عاجل:

عقم في السنوات الماضية ومسايرة لوبيات الضغط: انبطاح لبنان أمام صندوق النقد (الأخبار)

  • ٢٦

سافرت 16 شخصية من لبنان إلى واشنطن للمشاركة في اجتماعات الربيع لمجموعة صندوق النقد والبنك الدوليين. يعتقد على نطاق واسع بين هذه الشخصيات أنه ستستخدم لغة موحّدة في اللقاءات مع ممثلي المؤسسة الدولية، هدفها إطلاق عجلة التفاوض مع الصندوق من أجل التوصّل في وقت قريب إلى إبرام اتفاق نهائي يحصل لبنان بموجبه على تمويل مشروط بسلّة من الطلبات التي اصطُلح على تسميتها «إصلاحات». وفد كهذا يعني انبطاح لبنان أمام الصندوق يصل إلى حدّ «الترجّي» القائم على أن لبنان أنجز الشروط المسبقة التي طلبت منه بإقرار مشروع قانون يلغي السرية المصرفية، وإقرار قانون معالجة أوضاع المصارف، ودعوة الرئيس نبيه برّي الهيئة العامة للمجلس إلى الانعقاد لإقرارهما.

على رأس الوفد المشارك في الاجتماعات، هناك لميا مبيّض بوصفها ممثلة رئيس الحكومة نواف سلام، وعلى جانبيها يقف وزيرا المال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد. وبدعوة مستقلّة حضر أيضاً رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ورئيس لجنة الاقتصاد النيابية فريد البستاني. أيضاً هناك رئيسة لجنة الرقابة على المصارف ميا دباغ، والمدير العام للمالية جورج معراوي، والمدير العام للاقتصاد محمد بو حيدر، والنائب الثالث لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين، ومستشارة وزير المال زينة قاسم، وثلاثة مستشارين للقصر الجمهوري هم فرحات فرحات وفاروج نيرغيزيان وروعة حركة. وبشكل مستقلّ أيضاً حضرت إلى الاجتماعات وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد، ووزير التنمية الإدارية فادي مكّي.

ووسط أنباء عن أن رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغاييفا رفضت استقبال الوفد اللبناني، إلا أن مصادر الوفد تتمهل في تأكيد هذا الرفض لا سيما أن اللقاءات التي تعقد هناك لا يمكن حسمها سريعاً لا سيما أن جدول أعمال مسؤولي صندوق النقد مزدحم بطلبات المواعيد التي لا تلبّى بالضرورة. غير أن ثمة من اعتبر أن رفض غورغاييفا لقاء الوفد اللبناني هو بمنزلة إشارة إلى أن المطلوب من لبنان لم ينفذ بعد.

وبحسب مصادر الوفد، فإن الهدف أن يكون لبنان على جدول أعمال صندوق النقد باعتبار أن ما طلبه ممثلو الصندوق في لقاءاتهم في بيروت نفذ سريعاً لا سيما لجهة إقرار تعديلات على قانون السرية المصرفية تجعله شبه مفتوح لكل الجهات من المدققين إلى القضاة ولجنة الرقابة ومصرف لبنان وسواهم، كما إن مجلس الوزراء أقرّ قانون معالجة أوضاع المصارف، وأحيل المشروعان إلى مجلس النواب حيث سيدرجان على جدول أعمال الجلسة المقبلة التي يحضّر لها رئيس مجلس النواب نبيه برّي.

اللقاءات متعدّدة، ولكن من أبرزها أن الوفد اللبناني أو جزءاً منه على الأقل سيلتقي بوفد من الخزانة الأميركية، بينما ستكون هناك لقاءات مختلفة للنائبين كنعان وبستاني، ولقاءات أخرى للوزيرين السيد ومكي مع البنك الدولي.

هل يكفي اقتراض 3 مليارات دولار من الصندوق؟

عملياً، ليست اجتماعات الربيع هي الإطار المناسب للتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن توقيع برنامج تمويلي مع لبنان، إنما تمثّل هذه الاجتماعات واللقاءات التي تحصل على هامشها، فرصة لإطلاق النقاش بين لبنان وصندوق النقد الدولي وترسيخ أرضية له ليصبح مقبولاً من الطرفين. يأمل لبنان الرسمي بأن يحصل على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، ويقال إن هذا المبلغ ليس كبيراً بمقدار ما سيكون مدخلاً لجلب تمويلات أخرى قد تصل إلى 12 مليار دولار.

وإلى جانب الوفد اللبناني، ثمة لوبيات تعمل في الخفاء دعماً لممثلي رئيس الحكومة أو دعماً لممثلي رئيس الجمهورية، إذ إن اللغة الموحّدة الآن، لا تعني أن هناك اتفاقاً على التفاصيل. هناك المصرفي أنطون الصحناوي الذي يقود لوبياً يدعم فكرة الحفاظ على المصارف وإعادة إطلاق عملها لتستوعب اقتصاد الكاش مجدداً، بينما هناك لوبي آخر تقوده «كلنا إرادة» يعمل من أجل ربط موضوع الإصلاحات المطلوبة من لبنان بإعادة الإعمار، باعتبار أنه لا يكفي ربط موضوع إعادة الإعمار بنزع السلاح بل يجب زيادة الضغط عبر «الإصلاحات المطلوبة» ثم الانتقال إلى قطاع مصرفي «جديد».

إذاً، ما ينتظر نتائجه لبنان لن يكون في الاجتماعات البروتوكولية، بل في الاجتماعات التي ستعقد على الهامش. فالاجتماعات البروتوكولية تكون على مستوى تقني بشكل أساسي، إنما الاجتماعات الهامشية فهي تجمع بين السياسة والمال وتعبّر أكثر عن توجهات الدول الفاعلة في الصندوق وأهمها الولايات المتحدة الأميركية ويليها الاتحاد الأوروبي. في الاجتماعات الهامشية ستتضح صورة المناخ السياسي الذي سيظلّل العلاقة بين صندوق النقد ولبنان.

في الواقع، لن تكون التجربة الأولى للبنان مع صندوق النقد الدولي. فقد سبق أن وقّع لبنان في نيسان 2022 اتفاقاً على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي حدّد مجموعة من الشروط المسبقة والأساسية لاستكمال المفاوضات نحو اتفاق نهائي. لكن الصندوق كعادته، استجاب للوبيات الضغط اللبنانية المختلفة وتماهى معها في الامتناع عن التوصّل إلى صيغة واضحة للاتفاق النهائي كان يفترض أن تعيد الاستقرار المالي والنقدي. لم يحصل هذا الاستقرار إلا بعد مضي سنة وبضعة أشهر على الاتفاق الأوّلي باتفاق بين الحكومة ومصرف لبنان على «تثبيت» اصطناعي لسعر الصرف تحت عنوان «استقرار سعر الصرف»، ثم تحقيق ما يريده الصندوق من تقشّف في الموازنة العامة وإقرارها.

وفي هذا الوقت كانت عين الممثلين التقنيين والسياسيين للصندوق على اقتصاد الكاش، ثم أتت اللحظة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان للمطالبة بشكل واضح بوقف الكاش في سبيل تجفيف منابع تمويل حزب الله. وفي رأيهم أن هذا الأخير يقف محرجاً أمام تمويل عملية إعادة الإعمار، وبالتالي يجب الضغط عليه لإجباره على التخلّي عن سلاحه.

في النتيجة، لم يقدّم الاتفاق بين الصندوق ولبنان أي شيء.

المصالح الجوهرية المتعلقة بالخسائر في القطاع المصرفي ما تزال على حالها رغم كل النقاشات التي خاضها الصندوق مع مختلف الأطراف اللبنانية، وهو آتٍ اليوم لكي لا يزيد الضغط، أي لا تُتوقع منه أي حلول. فعلى سبيل المثال، إن الفرضيات التي بُني عليها من أجل تمويل لبنان بقيمة 3 مليارات دولار، لم تعد صالحة اليوم، وفرضياته بشأن توزيع الخسائر لا ترضي أياً من الأطراف من المودعين إلى المصارف ومصرف لبنان والقوى السياسية، وما يقدّمه الصندوق من أجل تحسين العجز الخارجي، لم يعد ذا قيمة باعتبار أن لبنان يسجّل اليوم فائضاً في ميزان المدفوعات.

أصلاً ثمة سؤال يثار في هذه المناسبة: هل اقتراض 3 مليارات دولار من الصندوق يكفي؟ فإذا كان الصندوق يسعى إلى إنعاش النموذج الاقتصادي المنهار بعد إضافة آليات عمل مستحدثة، فهو لا يدرك أن هذا النموذج أعاد إحياء نفسه وزاد من التشوّهات والاختلالات البنيوية التي كانت تعتريه، وصارت معالجتها تتطلب الانتقال نحو نموذج جديد لم يطرحه الصندوق. الأداء البيروقراطي للصندوق عقيم في بلد يحتاج إلى «نفضة».

اجتماعات الربيع: من يحضر وماذا يُناقَش؟

تعقد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي سنوياً في واشنطن من 21 إلى 26 نيسان، ويشارك فيها أكثر من 10,000 شخص من 191 دولة بحضور وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية من جميع أنحاء العالم، ورؤساء صندوق النقد ورئيس البنك الدولي، وأعضاء برلمانات، وممثلو منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميون والصحافيون.

تتركز الاجتماعات على مناقشة الوضع الاقتصادي العالمي، واستقرار النظام المالي، وقضايا التنمية الدولية مثل محاربة الفقر وتمويل البنية التحتية والتصدي لتغير المناخ، فضلاً عن تبادل خبرات بشأن السياسات المالية والنقدية. وتشمل الجلسات الرئيسية اجتماعات لجنة الشؤون النقدية والمالية الدولية (IMFC)، ولجنة التنمية المشتركة (DC)، وفي ختامها تصدر بيانات توجيهية بشأن السياسات المستقبلية للمؤسستين. بالإضافة إلى ذلك، ينشر الصندوق ثلاثة تقارير رئيسية خلال هذه المدة: تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وتقرير الاستقرار المالي العالمي، ومذكرة المراقبة المالية.

تشمل الفعاليات الجانبية أيضاً ندوات إقليمية وحلقات نقاش متخصّصة ومنتديات مثل منتدى الاقتصاد الجديد، وحوارات لمحافظي المصارف المركزية، وورش عمل لبناء القدرات. وعلى هامش الاجتماعات، تُعقد اجتماعات ثنائية بين خبراء الصندوق ومسؤولي الدول لبحث التقارير الفردية في إطار استشارات المادة الرابعة (Article IV)، ما يتيح مناقشة خصوصيات كل اقتصاد وسبل معالجة التحديات المحلية بالتفصيل. وتركز الجلسات العامة على القضايا العالمية المشتركة، تُخصص الاجتماعات الثنائية لمعالجة أوضاع كل بلد بشكل مفصل.


المنشورات ذات الصلة