بثت القناة الروسية الأولى في 25 مارس مقالة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تناول فيها الوضع الراهن بشأن المفاوضات الجارية مع الجانب الأمريكي.
وجاء في المقابلة التي نشرت وزارة الخارجية الروسية نصها:
لنبدأ بالتهنئة واسعة النطاق التي تلقيتموها بشأن عيد ميلادكم الخامس والسبعين. كذلك كان هناك "ماراثون" من قصائدكم الرائعة. هل تمكنتم من مشاهدة وقراءة كل شيء؟ هل تمكنتم من الرد على الجميع؟
لافروف: تأثرت للغاية بما سمعت وقرأت وتلقيت خلال القنوات المختلفة للتواصل. وأود أن انتهز الفرصة اليوم لأقول للجميع "شكرا"، لأنه كان من المستحيل فعل ذلك واقعيا.
وقبل انتقالنا إلى الشق السياسي من الحوار، أود، بعد إذنكم وإذن القناة الأولى، التي نستخدم خدماتها الجيدة بانتظام، أن أنقل امتناني إلى كل أولئك الذين تذكروا مولدي، والذين لم يتصلوا بي فحسب، بل وضعوا روحهم في تلاوة أعمالي الشعرية المتواضعة وأضافوا بعضا من "رؤاهم" الغنائية والفكاهية وغيرها من "الإبداعات" الأخرى.
وبادئ ذي بدء أتقدم بالشكر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تقديره الرفيع لعملي، وإلى رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وإلى قيادة الجمعية الفيدرالية وإلى الوزراء وإلى زملائي النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وإلى رؤساء وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك قطعا القناة الأولى وشركائنا الآخرين: "روسيا الأولى"، "روسيا 24"، "إن تي في" وغيرها من القنوات التي نظهر فيها غالبا وننقل لمواطنينا جوهر ما يحدث في وزارة الخارجية وما نحققه على الساحة الدولية.
كذلك أسعدني التهنئة التي وصلتني من قناة "تي إن تي"، حيث لم يدعوني، لكنهم هنأوني على الرغم من ذلك. وقادة الحركات الرياضية والمجتمع المدني بمختلف أشكاله، وبالطبع زملائي في وزارة الخارجية. من المستحيل إدراج الجميع. لدي مجلد سميك على مكتبي، والكثير من المواد على هاتفي، إذا كان لدي دقيقة فراغ، سأشاهد كل هذه المواد بالتأكيد. لكني أغتنم هذه الفرصة لأشكر من خلالكم جميع الذين احتفوا بي واحتفلوا بذكرى مولدي.
المفاوضات في الرياض قضية هامة. فما هو الهدف منها، وكيف انتهت. كيف تعلقون من فضلكم؟
لقد انتهت المفاوضات بالنتائج الأولية التي تم التوصل إليها هناك، والتي تم إبلاغها للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب. وكما اتفق الرئيسان، فقد أجريت مناقشات قضايا النقل البحري الآمن في البحر الأسود بالمقام الأول، ولم تكن تلك المحاولة الأولى.
جرت المحاولة الأولى في يوليو 2022، حينما توسّط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين متخصصين يمثلون الهياكل الأوكرانية والروسية واتفقوا على "حزمة" تتكون من شقين: الأول هو توفير أساليب مبسطة لتسليم الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود من خلال المضائق مع تفتيش السفن. وحتى لا يكون هناك أي مراوغات، يتم مراقبة نقاط نقل الحبوب من المنشأ وحتى نقاط التسليم، حتى لا يتم استغلال الرحلة الفارغة لدفعة جديدة من الحبوب لتسليم الأسلحة.
وتم الاتفاق على إجراءات التفتيش، والتي عملت لمدة عام كامل. بعد ذلك اضطررنا إلى إيقاف هذه العملية، على الأقل لأخذ قسط من الراحة، لأن الشق الثاني المكمّل لــ"الحزمة" تم تخريبه بالكامل. تعلق الأمر حينها بضرورة إزالة جميع "العقبات" أمام تصدير الحبوب والأسمدة الروسية. وجاء ذلك نتيجة إدراج جميع السفن التي تنقل المنتجات الزراعية الروسية، بما في ذلك الأسمدة، في قوائم المواد المحظورة. وقد رفعت شركة "لويدز" التي تؤمن هذه السفن أسعارها. وكان تحويل الأموال لتسليم منتجاتنا أيضا أمرا صعبا. ثم تم فصل بنك التنمية الزراعي الروسي "روس سيلخوز بنك" عن شبكة سويفت. وكان هناك الكثير مما يبدو أنه يهدف إلى رفع الأسعار، فقد خلق المزارعون الأوروبيون حالة من المنافسة غير العادلة لأنفسهم، ولكن في الوقت نفسه تجلّى تحيز الزملاء الغربيين في إغراق الأسواق الأوروبية بالحبوب الأوكرانية، على الرغم من أن جودتها كانت بعيدة كل البعد عن تلبية المعايير الموجودة في هذا المجال.
لقد فعل الغرب كل ما بوسعه لحماية أوكرانيا قدر الإمكان ومعاقبة روسيا قدر الإمكان.
لذلك، وعندما رفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يديه بعد عام من تنفيذ "مبادرة البحر الأسود"، وقال إن مبادرته لم تنجح، قلنا له عندما تنجح، فلنعد إلى هذه الصفقة. وغادرنا ببساطة الشق الأوكراني من هذه الصفقة، الذي تمت الموافقة عليه لمدة عام، مر العام ولم نجدد هذه الصفقة. أما "مذكرة التفاهم بين روسيا وأمانة الأمم المتحدة بشأن المساعدة في ترويج المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية في الأسواق العالمية"، فمدتها ثلاث سنوات، تنتهي في يوليو من هذا العام، إلا أنها بحاجة إلى إزالة جميع "العقبات" أمام تصدير الحبوب والأسمدة الروسية (التي تشكل حصة من السوق العالمية أكبر بكثير من نظيرتها الأوكرانية).
إن الأمين العام للأمم المتحدة وممثليه على اتصال دائم معنا، يحاولون المساعدة بطريقة ما. لكنهم يبحثون عن طرق ليس من خلال رفع العقوبات بشكل جذري، بل من خلال مطالبة الغرب (إذا كان يريد حقا أن يهتم بمصالح الدول النامية، الأغلبية العالمية، خاصة في إفريقيا) برفع الإجراءات التمييزية في مجال الأمن الغذائي.
وقد اتخذ الأمين العام غوتيريش مسارا مختلفا، فقرر البحث عن ثغرات في العقوبات الغربية دون المطالبة برفعها. علاوة على ذلك، فإن احترام هذه العقوبات وتنفيذها في الواقع هو أمر غير مقبول على الإطلاق من أي مسؤول في الأمم المتحدة، لا سيما الأمين العام. لأن ميثاق الأمم المتحدة ينص على أنه ليس من حق أي موظف في الأمانة العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام ونوابه، الحق في تلقي تعليمات من أي دولة. وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يبحث عن "ثغرات" بين العقوبات، معترفا بوجودها، فإنه بذلك ينفذ قرارات تتخذ في عواصم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا حق له في ذلك.
لذلك، فإن مفاوضينا الآن في الرياض، الذين عيّنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قاموا بتذكير الزملاء الأمريكيين بهذه القصة برمتها، وأخبروهم بأنه، وبالنظر إلى "السجل الحافل" لكل من أوكرانيا نفسها وتاريخ مبادرة البحر الأسود بأكملها، فإننا نودّ ألا يكون هناك أي غموض هذه المرة.
وأشار مفاوضونا أيضا إلى أنه عندما انتهت صلاحية الشق الأوكراني من المبادرة عام 2023، وبعد انسحابنا منها، أعلن الرئيس التركي أردوغان تجديده مرتين أو ثلاث مرات. علاوة على ذلك، طُلب منّا منذ عام دعمه حتى يمكنه استئناف هذه المبادرة بشكل مبسط، دون عمليات تفتيش فعلية للسفن الفارغة العائدة بعد تفريغ الحبوب والأسمدة. كنا مستعدين للذهاب إلى أبعد من ذلك، ثم في اللحظة الأخيرة، أعلن أردوغان أن فلاديمير زيلينسكي يرغب أيضا في الاتفاق على عدم استهداف المنشآت النووية، على الرغم من أن زيلينسكي وحده كان من يستهدف محطة الطاقة النووية في زابوروجيه. ولكن، بما أن مثل هذا الاقتراح جاء من كييف، فقد وافقنا عليه هو الآخر أيضا، بل وبدون أية آليات لتنفيذه. بعبارة أخرى، استجبنا لجميع طلبات الرئيس أردوغان، حتى تلك الطلبات التي انسحب منها زيلينسكي نفسه في اللحظة الأخيرة لسبب غير معروف. وافقنا، ثم اتصل الرئيس أردوغان بالرئيس بوتين وقال له: "لقد غيّر زيلينسكي رأيه".
وبالنظر لكل هذه "التغيرات في الآراء"، ولفجائية إعلان وقف إطلاق النار، فإن أوكرانيا توافق عليه فقط لأنها، في تلك اللحظة بعينها، تجد نفسها في وضع ميؤوس منه في ساحة المعركة. وبمجرد حدوث أي توقف فوري، في غضون أسابيع أو بضعة أشهر يتم انتهاك الهدنة بشكل صارخ.
لهذا فإن ما نحتاج إليه الآن هو الضمانات والآليات الأكثر وضوحا وتحديدا وقابلية للتحقق والعمل. وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قبل أيام قليلة، بأنه يدعم مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلان وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، وليس فقط وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة أو على البنية التحتية البحرية في البحر الأسود، ولكن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما بشكل عام. نعم نحن نؤيد ذلك، ولكن نظرا لطول خط التماس، فإن القدرة "العدوانية" على إثارة الاستفزازات تترك الأمر مفتوحا.
لقد قاموا مؤخرا بضرب محطة قياس الغاز في "سودجا" وقالوا إن روسيا هي من فعلت ذلك بنفسها. وعلى الرغم من أن هذه هي ممتلكاتنا، والتي يعتمد عليها إلى حد كبير استمرار إمداد عدد من البلدان الأوروبية بالطاقة. ومن المستحيل القيام بذلك الآن، كما انه من المستحيل استخدام اتحاد خط أنابيب بحر قزوين، الذي يعكس مصالح شركات كازاخستان والولايات المتحدة. وقد تعرضت إحدى محطات الضخ التابعة لها، وهي محطة "كروبوتكينسكايا"، للهجوم. لا يمكن إصلاح هذا الضرر بسرعة. ومن المتوقع أن ينخفض حجم النفط الذي يتم ضخه إلى المستهلكين الأوروبيين بشكل حاد بسبب عمل إرهابي آخر من قبل الأوكرانيين.
لقد قال الرئيس بوتين إننا نؤيد الهدنة، لكن هناك تفاصيل دقيقة: من سيضمن "التزام" النظام النازي في كييف؟ ونحن ندعو أيضا إلى النظر في طرق لتجنب التسبب في أي ضرر للبنية التحتية للطاقة، الذي يمثل أيضا تهديدا لمصالحنا. وكما قال الرئيس، فإننا نؤيد استئناف "مبادرة البحر الأسود" في شكل أكثر قبولا للجميع، وهذه القضية بالتحديد هي ما نوقش باعتباره أولوية في الرياض.
إن موقفنا بسيط، قمت بتوضيحه بشكل تقريبي. فلا يمكننا الوثوق "بكلمات" هذا الرجل. نريد أن تكون سوق الحبوب والأسمدة قابلة للتنبؤ، بحيث لا يحاول أحد "إزاحتنا" منها، وليس ذلك فقط من أجل أننا نريد أو أردنا تحقيق ربح مشروع في منافسة عادلة، ولكن أيضا لأننا نشعر بالقلق إزاء وضع الأمن الغذائي في البلدان الإفريقية وغيرها من البلدان في الجنوب والشرق العالميين، التي تعاني من هذه "الألاعيب" الغربية للمنافسة غير العادلة. إن الأسعار هناك ليست خيالية، لكنها يمكن أن تكون أقل بكثير إذا توقف الغرب عن التدخل في اللعب الحر لقوى السوق التي كان يعبدها حينما دعانا جميعا إلى "مملكة العولمة والحرية".
وكما أسلفت، فإننا سنحتاج إلى ضمانات واضحة. وإذا أخذنا في الاعتبار التجربة الحزينة التي مررنا بها في اتفاقيات كييف، فإن الضمانات لا يمكن أن تأتي إلا نتيجة لأوامر من واشنطن إلى زيلينسكي و"فريقه" بتنفيذ الأمر على هذا النحو وليس بأي شكل آخر.
ما يبدو لي أن شركاءنا الأمريكيين قد استوعبوا هذه الإشارة، وهم يدركون أن واشنطن وحدها هي القادرة على تحقيق نتائج إيجابية في وقف الهجمات الإرهابية وقصف البنية التحتية المدنية للطاقة غير المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري.
الآن، اتخذت أوروبا مسارا مختلفا تماما. فهي، وكما كانت في عهد نابليون وهتلر، وخلال حرب القرم، تظهر "رشاقة" لإلحاق "هزيمة استراتيجية" ببلدنا. وكما حدث في تلك العصور، تشهر الآن كل بلدان أوروبا تقريبا، مع استثناءات نادرة، السلاح، ومع أنهم لا يقاتلونا واقعيا على أراضي أوكرانيا بعد، إلا أنه، وبدونهم، لكانت أوكرانيا قد هزمت منذ زمن طويل، ولكانت حياة هذا النظام النازي قد انتهت.
وفي الوقت الذي تضخ فيه لندن وباريس، خاصة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعم من جوقة ضعيفة مندول البلطيق وعدد من البلدان الأخرى، نظام كييف بالأسلحة، فإن الحديث لم يعد يدور فقط عن مواصلة ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا، بل عن بعض ما يسمونه "تحالف الراغبين"، بشأن نشر نوع من "مهمة حفظ السلام" أو "مهمة ضمان أمن أوكرانيا" بعد نهاية الحرب. أو حتى نشر بعثتين في أوكرانيا: واحدة على الحدود مع الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو"، والأخرى من بلدان الجنوب العالمي (الهند وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية وحتى الصين). لكن هؤلاء "الحالمين" يثبتون عدم كفاءتهم السياسية التامة كل يوم، فالرغبة ليست فقط في "احتواء" روسيا، بل في إلحاق "الهزيمة" بها (حتى أن أحدهم قال إنه من الضروري إذلال فلاديمير بوتين)، لكن شعوري أننا مررنا بكل هذا بالفعل: نابليون وهتلر كان لديهما ذات الأهداف. ولتحقيق هذه الأهداف، قام نابليون وهتلر بغزو أوروبا بأكملها، وفي هذه الحالة يقومون بالتعبئة.
الآن بدأت أوروبا، بقيادة ألمانيا، بدءا من أورسولا فون دير لاين، في النظر بجدية إلى قضية إعادة التسليح مقابل مئات المليارات من اليورو في الوقت الذي يمرون فيه بضائقة شديدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي نتيجة لحقيقة أن إدارة جو بايدن "أفلتتهم من قبضتها" وأرسلتهم للقتال مع روسيا. هم يعانون من اللامركزية وعدد كبير من المشاكل.
وهذا يفسر جزئيا لماذا يطالبون بشدة وشغف بعدم "استسلام" أوكرانيا، وتسليحها، وعدم التلميح حتى إلى حقيقة أن هذا البلد لا ينبغي أن ينضم إلى حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي. وقد تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخرا عن هذه القضية، وهم يتناقضون بشكل مباشر مع إدارة ترامب، الذي صرح ووزير خارجيته ماركو روبيو ومستشاره للأمن القومي مايك والتز، وبوضوح، أن "المناقشات" الأولية حول معايير التسوية النهائية جارية حاليا، وقالها الرئيس الأمريكي إنه يجب نسيان قضية "الناتو" وليس هناك حاجة لإثارة هذه القضية. لقد ارتكب بايدن خطأ فادحا برفضه الاستماع إلى روسيا، وأصر على أن تكون أوكرانيا عضوا في حلف "الناتو"، وبالتالي خلق تهديدات غير مقبولة. وقال مايك والتز ومبعوث الرئيس ترامب ستيف ويتكوف إن القضايا الإقليمية "أساسية" لأن الأراضي التي جرت فيها استفتاءات كانت دائما روسية من حيث الثقافة واللغة والدين والتقاليد، وتريد شعوب هذه المنطقة أن تستمر في الحفاظ على ارتباطهم بالثقافة الروسية، التي يسعى نظام كييف إلى إبادتها تشريعيا.
ووقف إعادة التسلح الذي يتحدث عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمثابة خطوة مهمة نحو هذه التسوية، في الوقت الذي تقول فيه أوروبا وزيلينسكي: "كلا، لن نتوقف".
هل تستطيع الولايات المتحدة وإدارة ترامب التأثير على أوروبا اليوم؟ لماذا لا يحدث شيء؟
لافروف: قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه إنه أمر محرم. يجب مناقشة الأراضي لأن الحديث لا يدور عن مساحات من الأراضي، وإنما عن السكان الذين يعيشون هناك واختاروا ربط مستقبلهم بروسيا، ويتعين أيضا عدم ضخ الأسلحة إلى هناك. وفي جميع النقاط الثلاث، قام زيلينسكي، وقبل كل شيء، وبعد أن كان وقحا مع دونالد ترامب في البيت الأبيض، وذهب إلى لندن "فدلّلوه" هناك)، بالإدلاء بعدد من التصريحات الجريئة، بمجرد عودته إلى كييف، بما في ذلك رفض الوضع المحايد ومناقشة الأراضي، يقول لسان حاله: "أعطونا كل شيء". ماذا يعني هذا؟ بعد حظركم لكل ما هو روسي، بما في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية شقيقة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ووسائل الإعلام الروسية، والتعليم الروسي. بل إن هناك الآن مشروع قانون جديد في البرلمان الأوكراني لحظر الحدث باللغة الروسية في المدارس أثناء الفسحة المدرسية، بعد أن منعت اللغة الروسية بتاتا في الحصص. فما الذي يريدون فعله بإعادة المواطنين الذين قرروا أنهم "روس" في الاستفتاءات التي جرت في هذا البلد؟ لو أننا عشنا بكامل حقوقنا، كما يقولون، لكنا مواطنين روسا في أوكرانيا، وأنتم تحاولون إبادتنا جسديا وقانونيا.
في هذا الوضع، يتضح كيف ان أوروبا لا تكتفي بإظهار "استهانتها" بتحليل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه بأن قضية الأراضي الخالية من "الناتو" يجب أن تكون محل "نقاش وحل"، لكنها تريد أيضا "تحريض" زيلينسكي نفسه. وحينما يتحدث الأوروبيون عن "قوات حفظ السلام" أو "قوات الأمن"، فإنهم يقصدون، على الأقل، أن الجزء الذي تسيطر عليه حكومة كييف حاليا، أو الذي ستسيطر عليه وقت التوصل إلى اتفاق ما، يجب أن "يصمم على نحو عاجل بما يناسب أوروبا، ليناسب البريطانيين والفرنسيين".
ولا يتحدث أحد عن حقيقة أنه فيما تبقى من أوكرانيا، التي ستعود أو عادت بالفعل إلى "موطنها الأصلي"، فإن الحقوق اللغوية والتعليمية والثقافية للجميع، للروس وللأقليات القومية، مضمونة للجميع على حد سواء. وعندما يتم الاستيلاء على "بقايا" أوكرانيا، إذا ظلت على قيد الحياة بشكل أو بآخر، من قبل قوات الأمن التابعة لدول "الناتو" (بغض النظر عن العلم الذي تحمله)، فلا أحد يقول إنهم سيعملون بعد ذلك على تعزيز الديمقراطية في الأراضي المتبقية، أو أنهم سيلغون القوانين العنصرية والمعادية لروسيا والتي تدمر كل شيء روسي. لا أحد يتحدث عن ذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن قوات الأمن هذه ستعمل على تعزيز النظام النازي بحظر كل ما يذكر ولو بالنذر اليسير بالجذور الروسية لهذا البلد، الذي ظهر إلى الوجود في الأساس بفضل الروس.
كيف يتم التفاوض إذن؟ إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وافق على أننا لن نهاجم منشآت الطاقة (برغم أننا لم نفعل ذلك) لمدة 30 يوما، وعلى الفور انطلقت طائرات مسيرة أوكرانية نحو مستودع النفط في كوبان. ويبدو ذلك وكأنه "دائرة مفرغة" من نوع ما. ما مقدار الصبر الذي تحتاجون إليه؟ لقد حدث ذلك على الفور بعد ساعات من المحادثة.
لافروف: هناك أمثلة كثيرة من هذه العينة، أقول إن هذا النظام لا يستطيع التفاوض. لذلك، فالأمر لا علاقة له بعدم القدرة على التفاوض فحسب، وإنما ببعض "الخصائص" الجديدة لهذه "الشخصيات"، وسعيهم ليس للخداع فحسب، وإنما على استعراض الحقد الدفين، بشكل استعراضي، والقيام بكل الموبقات التي تتعارض بشكل مباشر مع ما يطلب منك القيام به، حتى بعد مما يبدو من أنك وافقت.
أعلن نظام كييف في جدة ولأول مرة، 11 مارس الجاري، موافقته على هدنة لمدة 30 يوما. وألقى اللوم على روسيا على الفور، قائلا: "دعونا نتفق فورا، ودون قيد أو شرط. وبدأت كل تلك الشخصيات الأوروبية أمثال ماكرون وستارمر وفون دير لاين على الفور الصراخ بأن "الكرة" أصبحت الآن في ملعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقام بوتين، برغم قولهم جميعا قبل ثلاثة أيام فقط من ذلك إنه لا يوجد وقف لإطلاق النار، إلا أنهم وقبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات يحتاجون إلى "تحفيز" أوكرانيا حتى تتمكن من التصرف من موقع القوة. لقد غيروا مواقفهم على الفور بمجرد أن "تغير اتجاه الريح".
وفي 11 مارس أيضا، عندما أعرب الأوكرانيون وزيلينسكي عن استعدادهم لهدنة، وأصبحت الحاجة الآن لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تلك الهدنة، أطلقوا عددا قياسيا من الطائرات المسيرة (نحو 340) إلى المناطق الوسطى في روسيا، بما في ذلك موسكو ومقاطعة موسكو. لم يحدث هذا من قبل. ابتلع الغرب كل ذلك، ولم ينبس أحد ببنت شفه حول كيفية أن تجرؤ أوكرانيا على ذلك، في الوقت الذي أعلنوا لتوهم قبولهم للهدنة، وافق الأوروبيون فحسب. الآن وقفوا ينتظرون كيف سترد روسيا بالشكل المناسب. أطلقوا 340 طائرة مسيرة على أهداف مدنية فقط، وعمل دفاعنا الجوي بشكل موثوق.
نرى الآن الشيء نفسه. وعندما تم اللقاء في الرياض، اتفقنا أولا مع الإدارة الأمريكية، بناء على التفاهمات بين الرئيسين بوتين وترامب، على أن الخبراء من الولايات المتحدة سيذهبون إلى الرياض. لكن على ما يبدو، في واشنطن قام "النشطاء" بالدفع بشيء ما نحو المقدمة، ودعوا الأوكرانيين إلى هناك كما تعلمون. وصلوا بعد يوم واحد وبدأت المحادثات بعد أن غادر خبراؤنا.
كان هناك شعور، ولا أعتقد أنني أكشف بذلك سرا كبيرا، أن الأمريكيين يريدون وضع الأوكرانيين والروس في "غرف متجاورة" وإجراء "دبلوماسية مكوكية" بين الوفدين، وإصدار نوع من النص الموحد. لكننا أوضحنا مرة أخرى ما ناقشه رئيسانا، لدينا فهم واضح تماما أن الرئيسين اتفقا على التحرك بشكل موثوق، بحيث لا يقبل أحد وثائق غير مثبتة بعد الآن. وحتى تلك التي يتم قبولها مع "ضمانات" معينة، أن تكون تحت سيطرة الزملاء الأمريكيين لضمان تنفيذها والالتزام بها من قبل نظام كييف.
وهذا ما نتحدث عنه الآن. تريد أوروبا بكل الطرق "تقويض" دور الولايات المتحدة في حل الأزمة الأوكرانية، ولا تريد حلها من خلال القضاء على الأسباب الجذرية لها. وقد ذكرت الأسباب الجذرية: حلف "الناتو"، وانتهاك حقوق الشعب الروسي، وكلما يرتبط بروسيا، سواء من الناحية القانونية أو الجسدية.
في الوقت نفسه، يقول السيد ستيف ويتكوف، بتفاؤل كبير، إنه سيتم التوصل إلى هدنة (في البداية قال في غضون أسبوعين، والآن يقول بحلول عيد الفصح، أي بعد شهر). فهل تشاطرونه تفاؤله؟ أعرف أنك لا تتلقى مقابل على تفاؤلك.
لافروف: في كثير من الأحيان تتم مقارنة عادات وتقاليد الاتحاد السوفيتي مع هو واضح الآن أيضا في بعض الدول الغربية. لقد كان لدينا "خطة خمسية في أربع سنوات". وبعد أن رفضنا "الإلحاد" أصبحنا نقول أيضا (بحلول عيد الميلاد، وهنا يقولون بحلول عيد الفصح). لا أريد طرح سؤال بهذا الصدد. السيد ويتكوف شخص ذكي ونشيط، ويبدو له أن الجميع يجب أن يفهموا ما يعتبره أمورا بديهية. لقد فهم جوهر هذا الصراع، استنادا لتصريحاته خلال مقابلته مع تاكر كارلسون. لكنه يبالغ بشكل كبير في تقدير النخب في الدول الأوروبية التي تريد أن "تعلق مصيرها" بيدي زيلينسكي، حتى لا تسمح له بـ "الاستسلام أو الوهن".
لكن زيلينسكي نفسه لا يريد "الاستسلام"، وهو يدرك أن أيامه معدودة، وأن "صورته المشرقة" (كما حاول بناءها بين الناس) قد تلاشت منذ زمن طويل، باستثناء ذلك الجزء من السكان الذي يعكس آراء ستيبان بانديرا المتطرفة واليمينية والانتقامية (وهناك عدد غير قليل من هؤلاء الناس هناك أيضا).
على مدى كل هذه السنوات، تدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بشكل مطرد، حتى خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى، ووصلت، كما يمكن للمرء أن يقول، إلى أدنى مستوياتها. لماذا يقوم رئيس الولايات المتحدة الآن بتغيير مفاجئ لنموذج العلاقات مع روسيا؟
لافروف: أعتقد أنه اكتسب خبرة لا تقدر بثمن خلال فترة ولايته الأولى. أولا، فيما يتعلق بضرورة وجود فريقك الخاص. تدهورت العلاقات إلى حد كبير لأنه خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى، تجمع حوله أشخاص عشوائيون. وفي الولايات المتحدة، يقول المحللون إن السبب وراء ذلك هو الاعتقاد بأنه لن يسمح له بالترشح للرئاسة، وأنه لم يستعد جيدا في ولايته الأولى. ولهذا السبب كان هناك أشخاص خانوه.
لقد استدعى مؤخرا من الذاكرة نائبه، ووزير خارجيته، ومستشاره للأمن القومي، الذي لا يزال ينتقده بطريقة غير مهذبة للغاية (بل يمكن القول بوقاحة). ولهذا السبب فإن دونالد ترامب شخص حاسم، وعندما قرر الانتقام من الانتخابات السابقة، حيث فاز جو بايدن بأصوات ملايين "الموتى" أو من أرسلوا بطاقات الاقتراع بالبريد بأعداد هائلة، قرر الانتقام بالحصول على ما يستحقه بموجب التاريخ وإرادة الشعب الأمريكي. وقد نجح في تحقيق ذلك من خلال إدارته حملته بطريقة مختلفة تماما. والسرعة التي وافق بها على فريقه في مجلس الشيوخ تشير إلى أن ترامب بدأ في تشكيله منذ فترة طويلة.
وهذا الفريق من الأشخاص ذوي التفكير المماثل لا يخجلون فحسب من قول الأشياء التي يتفقون عليها فيما بينهم، والتي يعتقدون أنها تعكس المصالح الوطنية للشعب الأمريكي. عندما كنا في الرياض مع مساعد الرئيس يوري أوشاكوف، التقينا السيد روبيو والسيد والتز، حيث قال الأول إن السياسة الخارجية لدونالد ترامب تصب في المصلحة الوطنية الأمريكية، لكنه يفهم في الوقت نفسه أن للدول الأخرى، لا سيما الدول العظمى، مصالحها الوطنية الخاصة. وهذه المصالح لا تتطابق دائما، بل إنها في معظم الحالات لا تتطابق. ولكن عندما تتزامن هذه المشاريع، فمن الإجرام عدم استخدام هذه المصادفة وتحويلها إلى مشاريع مادية مشتركة ذات منفعة متبادلة في الاقتصاد، والطاقة، والبنية الأساسية، والخدمات اللوجستية.
الفكرة الثانية هي أنه عندما لا تتوافق المصالح (وهو الحال في الأغلب)، فإن على القوى المسؤولة أن تقوم بكل ما هو ضروري لمنع هذه الاختلافات من الانزلاق إلى مواجهة، خاصة إذا كانت مواجهة "ساخنة".
ونحن قلبا وقالبا ندعم هذا النهج، وأعتقد أنها ذات المبادئ التي ينبغي أن تبنى عليها العلاقات مع أي بلد.
وهذه المبادئ نفسها التي تقوم عليها العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. لدى البلدين الكثير من الخلافات، وفي كثير من الأحيان، يلجأ الطرفان إلى تبادل "المجاملات" القاسية عبر مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. ويقول الصينيون إنهم يدينون الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى لمعاملتها تايوان كدولة مستقلة. ويقولون إنهم ملتزمون بالتوحيد السلمي للوطن الأم، ولكن إذا لزم الأمر، فهم مستعدون لتحقيق هذا الهدف للشعب الصيني العظيم. فيرد الأمريكيون، لن تجرؤا على فعل ذلك، لكن الحوار بين البلدين لا يتوقف أبدا.
أعتقد أن ما شهدناه في عهد جو بايدن هو حالة شاذة. وهذا لا يضيف إلى السياسيين، خاصة من لديهم خبرة مثل بايدن، لقد كان فخورا بتجربته، ولكن، عندما فجأة تنقطع عن العلاقة مثل صبي في الروضة، أو تبتعد عن فتاة، وتقطع العلاقات كما تقطع علاقات الصداقة الشخصية فهذا غباء.
واستئنافنا للحوار الآن، برغم كل الخلافات الجادة، يشكل عودة إلى الوضع الطبيعي. ومثل هذا الحوار ضروري، لا سيما أن ما تتم مناقشته ليس قضية أوكرانيا وحدها.
لقد نجح بايدن بشكل مصطنع في جلب القضية الأوكرانية إلى قمة الأجندة الدولية. أخبرنا عدد من الأصدقاء أن هذه القضية لا تستحق الاهتمام، وأن هناك مبالغة كبيرة في رد الفعل تجاه العملية العسكرية الخاصة، التي بدأت بعد عشر سنوات من تحذيرنا من أن ما يفعلونه لن يؤدي إلى شيء جيد. بعد الانقلاب، وبعد أن تم توريط "الناتو"، حذرنا من كل زاوية ممكنة. ومنذ 2007 نحاول التحذير، وقد تحدث بوتين عن نضوج ظاهرة إفلات الغرب من المحاسبة والعقاب، وشعوره بالاستثنائية المفرطة والحصرية، حتى أصبح كل شيء واقعا متجسدا.
الآن، وبطبيعة الحال، هناك خلافات. لكن هل مصلحة استعادة إمدادات الطاقة الطبيعية إلى أوروبا تقتصر على الولايات المتحدة وروسيا فقط؟ هناك حديث عن مشروع "السيل الشمالي"، ومن المرجح أن يكون من المثير للاهتمام أن يستخدم الأمريكيون نفوذهم على أوروبا لإجبارهم على عدم رفض الغاز الروسي. إنه أمر سيريالي حقا، حيث تدفع أوروبا والشركات الآن ثمنا للطاقة أغلى بعدة أضعاف مما تدفعه الشركات الأمريكية. في الوقت نفسه، ثمة أشخاص مثل ر. هابيك وفون ديرلاين وبيستوريوس يقولون إنهم لن يسمحوا أبدا باستعادة عمل خط أنابيب "السيل الشمالي، إنهم إما مرضى أو انتحاريون.
إنه أمر طبيعي عندما يكون هناك محادثات، وتتم مناقشة إمكانية إزالة العراقيل أمام المشاريع الاقتصادية المشتركة ذات المنفعة المتبادلة، فيما يشمل قطاعات الطاقة والفضاء والقطب الشمالي، فنحن قوتان عظميان تطلان على القطب الشمالي.
ونحن لا نعيش تحت تأثير أية أوهام، حيث خدعنا "شركاء" بايدن إلى حد كبير في العلاقات الثنائية. ولكن، وبما أن فريق ترامب يريد أن يجعل هذه العلاقة مفيدة للطرفين حيثما أمكن، ومحترمة بشكل متبادل حيث نختلف، ولا يسمح للخلافات بين القوتين النوويتين الأكبر بالتصاعد إلى مواجهة، فنحن في هذا متفقون.
عدم الوقوع تحت تأثير أي أوهام. هل يعني ذلك أننا سوف نكون مختلفين بطريقة في هذه العلاقة؟ ما هي الأخطاء التي ربما ارتكبناها سابقا عند بناء العلاقات، والتي بالتأكيد لن نرتكبها مرة أخرى؟
لافروف: "ثق، لكن تحقّق". هي الوصية العظيمة لرونالد ريغان، والتي تذكرها دونالد ترامب. ونحن أيضا لن ننساها.
وهنا مزيج من الفهم الحضاري للمرحلة الراهنة من التنمية، حيث أصبح من الضروري وضع المصالح الوطنية في المقام الأول، في حين أصبح من الواضح أن العولمة، بجهود الإدارة السابقة، من بين أمور أخرى، قد تم تدميرها. حيث بدأوا باستخدام الدولار كسلاح. وقال ترامب، حتى قبل أن يصبح رئيسا، وأثناء الانتخابات، إن بايدن ارتكب خطأ فادحا، إن لم يكن جريمة، عندما بدأ في استخدام الدولار "لمعاقبة" دول بعينها. وبناء على ذلك، لم يقتصر الأمر على أولئك الذين حاول معاقبتهم بحرمانهم من فرصة استخدامه، بل بدأ آخرون أيضا في التمعن والتفكير. إنهم يعاقبون الآن روسيا وإيران وفنزويلا وربما آخرين. ماذا لو لم يعجبهم أحدنا في المرة القادمة؟ تذكروا كيف أهان جو بايدن المملكة العربية السعودية ثم أجبر على الذهاب لصنع السلام.
الجميع يفكرون بنفس الطريقة تقريبا. وإذا جاءت فجأة إدارة أمريكية (كل إدارة يمكنها إلغاء كل ما اتفقت عليه الإدارة السابقة) وهي لا تحب أحدا غير موجود حاليا في "القائمة السوداء"، ستقوم بالشيء نفسه.
ربما إذن يكون من الأفضل في هذه الحالة أن نلعب بأمان، ولا نكتفي بإنشاء عملتنا الخاصة، بل نستخدم العملات الوطنية في التسويات، وليس الدولار أو اليورو. والأوروبيون هم أشخاص أقل قابلية للتنبؤ. وتجري حاليا مناقشة منصات الدفع مثل "البريكس" وهي عملية لم يعد من الممكن إيقافها.
إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رجل عملي. لا يحب الفلسفة، بل يحب حل المشاكل. وقال إن الولايات المتحدة تحتاج بشدة إلى غرينلاند من أجل الأمن. تحدثنا عن هذا الأمر مع الأمريكيين، ولدي شعور كامل بأنهم فهموا الأمر. بالنسبة لهم، مثل هذه المقارنات مهمة للغاية، وبالنسبة للمصالح الأمنية المشروعة لروسيا، فإن أوكرانيا أكثر أهمية بعدة مرات من غرينلاند لضمان أمن الولايات المتحدة، وقد فهموا هذا.
بالمناسبة، وبشأن غرينلاند. ظاهرة مخزية. أعرب الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، قبل الاجتماع مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، عن أمله في ألا "تجر" الولايات المتحدة حلف "الناتو" إلى قضية غرينلاند. ما الذي يحدث؟ الرجل الذي يتوجب عليه رعاية مصالح الدول الأعضاء (الدنمارك، التي تمتلك حاليا غرينلاند، وهي عضو في حلف "الناتو") وعدم السماح بانتهاك السلامة الإقليمية للدول الأعضاء في التكتل، قول إنه يفعل هذا، لكنه لا يريد حتى التحدث عن غرينلاند. في الوقت نفسه، وفيما يخص أوكرانيا، التي ليست عضوا في حلف "الناتو" ولن تكون أبدا، لا يتردد السيد روته في التأكيد على أنهم يطالبون بألا يجرؤ أحد على انتهاك سلامة أراضي أوكرانيا بطرف إصبع. وحدة أراضي الدنمارك، افعل ما شئت، أما أوكرانيا ممنوع اللمس. إنه شخص مضحك ومثير للشفقة.
يريد الأمريكيون إشراك الصين في معاهدة "ستارت-3". ما مدى واقعية هذه الفكرة برأيك؟
لافروف: القرار يعود للصين. لقد قلنا هذا مرات عديدة، وأدلت بكين مرارا وتكرارا بتعليقات عندما ظهرت هذه القضية في المجال العام. ويمكن تلخيص ذلك في حقيقة مفادها ان الترسانة النووية الصينية لا تتناسب مع الترسانات النووية للولايات المتحدة وروسيا. وبمجرد الوصول إلى مستوى مماثل، سيصبح من الممكن التفكير في كيفية تفاعل القوى النووية في المستقبل.
ونحن نواصل العمل في الدول الخمس النووية على مستوى الممثلين لدى الأمم المتحدة. ويتم عقد اجتماعات أيضا على مستوى نواب الوزراء. وبمبادرتنا، انعقدت قمة عبر الإنترنت في يناير 2022، حيث تم ترجمة صيغة "غورباتشوف-ريغان" التي تقول إنه لا يمكن أن يكون هناك منتصر في أي حرب نووية، ولا ينبغي إطلاق العنان لذلك على الإطلاق، إلى صيغة مكونة من خمسة أطراف. وقد كررت "الخمسة" النووية بأكملها هذه الصيغة.
نحن لسنا ضد الاستمرار في العمل بهذا الشكل. وبالمناسبة، لم يتوقف الأمر أبدا. وما يتم مناقشته هناك هو في المقام الأول تدابير لبناء الثقة، غير مرتبطة بأي تخفيضات أو حتى بمناقشة المعايير الكمية للترسانات النووية للدول، وتجنب أي حوادث.
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب (ومن قبله بايدن) يقولون إن الصين يجب أن تشارك في هذه المفاوضات. وكان موقفنا: أولا، هذا شأن بكين. ومهما كان قرار الصين، فسنتعامل مع اختيارها باحترام كامل. وإذا كنا نتحدث عن توسيع دائرة المشاركين، فأين نضع فرنسا وبريطانيا؟ إن هاتين الدولتين، إلى جانب الولايات المتحدة، أعضاء في نفس التحالف، الذي لم يتكلم عنا بكثير من الخير خلال سنوات حكم باين، وحتى قبله، والذي خلال فترة رئاسته أعلن ببساطة أننا "التهديد الرئيسي". فإذا كنا "التهديد الرئيسي"، ويطلبون منّا أن نتحدث، دون أن نمسّ هذين الطرفين، فهذا ليس عدلا.
لا بد من استعادة الحوار الروسي الأمريكي بشأن الاستقرار الاستراتيجي. نحن نتفق مع هذا. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يتم ذلك إلا على أساس العودة إلى المبادئ التي استندت إليها معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، والتي ينعكس في ديباجتها الارتباط بين الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والأسلحة الدفاعية الاستراتيجية، وكذلك الاحرام المتبادل والاتفاق على اتخاذ الإجراءات حصريا على أساس الندية والمساواة. وما دام أننا في جوهر عقيدة الطرف المقابل أعداء، فما هو نوع الاستقرار الذي يمكننا الحديث عنه؟
إننا نؤيد المفاوضات في كافة المجالات. نحن نؤيد رياضة الهوكي وكرة القدم. وهي ليست، بالمناسبة، ألعابا، وإنما هي ما يريده الناس. ففي الرياضة، الغالبية من الرياضيين المحترفين الروس والأمريكيين، ومن أي بلد آخر، بما في ذلك في الغرب، يعتبرون ما يحدث فيما يتعلق باستبعاد الرياضيين الروس والبيلاروسيين، وكذلك فيما يخص قيام رجل، يسمي نفسه امرأة، بضرب امرأة حقيقية في مباراة ملاكمة، أمرا غير طبيعي تماما. وفي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هناك وعي بعدم جواز انحراف الطبيعة البشرية والقيم التقليدية (الدينية والثقافة والأخلاقية. وينبغي أن يكون لهذا تأثير علاجي على المجتمع الغربي بأسره. وأتمنى أن يحدث ذلك.