عاجل:

ممثلا رئيس الجمهورية في افتتاح المنتدى العربي للتنمية المستدامة AFSD-2025... مكي: إدراج علم السلوك في مجلس الوزراء رسمياً خطوة على طريق إصلاح الإدارة العامة

  • ٢٣

دعا  وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية الدكتور فادي مكي إلى دمج العلوم السلوكية والاختبار بعمق في آليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة لأجندة 2030، على المستويين الوطني والإقليمي، لما له من قدرة على تعزيز الأثر ورفع الكفاءة واصفا مثل هذه الخطوة انها تهدف الى سلوك طريق الاصلاح في الادارة العامة. 

جاء ذلك على لسان الوزير مكي في كلمته التي القاها قبل ظهر اليوم ممثلا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في الجلسة الافتتاحية للمنتدى العربي للتنمية المستدامة AFSD-2025 في مقر الإسكوا_بيروت .

وقال بعد ان نقل تحيات الرئيس عون الى المؤتمرين: يُشرّفني أن أشاركَ معكم اليوم، ممثِلاً فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، في هذا الحدث الإقليمي البارز، المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025، الذي أصبح منصةً محورية لمتابعة تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 في منطقتنا. (2030 Agenda for Sustainable Development)

أتوجّه بالشكر إلى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (ESCWA)، وعلى رأسها الدكتورة رولا دشتي، على الجهود المستمرة في تنظيم هذا المنتدى الهام. كما أحيي معالي الوزراء والمتحدثين الكرام، وكل من يساهم في دفع مسار التنمية المستدامة في منطقتنا قُدُمًا.

أيها السيدات والسادة،

يأتي انعقاد هذا المنتدى تحت شعار يحمل رسالة عميقة في هذا الزمن العصيب: "استعادة الأمل، وتعزيز الطموح" (“Restoring hope, raising ambition”). هذا الشعار ليس مجرد عنوان، بل هو دعوة لإعادة بناء الثقة، وتحفيز الابتكار، وتعزيز التعاون، في ظل التحديات التي تواجهها منطقتنا، من أزمات اقتصادية واجتماعية، إلى صراعات مزمنة وتغيرات مناخية متسارعة.

إن المنتدى العربي للتنمية المستدامة أثبت، عبر سنوات انعقاده، أنه أكثر من مجرد مناسبة سنوية؛ بل هو منصة تفاعلية جامعة تجمع الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والباحثين، لتبادل الرؤى والخبرات، وتحديد مكامن التقدّم والتحديات على طريق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

أما نسخة هذا العام، AFSD-2025، فتميّزت بما تحمله من أبعاد جديدة، وفي مقدّمتها تركيزها على حلول شاملة، علمية، ومبنية على الأدلة، في سعيها للإجابة عن السؤال الجوهري: كيف نعيد بناء الأمل في المنطقة، ونرفع سقف الطموحات؟ وهنا، أود أن أطرح رؤيتنا حول عنصر بات جوهرياً في الإجابة عن هذا السؤال: ألا وهو استخدام العلوم السلوكية كوسائل مبنية على القرائن.

أيها السيدات والسادة،

إن التحديات المعقّدة التي نناقشها اليوم—من الصحة والتعليم إلى البيئة والعمل اللائق—لا تكمن فقط في السياسات والتشريعات، بل في سلوك الأفراد والمجتمعات، وفي قدرتنا على تصميم تدخلات تنطلق من فهم علمي لكيفية اتخاذ الناس للقرارات.

لقد أثبتت التجارب الدولية أن اعتماد العدسة السلوكية، أي مقاربة التحديات من منظور العلوم السلوكية، يمكن أن يحدث فرقاً ملموساً في تصميم السياسات العامة. فمفاهيم مثل هندسة الخيارات  (choice architecture)، والوكز(nudging) ، أصبحت أدوات فعالة لتحفيز الأفراد على تبني أنماط سلوك أكثر استدامة وصحة وفعالية، دون فرض أو إكراه.

لقد أثبتت هندسة الخيارات والعلوم السلوكية فعاليتها في مجالات متعددة—من تعزيز الإقبال على التلقيح، إلى ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين الالتزام الضريبي، وحتى زيادة الادخار والتخطيط المالي للأسر. تعتمد هذه الأدوات على تصميم البيئة المحيطة باتخاذ القرار بطريقة تجعل السلوك المرغوب فيه هو الأسهل أو الأوضح أو الأكثر بروزًا، دون المساس بحرية الفرد في الاختيار.

إن العلوم السلوكية لم تعد مجالًا أكاديميًا فقط، بل تحوّلت إلى أداة سياساتية بامتياز، تُترجم في قرارات يومية ملموسة تصنع الفارق، وتعيد وصل الثقة بين المواطن والدولة. في هذا الإطار، نرى أن تطبيق هذا النهج في لبنان والمنطقة يُعدّ فرصة حقيقية لإعادة تصميم السياسات العامة بطريقة أكثر قربًا من الواقع، وأكثر وعيًا بتعقيداته.

كما أن المقاربة العلمية والاختبار قبل التعميم—وتحديداً عبر اختبارات التحكم العشوائية (RCTs) أو أساليب تقييم مبتكرة—يشكّل ضمانة لتبنّي ما ينجح فعلاً، وتجنّب ما قد يفاقم المشاكل القائمة أو هدر الموارد على سياسات عامة لم تعد فعّالة.

ومن هذا المنطلق، ندعو إلى دمج العلوم السلوكية والاختبار بعمق في آليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة لأجندة 2030، على المستويين الوطني والإقليمي، لما له من قدرة على تعزيز الأثر ورفع الكفاءة. وبالمناسبة، فإنّ الإسكوا كانت من بين الجهات الإقليمية التي لعبت دوراً ريادياً في اعتماد العلوم السلوكية، وقد تعاونت في هذا السياق مع منظمة Nudge Lebanon، وهي منظمة غير حكومية كان لي شرف تأسيسها وتُعنى بتطبيق العلوم السلوكية لدفع التغيير الإيجابي في السياسات العامة.

وأودّ هنا أن أنوّه بخطوة نوعية اتخذتها الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تشكّل سابقة على مستوى لبنان والمنطقة: لقد تمّ إدراج علم السلوك رسمياً في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، كمكوّن أساسي في عملية إصلاح الإدارة العامة وتطوير الخدمات العامة.

وفي هذا الإطار، نصّ البيان الوزاري على ما يلي:

"ونريد دولةً فعّالة بإداراتها العامة ومؤسساتها، مما يستدعي اعادة هيكلة القطاع العام وفق رؤية محدّثة تواكب العصر وترسّخ مهام هذا القطاع في خدمة الجميع ولصالح المنفعة العامة، كما وفق معايير حديثة تواكب التحول الرقمي والابتكار وتعتمد المُقاربات العلمية والسلوكية في العمل الحكومي."

إنها المرّة الأولى التي يُقَرّ فيها بالعلوم السلوكية كأداة حكومية استراتيجية في وثيقة رسمية بهذا المستوى في لبنان. وعلى الرغم من أن بعض الدول قد أنشأت وحدات متخصصة في العلوم السلوكية داخل حكوماتها، إلا أن إدراج هذا النهج بشكل رسمي في البيان الوزاري يُعدّ خطوة ريادية في منطقتنا.

هذا الإدراج يعكس تحوّلًا مفصليًا في مقاربة الإصلاح، حيث لم تعد السياسات العامة حكراً على الأدوات التقليدية فقط، بل أصبحت أكثر اقترابًا من الناس، من قراراتهم، من مخاوفهم، ومن دوافعهم اليومية. 

وبالفعل فقد ظهرت آثار العلوم السلوكية في الآلية الجديدة لتعيينات الفئة الأولى وبالتحديد للتشجيع على اعتماد المرشحين الأفضل كفاءة. 

ونحن نرى في هذا التوجّه بداية مرحلة جديدة للبنان، ترتكز على إرساء ثقافة التعلّم من التجربة والاختبار، والتخطيط القائم على الأدلة، والتفاعل الحقيقي مع المواطن كمحور أساسي في عملية التنمية.

أيها السيدات والسادة،

تحقيق التقدم المنشود في مجالات الاستدامة يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين الوزارات كافة والقطاع العام بأكمله والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تعزيز الرؤى، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وبناء اقتصاد أكثر مرونة وشمولية. وهي تركز كذلك على أهمية الاستشراف المستقبلي في وضع الاستراتيجيات طويلة الأمد، مثل استراتيجية تحديث واعادة هيكلة القطاع العام، من خلال استباق التحديات وتحليل المخاطر والفرص المرتبطة بها. ومن هنا، نشير إلى التزام وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بدورها التمكيني كجهة محورية في ضمان التناغم بين السياسات العامة، وتعزيز المساءلة، ودمج مبادئ الاستدامة والرؤى السلوكية في عمليات الإصلاح وتحديث الإدارة العامة. 

ختامًا،

نجدد شكرنا لجهود الـESCWA ولكافة الشركاء في هذا المنتدى، ونؤكّد أن استعادة الأمل ورفع الطموح لا يمكن أن يتحققا إلا عبر الشراكة، والابتكار، والتجديد—ومن خلال أدوات جديدة، تأتي العلوم السلوكية في مقدمتها، لبناء مجتمعات أكثر إنصافاً، وكفاءة، واستدامة.

شكراً لحسن إصغائكم وأتمنى لكم مؤتمراً مثمراً وناجحاً.

المنشورات ذات الصلة