خاص ـ "إيست نيوز":
ليس من السهل الجزم بان النقاش الذي رافق عملية تعيين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بالتصويت في آخر جلسة لمجلس الوزراء سيطوى بسهولة. فهو ما زال مطروحا في الاندية السياسية والحكومية بشكل من الأشكال بما فيه "النقاش البيزنطي". وان اعتقد البعض ان التطورات الاخيرة التي اعقبت إطلاق الدفعة الثانية من الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وصاروخي الضاحية قد طوته، فهم مخطئون فإنها لم تؤدي الى اقفال النقاش الذي ما زال مضبوطا تحت وضمن سقوف الغرف المقفلة.
وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيق، والذي كشفت عنه مراجع معنية لـ "ايست نيوز"، قالت ان هناك نيات مبيتة للاستثمار في ما حصل في كل مناسبة متاحة. وها هي هذه الجهات تسعى الى الافادة من الزيارة الاستثنائية لرئيس الحكومة نواف سلام الى المملكة العربية السعودية عشية عيد الفطر السعيد لإحياء الحديث عما يسمونه "ميزان العلاقة" بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لكنها لم توفق في مسعاها، وخصوصا انها جاءت في توقيت لم ينسى فيه أحد بعد، ما انتهت اليه زيارة رئيس الجمهورية الى الرياض وما سمعه من كلام شبيه بذلك الذي سمعه رئيس الحكومة. ولذلك لم تلقى هذه المحاولات اي تجاوب لدى فريق اي منهما. فهما يدركان اكثر من اي وقت مضى أهمية ان تبقى العلاقة مستقيمة ومستدامة بين الرجلين فالاستحقاقات المقبلة تضعهما في مواجهة كبرى مع قوى فاعلة في الداخل والخارج.
واجمع مقربون من الرجلين في حديثهما الى "ايست نيوز" على القول انه وان كانت التهديدات الاسرائيلية اخطر ما يمكن ان يواجههما فهما يدركان ضرورة الحفاظ على علاقات مستقرة وثابتة مع رعاة التفاهمات الاخيرة وهو ملف يلقى كل الاهتمام لدى الطرفين لانهما يدركان حجم خطورة ما يمكن ان تقود اليه فقدان لبنان للرعاية الدولية في هذه المرحلة بالذات.
وتأكيدا على ذلك، فقد عبرت هذه المصادر عن اصرارهما على ان تقوم الاجهزة الامنية بكل قواها بالسعي الى كشف المتورطين في عمليتي اطلاق الصواريخ، ذلك ان العدو الاسرائيلي ومن خلفه العالم لم يعد يفصل كما في السابق بين اي طرف داخلي واهل الحكم في لبنان. فقرار الدعم لرئيس الجمهورية ومعه لكل المؤسسات الشرعية بعدما اكتمل عقدها بكامل مواصفاتها الدستورية، يفرض أن يترافق بايجابية مع ما يمكن ان يقوم به لبنان في هذه المرحلة بالذات وتقديم ما يحتاجه العهد في بدايته لتثبيت بعض الخطوات المطلوبة بإلحاح.
وعلى خلفية هذه القراءة، قالت المصادر انه من المهم جدا ايضا ان يواصل رعاة التفاهم وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للاراضي اللبنانية حتى آخر شبر منها قبل فتح دفتر الحساب مع الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" التي تعهدت بفرض الأمن في المنطقة الجنوبية كما في كل لبنان. فالعالم لم يعد يميز في نظرته الى اي سلاح غير شرعي بين منطقة واخرى وهو محظور بموجب التفاهمات المبرمة في جنوب وشمال وشرق وغرب منطقة جنوبي الليطاني. وهم وإن كانوا مصرين على انهاء هذه الظاهرة القاتلة عليهم تسهيل مهمة اهل الحكم ودعم الخطوات الآيلة الى انهاء الاحتلال كمؤشر على صدق النيات وعدم وجود اي قطبة مخفية يمكن العودة اليها في اي لحظة، وهو ما اشار إليه قائد الجيش العماد رودولف هيكل بوضوح في اول زيارة ميدانية له الى منطقة جنوبي الليطاني.
واضافت هذه المصادر ان تحميل الجيش اللبناني و"اليونيفيل" مسؤولية اطلاق الصواريخ الاخيرة فيه الكثير من التجني والظلم المقصود. وخصوصا ان الصواريخ البدائية التي اطلقت لا تحتاج الى استخدام تقنيات وموجات فضائية وتكنولوجية يمكن رصدها، ولا الى آليات ولا الى منصات خاصة بها من الصعب التنقل بها بين القرى. وإن على من يعطي اهمية لهذا الامر عليه ان يتعظ من التجربة الاسرائيلية في غزة. ذلك ان نشر عشرات الالاف من جنود الاحتلال في منطقة محاصرة من الجهات الخمس بما فيها الفضاء، وعلى مساحة أقل بكثير من مساحة الجنوب لم يحل دون اطلاق حماس او اي فصيل فلسطيني آخر صاروخا من هنا او من هناك وهو عجز ظاهر لا يحتاج الى اي اثبات.
وبناء على ما تقدم، لا يغفل المراقبون ان الحديث عن انتصار رئيس الجمهورية على رئيس الحكومة في عملية التصويت لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان تبدو نظرية "سخيفة" للغاية تفتقد عناصر غير موجودة لاثباتها. فالمقصود مما جرى إنهاء الشغور في حاكمية مصرف لبنان والاستعداد لخوض التجارب المالية والنقدية الصعبة المنتظرة من اجل تقييم الوضع وإطلاق ما يمكن ان يقود الى بدايات التعافي الاقتصادي والنقدي والمالي في موازاة المساعي المبذولة لتعزيز الامن في الجنوب ولبنان في مرحلة الغليان التي تعيشها المنطقة في ظل ما هو متداول به من مشاريع مخيفة وضعتها على صفيح متقلب وساخن.
وعليه يختم المراقبون ليؤكدوا أن من الواجب ان يكون الجميع يدا واحدة في سعيهم لإخراج لبنان من مدار الزلازل في المنطقة. ألا يدرك الجميع ان عملية التصويت في مجلس الوزراء بتركيبته الحالية ان خرج عن مقتضيات تطبيق الدستور يشكل "منشارا ذو حدين". ويمكن ان ينتهي عند اعتماده في اي مناسبة لمصلحة هذا المشروع او ذاك بعيدا عن أجواء المناكفات التي سادت من قبل. وهو ما عبرت عنه العملية الاخيرة عندما جرى التصويت على أساس مشروع لا على اساس هوية ومرجعية المركز او الرجل المستهدف بالتعيين. وهو الرجل الذي سيقسم اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية بعد غد الأربعاء في قصر بعبدا، وهو سيكون متعاونا مع جميع المسؤولين تحت سقف القرار السياسي، فلا خيارات تسمح بالتفرد او الخروج عن الآليات القانونية والانظمة الخاصة تحت سقف السياسات الحكومية ونقطة عالسطر.