كتبت ميسم رزق:
في ذروة الحرب الإسرائيلية على لبنان، لعبت قناة «العربية» السعودية دور الناطق باسم جيش الاحتلال. واعتُمدت - ولا تزال - من الجانبين الأميركي والإسرائيلي لبثّ البلاغات العسكرية والأوامر، وضخّ معطيات مجهولة المصدر وكمية هائلة من الأخبار الزائفة. وباتت طبقة كبيرة من السياسيين، وجزء من الجمهور، يتعاملان مع ما تبثّه هذه القناة كإعلان عن جدول أعمال العدو.
ولأن الأمر على هذا النحو، يواصل الجانبان الأميركي والإسرائيلي الاستفادة من خدمات القناة لتمرير الرسائل المطلوبة، وهو ما فعلته الدبلوماسية الأميركية مورغان أورتاغوس، عندما سافرت من لبنان إلى أبو ظبي، حيث وصفت في تصريحات لـ«العربية» حزب الله بأنه «سرطان، على لبنان التخلص منه»، ليتبيّن أن خفض لهجتها في بيروت لم يكن سوى مراعاة لـ«الحلفاء» في السلطة الجديدة لعدم إحراجهم.
واستخدمت أورتاغوس القناة المذكورة لتوجيه رسائل إلى الحكومة اللبنانية للمبادرة إلى اتخاذ إجراءات خاصة في مرفأ بيروت، إذ بثّت «العربية» تقريراً نقلت فيه عن مصدر غربي (اقرأ أورتاغوس) أن «الحزب يتصرف بحرّية في مرفأ بيروت من خلال شبكة متعاونين»، وأن «سيطرته على المرفأ تسهّل استقبال الأسلحة عبر البحر». وزعم التقرير أن «الوحدتين 190 و700 في فيلق القدس تتولّيان نقل الأسلحة عبر المسار البحري بعد سقوط بشار الأسد وفرض قيود جوية».
كالعادة، جاء التقرير ككلمة سر لإطلاق حملة إعلامية في لبنان شاركت في التهويل وإضافة أكاذيب أخرى، تمهيداً على ما يبدو لاتخاذ إجراءات أمنية شبيهة بما يحصل في المطار طلبتها المندوبة السامية الأميركية خلال زيارتها إلى بيروت، أو ربما تمهيداً لضربة عسكرية إسرائيلية.
وفجأة، بادرت الحكومة اللبنانية إلى إجراءات عملية وعلنية، فألغى وزير الأشغال فايز رسامني (الذي عبّرت أورتاغوس عن إعجابها به بعدما التقته في السفارة الأميركية في عوكر) مواعيده، وهرع، على خطى غيره من المسؤولين، إلى المرفأ حيث أطلق مواقف أكّد فيها التزام الحكومة بالقيام بكل الإجراءات المطابِقة لما يحصل في مطار بيروت، و«سنعمل في المرفأ بالقوة نفسها التي عملنا بها في المطار، وقد طلبت تعزيز المراقبة وتشديدها».
وأضاف أنّ «الموضوع الأمني مهمّ وفي سلّم الأولويّات، وعلينا العمل على تحديد قانونيّة المرفأ ومجلس إدارته وإعادة النظر في القوانين وتعديلها وتفعيلها»، لافتاً إلى أنّ «هناك تضارباً في صلاحيات الأجهزة المسؤولة عن أمن مرفأ بيروت».
الخطوة الأميركية الجديدة تجاه المرفأ تكشف معالم إضافية للمشروع الأميركي - الإسرائيلي الذي يهدف إلى إعادة رسم خريطة المشهد السياسي والأمني، والذي لا يقتصِر على نزع سلاح المقاومة وتجريد لبنان من أي ورقة قوّة في وجه الإجرام والتوحش الإسرائيلييْن فحسب، بل وضع كل المرافق اللبنانية تحت السطوة الأميركية بالكامل.
وكان مطار بيروت خضع أثناء الحرب وبعدها لإجراءات وفق برنامج مكتوب قدّمته الولايات المتحدة، يتضمّن تفاصيل تتعلق بعمل كل الأجهزة الأمنية والإدارية العاملة فيه، بما أخضع كل هذه الأجهزة للأوامر الأميركية، وحوّل العناصر الأمنيين إلى «جنود» مستأجرين لتنفيذها.
اللافِت أن أورتاغوس، في زيارتها الأخيرة، تحدّثت عن ملف المرفأ بكل تفاصيله بدقّة، وسألت عن التعيينات في المراكز الشاغرة أو التي ستشغر في الأشهر المقبلة. وأوصلت، بحسب مصادر مطّلعة، رسالة شبيهة بتلك التي أرسلتها إدارتها سابقاً إلى بيروت والتي حملت شروطاً واضحة في ما يتعلق بالتعيينات في الأجهزة الأمنية، بطلب استبعاد «المقرّبين» من حزب الله عن أي مواقع أساسية في إدارة المرفأ ومن بينها الجمارك.
وقالت المصادر إن «الجهات والشخصيات التي التقت أورتاغوس سمعت منها كلاماً عن المرفأ، وفهِمت أن هناك قراراً بوضع اليد عليه كما هي الحال في مطار بيروت الدولي». وأشارت المصادر إلى أن «ما جرى تسريبه من أكاذيب لم يكُن مفاجئاً، إذ سرعان ما رُبِطت الحملة الإعلامية بما كانت الموفدة الأميركية قد تحدّثت عنه».
وفيما قالت المصادر إن «طاقم السفارة الأميركية في بيروت يتولّى النقاش في ملف المرفأ وإدارته مع المسؤولين اللبنانيين»، لفتت إلى «همس حول إشراف فريق أمني أميركي على المرفأ يتولّى المراقبة والتدقيق وإن ليسَ بشكل ظاهر». وتوقّعت المصادر أن «تبدأ الولايات المتحدة بوضع شروط على الدولة اللبنانية تتعلّق بحركة المرفأ والسفن وتحديد المسموح والممنوع، كما حصل في موضوع الطائرات الإيرانية».