرب الباردة» التي شنّها على قوى السويداء التي انخرطت في محادثات مع الإدارة الجديدة؛ إذ شهد اجتماع عُقد أول أمس، في السويداء، حضره شيخ عقل طائفة الموحّدين في السويداء، يوسف الجربوع، تأكيداً من قِبل قائد فصيل «رجال الكرامة» يحيى الحجار، المُكنّى بـ«أبو حسن»، لكون «الخلاف في الرأي بين أبناء السويداء لا يعني الانقسام وأن وحدة السلاح والموقف ضرورة». وإذ أشار «أبو حسن» إلى أن «الشيخ حكمت الهجري مرجعية عليا»، وأن من «يرفض بناء دولة مستقلة ويرفض مشاريع التقسيم لا يمكن اعتباره خائناً»، في إشارة منه إلى أصل الخلاف مع الهجري، الذي أطلق تصريحات سلّطت الضوء على الانقسام داخل المكوّن الدرزي، تجاه مسألة التعامل مع دمشق.
وعلى الرغم من تشديد الحجار على «وحدة السلاح في مواجهة أي تهديد لمنطقة جبل العرب (محافظة السويداء) من أي طرف كان»، فهو أكّد، في الوقت نفسه، على أن العلاقة مع دمشق ضرورة، قائلاً إن «طريق الشام ضرورة ونحن لسنا قادرين على الاستغناء عنه في المسائل المجتمعية والاقتصادية»، الأمر الذي فُهم منه على أنه محاولة من قِبل الحجار، لتبيان وجهة نظره في مسألة الطروحات التي تُعنى بتقسيم سوريا إلى دويلات قائمة على أساس طائفي وعرقي، أو الفدرلة.
وفي السياق نفسه، أعلن فصيلا «ذئاب حمزة» و«فزعة شباب الثعلة»، في بيان، انشقاقهما عن تكتل «لواء الجبل»، ووضع هذان الفصيلان جميع قياداتهما وإمكاناتهما تحت تصرف الهجري، بما يراه «مناسباً» لصالح المحافظة، عازييْن سبب الانشقاق عن «لواء الجبل»، إلى قيام قائده، شكيب عزام، بـ«حرف مسار التكتل عن المسيرة التي أُسس لأجلها». وفيما يُعتبر هذا الانشقاق الأول من نوعه، إذ لم يسبق أن شهدت محافظة السويداء مثل هذا الأمر منذ أن تشكّلت فيها «الفصائل المحلية»، لـ«حمايتها» من التهديدات المحتملة منذ عام 2011، تبيّن مصادر مقرّبة من «لواء الجبل»، في حديثها إلى «الأخبار»، أن الانشقاق جاء نتيجة لقبول عزام، بمفهوم الاتفاق مع حكومة دمشق، تحت مظلة مجموعة من الفصائل والقيادات، وعلى رأسها الحجار، والقيادي المقرّب منه، سليمان عبد الباقي، وقائد فصيل «رجال شيخ الكرامة»، ليث بلعوس.
والجدير ذكره، هنا، أن الجناح الذي يمثّله الحجار، يميل إلى قطع أي علاقة للدروز مع إسرائيل، ممثّلين بالرئيس الروحي لطائفة الموحّدين في فلسطين المحتلة، موفق طريف، بشكل نهائي، وذلك بهدف «تجنب أي مسببات لاتهام الدروز بالخيانة أو محاولات الانفصال»، وهو ما يشكّل نقطة الخلاف الأساسية مع الهجري الذي لا يجد أي ضير في التعاون مع طريف، في سياق «حفظ الطائفة، وتحقيق مصالحها»، علماً أن التصريحات الإسرائيلية التي تركّز على «حماية الدروز»، ومن ثم توسّعت لتشمل أقلية الشركس، تذهب نحو الترويج لبناء علاقة مع المكوّنات السورية وخاصة الأقليات، بهدف ضمان وجود مستدام للجيش الإسرائيلي في الجنوب السوري ونزع فتيل العداء مع الكيان.
وفي ظل التوافقات الدرزية الداخلية، وما صرّح به الهجري، يرجّح مراقبون أن تكون الفدرلة «واقع حال»، بعد أن ضمن الهجري أن معارضيه لن يكونوا قادرين على التأثير في الشارع الدرزي، ولا سيما بعد المخاوف التي أثارتها «مقتلة الساحل» بحق الطائفة العلوية على يد الفصائل المتطرفة، والتي كانت كفيلة بتقديم خيارات «حماية الدروز»، على أفكار مثل وحدة البلاد، ورفض الفدرلة.