اذا كان من توصيف يمكن اعطاؤه للفترة الحالية، وربما القادمة لبنانيا، لامكن القول ان لبنان دخل مرحلة الانتظار الطويل مع ما قد تحمله من مفاجآت، رغم ان اوضاعه، باتت لا تحتمل اي تاجيل على صعيد حسم الملفات. فمن انتظار الحوار بين بعبدا والحارة، الى انتظار نتائج اجتماعات وفد لبنان مع صندوق النقد الدولي، مرورا بانتظار استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، فانتظار نتائج المفاوضات الاميركية – الايرانية، وبين كل ذلك الكثير من الملفات العالقة، والتي لم يحسم مصيرها بعد.
المفاوضات النووية
فعلى وقع استمرار واشنطن في سياسة الضغط الاقصى على طهران، يميل غالبية الخبراء الى ترجيح كفة الايجابيات في المفاوضات الأميركية-الإيرانية، رغم كل المحاولات الاسرائيلية لتطييرها، بدليل الحديث عن اجتماع «الفرق التقنية» السبت، وهو ما كان ليكون لولا ثمة خطوات كبيرة قد تم انجازها.
وفي هذا الاطار تكشف مصادر دبلوماسية ان ثمّة تنسيقا روسيا- صينيا مع ايران بشأن الملف النووي، وذلك بناءً على طلب طهران بالحصول على ضمانات، حيث ستكون موسكو وبكين الضامنتين للاتفاق، وهو ما تؤشر اليه الحركة الدبلوماسية، وحول تاثير ما يجري على لبنان، تؤكد المصادر، انه في حال حصول تفاهم أميركي – ايراني فان ذلك سينعكس ايجابًا على بيروت، رغم ان الملف اللبناني ليس حاضرا حتى الساعة على الطاولة، مبدية تخوفها من تحركات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية للضغط على واشنطن لضرب ايران، لأن رئيس الوزراء الاسرائيلي الوحيد الذي له مصلحة ويركّز على ضرب ايران عسكريّا، في ظل تفضيل الرئيس ترامب للحلّ الدبلوماسي على التصعيد العسكري. فهل ستتمكن التفاصيل وشياطينها، من المفاوضات وتفجّرها؟
قاسم
وعملا بقواعد العهد الجديد التي تتحكم باوضاع البلد هذه الايام، لم تكن عطلة العيد كسابقاتها، اذ كسر روتين العظات الذي تتضمن رسائل سياسية، النقاش بشأن سلاح حزب الله الذي استمر وان تبدلت المصطلحات حوله، حيث اعتبر امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، في موقف لافت، انقسمت الآراء حوله، ان «من يدعو لنزع السلاح بالقوة يؤدي خدمة للعدو الاسرائيلي، كما انه يريد فتنة بين المقاومة والجيش»، جازما بعدم السماح « لاحد بان ينزع سلاح حزب الله او ان ينزع سلاح المقاومة، لان حزب الله والمقاومة واحد»، «فما في شي اسمه نزع سلاح، في شي حكاه الرئيس بخطاب القسم، وهو الاستراتيجية الدفاعية».
هذا الكلام الذي وصفه البعض بالتصعيدي، قرا فيه المراقبون رسائل في ثلاثة اتجاهات، الاولى، تطمينية، موجهة لجمهور المقاومة وبيئتها الحاضنة، حول عدم التساهل في ملف السلاح، والذي جاء في سياقها كلام مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، الثانية، ذات بعد وطني، مفادها الانفتاح على الحوار، ضمن شروط: خروج اسرائيل من النقاط المحتلة، وقف اعتداءاتها بما فيها الخروقات الجوية، اطلاق الاسرى اللبنانيين لديها، لينطلق بعدها النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية، اما الثالثة، فعابرة للقارات، وتحديدا موجهة لواشنطن، بالتزامن مع الجولة الثانية من المفاوضات الايرانية - الامريكية في روما، مفادها بان حزب الله لا يزال ضمن المعادلة.
عون
من جهته ومن منبر بكركي، كرر رئيس الجمهورية موقفه الرافض للدخول في لعبة المهل الزمنية لتسليم سلاح حزب الله، مؤكدا «ان الحل يمر عبر حوار هادئ وشامل ضمن استراتيجية امن وطني لا تختزل بتوقيت ولا تملى من الخارج»، رافضا بذلك مرة جديدة التطرق لمسألة سلاح حزب الله من باب تحديد جدول زمني لتسليمه، بعدما كان تجاوز الموضوع خلال الجلسة الحكومية الاخيرة، « فالقرار اتخد ولكن الظروف هي التي تسمح لنا بكيفية التنفيذ».
مصادر متابعة اشارت الى ان كلام عون يستند الى ان نائبة المبعوث الاميركي للشرق الاوسط وخلال زيارتها الاخيرة الى لبنان لم تتحدث عن جدول زمني محدد وتركت الموضوع «للتسهيل»، ما فسر على ان «المسألة تقتضي حوارا جديا لن يكتب له النجاح الا اذا اعطي الوقت الكافي»، مؤكدة ان كلام الشيخ قاسم اتى في سياق نقاش داخلي اثير في البلاد حول موضوع السلاح لاسيما بعد زيارة ارتوغاس، فكان لابد من ان يكون هناك جواب علني على كل ما يطرح، واصفة العلاقة بين بعبدا والحارة بالايجابية والجيدة، حيث التواصل قائم بين الطرفين.
اورتاغوس
وعملا باستراتيجية الرئيس الاميركي وتخطيه الاعراف الدبلوماسية، علقت اورتاغوس، على كلام قاسم عبر منصة «اكس» بكلمة «تثاؤب»، في دلالة على مللها. غير ان ردها طال ايضا سلسلة مواقف للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وصف فيها شروط ومن بينها نزع سلاح حزب الله بالتعجيزية، حيث غردت «المخدرات رديئة وليد»، لياتيها رد «البيك» بمنشور على منصة اكس بعبارة «الاميركي القبيح»، وهي عنوان فيلم يتحدث عن دبلوماسي اميركي يرسل في مهمة حفظ السلام الى جنوب شرق اسيا، لكنه لم يفهم طبيعة الوضع السياسي المعقد هناك. الا بعد فوات الاوان.
وقد وضعت المصادر، التراشق بين المختارة وواشنطن في اطار تراجع العلاقات التي طالما ربطت البيك بالادارات الاميركية، فمع وصول الرئيس ترامب الى البيت الابيض، ساءت العلاقات بين الطرفين، ووصلت حد مقاطعة اورتاغوس للمختارة وكذلك السفيرة الاميركية، وهو ما استدعى دخول الوسطاء على الخط، املا في تحقيق «الصلحة» بين الطرفين قريبا.
اجتماعات واشنطن... كنعان يطرح تمويل عودة النازحين وحفظ حقوق المودعين
في العاصمة الأميركية واشنطن، تستمر لقاءات الوفد اللبناني في مؤتمر الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي، وسط تأكيد بأن الاجتماعات تهدف لردم الفجوة المالية واستعادة الثقة الدولية. وقد شارك لبنان بوفد موحد ضم وزير المالية ياسين جابر، فيما أُعلن عن زيارة مرتقبة لوفد من صندوق النقد الكويتي.
وضمن مهامه في الوفد اللبناني إلى واشنطن وكرئيس للجنة المال والموازنة في المجلس النيابي، التقى النائب إبراهيم كنعان مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد، حيث طرح ملفات إعادة هيكلة القطاع العام، وتمويل عودة النازحين السوريين، وحفظ حقوق المودعين.
كنعان شدد خلال اجتماعه مع المدير التنفيذي للبنك الدولي عبد العزيز الملا على أهمية الانتقال من إدراج المعايير الدولية في القوانين إلى تطبيقها الفعلي، لافتاً إلى ضرورة دعم العودة الآمنة للنازحين في ضوء المتغيرات السورية.
وفي لقائه مع بعثة صندوق النقد، شدد على وجوب أن يتضمن الاتفاق المرتقب مقاربة عادلة وشفافة توزّع الخسائر وتحفظ أموال المودعين، داعياً إلى تدقيق جنائي شامل كأساس لأي إصلاح.
إلى ذلك، التقى كنعان نائبة موفد نائب موفد الرئيس الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتيغوس، حيث جرى التداول في الملفات المشتركة بين لبنان والولايات المتحدة، لا سيما المرتبطة بالاستقرار المالي والسياسي في لبنان. كما التقى مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولوس، وبحث معه في سبل دعم لبنان للخروج من أزماته الاقتصادية. كذلك، عقد اجتماعاً مع جيسي بيكر، المسؤول عن ملف العقوبات ومكافحة الجرائم المالية في وزارة الخزانة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا، حيث تم التطرق إلى ملفات الشفافية والإصلاح المالي ومكافحة الفساد.
ويُنتظر أن يوقّع لبنان اتفاقاً مع البنك الدولي حول شبكة الكهرباء، في وقت لا يزال الدعم الدولي مشروطاً بإصلاحات واضحة وخطوات سياسية، أبرزها بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.
تشريع الخميس
وليس بعيدا، اجتمعت هيئة مكتب مجلس النواب في عين التينة حيث ناقشت جدول الأعمال الذي سيُوزع في الجلسة التشريعية يوم الخميس، وسط إصرار على ألا يحصل أي تأجيل في الانتخابات البلدية وأي اقتراح قانون قد يُعرقلها بات من الصعب أن يمرّ، اذ ان المطلوب تعديل قانون الانتخابات في ما يتعلّق بالعاصمة وليس تعديلات تخصّ الصلاحيات كي لا تُعرقَل الانتخابات فيها.
مصادر نيابية اشارت الى أن قطار التشريع «ماشي» خصوصًا في ملف الإصلاح الاقتصادي، «فرئيس المجلس النيابي نبيه بري أحال التعديل على قانون السرية المصرفية والنقد والتسليف إلى اللجان المشتركة لاختصار الوقت»، مضيفة ان المجلس النيابي يعمل وفقا للتوقيت اللبناني، لا وفقا لاي طرف خارجي، كاشفة عن اقتراح لعقد جلسة خاصة لمناقشة 150 اقتراح قانون كان قد تم تقديمها خلال فترة الفراغ الرئاسي.
التعيينات
الى ذلك يبدو ان عطلة الاعياد الطويلة قد سمحت باجراء سلسلة من الاتصالات والمشاورات في الكواليس، تمهيدا لاصدار عدد من التعيينات، ابرزها على الصعيد الدبلوماسي والقضائي، فيما يستمر العمل على انجاز تلك المتعلقة بمجلس ادارة مجلس الانماء والاعمار، حيث هناك «توافق ضمني بين القوى السياسية الرئيسية، على اختيار أسماء تتمتع بحد كبير من الكفاءة والتوازن السياسي بما يسهم في تحريك عجلة العمل الإنمائي والمالي في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد»، على ما تقول مصادر مواكبة للاتصالات، «فالمشاورات الحالية تسير باتجاه تفعيل عمل المؤسسات الدستورية والإدارية من خلال ملء الشواغر بطريقة مدروسة، مع إبقاء باب التفاهمات مفتوحا أمام مختلف الأطراف، بما يضمن حماية الساحة الداخلية من أي اهتزازات مفاجئة».
عمليات نوعية
«جهود العيد»، لم تقتصر على ملف التعيينات، بل امتدت أيضا إلى الحفاظ على أجواء الاستقرار الداخلي، خصوصا فيما يتعلق بالملف الأكثر دقة المرتبط «بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية»، حيث سجلت سلسلة من التدابير الامنية، التي افضت الى احباط عملية اطلاق صواريخ باتجاه الاراضي المحتلة، وتوقيف الخلية المنفذة، ما انعكس ارتياحا لدى مختلف القوى السياسية التي باتت أكثر إدراكا لخطورة التوترات الداخلية في ظل الوضعين الإقليمي والدولي المترقبين لأي تصعيد.
وفي التفاصيل، وعقب عمليتي اطلاق الصواريخ آذار الماضي، نجحت التحقيقات، نتيجة التعاون بين الاجهزة الامنية المختلفة، في التوصل الى الايقاع بالمنفذين، بعد مطابقة البصمات التي اخذت من منصات الصواريخ، والداتا الموجودة لدى الاجهزة، والتي تطابقت مع تلك العائدة للبناني، ولفلسطيني سبق وتم توقيفه، ما سهل الوصول الى طرف الخيط ، حيث بينت التحقيقات وجود مجموعتين، الاولى منفذة، والثانية، تولت تأمين المواد الاولية ودعم للمنفذين، حيث تبين تورط اربعة فلسطينيين اخرين متوالين عن الانظار.
غير ان استكمال عمليات الرصد والمتابعة الدقيقة، داخل المخيمات وخارجها، اوصلت الاجهزة الامنية الى معطيات عن وجود تحضيرات لتنفيذ عملية اطلاق صواريخ، حيث تم تحديد غرفة عمليات المجموعة في احدى الشقق شرق مدينة صيدا، حيث عثر بداخلها على 14 صاروخا من عيار 107 ملم، تم جمعها ووصل صواعقها، وعلى منصتين خشبيتين تتسع كل منها لصاروخين، كذلك على 3 صواريخ من عيار 122 ملم مع ثلاث قواعد حديدية تابعة لها، كما تم توقيف المشرف الرئيسي على العملية، فيما يستمر البحث جاريا عن شخصين آخرين، حيث اعترف الموقوفون بالانتماء لحركة حماس، وانهم قاموا بعملهم بناء لمبادرات فردية، رغم ان مصادر معنية ترفض تاكيد او نفي نظرية الفردية، مشيرة الى استدعاءات بحق عدد من مسؤولي حماس لاستجوابهم لجلاء كامل الحقيقة.
اغتيالات وغارات
ميدانيا، استهدفت غارة إسرائيلية سيارة في بعورتا قرب الدامور، أدّت الى استشهاد حسين عزات عطوي من بلدة حاصبيا مرجعيون – الهبارية، وهو من «الجماعة الإسلامية»، فيما اعلنت وزارة الصحة سقوط شهيد في الغارة. ايضا، استهدفت مسيرة اسرائيلية سيارة بيك اب ودراجة نارية عند طريق بلدة الحنية في قضاء صور اوقعت شهيدا. جنوبا ايضا، ألقت درون اسرائيلية قنبلة صوتية على بلدة كفركلا. كما عمدت محلقة اسرائيلية الى القاء قنبلة صوتية وسط بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل. واستهدفت المدفعية الإسرائيلية أطراف بلدة شبعا.
صرخة وجع
على صعيد آخر، وفي وقتٍ تتسارع فيه وتيرة الانهيار الاقتصادي وتغيب المعالجات الجدية، يعود العسكريون المتقاعدون إلى واجهة الحراك المطلبي، حاملين وجعهم إلى الشارع مجددًا، وهذه المرّة تحت شعار «صرخة وجع”، حيث تشير اوساطهم الى ان “تحرّك الخميس سلمي يعبّر عن معاناة المتقاعدين وعائلاتهم في ظل التدهور المعيشي والاقتصادي الحاد، والانهيار المتواصل في القدرة الشرائية، حيث باتت الرواتب تفقد قيمتها يومًا بعد يوم”.، مؤكدة ان “لا قيود لدينا، وكل وسيلة ضغط مشروعة نراها فاعلة لتحصيل حقوقنا سنلجأ إليها، نحن أكثر من غيرنا، نشعر بالحزن لاضطرارنا إلى النزول إلى الشارع في ظل عهد جديد ورئيس جديد وحكومة جديدة. وندرك أنهم لم يتسببوا بالأزمة، لكن الحل اليوم بين أيديهم»، خاتمة «إن استمرّ التهميش والإهمال، فقد يصعب علينا الحفاظ على سلمية الموقف، خاصة أن بيننا عائلات شهداء وشهداء أحياء متضررين من الحرب، يتقاضون رواتب لا تتجاوز 270 أو 280 دولارًا، فكيف يمكنهم أن يعيشوا؟”.