جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأكيد دعم بلاده للسلطة السورية الجديدة، مشدّدًا على رفض الضغوط الغربية، ومهاجمًا تل أبيب بسبب غاراتها المكثّفة على الأراضي السورية. يأتي ذلك، وسط تصاعد التوتر بين "إسرائيل" وتركيا، والرغم من "المحادثات التقنية" الجارية بين الجانبين منذ الأسبوع الماضي في أذربيجان بشأن التنسيق الأمني وتخفيف التصعيد في سوريا.
وتسعى أنقرة إلى استثمار علاقتها مع دمشق الجديدة لتثبيت نفوذ استراتيجي على الأراضي السورية، يتجاوز الأبعاد الاقتصادية والسياسية إلى ما هو أمني وعسكري مباشر، في وقت تحاول فيه "إسرائيل" تقويض هذا المسار عبر مزيج من الضغوط الدبلوماسية والعمليات العسكرية الوقائية.
وشدد أردوغان خلال كلمة له في المنتدى الدبلوماسي الذي عُقد في أنطاليا جنوب تركيا أمس الجمعة، على أن أنقرة "ستواصل جهودها الدبلوماسية لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا"، مشيرًا إلى ضرورة "إحياء التعاون التجاري والاقتصادي" مع دمشق، بحسب ما نقلت إدارة الاتصالات في الرئاسة التركية عبر موقعها الإلكتروني.
وإنتقد الرئيس التركي بشكل مباشر "إسرائيل"، متّهمًا إياها بـ"تأجيج الانقسامات داخل سوريا وتأليب الأقليات"، كما اعتبر أن الغارات الجوية "الإسرائيلية" الأخيرة "لا مبرر لها"، في إشارة إلى سلسلة من الهجمات التي طالت منشآت عسكرية ومواقع حساسة في وسط وجنوب سوريا.
وتحوّلت قضية القواعد العسكرية التركية المحتملة في سوريا إلى محور خلاف متفاقم، وبالرغم من استمرار "المحادثات الفنية" بين إسرائيل" وتركيا، حيث كشف مصدر سوري مطّلع لوكالة "فرانس برس" أن تركيا تعمل على إقامة "مواقع عسكرية" في عدة مناطق سورية، من بينها قاعدة تي فور الجوية في محافظة حمص، وهي القاعدة التي كانت هدفًا لضربات "إسرائيلية" مكثفة الأسبوع الماضي. هذا من جهة.
من جهة ثانية، شددت "إسرائيل" علنًا على رفض أي وجود عسكري تركي دائم على الأراضي السورية، وقال رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء 8 نيسان، إن "أنقرة تسعى لإنشاء قواعد عسكرية في سوريا، وهو ما يُعد تهديدًا مباشرًا لإسرائيل"، مؤكدًا أن هذا المشروع "غير مقبول".
كذلك أوضح مصدر رسمي "إسرائيلي" أن الاجتماع التقني الذي جمع مسؤولين من "إسرائيل" وتركيا في أذربيجان، تضمّن تأكيدًا "إسرائيليًا" حازمًا أن "أي تغيير في انتشار القوات الأجنبية داخل سوريا – وخاصة إقامة قواعد تركية في منطقة تدمر – يُعد خطًا أحمر وخرقًا للثقة".
وفي السياق نفسه، قالت أربعة مصادر لوكالة "رويترز" الأسبوع الماضي إن تركيا أجرت تفقدًا ميدانيًا لثلاث قواعد جوية على الأقل داخل سوريا، كجزء من استعداداتها لإنشاء نقاط تمركز عسكري ضمن اتفاق دفاعي مشترك مع السلطة السورية الجديدة. وبحسب المعلومات، شملت الزيارات التركية قاعدة تي4، وقاعدة تدمر الجوية، والمطار العسكري الرئيس في محافظة حماة.
يُضاف إلى ذلك، ذكرت مصادر استخباراتية وعسكرية أن هذه التحركات جاءت قبل أن تُقصف تلك المواقع من قبل الطيران "الإسرائيلي"، في رسالة ردع واضحة من تل أبيب إلى تركيا.
وفي إطار التصعيد، نفّذ الجيش "الإسرائيلي" خلال الأسبوع الماضي سلسلة ضربات جوية دامية داخل الأراضي السورية، كما أطلق عملية توغل بري في الجنوب السوري، مستهدفًا قواعد ومطارات عسكرية، في خطوة تُظهر تمسكه باستراتيجية "منع التموضع" لكل من إيران وتركيا على حد سواء.
وهذه التحركات التركية سببها التغيّر الجذري في المشهد السوري. ولاسيما بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول 2024، إثر حرب أهلية استمرت قرابة 14 عامًا. فكانت أنقرة من أبرز داعمي السلطة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، مما أثار توجّس "إسرائيل"، التي تخشى من تقارب تركي-سوري متسارع قد يُترجم إلى تموضع عسكري ميداني دائم في الجوار الجغرافي الحسّاس بالنسبة لها.