بيروت- نسرين ناصرالدين
لم يكن الحدث سياسيا في القاهرة يوم السبت الماضي، انسحاب رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من الصورة الجماعية مع قادة وممثلي الدول في قمة "السلام" اعتراضا على اخطاء بروتوكولية لم تمنح العراق موقعه الذي يستحقه بين المشاركين، قمة "حوار الطرشان" بين المعسكرين العربي والغربي شهدت تمايزا عراقيا في كلمة السوداني التي وضعت النقاط على الحروف حيث قدم رؤية الدولة والسياسة الخارجية للدولة العراقية تجاه فلسطين، لاسيما تلك المتعلقة بضرورة بذل الجهود الدولية والإقليمية من أجل رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير. كان خطابه مباشرا ليس فقط لاسرائيل عندما قا دون مواربة ان مجزرة مستشفى المعمدانية أظهرت الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني، ونواياه التي تجاوزت كلَّ الخطوط الحمراء، وانما للمجتمع الدولي وفي مقدمته واشنطن حين شدد على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار وفتح المعابر الحدودية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن ما هي اسباب هذا الموقف المتقدم للعراق؟ وهل هي بداية نهاية علاقة "الود" الباردة مع واشنطن؟
وفقا للمعلومات، لم يكن "السقف العالي" لموقف رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني في قمة "السلام " القاهرة، مجرد انعكاس "لغليان" الشارع العراقي ونبض معظم قواه السياسية من حرب الابادة الاسرائيلية ضد المدنيين من غزة، وانما جاءت لتعبر عن حجم التوتر السائد في العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية التي بلغت ذروتها في الاتصال الهاتفي "غير الودي" بين الرئيس الاميركي جو بايدن والسوداني يوم الثلاثاء الماضي بعدما عبر رئيس وزارء العارق عن سخطه من التغطية الاميركية للسردية الاسرائيلية ومنح حكومة بنيامين نتانياهو "الضوء الاخضر" لشن حرب مفتوحة ودون قيود على الشعب الفلسطيني. ووفقا لمصادر دبلوماسية، شعر السوداني بأن واشنطن تحاول وضع العراق في موقف حرج بعدما طلب من الحكومة العراقية لعب دور الوساطة مع إيران، بغية احتواء أي توسع لرقعة المواجهات. وعلى الرغم من تثمين بايدن دور بغداد الرسمي في التهدئة الا ان رئيس الوزراء العراقي سأله عن دور الادارة الاميركية في التهدئة وكيف يمكن ان تنجح الوساطة مع ايران اذا كانت الولايات المتحدة تقود الحرب مباشرة وتهدد الجميع من خلال استقدام البوارج الحربية الى المنطقة.
وعبر السوداني عن قناعته بضرورة العمل على الاحتواء وعدم التصعيد، لكنه سأل هل سيتم وقف إطلاق النار؟ وماذا عن إيجاد ممرات إنسانية مستدامة لإغاثة الأهالي في غزة؟ وماذا عن تحييد المدنيين؟ وقد وعد بايدن ببذل جهود في هذا الاتجاه، لكنه شدد على ضرورة اقناع طهران بالبقاء خارج الصراع مباشرة او من خلال "اذرعها" في المنطقة. وانتهى الاتصال بتذكير بايدن السوداني بضرورة حماية العراق للمصالح الاميركية المدنية والعسكرية،حسب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين. وعلى الرغم من تاكيد السوداني لالتزام العراق ببنود الاتفاقية الا انه لفت نظر بايدن الى ان استمرار العدوان على غزّة يثير غضب الشعوب في المنطقة وعلى واشنطن ان لا تخطىء الحسابات مرة جديدة!.
لكن من يوم الثلاثاء الى يوم السبت، موعد القمة، ازدادت التعقيدات،فارتفع منسوب التوتر الى اعلى مستوياته بين الحكومة العراقية وواشنطن، الجرائم الاسرائيلية تواصلت بعنف، زادت اميركا من حجم تدخلها المباشر في الحرب على غزة، ولم تبد اي موقف انساني ايجابي، واستمرت بتغطية العملية العسكرية، في المقابل تعرضت القوات الامريكية في قاعدتي حرير وعين الاسد باربيل والانبار الى اكثر من استهداف بطائرات مسيرة وصواريخ، وجاء خطاب السوداني ليعبر من جهة عن الغضب تجاه اسرائيل والاستياء تجاه ادارة الرئيس بايدن التي لم تلتزم بوعود بايدن، وكان رد واشنطن بتعميم صادر عن وزارة الخارجية يوم الاحد يطلب بمغادرة عائلات الدبلوماسيين الاميركيين والموظفين غير الضروريين من السفارة الاميركية في بغداد والقنصلية الأمريكية العامة في أربيل، وطلبت من الاميركيين "عدم السفر إلى العراق بسبب الإرهاب والاختطاف والصراع المسلح والمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات في جميع أنحاء البلاد".
وامام هذه التطورات لا يمكن الجزم الى اي مدى من السوء قد تصل اليه العلاقات الاميركية- العراقية، في ظل تدحرج العمليات العسكرية في غزة، واشنطن غاضبة من ازدياد الهجمات على قواعدها، وصنفت خطاب السوداني بانه الاكثر تحريضا على اسرائيل، فيما ترى حكومة بغداد ان كلمة السوداني كانت الأقوى والأكثر وضوحاً في التعبير عن المواقف وأكثر عملية في حال صدقت نوايا المجتمع الدولي في الوصول إلى حلول مستدامة ومنصفة بشأن القضية الفلسطينية، وكانت الأشجع والأوضح والأدق في نصرة حق الشعب الفلسطيني في الحياة على أرضه. أما تلويح السوداني"بالإصبع" خلال القاء كلمته فهي قصة ثانية، ويقال في العراق انه عندما يحرك العراقي إصبعه ويلوح به لا يفهمه إلا من جرب حظه مع العراقيين!