عاجل:

الطرق إلى واشنطن لم تعد تمرّ عبر القدس (يديعوت أحرونوت)

  • ٢٨

كتب يهونتان أديري في صحيفة "يديعوت أحرونوت":

تعكس التطورات الأخيرة في المفاوضات المباشرة بين طهران وواشنطن فشل السياسة الخارجية الإسرائيلية. فإيران والسعودية وتركيا ومصر، جميعها تجاوزت إسرائيل، وتشارك الآن في مفاوضات مباشرة مع ترامب، في حين تربطها علاقات واسعة أيضاً بالصين، الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة.

في القدس، لا يجب "أن نكون منطقيين في مطالبنا" فقط، حسبما طلب ترمب من نتنياهو بخصوص أردوغان، بل يجب علينا أن نستوعب بسرعة: أن فقدان مكانتنا كوسطاء مفضلين لدى الأميركيين يعني تراجعاً استراتيجياً، أمنياً واقتصادياً، لإسرائيل في المنطقة. إذا لم تُبلور القدس، بسرعة، استراتيجيا جديدة تسمح بالحفاظ على مكانتها في واشنطن وتعزيزها، فسنصبح طرفاً هامشياً في الشرق الأوسط.

أصبحت السعودية محوراً مهماً في الحوار بين روسيا وأوكرانيا، من خلال استضافة محادثات السلام في جدة، أيضاً فتحت مساراً دبلوماسياً مستقلاً من خلال زيارات رفيعة المستوى إلى طهران، وتحسين العلاقات مع إيران. في الوقت عينه، يبدو أن وليّ العهد محمد بن سلمان تراجع عن عملية التطبيع مع إسرائيل، ويسعى لاتفاق ثنائي مباشر مع الولايات المتحدة، يتضمن تخصيب اليورانيوم "لأغراض مدنية".

تركيا، بقيادة أردوغان، جدّدت علاقاتها الوثيقة بالرئيس ترامب الذي وصف أردوغان، مؤخراً، بـ"الصديق القريب"، على الرغم من الخلافات الحادة مع ألمانيا وأوروبا، بما في ذلك فرض عقوبات نتيجة اعتقال رئيس بلدية إستانبول.

كان الدفء في علاقات واشنطن إزاء أنقرة واضحاً، وبصورة خاصة عندما زارت قيادة "حماس" وزير الخارجية التركي هاكان فيدان هذا الأسبوع، وطالبته بـ"تفعيل العلاقات مع واشنطن" لتعزيز مصالح الحركة وإنهاء الحرب في غزة. والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة، فإنه نجح في استقرار علاقاته بالولايات المتحدة والحفاظ على قناة تواصُل مباشرة مع الإدارة الأميركية – بينما في الوقت نفسه، تجري مناورات عسكرية واسعة النطاق مع الجيش الصيني.

قبل عقد من الزمان، وهو وقت قصير بالمقاييس الجيوسياسية، كانت الطرق إلى واشنطن تمرّ عبر القدس. قبل أسابيع من اجتياح أكتوبر، كنا على بُعد "أسابيع قليلة"، بحسب وزير الخارجية السعودي، عن توقيع اتفاق تطبيع سعودي - إسرائيلي، كان سيشمل أيضاً تحالفاً دفاعياً إقليمياً.

لكن اغتيال جمال الخاشقجي أبعدَ السعودية عن واشنطن، والربيع العربي أضعفَ مصر، وأردوغان، الذي اعتقد أنه يستطيع شراء أنظمة دفاع جوي من روسيا، من دون دفع ثمن سياسي، وجد نفسه خارج برنامج طائرات الـF-35، وفي مواجهة رفض أميركي للانسحاب من سورية، كما أن تحوُّل الولايات المتحدة إلى دولة مستقلة في مجال الطاقة، ولاحقاً، إلى مصدر رئيسي للطاقة، أضعفَ نفوذ الطاقة لدول الخليج بشكل كبير.

إن عقوداً من التقارب والعلاقات الوثيقة بين القدس وواشنطن سمحت لإسرائيل بأن تحتل مكانة الشريك القوي والأخلاقي، كنوع من "حارس البوابة" التي يجب المرور منها من أجل الحصول على آذان صاغية في واشنطن. وخلال الـ15 عاماً الأخيرة، وصلت الشراكات الأكاديمية والتكنولوجية المدنية إلى ذروتها، وتمثلت في إنشاء مراكز تطوير كبرى لشركات تكنولوجيا أميركية، واستثمارات ضخمة (20 مليار دولار في سنة واحدة)، وعشرات الاكتتابات في وول ستريت، وعمليات استحواذ أميركية استراتيجية، مثل استحواذ غوغل على ويز (Waze)، وإنفيديا على ميلانوكس [شركة إسرائيلية – أميركية لبرامج الكومبيوتر].

كل ذلك جاء في موازاة تحديث حزمة المساعدات الأميركية، وانتقال إسرائيل إلى قيادة القيادة المركزية للجيش الأميركي، واندماجها في بنية الدفاع الإقليمي التي تم اختبارها بنجاح في الهجمات الباليستية الإيرانية [في نيسان/أبريل 2024]. كذلك، تم تزويد إسرائيل بأنظمة سلاح متقدمة، طائرات F-35، وحصلت على المساعدة على تطوير أنظمة دفاع صاروخي، مثل "القبة الحديدية" والشعاع الحديدي [Iron Beam، منظومة دفاع مضادة للصواريخ تعتمد على الليزر]،

لقد أدت الجبهات السبع التي فُتحت منذ 7 أكتوبر إلى تغييرات تكتونية في المنطقة، ويتطلب الواقع الجديد الناشىء أمامنا وسائل جديدة لمواجهته. السبب المركزي للتراجع إزاء الإدارة الأميركية ناجم عن رفض هذه الإدارة فكرة "الفيلا في الغابة" التي صاغها إيهود باراك وتبنيناها كلنا بعده.

تنحصر رؤية زعماء إسرائيل للمنطقة في القضاء على التهديدات العسكرية ومنع المشروع النووي الإيراني، وغيره، بدلاً من التفكير الإيجابي بشأن المستقبل المنشود، والمواجهة الذكية مع خصوم وقوى مهيمِنة، مثل تركيا وإيران، والسعودية إلى حد ما. ما من بديل أمام إسرائيل سوى استبدال مفهوم "الفيلا في الغابة" بنظرة إقليمية من الهند إلى إثيوبيا، أساسها تحالُف يعيد تشكيل مكانتنا في الشرق الأوسط، ويضعنا في مكان حاسم على طاولة صُنع القرار الإقليمي والدولي.

المنشورات ذات الصلة