كتبت رنى سعرتي:
يُنظر إلى حاكم مصرف لبنان الجديد المرتقب تعيينه قريباً على أنه المخلّص على غرار ما نُظر إلى حاكم المركزي بالإنابة وسيم منصوري قبيل تعيينه في آب 2023 بسبب تلهّف المودعين إلى عهد ماليّ جديد أو حقبة مالية جديدة تطيح بفساد الماضي وتعيد لهم الأمل باستعادة أموالهم.
خلال مدّة توليه الحاكمية بالإنابة، نجح وسيم منصوري في مجموعة من الإنجازات، من ضمنها تثبيت سعر صرف الليرة ووقف انهيارها أكثر بالإضافة إلى تطوير التعميمين 158 و166 لإمداد المودعين بحفنة الدولارات التي يتقاضونها شهرياً. والأهم أنه أرسى سياسة جديدة تقضي بوقف تمويل الدولة. هذه الإنجازات لم تكن في مستوى طموحات الناس، بسبب عدم وجود حكومة مكتملة الأوصاف، بل حكومة تصريف أعمال، بما يعني تعذّر الوصول إلى خطط إنقاذية شاملة تعيد الودائع إلى أصحابها، وتعيد ضخ الحياة في القطاع المصرفي، ليواصل مهمته في تمويل الاقتصاد الوطني.
السؤال، ما هي أولويات الحاكم الجديد وما هي مسؤولياته ضمن خطة الإصلاح والإنقاذ؟ وهل هو المسؤول الوحيد عن حلّ أزمة الودائع أم سيكون "المايسترو" الذي يحتاج إلى تعاون مختلف السلطات من تنفيذية وتشريعية وإدارية لضمان نجاح خططه؟
يجيب عضو جمعية المصارف رائد خوري على هذا السؤال بالتأكيد على ضرورة تطبيق قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بدءاً من مصرف لبنان والمصارف وصولاً إلى العلاقة بين البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، مشدداً على ضرورة الفصل بين السلطات وتفعيل مبدأ الحوكمة الرشيدة واستعادة لجنة الرقابة على المصارف دورها المستقلّ وفرض رقابتها الحقيقية على كيفية تطبيق المصارف للتعاميم والقوانين.
وأوضح خوري في هذا الإطار، أن المصارف التزمت بالتعاميم الصادرة عن البنك المركزي "وفاتت بالحيط!" فلجنة الرقابة على المصارف لم تحذر المصارف من أن إيداعاتها لدى مصرف لبنان دونها مخاطر عالية بل تنصّلت من تلك المسؤولية والتزمت بما أكده البنك المركزي أن أموال المصارف لديه لا تشملها المخاطر (zero risk).
ورأى أن هناك خللاً في التعاميم بحدّ ذاتها وخللاً في لجنة الرقابة وصلاحياتها وفي القطاع المصرفي بأكمله، وبالتالي ستكون أولى مهمّات الحاكم الجديد، معالجة هذا الخلل.
كما من أولوياتها، التنسيق مع الحكومة ووزارة المالية لإعادة إطلاق عجلة الحركة الاقتصادية في البلاد، لأن الأزمة ليست مالية فقط بل اقتصادية أيضاً، وبحاجة إلى زيادة حجم الاقتصاد من أجل ضمان تطبيق أي خطة لإعادة أموال المودعين والمساهمة في تمويلها من قبل كافة الأطراف المعنيّة.
وشدد خوري على أولوية ضبط الاقتصاد النقدي الذي يشكل خطراً حقيقياً على سمعة لبنان ويرفع من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بالتعاون مع المصارف التي يجب أن تستعيد دورها وعملها الرئيسي والثقة بها، من أجل أن تساهم في الحدّ من الاقتصاد النقدي وفي تفعيل الرقابة على التداولات النقدية والمالية.
كما أشار إلى أولويات تحديد السياسة المالية والاقتصادية التي سيتم اتباعها والتي على أساسها يتم تحديد السياسة النقدية المطلوبة إن في تثبيت سعر العملة المحلية أو تعويمها، "حيث لا يمكن أن نستمرّ في السياسة القائمة منذ 30 عاماً". معتبراً في الختام أن حاكم مصرف لبنان يجب أن يكون بطبيعة الحال متعاوناً مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي خصوصاً الولايات المتحدة، "كوننا اقتصاداً مدولراً وجزءاً من النظام المالي العالمي".
من جهتها، تؤكد مصادر في مجلس إدارة البنك المركزي أن الأولوية قبل وضع أي خطط إصلاح أو حلول لأزمة الودائع، تتمحور حول نقطتين أساسيتين:
- النقطة الأولى مرتبطة بالمستوى الداخلي في مصرف لبنان أو الحوكمة good governance وهي إحدى التوصيات التي حددها صندوق النقد الدولي، الحوكمة الداخلية في مصرف لبنان، بعدما كانت كافة القرارات محصورة بشخص واحد طوال أعوام عديدة. وأكدت المصادر في هذا الإطار، أن المطلوب اليوم وضع أسس متينة داخل الإدارة المركزية لمصرف لبنان.
- النقطة الثانية متعلّقة بلجنة الرقابة على المصارف، السلطة المعنيّة بالرقابة على القطاع المصرفي بأكمله والتي لم تقم منذ اندلاع الأزمة ولغاية اليوم بأي خطوة جدّية.
واعتبرت المصادر أن تلك النقطتين تشكلان أكبر تحدٍ على المستوى الداخلي إدارياً، وعلى المستوى المتعلّق بأموال المودعين وإعادة الهيكلة، لأن أي خطط لردّ الودائع أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي تحتاج إلى وجود سلطة رقابية فعالة وشفافة تستطيع اتخاذ القرارات وتنفيذها. مشددة على أن أي خطط إصلاحية يجب أن تبدأ بتصحيح علاقة البنك المركزي مع لجنة الرقابة على المصارف وإعطائها الصلاحيات للقيام بدورها الحقيقي.
كما لفتت المصادر إلى أولوية تفعيل اتخاذ القرارات في الهيئات الرقابية في مصرف لبنان، مثل الهيئة المصرفية العليا، أو هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال.
وأكدت المصادر نفسها لـ"نداء الوطن" أن الانطلاق بإصلاح تلك النقاط هو بوّابة العبور نحو خطط التعافي واستعادة أموال المودعين والبدء بسدّ الفجوة المالية، "لأنه من دون تطبيق مبدأ المحاسبة والشفافية، لا يمكن السير أو النجاح في تنفيذ أي من خطط إعادة الهيكلة أو إعادة النهوض بالقطاع المصرفي".
وبالنسبة للاجراءات التي تنتظر تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان من أجل وضع خطط بشأنها وتطبيقها، والتي ذكرتها المؤسسات الدولية مراراً وتكراراً:
- اعتماد سعر صرف عائم يحدده السوق، والذي يوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، وهو أمر بالغ الأهمية لاستعادة الاستقرار الكلي وتعزيز الاستثمار والنمو والقدرة التنافسية والشفافية. ويمكن تثبيت سعر الصرف الموحد، بل وتعزيزه، من خلال سياسات مالية ونقدية سليمة.
- التدقيق في حسابات النظام المصرفي والمؤسسات العامة: لن يقتصر التدقيق على حسابات المصارف التجارية بل يجب أن يطال مصرف لبنان والمؤسسات العامة، من أجل توفير بيانات موثوقة يمكن البناء عليها لمعالجة الوضع الاقتصادي على المدى المتوسط. وهو أمر ضروري لتقييم أثر الإصلاحات المقترحة وتحديد الفجوة المالية الخارجية التي تواجه الاقتصاد.
- إعادة تأهيل وإعادة هيكلة النظام المصرفي من خلال معالجة الخسائر وحماية المودعين قدر الإمكان.
- إعادة إرساء الاستدامة المالية بدعم من إعادة هيكلة الديون: تم إحراز تقدم كبير في التصحيح المالي في السنوات الثلاث الماضية حيث انهار الإنفاق الحكومي بالدولار الأميركي وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى المستقبل، ينبغي دعم المزيد من التصحيح من خلال مكافحة التهرّب الضريبي وتحسين تحصيل الضرائب لإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والتنموي. للمساعدة في تحقيق استدامة الدين، كما يجب إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز اللبنانية.
- إجراء إصلاح نقدي: يحتاج لبنان إلى تطبيق إصلاح نقدي (بما في ذلك إعادة تسعير العملة) لاستعادة الثقة بالنظام النقدي من خلال طرح عملة لبنانية جديدة، مدعومة بسياسات نقدية ومالية سليمة.