عاجل:

"مُنَجِّم ديبلوماسي" يشكّك بدوام شهر العسل بين واشنطن وتل أبيب؟

  • ٤٠

كتب جورج شاهين في جريدة "الجمهورية":

وسط الضبابية التي تلفّ الحراك الديبلوماسي الأميركي والدولي في المنطقة ترصد مراجع ديبلوماسية نتائج تقديم الخيارات العسكرية في بعض الأزمات. وقد تجاوزت الإدارة الاميركية وكلاءها واستغنت عن خدماتهم. وكل ذلك يجري بالتزامن مع اتهامات أميركية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعرقلة صفقة الرهائن في غزة، وسعي إلى إبعادهم عن ملفي اليمن وإيران على وقع الضغط الأميركي على ساحتهما. وهو ما دفع بمنجم ديبلوماسي إلى توقع ما يمسّ شهر العسل بين واشنطن وتل أبيب في جوانب منه. وهذه بعض المؤشرات.

قبل إجراء المقاربة التي يمكن أن تقود إليها الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة بوجوهها الاقتصادية والعسكرية والديبلوماسية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الابيض، لا يمكن تجاهل حالة الاعتزاز التي يعبّر عنها بين الفينة والأخرى بما "حققه في خلال شهرين من وجوده في السلطة من تحقيق أكثر مما أنجزه أي رئيس آخر حَكَم الولايات المتحدة خلال هذه الفترة القصيرة". فبعد إشارته في آخر إطلالاته إلى ما أنجزه على مستوى التصدّي "لعمليات احتيال" تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، عبّر عن فخره بما وفّره من "جذب الاستثمارات إلى الاقتصاد الأميركي من شركات مختلفة" وهي مواقف ربطها بالطموحات الكبرى التي دفع بها في بعض الأزمات باللغتين الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية تحديداً، كما فعل في ملفات في منتهى الأهمية وفي مقدّمها الأزمة الاوكرانية وفي علاقاته مع الصين والاتحاد الأوروبي وجارته كندا ودول أميركا اللاتينية، فقد باشر بتحريك الأساطيل الأميركية لتعزيز قدراته العسكرية المستخدمة في الشرق الاوسط والخليج كما في اليمن وما يحضّره لإيران.

وإلى هذه الملاحظات التي انطبعت بها الأسابيع الاولى من بداية عهده، فقد عبّر بعض مسؤوليه الكبار عن وجوه أخرى من توجّهاته التي لم توفّر الحلفاء كما الخصوم، فإلى تفرّده ببعض القرارات التي اتخذها على مستوى فتح خطوط التواصل مع خصومه الدوليين بلا وسطاء، كما فعل في رسائله التي وجّهها إلى القيادتين الإيرانية والأوكرانية وتلك الجارية مع الصين وكوريا الجنوبية، فلم يوفّر أقرب الحلفاء الأوروبيين إليها، فألّبهم عليه وبدأ يخاطب القيادة الاسرائيلية بلغة جديدة، لم تتكشف لهجته الانتقادية فيها قبل ان تُفشل تل ابيب مفاوضاته المباشرة مع حركة "حماس"، فلم ينج رئيس حكومتها من لدغات أقرب المقرّبين إليه.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد أعادت المراجع الديبلوماسية التي تراقب تطورات المواقف الأميركية باللهجة التصعيدية المباشرة وما تحمله من اتهامات لم ينج منها قادة روسيا وأوكرانيا ودول اخرى. فقد توقف المراقبون أمام اقسى رسالة أميركية لنتنياهو. وهي التي جاءت على لسان المبعوث الرئاسي الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عندما تناول "صفقة الرهائن" وما تواجهه من جمود. وقال في مقابلة أجراها مع الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون: "إنّ الجمهور الإسرائيلي يطالب بعودة المختطفين، بينما يتصرّف نتنياهو بما يتخالف مع المزاج العام". وتابع قائلاً بلغة التشكيك "إنّ نتنياهو يعتقد أنّه يفعل الشيء الصحيح من خلال استخدام الضغط العسكري في غزة كوسيلة لإعادة الرهائن". ولكن ذلك انتهى إلى ما لا يشتهيه احد من الإسرائيليين، وأنّ الامر لا يقف عند اهالي الرهائن، انما عند أكثر من قيادي له موقعه في الإدارة الإسرائيلية، وقد تجاهلها جميعها وأقصى من استطاع إبعاده، ويتّجه إلى مواجهة آخرين.

وفي الوقت الذي تجنّبت إدارة نتنياهو الردّ المباشر على مواقف ويتكوف، فاختار عبارة واحدة من مقابلته التي أشار فيها إلى انّه "يجب أن ننزع سلاح حماس ليُسمح لها لاحقاً المشاركة سياسياً في غزة". فقال أحد المسؤولين الكبار في مكتب نتنياهو، إنّه يعتقد "أنّ رئيس الوزراء ملتزم بإعادة المختطفين"، وأنّ "سياسة ترامب تتمثل في ضرورة القضاء على "حماس"، وهي سياسة تتماشى مع أهداف الحرب". لكنه تجاهل مواقف أخرى أكثر شدّة. فترامب لفت نظر إسرائيل في رسائل عاجلة ترافقت والضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن "إلى ضرورة وقف أي تدخّل في أزمة اليمن بعد ملاحظات عدة وضعت حداً لمشاريع ضربات عدة تقترح تل ابيب القيام بها في إيران من أجل ضرب منشآت ايرانية حساسة".

وإلى هذه الملاحظات الاميركية، فقد لفتت التقارير الديبلوماسية إلى ملاحظات أكثر صرامة في اتجاه مسؤولين آخرين، تزامنت مع "فشل مفاوضات التهدئة في قطاع غزة وما انتهت اليه مباشرة مع حماس". والتي يبدو أنّها كانت تجاوباً مع نصائح مصرية وقطرية وسعودية بالغة المستوى. كما بالنسبة إلى وقف إسرائيل العمل بقرار تجميد العمليات العسكرية في قطاع غزة قبل استكمال تنفيذ صفقة الرهائن وقد انتهت أولاها إلى مقتل رهين وإصابة آخرين. فتمدّدت الانتقادات لتشمل "الوزير المدلل" القريب من نتنياهو رون ديرمر، بصفته "المسؤول عن إدارة المفاوضات" من الجانب الإسرائيلي، واعتباره قاصراً عن مهمّته لأنّه "لا يمتلك الأدوات السياسية المطلوبة لإدارة هذا الملف الحساس، رغم ثقة نتنياهو به".

وعلى هذه الخلفيات، لفت المراقبون إلى انّه لا يمكن لـ "منجّم ديبلوماسي" الرهان على التشكيك بقرب انتهاء شهر العسل بين واشنطن وتل أبيب في ظل حجم ما يجمعهما من أهداف. ولكن التوقف عند بعض المناكفات يبدو مفيداً إن استطاعت الديبلوماسية العربية والخليجية استغلالها لتحقيق اي خطوة على طريق إنهاء مأساة غزة ووقف حرب لبنان، بالانتقال من مرحلة "وقف العمليات العدائية" إلى وقف ثابت ونهائي لوقف إطلاق النار واستكمال تنفيذ القرار 1701 بما تقتضيه محطاته، بما فيها جمع سلاح "حزب الله" وتفكيك مصانعه على الأراضي اللبنانية. وكل ذلك تعويضاً عمّا ارتُكب من أخطاء استفادت منها إسرائيل على خلفية "حربها الوجودية" في ظل العنتريات التي انتهت وبالاً على مطلقيها في فترة قياسية قُضي خلالها على قوى محور الممانعة كاملة في دول وبوشرت عملية تصفيتها في أخرى.

وبناءً على ما تقدّم، يبدو مفيداً رصد الحراك الديبلوماسي الأميركي في المنطقة. فرون ديرمر في واشنطن وستيف ويتكوف في المنطقة والمبعوثة الأميركية لحل النزاع بين لبنان و"إسرائيل" وفق تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 مورغن اورتاغوس في تل أبيب وقد تزور بيروت قريباً، والمفاوضات الروسية ـ الأميركية قائمة في الرياض إلى جانب مفاوضات أميركية ـ أوكرانية. وكلها تحضّر لخطوات سياسية وديبلوماسية كبرى تمهّد لها خريطة انتشار الأساطيل الاميركية في محيطات المنطقة وبحورها، للتعويض عن فشلها على وقع المهل التي أعطاها ترامب لكل من الإيرانيين ووكلائهم الحوثيين عدا عن المدعوين إلى سلة تفاهمات ينتظرها ترامب، لتليها خطوات أخرى تكرّس سعيه إلى الاتفاقيات السلمية، سواء اتخذت طابع التطبيع في الشرق الاوسط او اقتسام المعادن الثمينة في أوكرانيا، ليتفرّغ لما يعني علاقات بلاده بالصين والاتحاد الأوروبي.


المنشورات ذات الصلة