لم تلتزم نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، الصمت طويلا بعد محادثاتها في بيروت، وقد وجدت في التسريبات الرسمية عن اللقاءت ما يتعارض وهدف الزيارة.
واطلقت ليل أمس مجموعة من المواقف التي تؤكد فيها على أولويات حكومتها، خصوصا لجهة الضغط على اللبنانيين السير في خطة لنزع سلاح حزب الله.
لكن ما توافر عن لقاءاتها مع الرؤساء الثلاثة، جوزيف عون ونبيه بري ونواف سلام، أكّد أن الدبلوماسية الأميركية وازَنت، على طريقتها، بين المطالب الأميركية ومحاذير الساحة اللبنانية، ولم تستخدم أسلوباً عالي النبرة ولا شروطاً جديدة ولا تهديدات علنية، بل كرّرت أسئلتها حول سلاح حزب الله وانتشار الجيش في الجنوب، وعن الإصلاحات المالية والنقدية كشرط للمساعدات الخارجية وإعادة الإعمار. وأتبعَت أسئلتها بإبلاغ لبنان أولاً بـ«بضرورة إنجاز الإصلاحات لأن هناك وقتاً محدداً للمساعدات، والتأكيد على أن يتفق لبنان مع صندوق النقد الدولي لحل أزمته»، وثانياً بـ«الاستيضاح عن الوقت الذي يحتاج إليه لبنان لتنفيذ الاتفاق في ما يتعلق بسلاح حزب الله، لأن عدم التنفيذ سيحول دون الانسحاب الإسرائيلي»، مع التأكيد أن المهلة الزمنية ليست مفتوحة.
أصرّت المسؤولة الأميركية على آليات لنزع السلاح لكنها ركّزت على إقرار الإصلاحات المالية والاقتصادية
وعلى عكس ما قيل عن وضع لبنان أمام «الفرصة الأخيرة وإلّا التصعيد»، لم تعلن أورتاغوس أي موقف في هذا الشأن، لكنها مرّرت، بطريقة «دبلوماسية»، بأن وضعية سلاح حزب الله خارج الشرعية، والتأخر في حل هذا الملف «سيُبقيان البلاد في دائرة الخطر ويمنعان استقطاب الدعم الخارجي»، مُذكّرة بوجوب الانخراط في «مجموعات العمل الدبلوماسية الثلاث» التي سبق أن أعلنت عنها بين بيروت وتل أبيب (بمشاركة أميركية) لبتّ مسألة التلال الخمس التي احتلتها إسرائيل، والأسرى اللبنانيين لديها، والنقاط المتنازَع عليها على الخط الأزرق تمهيداً لتثبيت الحدود البرية.
وفي مقابلة مع «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بُثّت ليل أمس، قالت أورتاغوس، إن «الولايات المتحدة تواصل طرح موضوع نزع سلاح حزب الله»، لافتة إلى أن «الهدف هو نزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان». وأضافت أن «الولايات المتحدة تستمر في الضغط على الحكومة اللبنانية لتحقيق تطبيق كامل لوقف الأعمال العدائية».
وفي ما يتعلق بتوقيت نزع السلاح، قالت: «نأمل أن يتم في أسرع وقت ممكن، ولكن ليس هناك جدول زمني رسمي، ونتحدث عن نزع سلاح كل الميليشيات وليس حزب الله وحده».
وبلغة فيها شيء من التحذير قالت أورتاغوس إن على «السلطة والشعب الاختيار: إما التعاون معنا لنزع سلاح حزب الله وتطبيق وقف الأعمال العدائية وإنهاء الفساد، وسنكون شريكاً وصديقاً، وأمّا إذا تباطأت الحكومة والقادة، فلا يتوقّعوا شراكة معنا».
وفي ما يتعلق بمسألة «التطبيع»، قالت أورتاغوس: «لم أتحدّث مع أحد في لبنان عن هذا الموضوع. ما نركّز عليه الآن هو تنفيذ وقف الأعمال العدائية ونزع سلاح حزب الله والإصلاحات الاقتصادية، ونأمل أن نصل لاحقاً إلى مرحلة التفاوض وحل النزاعات الحدودية وغيرهما من القضايا بين لبنان وإسرائيل».
وكان لافتاً أن أورتاغوس عقدت خلوة مع كل من الرؤساء الثلاثة لمدة 40 دقيقة تقريباً، قبل الاجتماعات الموسّعة، ودوّنت محضراً بالأجوبة التي تلقّتها.
ونقل الرؤساء عنها «ليونة» أمام بعض المطالب اللبنانية التي أُبلغت بها. لكنّ أحداً لم يسمع منها جواباً واضحاً ومطمئناً لجهة وقف الاعتداءات الإسرائيلية ولجم توسّعها، ولا هي أعطت التزاماً بالانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة، وكرّرت أن «عدم تسليم السلاح يعني عدم التزام لبنان بوقف إطلاق النار»، بينما تحدّثت مصادر رسمية عن «تجاوب أميركي» مع الموقف اللبناني في ما يتعلق بلجان التفاوض، ولا سيما ما طرحه رئيس الحكومة بشأن الزيارات المكوكية، على غرار ما كان يفعل سلفها عاموس هوكشتين.
وإلى الموقف اللبناني الرسمي الذي أُبلغت به أورتاغوس، ويتضمن تأكيداً على «تمسّك لبنان باللجنة التقنية - العسكرية المشابهة للجنة ترسيم الحدود البحرية»، عرض رئيس الحكومة عليها مواصلة ما كان يقوم به هوكشتين، عبر توفير الدعم للجنة الإشراف من خلال زيارات متكررة تقوم بها لمتابعة عمل اللجنة بالتنسيق مع المرجعيات الرسمية في لبنان، وهي فكرة «لاقت ترحيباً من قبلها»، كما قالت مصادر مطّلعة.
وفي تقدير أولي للزيارة، تقاطعت عدة مصادر على أن «الرسالة التي حملتها أورتاغوس بدت متفهّمة للواقع اللبناني وخصوصيته»، مشيرة إلى أن «السؤال المطروح اليوم هو حول ما إذا كانت واشنطن تريد تحقيق الأمن الإسرائيلي وحسب، أم أنها حريصة على عدم تفجير الساحة اللبنانية والأوضاع في الداخل، وبالتالي هي تحاول اللعب في هذا الهامش».
بينما أبدى البعض تخوّفه من أن تكون الزيارة مجرّد «تمرير للوقت، في لحظة تتركز فيها الأنظار على المحادثات التي يقوم بها بنيامين نتنياهو في واشنطن بشأن الملف الإيراني»، مع خشية من «خديعة جديدة يتعرّض لها لبنان من قبل واشنطن وتل أبيب، على غرار ما حصل قبل عدوان أيلول حينَ كان هوكشتين يتولى الوساطة».
وكانت أورتاغوس استهلّت جولتها الجمعة بزيارة قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، قبل أن تعقد السبت لقاءات رسمية مع الرؤساء، والتقت السبت والأحد كلاً من وزراء الخارجية يوسف رجي والمال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان الجديد كريم سعيد، وعقدت اجتماعاً موسّعاً ضم الوزراء جو صدي وكمال شحادة وجو عيسى الخوري وفادي مكي وفايز رسامني، وزارت متحف بيروت الوطني.
وكررت أمام زوارها أن بلادها «معنية بالتطبيق الكامل للقرار 1701 بما في ذلك نزع سلاح حزب الله، وضرورة تطبيق الخطة الإصلاحية، خصوصاً لجهة رفع السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف»، واعتبرت أن «التعيينات التي أقرتها الحكومة جيدة وهي خطوة أساسية على طريق إصلاح القطاع العام».
ولوحظ وجود تباين في ما نقله زوار السفارة الأميركية، بين من قال إن أورتاغوس ركّزت على المشروعات الإصلاحية، فيما أشار آخرون إلى أنها استفاضت في الحديث السياسي، وأكدت «ضرورة إيجاد الآلية والإجراءات الكفيلة بتطبيق قرار نزع سلاح حزب الله ضمن برنامج زمني واضح». وقال أحد الوزراء المحسوبين على «القوات» إن أورتاغوس «أكّدت مواصلة الاستراتيجية ذاتها بما خص تطبيق القرارات الدولية، وأعطت إشارة إلى القوى السياسية من خلال زيارتها الخاصة إلى جعجع في منزله، كذلك طلبها عقد لقاء منفرد مع وزير الخارجية المحسوب على القوات».
وقال زوار التقوا مرافقين للمسؤولة الأميركية إنهم سمعوا «تأكيداً على مواصلة العمل، وأن لا يخافوا بعد اليوم من حزب الله الذي لم يعد يخيف أحداً»، إضافة إلى أسئلة حول «الطريقة الأفضل لهزم الحزب وحلفائه في الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة»، وسط تشديد أميركي على ضرورة أن يتحالف كل خصوم الحزب لكسر هيمنته على التمثيل الشيعي، وذلك من أجل خوض معركة رئاسة مجلس النواب في الولاية الجديدة.