كتبت ندى أيوب:
في السادس من آذار الجاري، أرسل ديوان المحاسبة مذكّرةً إلى وزير الاتصالات شارل الحاج يفنّد فيها مخالفات ارتكبها سلفه وزير الاتصالات جوني القرم، مكّنت شركتي «In Mobiles» و»Vox» الملتزمتين بتقديم خدمة A2P (Application to Person) من مخالفة عقودهما مع شركتي «ألفا» و«تاتش»، وحرمان خزينة الدولة من نحو سبعة ملايين يورو.
وأمل الديوان بأن يصحّح الوزير الجديد المحسوب على الرئيس جوزف عون المسار الخاطئ الذي لا تزال مفاعيله سارية، وتتراكم نتائجه السلبية على الخزينة والمشتركين لدى «ألفا» و«تاتش».
غير أن الوزير الحاج، المعنيّ بتصويب نهج سلفه، هو نفسه صاحب شركة «Mada» الحائزة على ترخيص من وزارة الاتصالات بتوزيع الإنترنت في لبنان، والتي ورد اسمها في تقريرٍ لديوان المحاسبة صدر بداية العام الماضي، حول ملف الـA2P نفسه (موضوع المذكّرة).
فقد ظهر، فجأة، اسم «Mada» (وشركة VAYA)، بين الشركات الخمس التي قُبلت عروضها التقنية لتقديم خدمة الـA2P، رغم أنها لم تكن أصلاً على لائحة الشركات المدعوّة للاشتراك في المزايدة، وهو أمر أثار «الاستغراب والتساؤل»، بحسب تعبير الديوان. ويعني ذلك أيضاً أنّ الحاج، الذي يُنتظر منه في حكومة «العهد الجديد» أن يقدّم نموذجاً في الإصلاح تطبيقاً لشعارات رئيسي الجمهورية والحكومة، يملك واحدة من شركات توزيع الإنترنت التي ترعى عملها وزارة الاتصالات التي يرأسها الحاج نفسه (!)، ما يمثّل تضارباً فاضحاً في المصالح ويثير علامات استفهام حول «المعايير» الشهيرة التي زعم سلام اعتمادها في تشكيل الحكومة.
ورغم أنّ «Mada» أوقفت العمل باسمها في السوق اللبناني منذ عام 2012، إلا أنّ هناك شركتين هما «Waves» و»Connect» مملوكتان من «Mada» تعملان في لبنان. ويظهر ذلك في كتابٍ وجّهته «Waves»، في 10 كانون الثاني 2025، إلى وزارة الاتصالات تطلب فيه خطاً تأجيرياً محلياً بين مركز الشركة في الكسليك ومركزها في الجديدة.
وقد وقّع الكتاب ناصيف بشارة، رئيس مجلس إدارة «وايفز ش. م. ل»، مرفقاً بختم (Mada Waves S.A.L). كما وصل كتاب آخر إلى وزارة الاتصالات، في اليوم نفسه، من شركة «Connect» تطلب فيه زيادة سعات CACHE الخاصة بالشركة في مركز الشركة في الجديدة، وهو أيضاً موقّع من ناصيف بشارة بصفته رئيس مجلس إدارة «Connect».
في المحصّلة، «Mada» و»Connect» شركتا إنترنت تعملان في لبنان وهما مملوكتان من وزير الاتصالات، ويديرهما عديله ناصيف بشارة.
وكانت «Waves»، عام 2017، واحدة من ثلاث شركات خاصة فقط (إلى جانب «GDS» و»tri sat»)، منحها وزير الاتصالات السابق جمال الجراح حق الاستفادة من شبكة الألياف الضوئية «فايبر أوبتيك» المملوكة من الدولة، في ما يشبه «خصخصة الفايبر أوبتيك»، فأصدر قرارات تجيز للشركات الثلاث تمديد ألياف بصرية في المسالك الهاتفية العامة، لتزويد المواطنين باشتراكات «فايبر أوبتيك».
فعمدت الشركات، من دون أن تسعى إلى مد أي كابل، إلى تتبّع «أوجيرو» التي كانت تمدّ الكابلات، وتنافسها الشركات في تقديم عروضات بأسعار أقل لخدمات الفايبر. وقد أوقف مجلس شورى الدولة القرار لما فيه من ضرر بالمصلحة والمال العام، ووصفه ديوان المحاسبة في أحد تقاريره بـ«المخالفة الجسيمة».
يدخل الحاج إلى وزارة الاتصالات، وأمامه لائحة طويلة من الملفات خلّفها القرم الذي لم يُطلق أي مزايدة أو يباشر بأي مشروع إلا وأثار الجدل حول سلوكه الذي عارضته هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة ولجنة الإعلام والاتصالات النيابية لكثرة مخالفاته للقوانين، إضافة إلى تحدّي إثبات فصل مصالح شركاته الخاصة عن المصلحة العامة الموكل إليه حمايتها.
مذكّرة الديوان: لاستيفاء الأموال وإطلاق مزايدة جديدة
بالعودة إلى ملف الـA2P (وهي خدمة تلقّي مشتركي الهاتف رسائل نصية تتضمّن كلمات مرور أو Code من التطبيقات العالمية مثل فايسبوك وانستاغرام وغيرهما... وتقدّمها شركات وسيطة بين التطبيقات وشركات الاتصالات)، فقد لزّمت وزارة الاتصالات، في أيار 2023، شركة «In Mobiles» لتقديم هذه الخدمة في شركة «تاتش».
لكنّ شكوكاً أثيرت حول المزايدة التي أطلقتها «تاتش» نهاية 2021، ورست على « In Mobiles» التي قدّمت السعر الأعلى (7.37 ملايين يورو، على ثلاث سنوات واعتماد تعرفة 7.5 Euro Cents لكل رسالة)، بعدما أدّت مزايدة نظّمتها شركة «ألفا» للخدمة نفسها إلى فوز شركة «Vox Solution» بمجموع إیرادات بلغ 17 مليوناً و900 ألف يورو، على ثلاث سنوات واعتماد تعرفة 7.5 Euro Cents لكل رسالة، أي بفارق 10 ملايين يورو إضافية، علماً أن عدد مشتركي «تاتش» يفوق عدد مشتركي «ألفا» بحوالي 300 ألف.
وقد ذكّر الديوان في مذكّرته بما أورده في تقريره الصادر مطلع العام الماضي عن أنّ «In Mobiles» لا تستوفي شرط امتلاك خبرة السنوات الخمس على الأقل، أي إنّها «غير مؤهّلة» للمشاركة في المزايدة. وعدّد الثغرات التي اعترت التلزيم، من دعوة القرم لعدد كبير من العارضين غير المؤهلين، وتردّده في إجراء مزايدة موحدة لشركتي «تاتش» و«ألفا» بما فيه مصلحة الدولة، إلى استغراق إجراءات التلزيم أكثر من 17 شهراً، ورفض القرم إجراء دورة ثانية للمزايدة كان من شأنها تحسين الأسعار.
ولفت الديوان إلى أنّه حتى خروج القرم من الوزارة «لم يتّخذ أي إجراء» من تلك الإجراءات التي أوصى بها الديوان، «وسط الفشل» الذي اعترى تنفيذ عقد كل من vox وIn Mobiles، إذ تبيّن «عدم التزام In Mobiles بتعديل العقد لجهة دفع 10.5 يورو سنت عن كل رسالة نصية كما هي الحال في «ألفا»، في السنة التعاقدية الأولى، بل اكتفت بدفع 0.75 يورو سنت».
كذلك «لم تجدد الشركة الكفالة المصرفية المنصوص عنها بالعقد، ولم تلتزم بالشروط التعاقدية للسنة الثانية. ولم تحوّل إلى «تاتش» المبلغ المتعاقد عليه عن السنة الثانية. وبالتزامن زادت الشكاوى بنسبة 700% من المشتركين لعدم حصولهم على الرسائل التي يفترض بالشركة إرسالها».
وكان في النتائج المترتبة عن سوء التلزيم والتنفيذ حرمان الخزينة من مبالغ قدّرها الديوان بـ4.342.500 يورو، إضافة إلى قيمة كتاب الضمان البالغة مليون يورو.
وفي ما يتعلق بـ«ألفا»، تبيّن للديوان أنّ «المماطلة في إطلاق خدمة A2P لأكثر من 13 شهراً على تاريخ توقيع العقد، وأكثر من 9 أشهر من التاريخ المتّفق عليه لإطلاق الخدمة، سمحت لشركة «Vox» - بعدما طلبت منها «ألفا» تسديد التزاماتها المالية - بالانقضاض على العقد وطلب خفض حجم التزامها السنوي من 4.9 ملايين يورو إلى 2.3 مليون يورو، من دون ذكر عدد الرسائل النصية المنوي تنفيذها ولا السعر الإفرادي للرسالة».
وقد أدّى هذا المسار إلى تأخّر تقديم الخدمات، وحرمان الخزينة من الالتزام المالي عن السنة التعاقدية الأولى (4.9 ملايين يورو).
وخلص الديوان إلى ضرورة استيفاء «تاتش» و«ألفا» الإيرادات المتوجبة على «Vox» و»In Mobiles»، ووضع خطة جديدة لتلزيم الـA2P. والمذكّرة أتت كإجابة على طلب القرم من الديوان إبداء رأيه في الخيارات المقترحة من قبل «ألفا» و«تاتش» حول خدمة الـA2P.