كتبت زييب حمود:
لم تُفاجأ حنين السيد عندما عرض رئيس الحكومة نواف سلام عليها منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية، لأنّ «الفكرة كانت تخطر في بالي. ومع أنّي لم أسعَ إلى المنصب، ولكنّني قلت إنه إذا عُرض عليّ يوماً سأقبل به». الوزيرة التي جاءت من خلفية اقتصادية بعدما عملت طويلاً في البنك الدولي، تخطّط لـ «تخفيف الأعباء المادية عن الوزارة عبر تمكين العائلات وخلق فرص عمل لأفرادها لإخراجهم من دائرة الفقر». كما طلبت إعادة مسح العائلات المستفيدة من برنامج «أمان» لـ «قطع الطريق على الغش وحصول عدم مستحقين على الدعم». وعلى صعيد النازحين السوريين، ترى السيد أنّ «الوقت مناسب جداً لعودتهم، لذلك طلبتُ من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إعداد خطة عودتهم، وتنفيذها من الموازنة المرصودة للاستجابة لاحتياجات النازحين السوريين في لبنان، وأقدّر أن تبلغ كلفة الخطة في المرحلة الأولى حوالى 200 مليون دولار». وفي ما يأتي نص الحوار:
الملفّات كثيرة في أدراج وزارة الشؤون الاجتماعية وعمر الحكومة قصير، ما هي الأولويات؟
العنوان الكبير لهذه المرحلة هو وضع رؤية شاملة للوزارة في إطار التنمية والعدالة الاجتماعية بعيداً عن دفع مساعدات نقدية للمحتاجين. تفرض الفئات الواقعة تحت خط الفقر نفسها أولوية بين الفئات التي تحتاج إلى حماية اجتماعية، خصوصاً بعدما وصلت نسبة اللبنانيين تحت خط الفقر عام 2022 - 2023 إلى 33%، يُضاف إليهم ما لا يقل عن 10% فئات هشّة على عتبة خط الفقر. وهذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الفعلية اليوم بعد الحرب الإسرائيلية والخسائر الاقتصادية التي خلفتها. لذلك اعتمد نسبة 55% كمعدل للفقر في لبنان.
على أي الفئات سيكون تركيز الوزارة؟
نسبة الأطفال بين عمر الصفر والخمس سنوات تحت خطر الفقر تبلغ 55%. هذا الرقم مخيف لأنّ تبعات الفقر المدقع وسوء التغذية بين الأطفال تظهر على الأمد البعيد على شكل تأخّر في النمو الجسدي والذهني. لذلك، طلبت من فريق العمل في الوزارة إطلاق برنامج تدخّل صحي معنوي اجتماعي نفسي تربوي للأطفال دون سن الخامسة.
كيف ستستجيب الوزارة لهذه النسب المرتفعة في ظلّ موازنة محدودة؟
إلى جانب المساعدات النقدية التي تستفيد منها العائلات الأكثر فقراً عبر برامج «أمان»، نسعى إلى العمل على تمكين هذه العائلات اقتصادياً وإخراجها من دائرة الفقر عبر تأمين العمل للقوى القادرة على العمل منها، مع التركيز على النساء. وهذا سيخفّف من العبء المادي على الوزارة مع الوقت، لأن غالبية المستفيدين من البرنامج عاطلون من العمل أو يعملون في أعمال غير نظامية ويفتقدون إلى الحماية الاجتماعية.
كيف ستقدمون هذه المساعدات؟
على شكل تعليم مهارات وتدريب القوى العاملة، وتوفير المواد الأولية لها مثل ماكينات الخياطة، أو المساعدة في الحصول على قروض ميسرة لإدارة مشاريع ذات تكاليف بسيطة، عدا عن تأمين وظائف لهم في القطاع الخاص.
هل انطلق هذا المشروع؟
في اجتماع في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان قبل أيام، طلب أصحاب العمل من الوزارة تأمين كفاءات لبعض المهن وأيدٍ عاملة تحمل مواصفات معينة على صعيد العمر، المستوى التعليمي، المهارات المكتسبة، والخبرات السابقة، ووعدناهم بالبحث عمّن يطابق هذه المواصفات بين أفراد العائلات المستفيدة من برنامج «أمان». كما حصلنا على هبات من منظمة العمل الدولية والبنك الدولي لتطبيق تجارب لمشروع تمكين العائلات الأكثر فقراً اقتصادياً، الأولى في عكار وطرابلس والثانية في الجنوب، وسندرس نتائجها لتعميمها على جميع أنحاء لبنان. علماً أنّ دولاً مثل مصر والأردن وجورجيا وغيرها قدّمت تجارب ناجحة في هذا الإطار. في الشمال، بدأنا العمل على تقييم حاجات السوق وسنختار عائلات للمشاركة في المهن المطلوبة. أما في الجنوب، فلم يعد في الإمكان تنفيذ المخطط المعدّ قبل حرب الـ 66 يوماً، لذلك سنعيد النظر في مكان تطبيقه خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي طال ستة مراكز للوزارة.
تحدثتِ عن تمديد الاستفادة من برنامج «أمان» لخمسة أشهر إضافية. هل سيستمر البرنامج بالآلية ذاتها ويستهدف العائلات نفسها، أم سيُعاد النظر في استفادة عدد ممّن لا يستحقون وحجب الدعم عن بعض المستحقين؟
أحد الأسباب وراء عدم حصول مستحقين على الدعم النقدي هو أنّ الموازنة المرصودة لـ «أمان» تعجز عن تغطية جميع الفقراء والمستحقين، وتغطي 166 ألف عائلة و800 ألف فرد، أي بمعدل 50% من الفقراء اللبنانيين، ويبقى 50% آخرون مستحقين ولا يحصلون على الدعم. أما عن استفادة عدد من عدم المستحقين، فهذا أمر خطير لأنهم يأخذون الدعم من طريق المستحقين، لذلك طلبت إجراء المسح ثانية ومعاودة زيارة العمّال الاجتماعيين في الوزارة للعائلات المستفيدة للتأكّد من صحّة البيانات، وستستغرق المهمّة حوالى ثلاثة أشهر. وأوصيت بإرسال عاملين من غير المناطق التي جاؤوا منها لينتفي احتمال الوقوع في التحيّز. سنستمر حتى تشرين الأول المقبل في دعم العائلات نفسها، وإذا تبين خلال هذه المدة وجود غش لدى عائلات مستفيدة نحجب عنها الدعم لمصلحة أخرى مستحقة، خصوصاً العائلات المتضررة من الحرب والتي ستكون لها حصة من الدعم في المرحلة المقبلة من البرنامج التي يفترض أن تبدأ في تشرين الثاني المقبل.
هل بدأتم مسح العائلات المتضررة من الحرب؟
وصلنا في المسح إلى 40 ألف عائلة من أصل 200 ألف عائلة سجّلت لدى البلديات خلال الحرب، ويملأ الاستمارات عمال اجتماعيون في الوزارة بدعم من برنامج الغذاء العالمي، وخلال شهرين نكون قد أنجزنا الزيارات ثم نبدأ في تحليل البيانات ونقرر على أساسها من سيشملهم برنامج «أمان».
ما هي المعايير التي تعتمدونها لتحديد العائلات التي تستحق الدعم المالي؟
معايير الفقر المعتمدة في برنامج «أمان» للعائلات الأكثر فقراً نفسها، علماً أنّ المتضررين بحاجة إلى أكثر من 140 دولاراً التي يوفّرها البرنامج خاصة لجهة توفير مأوى والتعويض عن الأضرار.
نسبة الأطفال بين عمر الصفر والخمس سنوات تحت خطر الفقر تبلغ 55%
هل تمويل برنامج «أمان» في المرحلة المقبلة مؤمّن؟
ليس هناك تمويل جاهز، ونسعى إلى ألا يتوقف الدعم عن البرنامج ما دام هناك من يحتاج إليه. وكل الجهات الممولة التي تواصلنا معها أبدت إيجابية.
هل هذه الجهات مستعدة لإعادة الإعمار أيضاً؟
وصل النقاش بين البنك الدولي والحكومة حول القرض الأول للبدء في إصلاح البنى التحتية إلى مراحله الأخيرة. وخلال نيسان سيحصل لبنان على أول 250 مليون دولار. وفي نيسان أيضاً ستطرح في الاجتماع الدوري بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن (يعقد كل 6 أشهر) مسألة التمويل الدولي لإعادة الإعمار، حيث تلتقي الدول المانحة مع وفد يمثل لبنان، وهذه ستكون أول محطة في حشد التمويل تليها خطوات لاحقة لعقد مؤتمرات للمانحين.
إلى أي مدى يستعدّ لبنان لتنفيذ شروط تمويل إعادة الإعمار التي حددها البنك الدولي؟ وهل سلاح المقاومة هو شرط صريح مقابل الإعمار؟
البيان الوزاري كان واضحاً بوجوب تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701 وكلّ مندرجاته، وهذا موقف الحكومة ورئيس الجمهورية في خطاب القسم من مسألة السلاح. أما الشروط حول الإصلاحات الإدارية والمالية، والأوسع المرتبطة بالتعافي الاقتصادي مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، فيجب أن ننفذها من دون أن يشترط أحد علينا ذلك. في النهاية نحتاج إلى الدعم لإعادة الإعمار، ولا سبيل لذلك من دون تمويل خارجي.
ما كانت أول الشروط لصرف الدفعة الأولى؟
إجراء إصلاحات في مجلس الإنماء والإعمار وتشكيل إدارة جديدة فيه.
كيف انعكس حجب المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية على برامج «الشؤون»؟
لا نحصل على دعم مباشر من الأميركان. هناك جمعيات تعمل معنا توقف الدعم عنها، من بينها جمعية مهمة في مجال الإعاقة هي «وورلد ريليف فاند»، كما توقّف الدعم عن مشروع تركيب طاقة شمسية كان مخططاً له في عشرة مراكز تابعة للشؤون، عبر منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف».
هل بدأ نقاش جدي في الحكومة لعودة النازحين السوريين؟
نعم، تشكلت لجنة من وزارات الخارجية والعدل والشؤون والعمل والداخلية والدفاع، وستبدأ العمل الأسبوع المقبل لرسم سياسة لملف النازحين، نأخذها إلى الجانب السوري ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد بدأتُ الحوار في الملف عندما كنت في بروكسل قبل أسبوع مع رئيس المفوضية فيليبو غراندي.
المفوضية تقول باستمرار إنّ الوقت غير مناسب لعودة النازحين السوريين؟
الوقت مناسب جداً. وهذا ما قاله لي رئيس المفوضية، ونحن متفاهمون ومتفقون على العودة.
كيف سيحصل ذلك؟
بناء على إحصاءات المفوضية الصادرة قبل شهر، 24% من النازحين السوريين في لبنان (بمعدل 400 ألف شخص) مستعدون للعودة إلى بلدهم ولكنهم يحتاجون إلى مساعدة على صعيد معرفة ما هو الوضع في سوريا، تأمين كلفة النقل، وتأمين شروط الحياة هناك. لذلك طلبت من المفوضية إعداد خطة العودة، تجيب عن هذه الأسئلة مثل تحديد المناطق القادرة على استقبالهم على أكثر من صعيد، وتحدّد الكلفة الإجمالية لنقل النازحين وتأمين مخصّصات مالية شهرية للأشهر الأربعة أو الخمسة الأولى ريثما يقومون بتسوية أوضاعهم، وهي نفسها المخصصات التي يحصلون عليها ضمن برنامج دعم النازحين في لبنان. هكذا نحسم من الموازنة المرصودة لخطة الاستجابة لاحتياجات النازحين جزءاً لتأمين العودة الطوعية، والتي أقدّر أن تبلغ حوالى 200 مليون دولار في المرحلة الأولى.
هل سيكون للنازحين السوريين الجدد الذين هربوا بعد سقوط النظام حق النزوح في لبنان؟
سنتناول هذا الموضوع في اللجنة، ولكن لبنان ليس دولة لجوء بل عبور، ويجب أن يطبّق هذا على كل الفئات.
لكننا استقبلنا النازحين الذين هربوا من الاضطهاد السياسي للنظام السابق، فلماذا لا نطبق الأمر نفسه مع النظام الجديد؟
لنقل إننا تعلمنا دروساً من تجربة استقبال النازحين 14 عاماً من دون أن نضع أي مخطط لعودتهم، بعدما اعتبرنا أن وجودهم مؤقت. غير أنّ الوضع في سوريا اليوم لم يتبلور بعد ولا نعرف علامَ سيرسو، وربما ينجح النظام الجديد في احتواء كل الفئات.
متى سيوقع لبنان الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين؟
قريباً جداً بعد أن صار هناك رئيس للجمهورية.
وماذا سيترتب على ذلك؟
إما إقرار قانون جديد للمعوقين أو تعديل القانون الموجود على أن يتماشى مع الاتفاقية الدولية، وليست وزارة الشؤون وحدها المعنية بذلك.
ما رؤيتك للمؤسسات الرعائية المتّهمة من قبل ناشطين في مجال الإعاقة بأنها تسجن الشخص المعوّق وتمنع دمجه في المجتمع؟
أقل من 10% من المؤسسات الرعائية التي ندعمها بموجب عقود سنوية تضمّ قسماً داخلياً. التوجه العام للإيواء في المؤسسات يتراجع مع الوقت، وينحصر في حالات معينة مثل صعوبة الوصول إلى المؤسسة أو لأسباب عائلية. أؤمن بالدمج الكلي وأسعى إليه، ولكن المسار طويل ويحتاج إلى تضافر جهود وزارات عدة خاصة وزارتي التربية والصحة.
هناك إهمال حكومي متوارث لحقوق الأشخاص المعوقين، هل سينسحب على حكومتكم؟
هذه الفئة من بين أكثر الفئات المستحقة للحماية الاجتماعية، وملفها مطروح أولويةً على الأجندة في اجتماعات الوزارات الأربع المسؤولة (الصحة والعمل والتربية والشؤون). هناك خدمات تقدمها مراكز الشؤون الموزعة على المحافظات بالتشبيك مع الجمعيات والمنظمات الدولية وإن كانت لا تكفي، فمن أصل 150 ألف شخص يحملون بطاقة إعاقة هناك 50 ألف مستفيد من هذه الخدمات. وسأتواصل مع وزارة الصحة لدرس تغطية صحية شاملة للمعوقين وإعفائهم من فروقات الضمان. وفي نيسان المقبل سيستفيد كلّ المعوقين الذين يحملون بطاقة إعاقة من برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة وهي منحة تساوي 40 دولاراً بعدما كانت تحصل عليها فئات عمرية معينة. صحيح أنّه مبلغ بسيط، ولكن صرفه مهم لأنه يثبت حقّ المعوق.
هل لجأ معوقون جراء الحرب الإسرائيلية وتفجير أجهزة «البيجر» واللاسلكي إلى الوزارة؟
عدد قليل منهم تقدموا بطلب بطاقة معوق.
هل السبب هو الشعور بعدم جدوى البطاقة؟
كلا. رعم أن تقديمات البطاقة قليلة، تبقى أفضل من لا شيء. هناك أسباب خاصة تعود للمعوقين أنفسهم، ولكن أبواب الوزارة مفتوحة دائماً للجميع. ونحن مهتمون بمعرفة العدد الإجمالي للمعوقين في لبنان، لذلك طلبت من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا» إجراء مسح شامل لهم.