كشف مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت لـ«الأنباء» عن رسائل ديبلوماسية عاجلة في الأيام الأخيرة إلى لبنان، وقال انها تضمنت تحذيرا من خطورة الانزلاق مجددا في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، خصوصا مع تجدد الحرب على غزة وارتفاع احتمالات توسعها نحو الجبهات الأخرى.
تأتي هذه التحذيرات في سياق دولي معقد، اذ تبدو القوى الكبرى معنية بمنع تفجر جبهة جنوب لبنان بشكل يخرج عن السيطرة، وهذا ما قد يؤدي إلى تبدل كبير في المعادلات العسكرية والسياسية الإقليمية.
وقال المصدر: «الرسائل التي تلقاها لبنان لم تقتصر على التحذير من مخاطر الحرب فحسب، بل شددت أيضا على ضرورة ضبط أي تحركات مشبوهة للمجموعات المسلحة التي دأبت، في أوقات التوتر، على إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه إسرائيل، مستغلة المناطق المحاذية للحدود والتي يصعب مراقبتها بدقة. كما لم تغب المخيمات الفلسطينية جنوب نهر الليطاني عن دائرة الاهتمام الدولي، إذ برزت مطالبات واضحة للسلطات اللبنانية بالتشدد في ضبط أي تحركات غير منسقة تنطلق من هذه المخيمات، خصوصا في ظل تنامي الحديث عن إمكانية استخدام بعض الفصائل الفلسطينية هذه الجبهة كوسيلة ضغط في سياق الحرب الدائرة في غزة».
وتابع المصدر: «في هذا السياق، جاءت زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى بيروت، والتي لم تكن بعيدة عن هذه التحذيرات المتزايدة. فالاهتمام الأوروبي والألماني تحديدا باستقرار لبنان ينبع من مخاوف متعددة، تشمل ليس فقط احتمالات التصعيد مع إسرائيل، بل أيضا الانعكاسات التي قد تنتج عن أي توتر جديد مع الحكم الجديد في سوريا. وقد عبرت بيربوك عن استعداد ألمانيا وأوروبا لتقديم الدعم اللازم للبنان من أجل المساهمة في تهدئة أي تصعيد محتمل، سواء على الجبهة الجنوبية أو في العلاقة مع دمشق، وهذا ما يؤشر إلى رغبة أوروبية واضحة في تجنب أي تفجر جديد للأوضاع في المنطقة».
وأضاف المصدر: «إلا أن الإشكالية الكبرى التي تواجه لبنان في هذه المرحلة، تكمن في مدى قدرته على احتواء أي خطأ في الحسابات العسكرية أو السياسية قد يجره إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل. فالتقدير الخاطئ لأي تصعيد قد ينقل لبنان إلى مرحلة جديدة تماما، يكون فيها موقفه أضعف بكثير مما هو عليه اليوم. فلبنان، الذي يواجه أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، لا يملك ترف الانخراط في حرب جديدة قد تؤدي إلى دمار واسع وتفاقم الأزمة المعيشية والانهيار المالي. في المقابل، تبدو إسرائيل مستعدة لاستخدام أي تصعيد على الجبهة الشمالية كذريعة لتوجيه ضربات قوية، قد تتجاوز الحسابات التقليدية لردع حزب الله وتشمل استهداف بنى تحتية ومواقع حساسة داخل لبنان».
ولفت المصدر إلى ان «الخيارات المطروحة أمام لبنان تبدو ضيقة للغاية. فمن جهة، لا يستطيع ضبط كافة الفصائل والمجموعات التي قد تجد في الحرب القائمة في غزة فرصة لإعادة فرض نفسها في المشهد السياسي والعسكري الإقليمي. ومن جهة أخرى، فإن أي انزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة قد يعيد لبنان إلى مرحلة لا يستطيع تحمل تبعاتها. في ظل هذه الوقائع، يصبح التحدي الأساسي أمام الحكومة اللبنانية والقوى السياسية هو كيفية الموازنة بين الالتزامات الداخلية والخارجية، وبين الضغوط الدولية المطالبة بالتهدئة، وبين الحسابات الداخلية التي تحكم المشهد السياسي والأمني في البلاد».
وذكر المصدر ان «كل المؤشرات تدل على أن المرحلة المقبلة ستكون دقيقة واستثنائية، وأن أي قرار قد يتخذ في لحظة توتر قد يغير مجرى الأحداث بشكل جذري. لذا فإن ما تحتاجه الدولة اللبنانية اليوم ليس فقط ضبط الوضع الأمني، بل أيضا بناء موقف سياسي واضح يجنب لبنان الانجرار إلى صراعات لا قدرة له على تحملها».