حبيب شلوق
يخطئ مَن يعتقد أن المشكلة بين إسرائيل و"حزب الله"، الذي جرّ إليها لبنان، انتهت، بل على العكس هي في بداياتها ولن يرى الشعب المغلوب على أمره بصيص نور قبل أيلول المقبل على أقل تقدير.
ويتحدّث سفير أوروبي أمام زواّره عن مخاض عسير سيعيشه لبنان في الأشهر القليلة المقبلة، وهو مخاض قلة من اللبنانيين يدركونه، ويفضي إلى ولادة قيصرية لـ"تطبيع مؤكد" مع إسرائيل في فترة قد لا تتجاوز نهاية 2025، أي أن السيناريو مكتوب والإخراج وُضِع، وأن الجميع سيوافق كما وافق على ترسيم المياه، على ترسيم الحدود الجنوبية والحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، وعندما تكتمل هذه الفصول ــ وفق السفير الأوروبي ــ سيكون لبنان مهيـّأً لتطبيع مع إسرائيل مع ما تبقى من دول عربية فاعلة ومؤثرة!
وفي رأي السفير الأوروبي أن لبنان دخل بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتسمية القاضي نوّاف سلام رئيساً للحكومة "الفلك الأميركي"، وبمعنى آخر خرج من المنظومة الإيرانيةـ مع كل عثراتهاــ وبات على الضفة الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى قرار مختلف، إذ أن التأثير الفلسطيني ولـّى إلى غير رجعة، والتأثير السوري اضمحلّ، والإسرائيلي انسحب ظاهرياً و"تخفّى" بالثوب الأميركي، فضلاً عن أن الإيراني يلفظ أنفاسه الأخيرة في بلد استعصى عليه فيه استيعاب لبناني واحد من غير الطائفة الشيعية. وهذا يُعتبر الأسوأ في طموحات الدول.
وفي انتظار أيلول أو بعد أيلول بقليل، يبدو لبنان كما معظم الدول العربية التي لا تزال "مستحيّة" من توقيع إتفاق السلام مع "الدولة العدوة" كما يسميها أصحاب الشعارات الفارغة، أي جماعة المنادين بـ"الزحف نحو القدس"، نقول أن رحلة القدس ستكون هذه المرة بالسيارات الفارهة، وسيكون التطبيع بدءاً من المملكة العربية السعودية إلى لبنان وسوريا مروراً بدولة الإمارات العربية المعترفة ضمناً بهذا التطبيع، كخطوة أولى نحو العراق والدول العربية الإفريقية، ليكتمل "العرس العربي" بعد مصر والأردن وقطر.
وفي السيناريو الأميركي ــ الإسرائيلي وفق السفير الأوروبي أن الحل سيكون على حساب " حماس" بموافقة رسمية فلسطينية (الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته )، و"حزب الله" بموافقة رسمية لبنانية (عون وبري وسلام )ــ مهما حاول المسؤولون اللبنانيون الهروب والإنكار ــ إذ أن القرار الدولي متّخذ وهو قرار أثمر القيادة الجديدة للبنان.
إذاً لبنان مقبل على التطبيع، بل التوقيع على سلام مع إسرائيل، هذا ما تصبو إليه كل هذه التحركات الأميركية والفرنسية، وعلى هامشهما السعودية والإمارات وقطر.
الموفدة الأميركية نائبة المبعوث الأميركي للشرق الوسط التي ــ أخذت وج عا لبنان ــ مورغان أورتاغوس، وعلى خط موازٍ الموفد الفرنسي جان إيف لو در يان، وجهان لعملة واحدة كلاهما يحمل رسائل واضحة إلى الدولة اللبنانية، والرسائل تطالب بإصلاحات جذرية في الإدارة والإقتصاد، مترافقة مع جمع سلاح "حزب الله" وحصر السلاح في يد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية، وهي خطوة كان يجب أن تترافق مع تسليم سلاح "القوات اللبنانية" الذي حصل نتيجة اتفاق الطائف، في بداية عهد الرئيس الياس الهراوي، إلاّ أن القرار كان سورياً والتنفيذ سورياً وانتقائياً، بينما تمنّع عن تسليم السلاح كل أذرع سوريا من حركة "أمل" و"حزب الله" والحزب التقدمي الإشتراكي إلى بعض الخلايا التي استيقظت لاحقاً.
واللافت أخيراً أن التدخل الأميركي يأتي للمرة الأولى اليوم لمصلحة لبنان الدولة بعد تدخل الأسطول الأميركي والموفد الأميركي روبرت مورفي لانتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب حليف الرئيس المصري جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية عام 1958، ثم تدخل دين براون لتثبيت الوجود السوري في لبنان عبر انتخاب الياس سركيس رئيساً للجمهورية بعدما كان وضع البواخر الأميركية لنقل المسيحيين إلى إلى الخارج. وحده الموفد الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب عمل لإيصال بشير الجميل رئيساً بدعم اسرائيلي بعدما تنازعه اختياران الرئيس كميل شمعون وبشير الجميل، إلا أن اسرائيل رجّحت كفة بشير.
وظل الأميركيون يلعبون من خلال السوريين فحاولوا فرض مخايل الضاهر رئيساً و"إلاّ الفوضى" كما أوحى غسان تويني بالعنوان على صدر الصفحة الأولى في "النهار"، ثم أوصلوا على التوالي الرؤساء العسكريين الذين تستسيغهم الولايات المتحدة ــ إميل لحود وميشال سليمان وميشال عون.
للمرة الأولى يأتي التحرك الأميركي دعماً لدولة لبنان السيدة الحرة المستقلة التي تحاول بناء نفسها، عبر قائد الجيش جوزف عون، لم يبقَ إلاّ التطبيع. ومَن يعش يرَ...