انحسرت “عاصفة” الحدود الشرقية للبنان مع سوريا نسبياً، وإنما بحذر شديد، في الساعات الأخيرة، من دون أن يعني انحسارها انتفاء احتمالات تجددها نظراً إلى تعذّر معالجة الاسباب والأوضاع التي يمكن أن تتسبب بتجدد الاشتباكات “الميليشيوية – العشائرية” ظاهراً على طرفي الحدود المتداخلة، علماً أن تصفية الحسابات والصراعات بين الحكم الانتقالي في سوريا وإيران وأذرعتها وفي طليعتهم “الحزب” تلعب الدور المحوري في إبقاء عوامل الخشية من الاشتباكات قائمة في اي لحظة. وإذ بدا الانحسار النسبي للاشتباكات العنيفة التي شهدتها منطقة الحدود لجهة الهرمل طوال أيام ثلاثة نتيجة فورية لتواصل بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري والإجراءات العسكرية التي نفذت في الساعات الأخيرة، تحدثت معلومات عن استعدادات لدى الجانبين اللبناني والسوري لتكثيف التواصل واطلاق قناة تفاوضية رسمية على مستوى لجان حكومية انطلاقاً من القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة في السرايا بتشكيل لجنة تنسيق وزارية لمتابعة هذا الملف الخطير أمنياً وعسكرياً وديبلوماسياً. ولم تستبعد المعلومات أن يفتح بذلك ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من جملة الإجراءات الإلزامية التي يتعين الشروع في معالجتها، علماً أن النظام السوري السابق أسقط عشرات المحاولات واللجان والإجراءات التي كانت تهدف إلى ترسيم الحدود ووضع حد للتسيّب الذي يطبع واقعها “التاريخي” السلبي.
وقد دخل الجيش اللبناني أمس إلى أحياء حوش السيد علي من الجهة اللبنانية، بعد توغّل القوات النظامية من الجيش والأمن العام السوري إلى الجانب اللبناني من البلدة .ويأتي دخول الجيش اللبناني بناء على اتفاق بين أجهزة مخابرات البلدين على خلفية اتصال جرى بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة، أفضى إلى وقف إطلاق النار وانسحاب المسلحين من الطرفين. وقامت وحدات من الجيش بإقفال بعض المعابر غير الشرعية على الحدود في منطقة الهرمل التي تستعمل في التهريب بما في ذلك المعبر الرسمي في مطربا من خلال سواتر ترابية وتعزيز الانتشار العسكري في المنطقة. وكان مختار بلدة حوش السيد علي محمد ناصر الدين أكد لـ”النهار” أنّ قوات الإدارة السورية الجديدة توغلت داخل الأراضي اللبنانية لمسافة خمسة كيلومترات عند الساعة الثانية فجر الثلاثاء، وواصلت تقدمها ما أدّى إلى توسيع نطاق سيطرتها في البلدة.
تزامنت هذه التطورات مع تراجع نسبي خلال اليومين الأخيرين في عمليات النزوح من مناطق الساحل السوري إلى عكار كما أفاد مراسل “النهار” في المنطقة ميشال حلاق. وعزا المراقبون الأمر إلى التوترات الأمنية التي تشهدها قرى المنطقة الشمالية الشرقية وحالة الاستنفار والحشود العسكرية فيها. وأشار التقرير اليومي الذي تصدره غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة عكار إلى أن عدد النازحين السوريين الجدد المسجلين لديها بلغ حتى البارحة 13104 نازحين معظمهم من الطائفة العلوية ممن هربوا من الساحل السوري.
بيربوك ولودريان
وسط هذه الأجواء تبرز مجدداً التحركات الديبلوماسية الغربية في اتجاه لبنان وتتخذ دلالات مهمة سواء في ملفات تنفيذ القرارات الدولية أو في ملفات الاصلاح الداخلي. وبرز في هذا السياق الإعلان المفاجئ لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أمس أنها ستتوجه إلى لبنان اليوم الأربعاء.
كما أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن المبعوث الفرنسي إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لودريان يصل إلى بيروت الثلاثاء المقبل قبيل أيام قليلة من الزيارة التي سيقوم بها الرئيس اللبناني العماد جوزف عون إلى باريس في 28 آذار الحالي. وقد أصبح لودريان مكلفاً بملف مساعدة لبنان على إعادة الإعمار وسيزور بيروت للقاء المسؤولين والاطلاع منهم على التوجهات المتصلة بخطة إعادة الإعمار في لبنان والتفكير في المسارات والقنوات والاحتياجات العائدة لها علما أنه يستجمع هذه المعطيات والمعلومات من أجل الإعداد لعقد مؤتمر في باريس لإعادة الاعمار في لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن باريس تعلّق أهمية على موضوع تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، علماً أن واشنطن وباريس تتوافقان على تفضيل الوزير السابق جهاد أزعور لتسلم هذا المنصب. وكان المرشح الذي كان أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغبته في ترشحه صديقه المصرفي سمير عساف لم يرغب في ترشيحه للمنصب وأكد أنه غير مرشح لمنصب حاكم مصرف لبنان وهو مستقر في عمله المصرفي. لكن يبدو أن هناك اختلافاً في الراي بين الرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام حول المرشحين لهذا المنصب. فرجل المال كريم سعيد المرشح للمنصب لا يحظى حتى الآن بتأييد الجميع علماً انه يحظى باحترام كبير في الأوساط المالية في الخارج كما المرشح الآخر فراس ابي ناصيف، لكن صلة القرابة العائلية التي تربطه برئيس الحكومة تبعد احتمال تعيينه. ومن بين المرشحين أيضاً المصرفي رجل المال فيليب جابر، علماً أن اسمه لم يتم تداوله بشكل كبير ولكنه معروف في قطاع المال العالمي. والمرشح الآخر كميل أبو سليمان محام معروف ومحترم. لكن لا يوجد بعد توافق على اسم أحدهم.
إلى ذلك وفي ظل الاحداث التي جرت على الحدود السورية اللبنانية، ترى باريس أن العلاقة بين لبنان وسوريا ينبغي أن تكون بين دولة ودولة وليس بين ميليشيات و”الحزب ” وغيره فيما تتقاتل هذه الميليشيات لأسباب تهريب وإجرام وسياسة بين “الحزب” والنظام الجديد في سوريا. فباريس مستمرة في دعمها للجيش اللبناني لكي يتمكن من ضبط الأمن على الحدود السورية- اللبنانية ومنع مثل هذه الأحداث.
وفي سياق أوسع تشير كل التوقعات في العاصمة الفرنسية إلى أن إسرائيل ستضرب إيران، لكن التوقيت ليس معروفاً خصوصاً بعد أن عاودت إسرائيل حربها على غزة. وتتوقع المصادر أن تقوم إسرائيل بضربة على إيران قد تتبعها مفاوضات بين أميركا وإيران.
المشهد الداخلي
وفي المشهد السياسي الداخلي شدّد أمس رئيس الجمهورية العماد جوزف عون على أنه “عندما لا يوجد قضاء عادل، لا توجد محاسبة، وعندما لا توجد محاسبة، لا تسود حتى “شريعة الغاب”، لأن الغاب له شريعة، أما هنا، فقد غابت كل الشرائع”. وقال: “يجب تحقيق دولة القانون والعدالة، فلا يمكن أي إصلاح أن ينجح إذا لم يكن هناك قضاء مستقل ومحاسبة. واليوم، المشكلة ليست فقط أن القوانين موجودة، بل أن كل طرف يفسّرها على هواه ولمصالحه الشخصية. لهذا السبب، استعنا بالوزير رشيد درباس وعدد من كبار القانونيين والمفكرين لإجراء دراسة معمّقة حول الدستور والقوانين، حتى لا يتم تفسيرها تبعًا للمصالح الشخصية”. وأشار الرئيس عون إلى “أن المظلة الكبيرة التي تحمي البلد هي المصلحة العامة التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار وتطغى على المصلحة الشخصية”.
وبدوره، كشف رئيس مجلس الوزراء نواف سلام التحضير لعقد مؤتمر عام للاستثمار في الخريف المقبل في بيروت، “لإعادة لبنان إلى خارطة الاهتمام العربي والدولي”، لافتاً إلى أن العمل مستمر لرفع حظر سفر المواطنين السعوديين الى لبنان ورفع الحظر عن الصادرات اللبنانية إلى السعودية.
وفي المواقف السياسية أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أن “الآفاق اليوم أفضل من السابق، لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى بر الأمان. المنطقة تمر بمرحلة غليان، والأحداث تتسارع، ما يفرض علينا العمل بجدية لحماية وطننا وتعزيز سيادته”. ولفت جعجع إلى أن “لبنان دخل مرحلة جديدة مع العهد الجديد والحكومة الجديدة، وهناك تحسن واضح بالمقارنة مع الماضي، حيث لم نلاحظ حتى الآن أي ممارسات فساد كما كان الحال في الحكومات السابقة. وهذا تطور إيجابي، لكن الأهم هو استكمال بناء الدولة الحقيقية التي تحتكر القرار والسلاح وتفرض سيادتها على كامل أراضيها وحدودها. وهنا أطرح سؤالا: لماذا لم تفرض الدولة سيطرتها الكاملة على حدودها حتى الآن؟ قبل فترة قصيرة، شهدنا دخول آلاف السوريين إلى لبنان من الحدود الشمالية من دون أي رقابة رسمية. هذا أمر غير مقبول، والدولة مطالبة بالسيطرة الكاملة على حدودها لمنع الفوضى وحماية البلاد. لدينا الإمكانات كلها للقيام بذلك، سواء عبر التكنولوجيا الحديثة أو الدعم الدولي، لكن المطلوب هو قرار سياسي حاسم”.