عاجل:

ترامب أحرج نتنياهو على الهواء مباشرةً: الزيارة التي انهارت تحت وطأة الحقيقة (معاريف)

  • ٨٤


كتبت آنا برسكي في صحيفة "معاريف":

يمكن الوثوق ببنيامين نتنياهو: لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يقدّم تفسيره للمشهد الذي جرى الليلة الماضية في البيت الأبيض، على الهواء مباشرةً، ولمدة ساعة كاملة. سيحوّل الإحراج إلى إنجاز، أو على الأقل، سيخفف من وقع الانطباع الأولّي. نتنياهو، كما هو معروف، عبقري في فن التوضيح الإعلامي، لكن سيكون من الصعب طمس، أو نسيان الانطباع الأولّي والأصيل الناتج من التصريح المشترك في الغرفة البيضاوية، بعد ساعة ونصف الساعة من الغداء والمحادثات. كلّ كلمة وُثّقت، وبُثّت، ونُقلت. بكلمة واحدة: مفاجأة، وبثلاث كلمات: مفاجأة تلامس الإذلال.

لو أن بنيامين نتنياهو وصل إلى واشنطن مباشرةً من إسرائيل، من روتينه الصارم، وليس بعد الاستقبال الملكي الخيالي الذي حظيَ به في هنغاريا لدى صديقه المقرّب فيكتور أوربان، لكان الفارق أقلّ وضوحاً، لكن رئيس الحكومة كان لديه أسباب وجيهة، وأكثر من سبب واحد، لتعديل جدول زيارته ومسار رحلته على وجه السرعة، والسفر من بودابست إلى واشنطن، بدلاً من العودة إلى الوطن منتصراً.

صحيح أن الدافع الرسمي إلى الزيارة الخاطفة التي قام بها نتنياهو إلى البيت الأبيض كان محاولة إقناع ترامب بتخفيض مستوى الرسوم الجمركية التي فُرضت على إسرائيل، لكن في الواقع، يبدو كأن القضية ليست قضية رسوم، بل إن المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران هي السبب الحقيقي. حقيقة أن رئيس الولايات المتحدة لا يزال يؤمن بالمسار الدبلوماسي في مواجهة إيران تثير قلق نتنياهو منذ فترة طويلة، وحتى الآن، لم ينجح في إقناع ترامب بأن الدبلوماسية لن تُجدي نفعاً، بل ستمنح إيران الوقت وهامش المناورة. وقد سارع إلى القدوم إلى واشنطن حين أدرك مدى عُمق هذا التباين في المواقف، على الأقل، ليعرض أمام دونالد ترامب رؤيته بشأن ما يسمّيه "اتفاقاً نووياً حقيقياً".

ترك الضيف للمضيف حق إعلان بدء المحادثات النووية المباشرة بين واشنطن وطهران، والتي ستنطلق فعلاً يوم السبت المقبل. أمّا نتنياهو، فاكتفى بتصريح خاص به، كان مختلفاً تماماً عن كل ما قاله سابقاً بشأن الملف النووي الإيراني. ففي الماضي، كان نتنياهو حاسماً للغاية، وأكد أنه لا يجوز السماح لإيران بالحصول على ما يكفي من المواد لتصنيع قنبلة نووية، أمّا هذه المرة، فالصيغة كانت مختلفة كلياً. إذ قال نتنياهو: "إن موقفنا موحّد إزاء عدم حصول إيران مطلقاً على سلاح نووي، ويمكن أن يحدث ذلك أيضاً من خلال المسار الدبلوماسي"، لكنه أضاف لاحقاً أنه يجب السعي، في المحادثات مع إيران، لـ"النموذج الليبي".

فعلياً، وبترجمة من اللغة الدبلوماسية، عبّر بنيامين نتنياهو عن إحباطه من ثقة ترامب بالحوار الدبلوماسي مع طهران، ووجّه دعوة حذِرة، لكن واضحة، إلى إنهاء الدبلوماسية والاستعداد للخيار العسكري. من المؤكد أنه جرى خلف الخطاب الحذر، الذي صرّح به في العلن، حوار أقلّ تحفظًا وأكثر اتساعاً خلف الأبواب المغلقة. واستناداً إلى ما قاله الرئيس ترامب على الهواء مباشرةً، بعد أن استمع إلى حجج رئيس الوزراء نتنياهو، يمكن التقدير أن المضيف لم يقتنع، ولم يتبنَّ موقف الضيف. على الأقلّ في الوقت الراهن.

عودة إلى الدافع الرسمي للزيارة: حرب الرسوم الجمركية الكبرى التي يقودها دونالد ترامب. منذ البداية، بدأ نتنياهو بتنازل كامل في هذه القضية، ولم يكن ذلك تفاوضاً بين طرفين متكافئين، بل كان إعلاناً مسبقاً بشأن التنازل الإسرائيلي. لم يكد الصحافيون يستقرون في الغرفة البيضاوية، حتى أعلن نتنياهو فوراً أنه "سيعمل على إحباط وإزالة العجز التجاري، وسيرفع جميع القيود عن التجارة".

وهنا، تبيّن أن دونالد ترامب أعدّ مفاجأة لضيفه الإسرائيلي، الذي أراد أن يشكّل "نموذجاً" لدول أُخرى ستأتي لاحقاً للتوصل إلى تفاهمات مع الأميركيين. قال ترامب: "لا أعلم، لست متأكداً من أنني سأقلّص الرسوم الجمركية التي فرضناها على إسرائيل. فالولايات المتحدة تعطي إسرائيل مليارات الدولارات، مليارات الدولارات"، وكرّر العبارة مرتين. ثم وجّه التهنئة إلى نتنياهو الجالس إلى جانبه، والذي بدا على وجهه تعبير هو الأقرب إلى الذهول، بعبارة "مبروك" بمناسبة الأربعة مليارات دولار سنوياً التي تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة.

التقديرات والإيجازات التمهيدية التي نقلتها جهات إسرائيلية مختلفة إلى الصحافيين، والتي تحدثت عن "الانتصار السريع"، وعن أن نتنياهو سينجح في الحصول من ترامب، إن لم يكن على إلغاء كامل للرسوم الجمركية، فعلى الأقل، على تخفيضها بشكل كبير، تحطمت على أرض الواقع. وإن لم يكن ذلك كافياً، لقد أخبر دونالد ترامب الحاضرين عن "صداقته الخاصة والدافئة للرئيس التركي، أردوغان". حقاً، إنها خاتمة جميلة بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، الذي اعتاد صديقه المقرّب، الرئيس ترامب، أن يصف "الصديق" نفسه بـ"هتلر" و"مصاص الدماء".

في الختام، إن لم يكن كلّ ما سبق كافياً، فقد طُرح على الرئيس ترامب سؤال عمّا يصرّ نتنياهو ومحيطه على تسميته بـ"خطة ترامب" للهجرة الطوعية من قطاع غزة، فأجاب الأب الروحي للخطة بشكل مفاجئ: "ليتحدث نتنياهو عن ذلك". عندها، تحوّل الإحراج إلى إحراج كامل، وطُلب من الصحافيين مغادرة الغرفة، وبقي الإثنان، الضيف المُحبط والمضيف الراضي، في حديث مغلق على انفراد.

يمكن أن يكون سحر بنيامين نتنياهو المعروف قد استُخدم بكامله لتلطيف الانطباع العام، ومن الممكن ألّا ينفع هذا السحر عندما يُنفّذ دونالد ترامب حركته المعتادة: انقلاب مفاجئ من دون أيّ إنذار. بنيامين نتنياهو الذي كان يأمل، من خلال زيارته الخاطفة، بحلّ عدة قضايا دفعة واحدة، وكسب مزيد من النقاط، قبل عودته إلى الواقع الإسرائيلي المعقد، يختتم أسبوعه في الخارج بحدث مُحرج ترك وراءه كثيراً من علامات الاستفهام، والقليل جداً من الإجابات.

المنشورات ذات الصلة