كتبت الباحثة القانونية "غيا رحال"
ترسيم الحدود البرية بين دولتين هو العملية التي يتم من خلالها تحديد وفصل أراضي دولتين وفقًا لاتفاقيات ومعايير قانونية ودولية. هو ليس مجرد رسم خط على الخريطة، بل هو اعتراف قانوني متبادل بالحدود التي تفصل بين سيادة كل دولة على أراضيها.
ترسيم الحدود يرتبط بشكل مباشر بالمبدأ الأساسي في القانون الدولي القائم على الدولة ككيان ذو ثلاثة عناصر: الأرض، الشعب، والسيادة.
وإن كانت كل دولة تحتاج إلى حدود واضحة تفصل أراضيها عن الدول الأخرى، فإن الصعوبة عند الترسيم تثار على صعيدين:
الأول قائم على اعتبار القوة، حيث إن الدول تسعى دائمًا إلى بسط نفوذها وسيادتها.
أما العنصر الثاني فهو قائم على اعتبارات شعبية واجتماعية، حيث ان السكان الذين يعيشون داخل هذه الحدود يصبحون خاضعين لسلطة الدولة التي تم ترسيم الحدود ضمن نطاقها. علماً أن "الانتماء الوطني" للسكان قد يتجاوز أو حتى يتعارض مع الواقع القانوني الناتج عن الترسيم، وعندها يعمد السكان إلى المطالبة بإعادة الترسيم أو بالاستقلال، كما كان حال إقليم ناغورني كاراباخ ذو الأغلبية الأرمنية، حيث صوّت الشعب الأرمني في الإقليم لصالح الاستقلال عن أذربيجان بموجب استفتاء شعبي، وإن لم يحظَ باعتراف دولي.
في هذا الصدد، لا بد من التطرق إلى واقع الأراضي اللبنانية - السورية المتداخلة على طول السلسلة الشرقية بسبب التاريخ المشترك بين البلدين، وتحديدًا بسبب ترسيم الحدود غير الدقيق الذي أجراه الفرنسيون عند إعلان دولة لبنان، مما جعل السيطرة على الأرض مسألة خاضعة للنفوذ السياسي والعسكري. كما أن واقع الأوضاع السياسية المتردية بين البلدين لم يساعد على التوصل إلى حل جذري.
إن منطقة "حوش السيد علي" الحدودية المتداخلة بين لبنان وسوريا والتي شهدت اشتباكات عنيفة في الفترة الأخيرة، تذكر بضرورة البدء بعملية ترسيم الحدود. فالمساعي والحلول الديبلوماسية المؤقتة في حقبة تاريخية كهذه ليست سوى قنبلة موقوتة. ذلك ان فشل المفاوضات الثنائية في الكثير من الدول، دفع بعضها إلى سلوك طريق التحكيم الدولي لحسم النزاع بشكل قانوني ونهائي. وهو ما ترجمه النزاع الحدودي بين سلوفينيا وكرواتيا حول خليج بيران وبعض المناطق البرية، فلجآ الى استفتاء شعبي وافق في نتيجته الطرفان على إخضاع النزاع لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بحثا عن الحل النهائي.
وبالعودة إلى النموذج اللبناني - السوري، وبما أن سكان المناطق المتداخلة من الهويتين يقتضي بالإضافة إلى السندات المثبتة للملكية، العمل على إجراء استفتاء شعبي، لا بد للعامل الاجتماعي أن يسبق العامل السياسي - الدبلوماسي. وبموجب هذا الاستفتاء، يصار إلى تحديد انتماء السكان الفعلي، كما يتم البحث فيما إذا كان الشعب يريد إخضاع النزاع للتحكيم الدولي، نظرًا لما قد يشوب هذا التحكيم من تدخلات تصفى على أساسها "حسابات الشرق الأوسط الجغرافية"، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد.