عاجل:

"أمر عمليات" رئاسي في لبنان: آن الأوان لحصْر السلاح بيد الدولة (الراي الكويتية)

  • ٣٥

... «آن الأوان» و«حان الوقت». عبارةٌ مشتركةٌ بفارق أقلّ من 24 ساعة بدتْ أقرب إلى «أمرِ عملياتٍ» سياسي - رئاسي بأن «دَقّتْ ساعة» حصْر السلاح بيد الدولة اللبنانية بعد إقرار «المبدأ» والتسليم به ويبقى وَضْعُ الإطار التنفيذي على قاعدة ليس فقط أنه «لا يَحمي لبنان» إلا ثلاثية «دولته، وجيشه، وقواه الأمنية الرسمية» كما أكد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بل أيضاً انطلاقاً من «أننا مُجْمِعون على أن أي سلاح خارج إطار الدولة أو قرارها من شأنه أن يُعرّض مصلحة لبنان للخطر لأكثر من سبب».

وشكّلتْ ذكرى نصف قرن على اندلاع الحرب اللبنانية في 13 أبريل 1975 ما يشبه «المنصةَ» التي خاطب من خلالها عون في رسالته البارزة مساء السبت، ورئيس الحكومة نواف سلام في كلمته من ساحة الشهداء أمس، حيث أكد «أن الوقت حان لبناء دولة قوية ولاحتكار القوات المسلحة الشرعية للسلاح في لبنان»، الداخلَ والخارجَ بأنّ قطار بناء الدولة وُضع على السكة، وسط التعاطي مع مواقف رئيس الجمهورية على أنها بمثابة خطوةٍ إضافيةٍ في اتجاهِ تهيئة الأرضية لإطلاق حوار مع «حزب الله» حول سَحْبِ سلاحه وتقديم «حيثياتٍ» للطابع المُلِحّ لهذا المسار، ورفْع منسوب نزْعِ الغطاء العلني عن «الشرعية» السياسية للمقاومة «تكملةً» لإسقاطها من البيان الوزاري للحكومة الحالية.

فالرئيس عون الذي اعتبر أن «من واجبنا أن نكون قد تعلّمنا من الخمسين سنة الفائتة أن العنف والحقد لا يحلّان أي مشكلة في لبنان، وأن حوارنا وحده كفيلٌ بتحقيق كل الحلول لمشاكلنا الداخلية والنظامية (...) وأننا جميعاً في هذا الوطن، لا ملاذ لنا إلا الدولة اللبنانية»، تَعَمَّد قطع الطريق على «الربط المزمن» الذي غالباً ما ساد بين أي بَحْثٍ لمسألة سلاح «حزب الله» وبين قيام «الدولة القوية والقادرة والعادلة»، وفق منطق الحزب، وذلك بقوله «آن الأوان كي نستخلص الدرس الأخير من هذه الخمسين سنة على 13 أبريل... آن الأوان لنقول جميعاً: الدولة وحدها هي التي تحمينا، الدولة القوية، السيدة، العادلة، الحاضرة اليوم».

وأضاف: «طالما أننا مجمعون على أن أي سلاح خارج إطار الدولة أو قرارها من شأنه أن يُعرّض مصلحة لبنان للخطر لأكثر من سبب، فقد آن الأوان لنقول جميعاً: لا يحمي لبنان إلا دولته، وجيشه، وقواه الأمنية الرسمية. وآن الأوان لنلتزم بمقتضيات هذا الموقف، كي يبقى لبنان (...) وقَسَماً بأبنائكم والأجيال المقبلة، وحدتنا هي سلاحنا، وسلاحنا هو جيشنا، كي تكون كل خمسينات السنوات المقبلة أيام خير، وسلام، وفرح، وحياة، لأننا خُلقنا للحياة... والحياة خُلقت لنا».

بناء السردية «المضادة»

والأبرز في كلمة عون، وفق أوساط سياسية، أنه ارتكز في «فلسفة» بناء السردية «المضادة» للسلاح وموجبات بقائه على إدانة الصواريخ اللقيطة التي أُطلقت من جنوب لبنان على شمال إسرائيل أخيراً وصولاً لتقديم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إخباراً قَضائياً ضدّ من قام بهذا العمل، وهو ما بدا على طريقة «مِن فمك أدنتَ».

وقد قال رئيس الجمهورية «بالحرف»: «قبل أيام، انطلقت صواريخ مجهولة من جنوب لبنان، لم يُعرَف من أطلقها، لكن اللبنانيين أجمعوا على أنها ضد لبنان، ومؤامرة خبيثة على بلدنا تستهدف استقراره وأمن اللبنانيين، لأنها تقدّم ذريعة إضافية إلى مَن لا ينتظر ذريعة للاعتداء علينا، وتضع الدولة اللبنانية في موقع أضعف تجاه مَن يؤيدنا في العالم، وتجاه أصدقائنا الراغبين في مساعدتنا. من المهم جداً إجماع اللبنانيين على إدانة هذه الممارسات، ورفض هذه الارتكابات، حتى إنّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بادر بتقديم إخبار قضائي ضدّ من قام بهذا العمل، وهي خطوة مشكورة ومقدّرة جداً، ولها دلالاتها الكبرى والمهمة».

أما رئيس الحكومة فأعلن من ساحة الشهداء ضرورة أن تستعيد الدولة اللبنانية «ثقة المواطنين وأن يجتمعوا مع بعضهم البعض ومع دولتهم».

وأضاف: «علينا أن نتعلّم من مآسي الحرب، وحان الوقت لنعيد بناء دولتنا القادرة على حمايتنا من خلال جيشها».

وأوضح أن «الحكومة تسعى بالدبلوماسية لتحرير النقاط في الجنوب» التي لم يخلِها الجيش الإسرائيلي بعد الحرب الأخيرة مع "حزب الله".

الإستراتيجية الدفاعية

وفي الوقت الذي لم يحسم الرئيس عون علناً طبيعة وشكل النقاش مع «حزب الله» حول سلاحه، في ظل رفضٍ وازنٍ من القوى المعارضة للحزب لأي حوار حول مبدأ سحبه وإصرارها على وضْع آليات تنفيذية لذلك تقع مسؤولياتها حَصْراً على الوزراء المعنيين أو المجلس الأعلى للدفاع وأن أي طاولةٍ تحت عنوان بحث الإستراتيجية الدفاعية هي تمييعٌ مكرَّر للقضية وتضييعٌ جديد للبوصلة، مضى الحزب في الرسائل الملتبسة على غرار كلام نائبه إيهاب حمادة أمس، تعليقاً على «موضوع السلاح» إذ أكد أن «موقف حزب الله من هذه القضية واضح وليس بجديد، وقد سبق أن ذهبنا إلى طاولة حوار لبحث الإستراتيجية الدفاعية».

وأشار إلى أن «السلاح سيكون موضوع نقاش جدي عندما تكون هناك إستراتيجية دفاعية يثق بها اللبنانيون بأنها قادرة على حماية الكيان والسيادة والحدود والاستقلال اللبناني الحقيقي»، مشدداً على أن «هذا النقاش شأن داخلي، ولا يحق لأي طرف خارجي التدخل فيه، لا نصيحة ولا توجيهاً».

ورأى نائب «حزب الله» أن «المشروع الأميركي – الإسرائيلي عاود إحياء نفسه بأشكال جديدة لكنها معروفة، ويتميّز اليوم بخصائص مختلفة عن مراحله السابقة، أبرزها الاجتماع الغربي الشيطاني مع الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي في غرفة عمليات واحدة لتنفيذ مشروع مشترك ميدانياً».

وتوقّفت أوساط معارضة للحزب عند كلام حمادة عن «الاجتماع الغربي الشيطاني مع الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي في غرفة عمليات واحدة» في الوقت الذي تخوض طهران مفاوضاتٍ مع واشنطن بدأت في عُمان السبت وستُستكمل السبت المقبل، وسط اعتبار هذه الأوساط أن أي رهان على «شراء الوقت» في انتظار تبيان الأبيض من الأسود في هذه المفاوضات الشائكة لا يفيد.

وفي رأي هذه الأوساط أن المفاوضات الإيرانية - الأميركية التي تجري «تحت النار» وفي ظل «زنارٍ» من أساطيل بحرية أقرب إلى «تصويب مسدس على رأس إيران»، تبدو فيها طهران وكأنها تتحيّن ما «ستقبضه» منها برفْع العقوبات وتحرير مليارات الدولارت مقابل تَراجُعاتها الاضطرارية تحت وطأة الخسائر المتوالية التي «فككت» محور الممانعة بحيث باتت الجمهورية الإسلامية في وضع «الدفع من جيْبها».

وبحسب هذه الأوساط، فقد فقدت إيران ورقة المقايضة على أوراقٍ «موزَّعة في أدراج» أو على طريقة الـ«ماتريوشكا» بحيث إن كل واحدة كانت تشكل خط حماية عن الأخرى، وكلّها للتوسع في الإقليم وإبعاد الخطر عن إيران نفسها، وذلك بعدما تلقّى «حزب الله» ضربات قاصمة في لبنان وبات سلاحه على الطاولة، هو الذي لطالما ظهّر نفسه على أنه الأقوى حولها بـ«فائض قوته» الذي كان وَهْجُه يكفي لتحقيق التأثيرات المطلوبة، في الوقت الذي تتولى واشنطن بيدها حالياً ملف الحوثيين، وصار «الحشد الشعبي» بوضع «المحكوم مع وقف التنفيذ»، ناهيك عن انهيار نظام بشار الأسد.

المنشورات ذات الصلة