عاجل:

عون: محاولة مشبوهة لإعادة العنف .. ماكرون: لانسحاب إسرائيل (الجمهورية)

  • ٣٧

في الوقت الذي كان يحطّ فيه رئيس الجمهورية جوزاف عون في زيارة رسمية وصفت بالبالغة الأهمية إلى باريس، شهد لبنان أمس، يوماً اختلطت فيه كل عوامل التوتر والقلق، جراء الرفع المريب في وتيرة التصعيد الإسرائيلي الذي طال بغارات الطيران الحربي والمسيّر مناطق واسعة من الجنوب اللبناني، ووصل إلى الضاحية الجنوبية في أوسع استهداف منذ اتفاق وقف إطلاق النار. وفيما استنفرت المستويات الرسمية على اختلافها ديبلوماسياً لوقف العدوانية الإسرائيلية المتمادية على لبنان ونكثها باتفاق وقف إطلاق النار، برز تحذير أممي عبّرت عنه منسقة الأمم المتحدة جينين هينيس بلاسخارت، اعتبرت فيه "أنّ الوضع في لبنان والمنطقة حرج، ويجب تجنّب توسّع الصراع بأي ثمن". فيما اعتبر المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك انّ الغارة على الضاحية تصعيد خطير للغاية". وطالب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش المجتمع الدولي "بدعم حكومة لبنان وجيشه لضمان سيادة البلاد وأمن إسرائيل بشكل كامل".

زيارة عون

وقد طغى هذا الحدث على لقاء الرئيس عون بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث تشاركا القلق. فأكّد رئيس الجمهورية "الإصرار على تخطّي العقبات ومن يرفعها لمنع قيام لبنان". مشدداً أن "لا براهين عن انّ "حزب الله" يقف خلف اطلاق الصواريخ". وقرن ماكرون امتعاضه مما جرى بتأكيده على تفعيل الاتصالات مع واشنطن والدول الفاعلة لفرملة التدهور الأمني. فيما أبدى الرئيس الفرنسي تضامنه مع أهالي بيروت بعد الاستهداف الإسرائيلي وأكد أن فرنسا تقف الى جانب لبنان.

ورأى أنّ "التوتر على جانبي خط الأزرق نقطة تحوّل. وفرنسا باقية إلى جانب لبنان للحفاظ على السيادة ولضمان الأمن بشكلٍ كامل ولتنفيذ وقف إطلاق النار الذي جرى التوصّل إليه مع إسرائيل. وسنقدّم اقتراحات عملية وواقعية آخذين في الاعتبار توقعات لبنان والإسرائيليين. واقترحنا أن تنتشر قوات من "اليونيفيل" في المناطق الحساسة في الجنوب بالتنسيق مع الجيش وبإشراف هيئة الرقابة". وختم: "على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من النقاط الـ5 في الجنوب، والضربات على بيروت غير مقبولة".

عون

واما الرئيس عون فقال: "من البديهي أن نعلن إدانتنا الشديدة ورفضنا لأي اعتداء على لبنان كما اي محاولة مشبوهة لإعادة العنف. وأناشد من هنا جميع اصدقاء لبنان لوقف التدهور ومساعدة لبنان على تطبيق كامل القرارات الدولية على كامل أراضينا".

أضاف: "قرّرنا الّا نسمح أن تتكرّر الحرب اللبنانية، ولذلك ثمة مقتضيات مطلوبة منا كلبنانيين وكدولة، اولاً أن نبني دولة قوية سيّدة يحميها جيشها وقواها الرسمية وتوافق أبنائها، فلبنان لسوء الحظ يحمل اليوم ارقاماً قياسية عالمية غير مسبوقة، أعلى نسبة لاجئين وأكبر أزمة نقدية طاولت المصارف الخاصة والمصرف المركزي والمودعين". وتابع: "سيادة دولتنا على أرضنا هو مسار ضروري ودقيق في آن قرّرنا المضي به، ونتطلّع إليكم لشرح الحساسيات والمقتضيات للعالم أجمع بحيث نطبّق القرارات الأممية ذات الصلة. السلام لا يكون الّا على العدالة، والحديث بيننا لا ينتهي. لذلك أكتفي بكلمة واحدة اختصر بها آلاف الكلمات".

وكان الرئيسان عون وماكرون قد بدآ اجتماعهما في الإليزيه باتصال مباشر عبر تطبيق "زوم" مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وانضمّ الرئيس القبرصي ورئيس وزراء اليونان إلى محادثات مشتركة لبنانية-فرنسية-يونانية-قبرصية.

وأكّد الرئيس عون خلال الاتصال مع الرئيس السوري في حضور ماكرون "ضرورة التنسيق بين البلدين من أجل معالجة المسائل العالقة، ولاسيما موضوع الحدود المشتركة"، كما اكّد "ضرورة الاستفادة من المساعدة الفرنسية لإيجاد حل سريع لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم كي يعيشوا بكرامة، وأي عقبات وصعوبات يمكن إيجاد حل لها بالتعاون".

واشنطن لسحب السلاح

وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أنه "على حكومة لبنان مسؤولية نزع سلاح حزب الله والمنظمات الإرهابية لمنع هجمات مشابهة مستقبلا، لافتة الى أننا "سنستمر في زعزعة منظومة حزب الله المالية لحرمانه من الأموال أو استخدام النظام المالي الدولي. وذكرت الخارجية أننا "نتوقع من الجيش اللبناني نزع سلاح الجماعات المسلحة. ولاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها إزاء أي هجمات تتعرص لها".

وفي وقت سابق من يوم أمس، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس، أن "أميركا أدرجت شبكة لبنانية على لائحة العقوبات تدعم الفريق المالي لحزب الله، الذي يشرف على مشاريع تجارية وشبكات تهريب نفط تدرّ إيرادات لحزب الله.

وكان لافتاً في هذا السياق، إعلان نائبة المبعوث الأميركي مورغان اورتاغوس أنّ التصعيد مصدره لبنان، وقالت: "اتفاق وقف النار تمّ خرقه من قبل لبنان، وعلى الحكومة اللبنانية لجم المجموعات الإرهابية التي تطلق الصواريخ، فالجيش اللبناني الذي ندعمه لا يعمل بشكل كافٍ بمواجهة المجموعات التي تطلق الصواريخ". ولفتت إلى أنّ "واشنطن تشجع على المفاوضات الديبلوماسية بين لبنان وإسرائيل"، زاعمة أنّه "على الحكومة العمل على وقف إطلاق الصواريخ من لبنان عوضاً عن لوم إسرائيل". وشدّدت على سحب سلاح "حزب الله"، وقالت انّ انسحاب اسرائيل من النقاط الخمس يتمّ عبر المفاوضات".

وفيما استنكرت الخارجية الإيرانية "إجراءات الكيان الصهيوني الإجرامية التي تنتهك سيادة لبنان ووحدة أراضيه"، أعلنت الخارجية المصرية عن اتصالات عاجلة مع الأطراف الإقليمية والدولية لوقف التصعيد الإسرائيلي في لبنان. كذلك أكّدت الخارجية الفرنسية "اننا نتابع بقلق تصاعد الضربات الإسرائيلية على لبنان وندين إطلاق الصواريخ من أراضيه على إسرائيل".

مسلسل مستمر

إلى ذلك، اكّد مصدر سياسي رفيع لـ"الجمهورية"، انّ عدوان الأمس يندرج في سياق مسلسل عدواني متواصل بوتيرة متصاعدة افتعلتها اسرائيل قبل اسابيع، في سياق ضغط عسكري مكثف بهدف تحقيق مكاسب سياسية مع لبنان.

ولفت المصدر المسؤول إلى انّ نذر القلق من تطورات أمنية تبدّت بعد طرح الأميركيين والإسرائيليين فكرة تشكيل ثلاث لجان حول الحدود والأسرى والنقاط الخلافية الـ13 على الخط الأزرق، والتي اقترنت بخطوتين اميركيتين مفاجئتين، الأولى؛ حينما فاجأ رئيس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الجنرال جاسبر جيفرز، أعضاء اللجنة في اجتماعهم الاخير بأنّ هذا الاجتماع ربما يكون الاخير الذي تعقده اللجنة، باعتبار انّه سيصار إلى تشكيل ثلاث لجان سيتوزع العمل عليها، وهذه الفكرة لم يكن الممثل الفرنسي في اللجنة في جوّها، فيما برز موقف لافت لقائد "اليونيفيل" الذي اكّد "أننا امام مهمّة محدّدة يجب أن نقوم بها". واما الخطوة الثانية فتجلّت باتصال "غير ودود"، أجراه مسؤول اميركي (اورتاغوس) بكبار المسؤولين في لبنان، يطلب فيه استجابة لبنان لفكرة تشكيل اللجان الثلاث، والدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وانّ عدم الاستجابة قد تفتح الوضع على تطورات تعود معها أجواء التوتر والتصعيد".

وإذ لاحظ المصدر تزامناً بين العدوان وبين الزيارة المرتقبة لاورتاغوس إلى بيروت، قال: "إسرائيل بدأت بممارسة ضغط كبير على لبنان لدفعه إلى مفاوضات مباشرة حول ترتيبات معينة تفضي إلى امر واقع جديد على الحدود. تبدّت نذرها في زيارة قام بها مسؤول أممي إلى اسرائيل في الآونة الأخيرة والتقى الوزير المقرّب من نتنياهو رون ديرمر، الذي حمّل المسؤول الإسرائيلي المسؤول الأممي رسالة إلى الجانب اللبناني يطلب فيها الدخول في مفاوضات، ليست عسكرية، بل بمفاوضات على مستواه السياسي، كونه هو سيشارك شخصياً في المفاوضات، كما أبلغ إلى المسؤول الأممي".

ولفت المصدر المسؤول إلى انّ الجانب اللبناني رفض فكرة تشكيل اللجان، وكذلك المفاوضات، معلناً التزامه باتفاق وقف اطلاق النار والتقيّد الكامل بمندرجات القرار 1701، وبموقفه الثابت لناحية رفض المفاوضات المباشرة، ورفض الانخراط في أي مسار يفضي إلى التطبيع مع اسرائيل، وكذلك التمسك بالاتفاق الذي تعهّدت الولايات المتحدة الاميركية بتنفيذه وينص على وقف اطلاق النار، وانسحاب إسرائيل وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وكل ما نصّ عليه الاتفاق ضربته إسرائيل ولم تلتزم به. كما رفض لبنان فكرة تشكيل اللجان واعتبره اقتراحاً غير قابل للبحث، باعتبار انّ مجرّد القبول به يعني الموافقة على الإطاحة ليس باتفاق وقف إطلاق النار فقط يل الإطاحة بالقرار 1701".

ضمن هذا السياق، كشفت معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، انّ موضوع الأسرى اللبنانيين كان محل متابعة حثيثة في الفترة الاخيرة واتصالات على اكثر من خط دولي وإقليمي، أفضت إلى قطع مسافة إيجابية كبيرة في اتجاه إنهاء هذا الملف، يقضي بمبادلة الأسرى اللبنانيين بأسيرة إسرائيلية موجودة في العراق. والامور على هذا المسار لم تنتهِ حتى الآن".

الحزب ملتزم

إلى ذلك، أكّدت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية" انّ لبنان ملتزم كلياً باتفاق وقف اطلاق النار. وبمعزل عن الصواريخ المشبوهة التي ليس معلوماً أي أيدٍ خبيثة تحرّكها من الخارج، لم يبدر من الجانب اللبناني أي خرق، وهو ما اكّد عليه التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة.

اما ما يتعلّق بـ"حزب الله"، تضيف المصادر، فإنّه على التزام أكيد بالاتفاق، ونفّذ المطلوب منه في الاتفاق لناحية إخلاء منطقة جنوب الليطاني من المسلحين ومن أي مظاهر مسلحة، ولم يظهر اي مظهر عسكري منذ الإعلان عن الاتفاق لا جنوبي الليطاني ولا شمالي الليطاني، وهذا ما هو موثق ومتيقن منه من مختلف الجهات المعنية باتفاق وقف اطلاق النار. والجيش اللبناني العامل في منطقة جنوب الليطاني يقوم بمهمّته بصورة دقيقة، ولاسيما في مجال تسلّم الاسلحة، التي يعمل على تفجيرها بصورة علنية في أماكن وجودها".

قلق من تصعيد

بدوره، أعرب مرجع سياسي عن قلقه من ان "تشهد الامور تدحرجاً خطيراً تفتعله اسرائيل".

وقال لـ"الجمهورية": "انّ إسرائيل تحاول انّ تفرض وقائع جديدة مع لبنان، مستغلة ما تشعر به من فائض قوة منحتها ايّاها تداعيات العدوان على لبنان والتطورات المتدحرجة في المنطقة، وتسعى لإلزام لبنان بخطوات تحقق فيها مصلحتها، وهذا الأمر مستمر، وفي ظل التفلّت من أي رقابة دولية او أي رادع جدّي خصوصاً من الولايات المتحدة، فإنّ قلقي كبير من أن تدفع الامور إلى تصعيد كبير كان اخطر تجلّياته بالأمس، وأخشى ان تنزلق الامور أكثر في الآتي من الايام".

عدوانان

وكان لبنان قد تعرّض بالأمس لعدوانين واضحين يبدوان من عائلة واحدة، تجلّى الاول بالاستهدافات الاسرائيلية الواسعة، بذريعة الصواريخ التي تقول اسرائيل انّها استهدفت المستوطنات. واما الثاني فتجلّى بالصواريخ المشبوهة التي تُطلق من الأراضي اللبنانية، التي تبدو لقيطة لا يتبنّاها احد، ما يسقط شبهات خبيثة على الجهة المجهولة المسؤولة عنها في الداخل او الخارج. وقد تبعتها سلسلة غارات على مناطق جنوبية متعددة مهّدت للغارة على الضاحية الجنوبية باستهداف احد المباني السكنية المحاذي لمدرستين، بثلاثة صواريخ تحذيرية من المسيّرات، تلاها استهداف المبنى بصاروخين ثقيلين من الطيران الحربي ما ادّى إلى تدميره بالكامل مع مبنيين مجاورين له.

تهديد

وهدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو "بأننا سنواصل فرض وقف إطلاق النار بالقوة ومهاجمة أي مكان في لبنان يهدّدنا، وسنضمن عودة سكان الشمال بأمان"، معتبراً أنّ "المعادلة تغيّرت، وما حدث في 7 تشرين الأول لن يتكرّر ولن نسمح بأي إطلاق نار على بلداتنا مهما كان".

وقال نتنياهو: "من لم يستوعب الوضع الجديد في لبنان تلقّى اليوم مثالاً إضافياً على تصميمنا".

"حزب الله" ينفي

إلى ذلك، أكّد مصدر مسؤول في "حزب الله" أن لا علاقة للحزب بالصواريخ التي أُطلقت من جنوب لبنان ، لافتاً إلى أنّ اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان يأتي قي سياق افتعال ذرائع مشبوهة لاستمرار العدوان. وشدّد على التزام الحزب بإتفاق وقف إطلاق النار.

وقال رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد: "إنّ المقاومة تدين بشدة العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية لبيروت وكل لبنان"، موضحًا أنّ "المقاومة التي وافقت على اعلان وقف اطلاق النار ملتزمة به وعلى الدولة ان تقوم بواجبها في ردع العدو".

ولفت، في كلمة له خلال احتفال السفارة الإيرانية لمناسبة "يوم القدس العالمي"، إلى أنّ "المقاومة تدعو الحكومة الى تعزيز التضامن الوطني ضدّ العدو الصهيوني"، وقال: "الحكومات هي التي تصبح من الماضي، أما المعادلات التي يرسمها الشهداء فتُخلّد الى ما بعد التاريخ".

وقال: "العدو هو من يشن العدوان ويواصل الاحتلال، والدولة وحدها لا تملك القدرة على الدفاع عن البلد وحمايته"، مشيرًا إلى أنّ "من تسوقه أوهامه لافتراض انّ المقاومة قد أصبحت من الماضي عليه ان يحذر سكرة السلطة الموقتة".


المنشورات ذات الصلة