كتب ريشار حرفوش:
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، يعود الجدل حول قانون الانتخاب إلى الواجهة، مع اقتراحات لتعديله بما يتناسب مع مصالح القوى السياسية المختلفة. ومن أبرز الاقتراحات، اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النظام النسبي، وهو ما تقدّمت به كتلة “التنمية والتحرير”، فما المقصود به؟ وما تأثيره على التمثيل السياسي؟
وفي حديث لـ”نداء الوطن”، أوضح مدير عام مؤسسة Global Vision للإحصاء والدراسات، والخبير في الشؤون الانتخابية، طانيوس شهوان، أبرز الاقتراحات المطروحة لتعديل القانون، مسلّطاً الضوء على انعكاساتها المحتملة.
وأكد شهوان أن أبرز التعديلات المقترحة تشمل:
1. إلغاء المادة 112 التي تفرض على الناخبين غير المقيمين الاقتراع لمقاعد مخصصة لهم فقط، والسماح لهم بالتصويت لمرشحي دوائرهم المحلية، تماماً كما هو الحال بالنسبة للمقيمين.
2. اعتماد مراكز اقتراع كبرى أي ميغاسنترز، ما يمكن الناخبين المقيمين خارج مناطق قيدهم من التصويت في دوائرهم من دون الحاجة إلى السفر إليها.
3. تعديل المادة 84 عبر إضافة بنود تنص على اعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة، مما يسهم في تسهيل العملية الانتخابية وتقليل احتمالات التلاعب.
4. تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، وسن الترشح إلى 23 عاماً، وهو ما يتطلب تعديلاً دستورياً.
5. تعزيز دور هيئة الإشراف على الانتخابات، عبر منحها صلاحيات أوسع.
6. رفع السرية المصرفية ليس فقط عن حساب الحملة الانتخابية، بل أيضاً عن حسابات المرشح وعائلته.
7. اقتراح تحويل لبنان إلى دائرة انتخابية واحدة مع الإبقاء على القيد الطائفي، مما يعني دمج مختلف الدوائر الانتخابية ضمن دائرة واحدة، مع استمرار توزيع المقاعد وفقاً للطوائف كما هو معمول به.
الأثر السياسي والديموغرافي
وأشار شهوان إلى أن القانون الحالي (44/2017) يقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية كبرى، يضم بعضها دوائر صغرى، وهي: بيروت الأولى والثانية، الجنوب الأولى (صيدا وجزين)، الجنوب الثانية (صور وقرى صيدا – الزهراني)، الجنوب الثالثة (بنت جبيل، النبطية، مرجعيون، وحاصبيا)، البقاع الأولى (قضاء زحلة)، البقاع الثانية (راشيا والبقاع الغربي)، البقاع الثالثة (محافظة بعلبك – الهرمل)، الشمال الأولى (محافظة عكار)، الشمال الثانية (قضاءا طرابلس والضنية)، الشمال الثالثة (أقضية زغرتا، الكورة، بشري، البترون)، جبل لبنان الأولى (كسروان – جبيل)، جبل لبنان الثانية (قضاء المتن)، جبل لبنان الثالثة (قضاء بعبدا)، جبل لبنان الرابعة (قضاءا الشوف وعاليه)، موضحاً أن المشروع المقترح بجعل لبنان دائرة واحدة لا يلغي القيد الطائفي، لكنه يدمج جميع هذه الدوائر ضمن دائرة انتخابية واحدة على مستوى الاقتراع، فيما يبقى الترشح محصوراً ضمن التقسيم الطائفي الحالي.
وكشف شهوان أن هذا الطرح، رغم الإبقاء على المناصفة الطائفية، فإنه يعزز سلطة الديموغرافيا على المشهد السياسي، حيث ستتمكن الطوائف الأكثر عدداً من التأثير على نتائج الانتخابات، حتى لو بقي توزيع المقاعد وفق النظام الحالي. وأكد أن التفاوت الديموغرافي الطائفي واضح اليوم، حيث يشكل الناخبون المسيحيون نحو 40% مقابل 60% من الناخبين المسلمين، ما قد يؤدي إلى تغيير جذري في المشهد الانتخابي إذا تم اعتماد الدائرة الواحدة.
صوت تفضيلي ثان في القانون الحالي؟
وأشار شهوان إلى أن إضافة صوت تفضيلي ثان على القانون الحالي يمكن أن يخفف من هيمنة الأغلبية العددية في بعض الدوائر، إذ يمنح الناخب إمكانية التصويت لمرشح من خارج طائفته، مما قد يعيد توزيع الأصوات بشكل أكثر توازناً.
مثال: دائرة جبل لبنان الأولى (كسروان – جبيل) تضم 8 مقاعد، منها 7 موارنة ومقعد شيعي واحد، ففي ظل القانون الحالي، كان الناخب الشيعي مضطراً لمنح صوته التفضيلي لمرشحه الشيعي، أما مع إضافة صوت تفضيلي ثان، فسيكون بإمكانه اختيار مرشح ماروني أيضاً، مما قد يغير توزيع الأصوات داخل الدائرة ويؤثر على فرص المرشحين الموارنة.
مقاعد الاغتراب الستة
أما فيما يخص المقاعد الستة المخصصة للمغتربين، فأوضح شهوان أن المادة 112 لم تحدد معايير واضحة لتوزيع هذه المقاعد بين القارات، أو كيفية ترشح المغتربين، أو حتى مهام النواب المنتخبين عن هذه المقاعد، ورأى أن هذا الغموض قد يؤدي إلى إضعاف الصوت الاغترابي سياسياً، إذ سيذوب داخل تركيبة المجلس من دون أن يكون له تأثير فعلي على القرارات.
الميغاسنترز لتخفيف الضغوط
وفي سياق آخر، شدد شهوان على أهمية اعتماد مراكز الاقتراع الكبرى أي الميغاسنترز، معتبراً أنها ستخفف من الضغوط الممارسة على الناخبين يوم الاقتراع، خاصة في المناطق التي تشهد نفوذاً سياسياً وحزبياً كبيراً، وأوضح أن هذه المراكز ستسمح للناخبين بالاقتراع في مناطق سكنهم بعد تسجيل مسبق، ما يقلل من الأعباء اللوجستية والتنقل، ويحد من الضغوط التي قد تؤثر على خياراتهم.
الإصلاحات المجمدة والتعديل
وختم شهوان حديثه بالتأكيد على أن أي تعديل للقانون يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تأثيره على مبدأ التمثيل العادل، خصوصاً مع الفروقات الديموغرافية بين الطوائف، ودور غير المقيمين.
بين الدعوات لتعديل القانون من جهة، والمطالب بتطبيق الإصلاحات المجمدة من جهة أخرى، يبقى السؤال: هل سينجز الاستحقاق على أساس القانون الحالي مع تحسين تطبيقه، أم أن الساحة السياسية تتجه نحو تغيير جذري قد يعيد رسم التوازنات؟