عاجل:

"الدستوري" يبطل مواد من الموازنة المطعون فيها

  • ٥٤

إلتأم المجلس الدستوري في مقره في الحدت قبل ظهر اليوم، برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، البرت سرحان، رياض أبو غيدا، فوزات فرحات، ميشال طرزي، الياس مشرقاني وميراي نجم، في غياب نائب الرئيس القاضي عمر حمزة لدواع صحية.

وصدر عن المجلس، قرار يتعلق بالمرسوم رقم 56/2025 تاريخ 11/3/2025 المنشور في ملحق العدد 11 من الجريدة الرسمية تاريخ 13/3/2025، المطعون فيه من النواب :ملحم خلف، نجاة عون صليبا، فراس حمدان، أديب عبد المسيح، بلال الحشيمي، ملحم طوق، عدنان طرابلسي، طه ناجي، إبراهيم منيمنة، طوني فرنجية، بولا يعقوبيان، بتاريخ تاريخ 26/3/202،اعتبار مشروع موازنة العام 2025 موضوع مشروع القانون المحال على مجلس النواب، بموجب رقم 14076 تاريخ 4/10/2024 مرعيا ومعمولا به.

وقد خالف قرار الأكثرية القاضيان ألبرت سرحان وفوزات فرحات، معللين سبب رأيهما ، مؤكدين "إعطاء حق النظر في المرسوم المطعون فيه للمجلس الدستوري، بداعي أنه من النصوص التي لها قوة القانون، لأن التمادي في منح المجلس الدستوري صلاحيات بموجب قوانين عادية أو بالقياس على اجتهادات قضائية قد يطيح بإستقلالية هذا المجلس، ويجعله تابعا وخاضعا لمزاجية التعديلات التي تقررها السلطة التشريعية والتي هي من المفترض خاضعة لرقابة المجلس الدستوري، وقالا: "لا نرى من موجب في بحث سائر النقاط القانونية التي تطرق إليها قرار الأكثرية لعدم الفائدة".

نص اقرار المجلس

وقد جاء في نص القرار:

قرار رقم:3/2025                 تاريخ:2/5/2025

مراجعة رقم: 1/ و/2025          تاريخ الورود: 26/3/2025

مراجعة رقم: 2/و/2025           تاريخ الورود: 27/3/2025

النص المطعون فيه: المرسوم رقم 56/2025 تاريخ 11/3/2025، المنشور في ملحق العــدد 11 من الجريدة الرسمية تاريخ 13/3/2025، اعتبار مشروع موازنة العام 2025 موضوع مشروع القانون المحال على مجلس النواب، بموجب رقم 14076 تاريخ 4/10/2024 مرعيا ومعمولا به.

إنّ المجلس الدستوري الملتئم في مقرّه بتاريخ   2/5/2025، برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، البرت سرحان، رياض أبو غيدا، فوزات فرحات، ميشال طرزي، الياس مشرقاني وميراي نجم.

وبغياب نائب الرئيس القاضي عمر حمزة لدواعٍ صحية.

بناء على المادة 19 من الدستو،

 بعد الاطلاع على المراجعة وعلى التقرير،

ولدى التدقيق والمذاكرة، تبين أنّ النواب: ملحم خلف، نجاة عون صليبا، فراس حمدان، أديب عبد المسيح، بلال الحشيمي، ملحم طوق، عدنان طرابلسي، طه ناجي، إبراهيم منيمنة، طوني فرنجية،   بولا يعقوبيان قدّموا مراجعة بتاريخ 26/3/2025، سجلت في قلم المجلس برقم 1/و/2025 بتاريخ ورودها، طعناً بالمرسوم رقم 56/2025 تاريخ 11/3/2025 المنشور في ملحق العدد 11 من الجريدة الرسمية تاريخ 13/3/2025، طلبوا فيها  اتخاذ القرار فوراً بوقف مفعول المرسوم المطعون فيه كلياً والا جزئياً لناحية مواد الموازنة المعمول بها بموجبه الى حين البت بالمراجعة،  وإعلان صلاحية المجلس للنظر بها، وقبولها شكلاً،  وإبطال المرسوم المطعون فيه كلياً والا جزئياً وإزالة غموض بعض العبارات بتحفظات تفسيرية، وادلوا بصلاحية المجلس سنداً للمادتين 1 و18 من قانون إنشائه رقم 250/1993 وباستيفاء المراجعة لسائر شروطها الشكلية، وبوجوب تعليق مفعول المرسوم للحؤول دون الحاق الضرر بحقوق الأشخاص والمال العام، في حال إبطال الموازنة كلياً أو جزئياً بنتيجة الطعن، وادلوا في الأساس بالأسباب القانونية التالية:

I-أسباب تتعلق بمخالفة أصول إقرار المرسوم المطعون فيه واتخاذه ونشره وهي:

1- مخالفة المادة 54 من الدستور لعدم توقيعه من جميع الوزراء المختصين.

2- مخالفة أحكام المادة 86 من الدستور لاتخاذه خلافاً لأحكامها وللشروط الواردة فيها وفي الأحكام الدستورية ذات الصلة للأسباب التالية:

أ- عدم دستورية وضع وإحالة مشروع الموازنة الى مجلس النواب من قبل حكومة معتبرة مستقيلة ولا يجوز لها ممارسة صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق.

ب- عدم عرض مشروع الموازنة، على مجلس النواب للبت به، وعدم تمكنه من ذلك بالمفهوم الذي قصدته المادة 86 من الدستور.

ج- عدم الدعوة الى العقد الاستثنائي المشترط في المادة 86 من الدستور.

3- مخالفة الصيغة الجوهرية المتمثلة بوجوب استشارة مجلس شورى الدولة بشأنه والتي تُعد ضمانة قضائية بمفهوم المادة 20 من الدستور، وأحد أوجه مبدأ تعاون السلطات الدستورية المنصوص عليها في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور.

4- مخالفة الصيغة الجوهرية، المتمثلة بوجوب استطلاع رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأنه، وبشأن مشروع الموازنة موضوعه، والتي تُعد إحدى وسائل وضمانات السعي الى تحقيق الانماء المتوازن للمناطق اجتماعياً واقتصادياً المنصوص عليه في الفقرة (ز) من مقدمة الدستور.

5- مخالفة أحكام المادة 87 من الدستور، وقوّة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميتها، باتخاذه وإصداره ونشره دون قطع حساب.

II- أسباب متعلقة بمضمون الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه.

1- مخالفة المادة (5) من الموازنة لأحكام المادة 88 من الدستور.

2- مخالفة الفصل الثالث من الموازنة برمته، والمعنون " تعديلات ضريبية"، المحتوي على المواد 16 حتى 54 ضمناً، لأحكام المادتين 81و82 من الدستور، ولمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الفقرة (ج) من مقدمته، إضافة الى الخطأ الفاضح في التقدير.

3- مخالفة الفقرة الأخيرة من المادة 17 من الموازنة لأحكام المادة 83 من الدستور، كونها من فرسان الموازنة، فضلاً عن مخالفتها المبادئ ذات القيمة الدستورية، لغموضها وإلتباسها وعدم وضوحها بصورة مفرطة مبددة لمعناها، إضافة إلى إهدارها لحقوق المستفيدين من تعويضات نهاية الخدمة.

4- غموض والتباس وعدم وضوح الفقرة الأخيرة من المادة 22 من الموازنة، ومخالفتها لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ذي القيمة الدستورية.

5- مخالفة عبارة " يعمل بهذا النص اعتبارا من 1/1/2025 " الواردة في ختام المواد 45 و46 و47 من الموازنة، لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ذي القيمة الدستورية.

6- مخالفة عبارة " تطبق هذه المادة اعتباراً من سنة 2025 " الواردة في ختام المادة 50، لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ومبدأ سنوية الموازنة ذوي القيمة الدستورية.

7- مخالفة المادة 52 من الموازنة لأحكام المادة 6 من الدستور، فضلاً عن غموضها والتباسها وعدم وضوحها.

       وتبين أنّه بتاريخ 27/3/2025 قدّم النواب: جبران جرجي باسيل، جيمي جورج جبور، غسان آمال عطاالله، إدكار جوزف طرابلسي، ندى نهاد البستاني، فريد البستاني، شربل كميل مارون، سليم عون، نقولا صحناوي وسيزار أبي خليل طعناً ثانياً بالمرسوم إيّاه، سجل في قلم المجلس برقم 2/و/2025، طلبوا فيه بدورهم وقف مفعول المرسوم المطعون في دستوريته الى حين البت بالمراجعة، وإعلان صلاحية المجلس للبت بها وقبولها في الشكل وفي الأساس، وإبطال المرسوم، وأدلوا بصلاحية المجلس سنداً للمادة الأولى من قانون نظامه الداخلي رقم 243 وللمادتين الأولى والثامنة عشرة من قانون إنشائه رقم 250/1993، لأن مرسوم إصدار الموازنة المطعون فيه يرتبط ارتباطاً موضوعياً مباشراً بالدستور، وبصلاحيات المجلس الدستوري الطبيعية الأصلية بمراقبة دستورية الموازنة والحفاظ على الانتظام المالي للدولة، وباستيفاء المراجعة لجميع شروطها الشكلية وأدلوا في الأساس بالأسباب التالية:

1- مخالفة المرسوم للمادة 86 من الدستور، لعدم قيام رئيس الجمهورية، بعد انتخابه في 9/1/2025، بالاتفاق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، بدعوة المجلس النيابي الى جلسة استثنائية لإقرار الموازنة قبل 31/1/2025، ما يشكل أيضاً تعدياً من السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة التشريعية.

2- وجود مخالفات في بعض مواد الموازنة موضوع المرسوم:

أ- مخالفة المادة 26، على سبيل المثال، لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ موازاة الاشكال بتعديلها المادة 36 من المرسوم الاشتراعي رقم 146 تاريخ 12/6/1959.

ب- مخالفة المادة 56، على سبيل المثال، لمبدأ عدم جواز المس بحق من الحقوق أو المبادئ ذات القيمة الدستورية أو النصوص الضامنة لها، من دون أن يحل محلها نصوصاً أكثر ضمانة أو معادلة لها على الأقل، ولقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري بهذا الخصوص.

ج- خرق المادتين 46 و47، على سبيل المثال، لمبدأ المساواة بين المواطنين بفرض زيادات غير مدروسة في الضرائب والرسوم.

د- وجود تناقض وغموض في عدد كبير من المواد، مثل المادة 54، ما يفسح في المجال بتطبيقها بصورة استنسابية، ويخالف مبدأ وضوح النص.

ه- مخالفة مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية ذي القيمة الدستورية في بعض أحكام المواد.

ما يوجب إبطال كل مادة مخالفة، يراها المجلس عفوا، إضافة الى المواد التي ذكرت على سبيل المثال،

وتبين أنّه بتاريخ 2/4/2025، صدر قرار في المراجعة رقم 2/و/2025 لضمها الى المراجعة رقم 1/و/2025، والسير بهما معاً،

وتبيّن أنّه بتاريخ 14/4/2025 ورد التقرير.

بنـــاء عليـه،حيث ان المسائل التي يقتضي البت بها، سنداً لأقوال الطاعنين ومطالبهم، هي مسألة حفظ صلاحية المجلس للبت بالطعنين ومسألة مخالفة الأصول في إصدار المرسوم المطعون فيه ومسألة مخالفة مواد الموازنة، للدستور وللمبادئ الدستورية، مع الإشارة الى أن المجلس، بمجرد وضع يده على المراجعة، يتطرق عفوا الى كل ما يشوب " النص" موضوع الطعن من مخالفات دستورية ويرتب عليها النتائج اللازمة دون ان يكون مقيداً بمطالب الطاعنين أو بالأسباب التي استندوا اليها.

أولاً: في الصلاحية:

 حيث إنّ الطاعنين يطلبون حفظ صلاحية المجلس الدستوري للبت بالمراجعة سنداً للمادتين 86 و19 من الدستور وللمادتين الأولى والثامنة عشرة من قانون إنشائه رقم 250/1993 وللمادة الأولى من قانون نظام الداخلي رقم 243/2000،

وحيث إنّه بموجب المادة 86 من الدستور، " إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً، يصدر بناء عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به الى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل".

وحيث إنّ المادة 19 من الدستور تنص على ما يلي:

"ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبتّ في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. تحدد قواعد تنظيم المجلس وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون".

وحيث سنداً للنص المذكور أنشئ المجلس الدستوري بموجب القانون رقم 250/93، ونصت كل من مادتيه الأولى والثامنة عشرة على ما يلي:

المادة الأولى: تنفيذا لأحكام المادة 19 من الدستور، ينشأ مجلس يسمّى المجلس الدستوري مهمته مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.

المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية.

المادة 18: يتولّى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون. خلافاً لأي نص مغاير، لا يجوز لأي مرجع قضائي أن يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن أو بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع بمخالفة الدستور او مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص.

وحيث إنّ المادة الأولى من القانون رقم 243/2000 تنصّ على ما يلي:

"المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية تتولى مراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية"،

وحيث إنّ الدستور حصر صلاحية التشريع في مجلس النواب ونص على أن القانون لا يكون مرعياً ومعمولاً به ما لم يقرّه مجلس النواب فيصدره رئيس الجمهورية ويطلب نشره،

وحيث إنّ المادة 86 من الدستور شكّلت استثناءً وأعطت مجلس الوزراء الحق في اتخاذ القرار بجعل مشروع قانون الموازنة، المقدّم من الحكومة إلى مجلس النواب، بدون أن يبتّ فيه نهائياً، مرعياً ومعمولاً به، فيصدره رئيس الجمهورية بموجب مرسوم وينشر أصولاً، وذلك في حال تحقق الشروط التالية:

عدم البتّ في مشروع قانون الموازنة العامة خلال العقد التشريعي المعيّن لهذه الغاية.

عدم البتّ في المشروع المذكور قبل نهاية العقد الإستثنائي الذي يدعو اليه رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة لدرس الموازنة والبتّ فيها، أي قبل نهاية شهر كانون الثاني.

عدم الإجازة لمجلس الوزراء استعمال هذا الحق إلاّ إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على مجلس النواب قبل بداية عقد تشرين الأول بخمسة عشر يوماً على الأقل.

وحيث إن العقد الذي كان مخصصاً لدرس الموازنة بدأ يوم الثلاثاء الواقع فيــــــه 22 تشرين الأول من العام 2024 باعتبار أن الخامس عشر من الشهر المذكور صادف يوم ثلاثاء والعقد يبدأ في يوم الثلاثاء الذي يليه،

وحيث إنّ مشروع الموازنة قد طرح على المجلس النيابي في 4/10/2024 أي قبل بداية عقده بأكثر من 15 يوماً، وذلك بموجب المرسوم رقم 14076،

وحيث إنّ مجلس النواب لم يبتّ في مشروع الموازنة بشكلها النهائي، خلال العقد العادي، وهو كان في تلك الفترة وطيلة شهر كانون الثاني من العام 2025 في عقد استثنائي حكمي، عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة 69 من الدستور، لأن الحكومة كانت معتبرة مستقيلة، وقد انقضت المهلة الدستورية بدون البت بالمشروع، فقرّر مجلس الوزراء (عملاً بالمادة 86 من الدستور) اعتبار المشروع بالشكل الذي تقدّم به مرعياً ومعمولاً به، وأصدره رئيس الجمهورية بالمرسوم رقم 56/2025، وتم نشره في ملحق العدد 11 من الجريدة الرسمية تاريخ 13/3/2025 والتي ورد في صفحتها الأولى حرفياً:" اعتبر مشروع موازنة عام 2025 المرفق، موضوع مشروع القانون المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 14076 تاريخ 4/10/2024، مرعياً ومعمولاً به"، وعنونت صفحتها الثانية بعبارة " قانون الموازنة العامة للعام 2025"،

وحيث إنّ قانون الموازنة العمومية يتمتّع بطابع القانون الأساسي المنصوص عليه في الدستور، وهو في عداد المواد الأساسية المذكورة في الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور، ما يشير الى أهميته القصوى بحيث أنّ وجود الدولة مرتبط ارتباطاً عضوياً بماليتها وبانتظام تلك المالية وصدقيتها وشفافيتها، وهو يعبّر من ناحية عن سياسة الحكومة العامة، ومن ناحية أخرى، يشكّل الصك الأساسي الذي يجيز للحكومة سنوياً الجباية والانفاق ويتيح للبرلمان وللجهات الرقابية القضائية كديوان المحاسبة، اجراء الرقابة على مداخيل الدولة ونفقاتها،

وحيث إنّ النصوص التي لها قوّة القانون هي تلك التي تضطلع بها السلطة التنفيذية، إمّا بناء على تفويض من قبل السلطة التشريعية - أي المراسيم التشريعية - وإمّا لتلافي تلكؤ المجلس النيابي في القيام بدوره كما في المادة 86 من الدستور التي تشكل استثناءً للمواد 16 و18 و51 من الدستور،

وحيث إنّ صلاحية إقرار الموازنة تعود من حيث مضمونها ومن حيث صراحة مواد الدستور التي تنظّم مالية الدولة إلى السلطة التشريعية بموجب قانون، وإنّ إعمال أحكام المادة 86 من الدستور من شأنه نقل هذه الصلاحية إلى السلطة التنفيذية،

وحيث إنّ اللجوء إلى الإجراء الاستثنائي المذكور الذي يتجاوز دور البرلمان في تنظيم مالية الدولة لا يمكن أن يتوازى مع الإفلات من رقابة دستورية الموازنة، الامر الذي يدخل في صلب مهام المجلس الدستوري، علماً ان عدم الرقابة يؤدي الى استئثار السلطة التنفيذية بمالية الدولة ما قد يؤدي الى الاخلال بمبدأ التوازن بين السلطات،

وحيث إنّ قانون المحاسبة العمومية يعرّف الموازنة بأنها "صك تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة، ويُجاز بموجبه الجباية والإنفاق"، وإنّ الدستور اللبناني خصص فصلاً كاملاً لمالية الدولة هو الفصل "ب" من الباب الرابع، تحت عنوان "في المالية" يشمل المواد 81 إلى 89 منه، فتكون القوانين المالية (les lois de finances) محفوظة للتشريع وتقع صلاحية النظر والفصل في دستوريتها، من حيث مضمونها، للمجلس الدستوري صاحب الاختصاص حصراً،

وحيث إنّ النّص الذي ينظّم مالية الدولة، كما هو الحال بالنسبة لموازنة 2025، تكون له قوّة القانون من حيث مضمونه كونه محفوظاً أساساً للتشريع في المجلس النيابي، وتعود تبعاً لكل ما تقدّم للمجلس الدستوري سلطة الرقابة على دستوريته.

ثانياً- في الأسباب المبنية على مخالفة الأصول:

ألف- في الأسباب المبنيّة على عدم توقيع المرسوم من جميع الوزراء، وعدم إمكان الحكومة المعتبرة مستقيلة ممارسة صلاحياتها الا بالمعنى الضيق، وعدم عرض مشروع الموازنة على المجلس وعدم الدعوة الى عقد استثنائي:

حيث بالنسبة لعدم توقيع المرسوم من جميع الوزراء فإنّه يقتضي التفريق بين قرار مجلس الوزراء الذي يجب أن يقترن بموافقة أكثرية الوزراء المطلوبة، وهو ليس النص موضع الطعن وبين المرسوم القاضي باعتبار مشروع قانون الموازنة مرعياً ومعمولا به والموقّع أصولاً من مرجعه،

وحيث إنّه لناحية المخالفة المبنية على انتفاء صلاحية الحكومة المعتبرة مستقيلة لإحالة مشروع الموازنة الى مجلس النواب لأنه لا يجوز لها ممارسة صلاحياتها إلّا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال فإنّه تقتضي الإشارة الى أنّ مالية الدولة التي تتجسّد بالميزانية العامة هي من الأمور الضرورية والملحة التي تدخل في صميم موجبات الحكومة، أي ضمن مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق،

وحيث إنّه لا يستقيم الادلاء بعدم دستورية الإصدار لأن مشروع القانون لم يدرج على جدول هيئة عامة في مجلس النواب ولا تمت تلاوته، لأن الدستور الذي أجاز استثنائيا في المادة 86، إصدار مشروع القانون بمرسوم وفقاً للشروط التي حدّدتها تلك المادة، اكتفى بوجوب طرحه (أي إحالته) على المجلس النيابي قبل بدء عقده بخمسة عشرة يوماً، دون أي اجراء آخر، ولو انه قصد وضعه على الجدول وبدء مناقشته، لكان نص على ذلك صراحة، كما ذهب اليه في المادة 58 منه التي تجيز أيضا اصدار مشروع القانون بمرسوم،

وحيث إنّ مجلس النواب كان في عقد استثنائي حكمي، منذ بدء ولاية المجلس النيابي في أيار من العام 2022 وقد استمر ذلك العقد لحين نيل الحكومة التي تشكلت الثقة في 26/3/2025 عملاً بالمادة 69 من الدستور، فتكون الدعوة الى عقد استثنائي في غير موقعها الصحيح،

وحيث تبعاً لما تقدّم، ترد الأسباب موضوع هذا البند.

بـــــاء- في السببين المبنيين على مخالفة المادة 20 من الدستور والفقرة "ه" والفقرة "ز" من مقدمة الدستور:

حيث إنّ المستدعين يطلبون إبطال المرسوم المطعون فيه لمخالفته الصيغة الجوهرية المتمثلة بوجوب استشارة مجلس شورى الدولة بشأنه والتي تعد ضمانة قضائية بمفهوم المادة 20 من الدستور وأحد أوجه مبدأ تعاون السلطات الدستورية المنصوص عليه في الفقرة "ه" من مقدمة الدستور، ولمخالفته للصيغة الجوهرية المتمثلة بوجوب استطلاع رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأنه، وبشأن مشروع قانون الموازنة الذي اعتبره مرعياً ومعمولا به، والتي تعد إحدى وسائل وضمانات السعي الى تحقيق الإنماء المتوازن للمناطق اجتماعياً واقتصادياً المنصوص عليه في الفقرة "ز" من مقدمة الدستور التي تنصّ على أنّ: "الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام"،

وحيث إنّ المواد 81 الى 87 من الدستور التي ترعى مالية الدولة، ومن ضمنها الموازنة، لا تنصّ على وجوب استشارة مجلس شورى الدولة ولا أي جهة أخرى بما في ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،

وحيث فضلاً عن ذلك، إنّ طلب الاستشارة من مجلس شورى الدولة في ما يتعلق بمشاريع القوانين بموجب المادة 56 من نظامه ليس الزامياً، خلافاً لسائر النصوص المعدّدة في المادتين 57 و58، كما أنّ القانون رقم 389 تاريخ 12/1/1995 وتعديله بالقانون رقم 288 تاريخ 12/4/2022 (إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) لم يلحظ في أي من أحكامه وجوب استشارة هذا المجلس بشأن مشروع قانون الموازنة،

وحيث تبعاً لما تقدّم يكون ما أدلي بها ضمن هذا السبب مردوداً.

جيم- في السبب المبني على مخالفة المادة 87 من الدستور وقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري:

حيث ان المستدعين يدلون بمخالفة المرسوم المطعون فيه لأحكام المادة 87 من الدستور ولقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري والزاميتها، باتخاذه وإصداره ونشره دون قطع حساب،وحيث إنّ المادة 87 من الدستور تنص على ما يلي:

ان حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تُعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات"،

وحيث إنّه إذا كان غياب قطع الحساب  يؤدي إلى غياب الشفافية في جباية المال العام وإنفاقه وبالتالي إلى التشكيك في صدقية الموازنة العامة وتنفيذها، كما يؤدي إلى فتح الباب واسعاً أمام تفشّي الفساد، وفق ما ذهب اليه المجلس الدستوري في العديد من قراراته، استناداً الى المادة 87 من الدستور التي توجب عرض حسابات الإدارة المالية على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التي تليها، إلا أنّ الأمر يختلف بالنسبة للمادة 86 من الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحية استثنائية بإصدار قانون الموازنة بناء على قرار مجلس الوزراء ولا تشير إلى وجوب إقرار قانون قطع الحساب، بل تعالج حصراً موضوع الموازنة العامة، ما يعني أنّ الدستور فصل في هذه المادة بين قطع الحساب والموازنة ، وتجاوز دور المجلس النيابي الذي يقع على عاتقه موجب الموافقة على قطع الحساب، والقول بعكس ذلك يؤدي الى تكبيل يد مجلس الوزراء وبالتالي الى تعطيل المادة 86 من الدستور في حال تلكأ المجلس النيابي عن اقرار قطع الحساب،

وحيث إنّ المادة 86 من الدستور تمنح الحكومة صلاحية استثنائية تشذّ عن المسار الدستوري العادي الذي يرعى إقرار الموازنة من دون أن توجب تزامن ذلك مع إقرار قطع الحساب الذي يبقى من الواجب إصداره، أسوة بسائر الشروط التي فرضتها لجعل مشروع القانون مرعياً ومعمولاً به،

وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم يكون إصدار مشروع موازنة العام 2025 منطبقاً على نص المادة 86 من الدستور، ما يوجب رد سبب الطعن بما في ذلك لجهة مخالفة قوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري، لأن الإصدار موضوع الطعن في القضية الراهنة مسند الى المادة 86 من الدستور، وبالتالي لا تتوافر شروط قوة القضية المحكمة.

ثالثاً- في الأسباب المبنية على مخالفة بعض مواد الموازنة للدستور وللمبادئ الدستورية.

في السبب المتعلّق بمخالفة المادة 5 من الموازنة المطعون فيها، لأحكام المادة 88 من الدستور:

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ المادة 5 من الموازنة المطعون فيها تُجيْز الإقتراض العمومي عن طريق سندات الخزينة، وبالتالي يقتضي ابطالها كون موضوعها محجوزاً لدائرة القانون سنداً لأحكام المادة 88 من الدستور، فيكون إنفاذها بموجب المرسوم المطعون فيه وبدون إقرارها بقانون في مجلس النواب مُخالِفاً لأحكام المادة 88 المذكورة،

وحيث إنّ المادة 5 المطعون فيها نصَّت تحت عنوان " الإجازة بالإقتراض"، على أنّه:

يجاز للحكومة في إطار تمويل استحقاقات اصل الديون، وضمن حدود العجز المقدّر في تنفيذ الموازنة وفي إنفاق الاعتمادات المدوّرة إلى العام 2025 والاعتمادات الإضافية، إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية لآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة، وذلك بقرارات تصدر عن وزير المالية.

وحيث إنّ المادة 88 من الدستور تنصّ على أنّه « لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليها إنفاق من مال الخزانة إلا بموجب قانون،

وحيث إنّ المادة 88 من الدستور تكون قد حجزت لدائرة القانون عقد القروض العمومية والتعهدات التي يترتب عليها إنفاق من مال الخزانة، فجعلتها في حمى القانون وحكراً له كما يستفاد من استخدام أداة الاستثناءٍ إلا ما يعني أنّه لا يجوز لمجلس النواب التفويض بشأنها،

يراجع قرار المجلس الدستوري رقم 1/2002 تاريخ 31/1/2002، القانون رقم 379 تاريخ 14/12/2001 (الضريبة على القيمة المُضافة) منشور في الجريدة الرسمية عدد 8، تاريخ 7/2/2002، ص. 871 وما يليه.

وحيث إنّ الإجازة المعطاة للحكومة، بموجب المادة 5 المطعون فيها، بالاقتراض عن طريق سندات الخزينة، من دون تحديد الحد الأقصى لقيمة المبلغ المجاز إقتراضه، ومن دون تحديد  آجال الاستحقاق، يعتبر من قبيل التفويض المطلق المعطى للحكومة باصدار سندات خزينة، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذه المادة بإجازتها اصدار تلك السندات " بقرارات تصدر عن وزير المالية"، تكون قد، فوّضت بشكل غير مباشر وزير المالية أمر اصدار سندات خزينة غير محدّدة الآجال، ومن دون تحديد حد أقصى لقيمة الاصدار، بموجب قرار يصدر عنه ويكون بالتالي هذا التفويض مخالفاً لأحكام المادة 88 من الدستور التي حجزت أمر عقد القروض العمومية حصراً لدائرة القانون، ويقتضي معه إبطال المادة 5 من الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه لهذا السبب.

في السبب المتعلّق بمخالفة الفصْل الثالث برُمَّته المعنوَن " تعديلات ضريبية" من الموازنة المطعون فيها، والمحتوي على المواد 16 حتى 54 ضمناً منها، لأحكام المادتَيْن 81 و82 من الدستور ولمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الفقرة (ج) من مقدّمته، إضافة إلى كونه مشوْباً بالخطأ الفاضح في التقدير:

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ الضرائب والرسوم التي فَرَضَتها أو عدَّلتها مواد الفصل الثالث من الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه، وُضِعَت مقاديرها بشكل مرتفِع ومُبالَغ فيه وغير مُبرَّر في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والنقدية المزرية للمكلَّفيْن، ما جَعَل هذه الضرائب والرسوم مبنيّة على هدف وحيد هو جباية الأموال في ذاتها دون إيلاء أي اعتبار لمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الفقرة (ج) من مقدِّمة الدستور الذي يَفرض أخذ قدرة المكلَّفيْن على دفع هذه الضرائب والرسوم بعين الاعتبار، فضلاً عن أنّها جاءَت مشوبة بالخطأ الفاضح في التقدير، ما يقتضي إبطال الفصْل الثالث المذكور أعلاه برمّنه، والمحتوي على المواد 16 حتى 54 ضمناً منها، لمُخالفته أحكام المادتين 81 و82 من الدستور ومبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الفقرة (ج) من مقدّمته ولكوْنه مشوباً بالخطأ الفاضح في التقدير،

وحيث إنّه، في السياق عينه، يدلي المستدعون بموجب المراجعة رقم 2/2025 أنّ المرسوم المطعون فيه يتضمّن زيادات كبيرة غير مدروسة وغير مبنية على دراسات الأثر الاجتماعي في الضرائب والرسوم من شأنها أن تؤدي إلى خرق مبدأ المساواة ما بين المواطنين، وأن تهدد العدالة الاجتماعية، وقد ذكروا على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في المواد 46 و47 من الموازنة في ما يتعلق بالرسم السنوي المقطوع والنسبي على المؤسسات السياحية، واللتين تدخلان كلاهما في عداد مواد الفصل الثالث المطعون فيه،

وحيث إنّ الدستور جعل من العدالة الاجتماعية ركناً من أركان النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان، الى جانب الحريات العامة ومبدأ المساواة، حسبما ورد في الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور،

وحيث إنّ مفهوم العدالة الاجتماعية، بما له من دلالات اقتصادية واجتماعية، يرتبط بمفهوم المساواة بين الأفراد والتوزيع العادل للحقوق والواجبات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، وهو يشير إلى مجموعة من الأهداف يقتضي على المشترع أن يسعى الى تحقيقها لدى سنّه القوانين كافةً، علماً أنّه يفترض بالتشريع ان يكون هادفاً الى حماية المصلحة العامة L’intérêt général والحقوق المشروعة للأفراد والمجموعات التي يتكون منها الإقليم الذي تمارس الدولة عليه سيادتها،

وحيث إنّ إحدى تجلّيات العدالة الاجتماعية تكمن في العدالة الضريبية التي عبَّرَت عنها صراحة المادة 81 من الدستور والتي نصّت على شمولية الضريبة المُحدثة بقانون وتطبيقها على اقليم الدولة بأكمله دون استثناء، ما يعني أن يخضع جميع اللبنانيين للضرائب على حدّ سواء وبشكل عادل فلا يلحق غبن بفئة من جرائها ولا تخضع لها منطقة من إقليم الدولة بدون أخرى، وهذا كلّه يؤلِّف أيضاً في الموضوع الضريبي مفهوماً تطبيقياً للعدالة الاجتماعية، فلا تُعتَبَر جباية الأموال في ذاتها، أي مصلحة الدولة بأن تستحصل على إيرادها الواجب والمشروع، هدفاً يؤثِرُه القانون بمنْحه حمايته دون أن يوازنه مع سواه من الاعتبارات الناجمة عن أن الاصل في النظام الضريبي، كما سبق ذكره، ان يكون قائما على العدالة الاجتماعية بمفهومها أعلاه،      

يُراجَع قرار المجلس الدستوري رقم 1/2002 تاريخ 31/1/2002، المذكور سابقاً.

وحيث إنّه من مراجعة الفصل الثالث المطعون فيه، لم يتبيّن للمجلس الدستوري أنّ الضرائب والرسوم التي تناولتها مواد هذا الفصل فرضت بشكل غير متساوٍ بين المكلّفين ضمن الفئات التي طالتها أو بشكل غير عادل بين المناطق اللبنانية، أو أن الاعتبارات التي دعت الى فرضها لم تكن محققة للصالح العام. أما لجهة الادلاء بأنّها وُضِعَت مقاديرها بشكل مرتفِع ومُبالَغ فيه وغير مُبرَّر في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والنقدية المزرية للمكلَّفيْن، ما جَعَل هذه الضرائب والرسوم مبنيّة على هدف وحيد هو جباية الأموال، أو انها تتضمّن زيادات كبيرة غير مدروسة، حسب زعم الجهة المستدعية، فان المجلس الدستوري لا يسعه إعمال رقابته على هذه الاعتبارات التي تملي التشريع الضريبي على المشرع، وذلك لأن القضاء الدستوري لا ينظر في ملاءمة التشريع بل في دستوريته، لا سيّما أنّه يعود للمشرع وحده تقدير ملاءمة الضرائب والرسوم واقرارها، كما يعود للحكومة دون سواها رسم السياسة المالية للدولة، ما يقتضي معه ردّ هذا السبب لعدم مخالقته الدستور أو المبادئ والأهداف ذات القيمة الدستورية.

3- في السبب المبني على المخالفات في الفقرة الأخيرة من المادة 17 وفي المادة 56 من الموازنة:

حيث إنّ الطاعنين في المراجعة رقم 1/2025 يعيبون على الفقرة الأخيرة من المادة 17 من الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه مخالفة أحكام المادة 83 من الدستور كونها من فرسان الموازنة، فضلاً عن مخالفتها المبادئ ذات القيمة الدستورية لغموضها والتباسها بصورة مفرطة مبدّدة لمعناها إضافة الى إهدارها لحقوق المستفيدين من تعويضات نهاية الخدمة،

وحيث بالعودة الى نص المادة 17 من الموازنة المطعون فيها، يتبين من عنوانها أنها تتعلّق بتعديل الفقرة الأولى من المادة 63 من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته بحيث نصّت فقرتها الأولى على الآلية التي يجب على رب العمل اعتمادها لدى إقدامه على اقتطاع الضريبة من رواتب وأجور أجرائه ودفعها الى الخزينة، وفي فقرتها الثانية نصّت على آلية احتساب الضريبة المتوجبة على الرواتب والأجور المدفوعة جزئياً أو كلياً بالعملات الأجنبية، كما نصّت في فقرتها الثالثة والأخيرة على أنّ هذا النص لا يطبق على احتساب تعويضات نهاية الخدمة عن المرحلة التي تسبق 31/12/2023 على أن تعالج في قانون خاص، وذلك بعد إعادة تقييم لجميع تعويضات نهاية الخدمة المستحقة عن تلك الفترة.

وحيث بالعودة الى تعريف الموازنة العامة عملاً بأحكام المادة 83 من الدستور المكمّلة بالمادتين 3 و5 من قانون المحاسبة العمومية (الصادر بالمرسوم رقم /14969/ تاريخ 30/12/1963)، يتبين ان المادة83   قد وصفت الموازنة على أنها "شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة"، بينما نصت المادة 3 من قانون المحاسبة العمومية على أنّها "صكّ تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة ويجاز بموجبها الجباية والإنفاق"، وعرفت المادة 5 من القانون اياه قانون الموازنة على أنه " النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة"،

وحيث إنّه يقتضي، تفعيلاً لهذه النصوص وصوناً لخصوصية الموازنة العامة، وتماشياً مع الاجتهاد الدستوري المستمر، استبعاد كل مادة من قانون الموازنة غير مشمولة بتعريف المواد المذكورة أعلاه، وذلك في سبيل سلامة التشريع ومنعاً لتمرير على عجل بعض المواد القانونية التي لا تمتّ بصلة للموازنة العامة دون تمكين المجلس النيابي من مراجعتها ومناقشتها في إطارها المستقل وبيان الأسباب الموجبة التي أدّت الى اعتمادها،

وحيث إنّ الفقرة الأخيرة من المادة 17 المطعون فيها، تخرج عن نطاق ضريبة الدخل على الرواتب والأجور موضوع الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة وتدخل في إطار آلية احتساب تعويضات نهاية الخدمة للإجراء ولا تمتّ بصلة للفقرتين الأولى والثانية من المادة 17 المومأ اليها،

وحيث إنّ موضوع احتساب تعويضات نهاية الخدمة للأجراء يخضع لأحكام قانون الضمان الاجتماعي المنفذ بالمرسوم رقم 13955 تاريخ 26/9/1963 وتعديلاته ولا ينطوي على أي من عناصر قانون الموازنة ولا يرتبط مباشرة بالموازنة لا لجهة تقدير النفقات والواردات ولا لجهة تنفيذ الموازنة،

وحيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 2/2025 يدلون، على سبيل المثال، أنّ المادة 56 من المرسوم المطعون فيه التي تمنع جميع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والهيئات والمجالس والصناديق والمصالح المستقلة والمصارف والشركات وأشخاص القانون العام على مختلف أنواعها وتسميتها الممولة أو المملوكة كلياً أو جزئياً من الدولة أن تدفع بدل تأمين لموظفيها لتغطية الفروقات عن ما يغطيه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تمسّ بضمانات وظيفية مكرسة في متن النصوص المرعية الإجراء من شأن المساس بها أن يؤثر على الأمن الاجتماعي للفئة الاجتماعية المحددة في متنها. وطالبوا المجلس الدستوري بالتدقيق في ما إذا كانت الضمانات القانونيّة المنصوص عليها في الموازنة الجديدة هي على الأقلّ مساوية أو أكثر فعاليّة من الضمانات المتوافرة قبل صدورها، وهذا ما عُرف في الاجتهاد الفرنسي بعبارة «Cliquet anti-retour»، حيث يحظّر على المشرّع بمقتضى هذا التشبيه، أن يعود عن ضمانات وحقوق قانونيّة ذات طابع دستوري أو ميثاقي أو طبيعي أو لصيق بالإنسان كان قد سبق له أن أقرّها، فيعمد المجلس الدستوري عندها إلى إبطال أيّ نصّ قانوني أقلّ حماية للحريّات والحقوق بسبب حرمان صاحب الحقّ من ضماناته وحقوقه القانونيّة حرماناً كاملاً أو جزئيّاً، أو بسبب المسّ المباشر بهذه الحريّات والحقوق والضمانات، وانه يقتضي تبعاً لذلك، إبطال جميع المواد الواردة في المرسوم المطعون فيه والتي من شأنها العودة عن ضمانات مكرسة متعلقة بالحقوق والحريات والأمن الاجتماعي للمواطنين،

وحيث إنّ المادة 56 تنص على ما يلي: «خلافاً لأي نص آخر عام أو خاص، يمنع على جميع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والهيئات والمجالس والصناديق والمصالح المستقلة والمصارف والشركات وأشخاص القانون العام، على مختلف أنواعها وتسمياتها، الممولة أو المملوكة كلياً أو جزئياً من الدولة، بما فيها تلك التي تدير أو تستثمر أو تشغل مرفقاً عاماً أو مالاً عاماً، كلياً أو جزئياً، أن تدفع بدل تأمين لموظفيها لتغطية الفروقات عن ما يغطيه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».

وحيث يتبين أن مضمون المادة 56 يرتبط بأمور وظيفية لا علاقة لها بتاتاً بالموازنة العامة ولا بتنفيذها المباشر،

وحيث تبعا لما تقدّم تكون الفقرة الأخيرة من المادة 17 وكذلك المادة 56 المطعون فيهما من قبيل فرسان الموازنة وبالتالي مخالفة لأحكام المادة 83 من الدستور فيقتضي إبطالهما،

4- في السبب المتعلّق بغموض والتباس وعدم وضوح الفقرة الأخيرة من المادة 22 من الموازنة المطعون فيها، ومخالفتها لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ذي القيمة الدستورية:

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ المادة 22  المذكورة، قد استحدثَت في فقرتها الأخيرة رسماً على الواقعات الحاصلة قبل 1/1/2007 بعد أن كانت الفقرة الأولى من المادة ايّاها قد أعفَت هذه الواقعات من رسوم الانتقال، وأنّه بالمُقارنة مع هذا النصّ قَبْل تعديله ( أي مع المادة 53 من القانون 66/2017 التي عَدّلت المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي 146/1959) يتبيَّن أن الواقعات السابقة لتاريخ 13/10/1994 كانت مُعفاة من رسوم الانتقال ولم يكُن مفروضاً عليها الرسم الجديد بقيمة 1% الذي استحدثَته الفقرة الأخيرة  من المادة 22 أعلاه، وأن صياغة المادة 22 بهذا الشكل يشوبها الالتباس والإبهام والغموض وعدم الوضوح حول ما إذا كان الرسم المُستحدَث في الفقرة الأخيرة منها بنسبة 1%، يَشْمل الواقعات الحاصلة قَبْل تاريخ 13/10/1994 التي كانت مُعفاة بالمُطلَق منذ تعديل المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 146/1959 بموجب المادة 53 من القانون رقم 66/2017، أم أن هذا الرسم الجديد مُقتصِر على الواقعات الحاصلة بين تاريخَيْ 13/10/1994 و31/12/2006،  فضلاً عن كون الفقرة الأخيرة من المادة 22 المطعون فيها مخالفةً لمبدأ المساواة ، إذ أنها ميّزَت بين المكلَّفِيْن الذِيْن هم في أوضاع قانونية واحدة أو أقلّه مماثلة، لا بل ميّزت بين الواقعات العائدة لمكلَّف واحد، بين ما هو سابق لتاريخ 1/1/2007 بحيث أخضعته لرسم مُستحدَث بنسبة 1% من سعر العقار الرائج بتاريخ نقل الملكيّة وبين ما هو لاحق لذاك التاريخ حيث أبقَتْه خاضعاً لرسم الانتقال وقواعده وشطوره وتنزيلاته ونظامه القانوني المُتكامِل المنصوص عليها في المرسوم الاشتراعي رقم 146/1959 وتعديلاته، ما يقتضي معه إبطالها،

وحيث إنّ الفقرة الأولى من المادة 22 من مشروع الموازنة المطعون فيه تفرض من جهة أولى رسم انتقال على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الغير، باستثناء الدولة والبلديات واتحادات البلديات بطريق الإرث أو الوصية أو الهبة أو الوقوف بأي طريق آخر بلا عوض يعادل قيمتها الحقيقية، ونصّت من جهة ثانية، على إعفاء الواقعات التي حصلت قبل تاريخ 1/1/2007 من رسوم الانتقال، في حين نصّت الفقرة الثانية والأخيرة من المادة عينها على أنّ الدوائر العقارية تستوفي عن الواقعات الحاصلة قبل 1/1/2007 رسم بنسبة 1% عند نقل ملكية عقارات المتوفى على أسماء الورثة أو الموصى لهم وفقاً للأسعار الرائجة بتاريخ نقل ملكيتها،

وحيث إنّ فرض رسم الانتقال بصورة مطلقة على جميع الحقوق المنقولة وغير المنقولة التي تنتقل للغير بلا عوض وثمّ إعفاء الواقعات الحاصلة قبل 1/1/2007 من تلك الرسوم، ثمّ فرض رسم قدره 1% على الواقعات إياها، أي الحاصلة قبل 1/1/2007، على فئة الورثة والموصى لهم فقط دون غيرهم وبالنسبة للعقارات وحدها عند نقل ملكيتها، بدون توضيح ما إذا كان المقصود بالنقل التسجيل بالدوائر العقارية، أو بتاريخ الوفاة، يتّسم من جهة أولى بعدم الوضوح في النص بشكل مبدّد لمعناه ويخالف من جهة ثانية مبدأ المساواة بين الورثة والموصى لهم وبين الغير ممن تنتقل اليهم الأموال بدون عوض،

وحيث فضلاً عمّا تقدّم، فإنّ المادة 22 بنصّها في فقرتها الأولى على أنّه « ويسمح للمراجع القضائية ذات الصلاحية إصدار أحكام حصر الإرث وتنفيذ الوصايا لذوي العلاقة دون إبرازهم الترخيص المطلوب من الدوائر المختصة في وزارة المالية عن الوفيات الحاصلة قبل تاريخ 1/1/2007»، تفسح المجال للقاضي بالإستنساب لجهة الإلزام بإبراز الترخيص أو عدمه على ذوي العلاقة، ما يجعل هذه الفقرة مخالفةً لمبدأ المساواة بين المتقاضين،

وحيث إنّه سنداً الى كل ما تقدّم يقتضي إبطال العبارات التالية من المادة 22: عبارة «وتعفى الواقعات التي حصلت قبل تاريخ 1/1/2007 من رسوم الانتقال»، وعبارة «ويسمح للمراجع القضائية ذات الصلاحية إصدار أحكام حصر الإرث وتنفيذ الوصايا لذوي العلاقة دون إبرازهم الترخيص المطلوب من الدوائر المختصة في وزارة المالية عن الوفيات الحاصلة قبل تاريخ 1/1/2007»، وعبارة «تستوفي الدوائر العقارية عن الواقعات الحاصلة قبل 1/1/2007 رسم بنسبة 1% عند نقل ملكية عقارات المتوفي على أسماء الورثة أو الموصى لهم وفقاً للأسعار الرائجة بتاريخ نقل ملكيتها.»، لمخالفتها مبدأ وضوح التشريع ومبدأ المساواة بين المتقاضين ذَوي القيمة الدستورية.

5- في السبب المبني على مخالفة النص المطعون فيه لعدد من النصوص التشريعية:

 حيث إنّ الطاعنين في المراجعة رقم 2/2025 يدلون بأن المرسوم المطعون فيه يعدل عدداً من النصوص التشريعية والمراسيم التشريعية مخالفاً مبدأ فصل السلطات ومبدأ موازاة الأشكال ويذكرون على سبيل المثال المادة 26 منه ويرى المجلس حصر البحث في هذه المادة لأنه لم يتبين له ان باقي المواد غير المثارة يشوبها مثل هذه المخالفات،

وحيث إنّه بالعودة الى المادة /26/ ومقارنتها بالمادة رقم 43 من المرسوم الاشتراعي رقم /146/ تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (رسم الانتقال) المعدلة يتبين ان التعديل تناول فقط المقطع الثاني من المادة 43 التالي نصّه " يتوجب هذا الرسم الإضافي المقطوع على الجزء من مجموع قيمة الحقوق والأموال والقيم المنتقلة غير الصافي الذي يتجاوز أربعين مليون ليرة لبنانية، ويعتبر من الديون والالتزامات المترتبة على مجموع العناصر المذكورة"، وان المادة /26/ جعلت هذا المبلغ مليارين وأربعمائة مليون ليرة" دون أي تعديل آخر،

وحيث إنّ المادة /26/ لا تشكّل مخالفة للدستور لأن تحديد الرسوم أو تعديلها يدخل في رسم السياسة المالية للدولة وفي صلب الموازنة ما يوجب رد هذا السبب.

6- في السبب المتعلّق بمخالفة عبارة « يعمل بهذا النص اعتباراً من 1/1/2025» الواردة في خِتام المواد 45 و 46 و 47 من الموازنة المطعون فيها، لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبيّة ذي القيمة الدستورية:

حيث إنّ المواد 45 و46 و47 من الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه، عَدَّلت بعض الرسوم ونصَّت في خِتامها على أنّه «يعمل بهذا النص اعتباراً من 1/1/2025»،

وحيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ المواد 45 و46 و47 المطعون فيها نصّت على العمل بتعديل الرسوم بمفعول رجعي منذ 1/1/2025 رغم أنّها أمسَت نافذة بموجب المرسوم المطعون فيه بتاريخ نشره في 13/3/2025، فتكون بذلك مخالفةً لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ذي القيمة الدستورية، ما يستوجب إبطال وحَذْف العبارة المنوَّه عنها أعلاه، الواردة في ختام تلك المواد،

وحيث إنّ المادة 83 من الدستور كرّست مبدأ سنوية الموازنة، فنصّت على أنّه « كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدّم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً »، وقد نصّت المادة 7 من قانون المحاسبة العمومية (المرسوم رقم 14969 الصادر في 30/12/1963) على أنّه «توضع الموازنة لسنة مالية تبدأ في أول كانون الثاني وتنتهي في 31 كانون الأول»، فتكون بذلك حدّدت السنة المالية بأنها تبدأ في أول كانون الثاني وتنتهي في 31 كانون الأول،

وحيث إنّ تطبيق النصوص في سياق قانون الموازنة لعام 2025 اعتباراً من 1/1/2025 لا ينمّ عن أي مفعول رجعي بل يشير الى تاريخ بدء السنة المالية الراهنة - أي السنة المالية لعام 2025 - كما حدّدتها المادة 7 من قانون المحاسبة العمومية المنوه عنها آنفاً، والتي تبدأ في 1/1/2025 وتنتهي في 31/12/2025، ما يقتضي معه رد هذا السبب لعدم صحته.

7- في السبب المتعلّق بمخالفة عبارة « تطبق هذه المادة اعتباراً من سنة 2025» الواردة في خِتام المادة 50 من الموازنة المطعون فيها، لمبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبيّة ومبدأ سنوية الموازنة ذوي القيمة الدستورية:

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ المادة 50 من الموازنة المعمول بها بموجب المرسوم المطعون فيه، والتي فرَضَت لصالح الخزينة رسماً سنوياً مقطوعاً على بيع منتجات التبغ والتنباك وبدائلها (التبغ المسخَّن، السجائر الإلكترونية ...)، نصَّت في خِتامها على أن « تطبق هذه المادة اعتباراً من سنة 2025»، وأن هذه العبارة تُخالِف مبدأ عدم رجعية التشريعات الضريبية ذي القيمة الدستورية كوْنها تُتيْح تطبيق هذه المادة، وبالتالي الرسم الذي فرَضَته، بمفعول رجعي اعتباراً من أول سنة 2025 رغم أنها أمسَت نافذة بموجب المرسوم المطعون فيه بتاريخ نشره في 13/3/2025، كما أنّ هذه العبارة تُتيْح أيضاً امتداد تطبيق الرسم المفروض بموجب المادة 50 المنوَّه عنها إلى ما بعد سنة 2025، وهو ما يُخالِف مبدأ سنوية الموازنة ذي القيمة الدستورية المُستَمَدّ من أحكام المادة 83 من الدستور، فيطالبون بالتالي إبطال وحَذْف عبارة « تطبق هذه المادة اعتباراً من سنة 2025» الواردة في خِتام المادة 50 المذكورة،

 وحيث إنّ السنة المالية المنصوص عليها في المادة 81 من الدستور تبدأ في أول كانون الثاني وتنتهي في 31 كانون الأول من السنة المعنية، عملاً بالمادة 7 من قانون المحاسبة العمومية، كما سبق شرحه، فيكون السبب مردوداً لجهة الادلاء بأنّ تطبيق المادة 50 المطعون فيها بدءاً من سنة 2025 يخالف مبدأ رجعية التشريعات الضريبية،

وحيث إنّ الرسم هو مبلغ من المال يدفعه المكلّف جبراً الى الدولة أو الى أحد هيئاتها العامة، مقابل نفع خاص يحصل عليه بجانب نفع عام يعود على المجتمع ككل وهو بذلك يرتبط بنشاط معيّن للأشخاص الطبيعيين والمعنويين،

وحيث إنّ الرسم السنوي المقطوع المنصوص عليه في المادة 50 المطعون فيها يطبق خلال السنة المالية 2025 ولا يمكن حصره في أعمال سنة مالية واحدة، لأنه يرتبط بنشاط معين حددته المادة 50 المذكورة ومن الممكن تعديله بتشريع لاحق ولا تكون بالتالي المادة 50 مخالفة للدستور.

8- في السبب المتعلّق بمخالفة المادة 52 من الموازنة المطعون فيها لأحكام المادة 6 من الدستور، فضلاً عن غموضها والتباسها وعدم وضوحها:

حيث إنّ المادة 52 تنصّ على أنه:

خلافاً لأي نص آخر، تستوفى الرسوم التالية في حالة الحصول على الجنسية اللبنانية وكذلك في حالة التخلي عنها:

في حالة الحصول على الجنسية اللبنانية:

عند تقديم الطلب:

عن كل راشد: 3,500,000 ل.ل.

عن كل قاصر: 1,750,000 ل.ل.

رسم يستوفى بموجب ايصال مالي لصالح الخزينة.

في حال الموافقة على الجنسية:

بغير الزواج: 7,500,000 ل.ل.

بالزواج: 20,000,000 ل.ل.

رسم يستوفى بموجب ايصال مالي لصالح الخزينة.

في حالة التخّلي عن الجنسية اللبنانية:

رسم يستوفى بموجب ايصال مالي لصالح الخزينة بقيمة 20,000,000 ل.ل.

يلغى أي نص مخالف لأحكام هذه المادة.»

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 1/2025 يدلون بأنّ المادة 52 المذكورة نصَّت على استيفاء رسوم في حالة الحصول على الجنسية اللبنانية وكذلك في حالة التخلّي عنها، خِلافاً لأي نص آخر، وألغَت كل نص مُخالِف لأحكامها، وأنها بالتالي تدخُل في إطار موضوع الجنسية الذي حَجَزه المشترع الدستوري لدائرة القانون وجَعَله حكراً عليه بحيث لا يعود إلا لمجلس النواب أن يُشرِّع بشأنه بمُقتضى المادة 6 من الدستور التي تنصّ على أن: «الجنسية اللبنانية وطريقة اكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بمقتضى القانون»، لا سيّما أن الحصول على الجنسية أو فقدانها بالتخلي لا يمكن أن يتمّ ما لم يُدفَع الرسم المنصوص عليه في 52 أعلاه ما يجعله من ضمن الشروط اللازمة لتحقُّق هذه الحالات، فلا يجوز للمرسوم المطعون فيه، تحت ستار المادة 86 من الدستور، أن يتعدّى على اختصاص مجلس النواب في التشريع، ويتضمَّن أحكاماً حَجَزَها المشترع الدستوري صراحة لدائرة القانون أي لاختصاص مجلس النواب الحصري دون سواه، فتكون المادة 52 المنوَّه عنها، والحال هذه، مستوجِبة الإبطال لمُخالَفَتها أحكام المادة 6 من الدستور، وفي حال عدم إبطال هذه المادة، فإنه يقتضي إزالة الالتباس الحاصل فيها عن طريق تحصينها بتحفُظ تفسيري، وفقاً لاختصاص المجلس الدستوري التفسيري، بحيث تُفَسَّر عبارة " الحصول على الجنسية اللبنانية" الواردة فيها بأنّها  تَنْطبِق فقط على حالات اكتساب الجنسية اللبنانية بالتجنُّس أو بالزواج ولا تَشْمل حالات الحصول على الجنسية اللبنانية بأي طريق آخر بما في ذلك الحصول عليها بصورة أصلية في الحالات المُحدَّدة قانوناً أو استعادتها سنداً للقانون رقم 41 تاريخ 24/11/2015 أو أي تشريع آخر مُشابِه،       

وحيث إنّه، من ناحية اولى، فإن المادة 52 المطعون فيها تناولت حصراً الرسوم المتوجب تسديدها للحصول على الجنسية اللبنانية أو التخلي عنها، ولم تطرق بأي شكل من الأشكال الى الشروط الواجب توفرّها في طالب او طالبة الجنسية، ما يقتضي رد السبب لهذه الجهة،

وحيث إنّه، من ناحية ثانية، لا يستدلّ من نص المادة 52 أنه كان بنيّة المشترع استثناء أي فئة من طالبي الحصول على الجنسية، أو حصر حالات اكتساب الجنسية اللبنانية بالتجنُّس أو بالزواج دون الحالات الأخرى كما يدلي المستدعون، إذ أنّ الفقرة (1-ب) من المادة 52 ميّزت فقط بين حالات الاكتساب "بالزواج" و"بغير الزواج"، فجاءت صياغة هذه الفئة الأخيرة بشكل عام لتشمل جميع حالات اكتساب الجنسية عن غير طريق الزواج بدون أي تمييز في ما بينها، ما يقتضي ردّ هذا السبب لهذه الجهة أيضاً.

9- في السبب المتعلّق بعدم وضوح وعدم قابلية المادة 54 من الموازنة المطعون فيها للتطبيق:

حيث إنّ المستدعين بموجب المراجعة رقم 2/2025 يدلون بانّ النص المطعون فيه جاء غير مقروء وغير قابل للتطبيق في عدد كبير من مواده، من دون تعداد تلك المواد أو تبيان أوجه عدم الوضوح التي شابتها، وقد ذكروا على سبيل المثال المادة 54 من الموازنة،

 وحيث إنّ المستدعين يدلون بأنّ المادة 54 المطعون فيها تضمّنت رفع مقدار الغرامات الواردة في القانون رقم 89 تاريخ 7/1991 في حين أنّ المرسوم موضوع الطعن لم يأخذ بعين الاعتبار صدور القانون رقم 239 بتاريخ 27/5/1993 الذي رفع قيمة المبالغ إلى مئتي مرة الأمر الذي يجعل النص المطعون فيه غير قابل للتطبيق أو دون مفعول، وان التناقض الذي يعتري مضمون النص المطعون فيه يشكل مخالفةً للموجبات الدستورية المتعلقة بصياغة النصوص القانونية والملقاة على عاتق المُشرع، ذلك ان التناقض والغموض من شأنهما إتاحة المجال أمام تطبيق القوانين بصورة استنسابية، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ فقه القانون ووضوحه،

وحيث إنّ المادة 54 المطعون فيها والمعنونة " رفع مقادير الغرامات الواردة في القانون رقم 89 تاريخ 7/1991 قانون الموازنة للعام 1991 التي تقضي بها المحاكم" تنصّ على ما يلي:

« ترفع بالحدود المرسومة لها قانوناً خمسين مرّة مقادير مختلف الغرامات التي تقضي بها المحاكم، باستثناء الغرامات المرتبطة بالحد الأدنى للأجور وغرامات أصول المحاكمات»،

وحيث إنّ اتخاذ المشترع الغرامات الواردة في القانون رقم 89 تاريخ 7/9/1991 أساساً لاحتساب زيادة الخمسين ضعفاً، من دون الأخذ بعين الاعتبار صدور القانون رقم 239 بتاريخ 27/5/1993 الذي رفع قيمة المبالغ إلى مئتي مرة، يجعله غير قابل للتطبيق بشكل سليم ومتساوٍ بين المكلفين، نظراً للالتباس الحاصل نتيجة صدور القانون رقم 239 بتاريخ 27/5/1993 في تاريخ لاحق للقانون 89/1991، وما ينتج عنه من إحتمال تطبيقه بشكل استنسابي،

ما يقتضي معه ابطال المادة 54 المطعون فيها لمخالفتها مبدأ وضوح القانون بشكل مبدّد لمعناه المتفرّع عن مبدأ المساواة ذي القيمة الدستورية.

10- في السبب المثار عفواً من قبل المجلس الدستوري: وجوب ابطال المادة 25 من الموازنة المطعون فيها لتلازمها مع المادة 22 المقرّر ابطالها جزئياً:

حيث إنّ الفقرة الأولى من المادة 25 من الموازنة المطعون فيها، والمعنونة "تعديل البند 1 من المادة 36 من المرسوم الاشتراعي رقم 146 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (رسم الانتقال)، تنص على ما يلي:

«تتخذ أساساً للتكليف قيم الأموال والحقوق المنتقلة استنادا للأسعار السائدة بتاريخ:

-نشر هذا القانون بالنسبة للواقعات الحاصلة ابتداءً من 1/1/2007 لغاية اليوم السابق لتاريخ نشره، على أن تستفيد تلك الواقعات من الإعفاءات النافذة بتاريخ نشر هذا القانون،

-حصول الواقعة بالنسبة للواقعات الحاصلة اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون، على أن تستفيد تلك الواقعات من الإعفاءات النافذة بتاريخ حصول الواقعة،

في الحالة التي يتم فيها تقديم تصاريح إضافية من قبل المكلفين عن واقعات سبق أن أنجزت قبل نفاذ هذه المادة، تحدد قيمة عناصر التركة الإضافية وفقاً لقيمتها بتاريخ تقديمها، ويعاد احتساب الرسم المتوجب على أساس التنزيلات والشطور النافذة بتاريخ تقديم العناصر الإضافية.

تحدد دقائق تطبيق هذه المادة عند الاقتضاء، بموجب قرار يصدر عن وزير المالية.»

وحيث إنّه، تبعاً لإبطال المادة 22 من الموازنة المطعون فيها إبطالاً جزئياً بسبب مخالفتها لمبدأي وضوح التشريع المبدّد لمعناها والمساواة بين المتقاضين، فإنّه يقتضي أيضاً ابطال المادة 25 من الموازنة المطعون فيها برمّتها لارتباطها ارتباطاً عضوياً بالمادة 22 المقرّر ابطالها جزئياً، ولتلازمها معها وتأثيرها المباشر عليها.

لهــــــــــذه الأســــــــباب،

يقرّر بالأكثرية،

أولاً: حفظ صلاحية المجلس للنظر في المراجعتين.

ثانياً: في الشـــــكل:

قبول المراجعتين شكلاً.

ثالثاً: في الأساس:

1- إبطال المواد /5/ و/25/ و/54/ و/56/ من الموازنة المطعون فيها.

2- ابطال المادة /17/ جزئياً بحذف عبارة «لا يطبق هذا النص على احتساب تعويضات نهاية الخدمة عن المرحلة التي تسبق 31/12/2023 على أن تعالج في قانون خاص وذلك بعد إعادة تقييم لجميع تعويضات نهاية الخدمة المستحقة عن تلك الفترة».

3- ابطال المادة /22/ جزئياً بحذف عبارة «وتعفى الواقعات التي حصلت قبل تاريخ 1/1/2007 من رسوم الانتقال. ويسمح للمراجع القضائية ذات الصلاحية إصدار أحكام حصر الإرث وتنفيذ الوصايا لذوي العلاقة دون إبرازهم الترخيص المطلوب من الدوائر المختصة في وزارة المالية عن الوفيات الحاصلة قبل تاريخ 1/1/2007. تستوفي الدوائر العقارية عن الواقعات الحاصلة قبل 1/1/2007 رسم بنسبة 1% عند نقل ملكية عقارات المتوفي على أسماء الورثة أو الموصى لهم وفقاً للأسعار الرائجة بتاريخ نقل ملكيتها.».

4- رد سائر الأسباب والمطالب الزائدة والمخالفة.

رابعاً: إبلاغ هذا القرار من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء،ونشره في الجريدة الرسمية.

نص مخالفة القاضيين للقرار

إننا نخالف رأي الأكثرية فيما ذهبت إليه لناحية قبول الطعن شكلاً، المسجل لدى قلم المجلس الدستوري بالرقم 2/ وتاريخ 27/3/2025 وبالرقم 1/ وتاريخ 26/3/2025، والتي تثير موضوع اختصاص المجلس الدستوري في أعمال رقابته على المرسوم المطعون فيه رقم 56 المتضمن اعتبار مشروع الموازنة لعام 2025، المُحال إلى المجلس النيابي بموجب المرسوم رقم 14076 تاريخ 4/10/2024 مرعياً ومعمولاً به، الصادر في الملحق عدد (11) من الجريدة الرسمية بتاريخ 13/3/2025.

وحيث أن المجلس الدستوري وفي معرض موقفه من مسألة الإختصاص هذه سوف يتأتى عنها أثر حاسم على موضوع المراجعة في الأساس لا سيما بعد توسيع صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور بقانون عادي تمكنه من مراقبة النصوص التي لها قوة القانون.

وحيث أن اختصاص المجلس الدستوري هو اختصاص يرتقي إلى المرتبة الدستورية تبعاً لإنشاء المجلس الدستوري وتحديد اختصاصه بموجب نص دستوري ما يجعل منه سلطة دستورية أوردها المشرع الدستوري في الباب الثاني من الدستور تحت عنوان السلطات، وفي الفصل الأول منه تحت عنوان "أحكام عامة" وادخله في عداد السلطات الدستورية كما يلي:

السلطة المشترعة التي يتولاها هيئه واحدة، هي مجلس النواب.

السلطة الإجرائية وتناط بمجلس الوزراء الذي يتولاها وفقاً لأحكام الدستور.

المجلس الدستوري وقد أناط به الدستور مراقبة دستورية القوانين والبت بالنزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات النيابية والرئاسية (م 19).

وحيث أنه يستفاد من ذلك أن الدستور منح المجلس الدستوري سلطة دستورية pouvoir constitué محفوظ لها اختصاصها بشكل محدّد صراحةً في الدستور compétence attribution constitutionnelle  وبشكل يستحيل المساس بها، وتعديلها أو التنازل عنها إلا بتعديل دستوري (راجع قرار المجلس الدستوري رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005).

حيث أن المادة الأولى من القانون رقم 250 الصادر بتاريخ 14/7/1993 قانون إنشاء المجلس الدستوري، تنص على ما يلي: "تنفيذاً لأحكام المادة 19 من الدستور يُنشأ مجلس يُسمى المجلس الدستوري مهمته مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون".

أما المادة 18 من نفس القانون تنص على أنه:" يتولى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون، والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية".

وحيث أن التباين الواضح بين هاتين المادتين وبين المادة 19 من الدستور (بخلاف النظام الداخلي للمجلس الدستوري الصادر في 7/8/2000، حيث تم تجاوز هاتين المادتين) كانت محط أنظار المشرع في جلسة إقرار إنشاء المجلس الدستوري المنعقدة بتاريخ 24 حزيران 1993 حيث أشار أحد النواب (محمد يوسف بيضون) إلى ما قد يحصل من تضارب في الصلاحيات بين المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة، فأجابه أحدهم (جوزيف مغيزل):" أنه من الأصول أن تُعرض المراسيم الإشتراعية على المجلس النيابي فيعلن موافقته عليها، فتنتفي عندها نهائياً وسائل الطعن فردية كانت أو عن طريق الدفع... وهذا ما يجب أن نصر عليه...". وعندما طُرحت في نفس الجلسة مسألة توسيع صلاحيات المجلس الدستوري ليبدي رأيه بالقانون قبل أن يأخذ شكله النهائي أجيب بأن مثل هذا الأمر يتطلب تعديلاً دستورياً لأن الدستور لا ينص على ذلك.

وحيث أن المادة 19 من الدستور حددت بشكل واضح وصريح صلاحية المجلس الدستوري بمراقبة دستورية القوانين والبت بالنزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية ما يعني إختصار اختصاصه على النظر في دستورية النصوص القانونية. والقانون كما يعرفه الدستور اللبناني هو ذلك الذي يصدر عن هيئة واحدة هي مجلس النواب (م 16) وتضيف المادة (18) بأنه لا يُنشر قانون ما لم يقره مجلس النواب". ما يعني أنه تتداخل في مفهوم العمل التشريعي في القانون اللبناني عناصر عضوية وشكلية، تماماً كما هي الحال في فرنسا حيث يُعرف العمل التشريعي بأنه ذلك الصادر عن البرلمان (م 31 من دستور عام 1958)، في حين تنظم المادة 39 من الدستور اجراءات صدوره، ما يعني عدم الاعتماد في تحديد العمل التشريعي على أية عناصر مادية تتعلق بموضوع اتخاذه: انظر Drago, Auby contentieux administratif 1962, Tome 1, n 95.، بعبارة أخرى يبدو أن مفهوم القانون هو واحد بين لبنان وفرنسا، ما يعني أن الأعمال التي لا ينطبق عليها هذا التعريف لا سيما تلك التي لا تصدر عن مجلس النواب لا يمكن اعتبارها قوانين بغض النظر عن مضامينها وآثارها.

وحيث أن الاجتهاد الإداري سواء في لبنان أم في فرنسا هو ثابت أيضاً على اعتبار بأن جميع الأعمال الصادرة عن السلطة الاجرائية والإدارية تبقى أعمال إدارية ترفع منازعاتها أمام مجلس شورى الدولة. كما يعني ان الاعمال الصادرة بموجب المادة 38 من الدستور الفرنسي عام 1958 هي اعمال إدارية طالما لم يصادق عليها البرلمان،  C.E. 24 NOV 1961

Fédération des syndicats de police D.1962.424 note Fermant

وهذا الأمر يطبقه الاجتهاد الإداري اللبناني، وخاصةً تلك الصادرة بموجب قوانين التفويض إذ تبقى إدارية إلى أن تتم المصادقة عليها من قبل البرلمان. (قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 8 تاريخ 9/4/1970 / الخوري/ الدولة اللبنانية وزارة الاشغال. المجموعة الإدارية 1970 ص 163). كما أن المراسيم ذات المضمون التشريعي تبقى مراسيم صادرة عن السلطة التنفيذية، وبالتالي تتوافر فيها صفات القرارات الإدارية والتي تجيز المادة 105 من قانون مجلس شورى الدولة الطعن فيها في حال اعتراها عيب من عيوب عدم الشرعية، ( قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 8 تاريخ 13/9/1963، م، إ. 1970 ص 1963)

(قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 163 تاريخ 21 آذار 1973 /كيوان /الدولة، م - إ، 1973 ص 61).

 وحيث أن التماثل والتجانس يظهر بشكل قوي بين الفقرة الثالثة من المادة 47 من الدستور الفرنسي، والمادة 86 من الدستور اللبناني (موضوع المرسوم المطعون فيه) بشأن عدم البت بمشروع قانون الموازنة في المجلس النيابي. فتنص الفقرة الثالثة من المادة 47 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 على أنه: "إذا لم يبت البرلمان في شأن مشروع قانون الموازنة في مهلة ال 70 يوماً فإنه يمكن وضعها موضع التنفيذ بموجب مرسوم، كما ان القانون العضوي المتعلق بالقوانين المالية loi organique relative aux lois de Finances والذي يحظى بقيمة شبه دستورية يشدد على عواقب تجاوز مهلة السبعين يوماً والتدابير التي يمكن للحكومة اتخاذها لضمان استمرارية الموازنة والمرافق العامة، وتوفر هذه الأحكام التشريعية والدستورية الإطار القانوني الذي يمّكن الحكومة من إدخال الموازنة حيز التنفيذ بموجب مرسوم إذا فشل البرلمان في إقرارها في المهلة الدستورية DC.8-60-1960.C.C. 11 Août 1960.

وبإستثناء الدفع بعدم دستورية قانون فإن صلاحية النظر بهكذا مرسوم تبقى ضمن اختصاص القاضي الإداري  C.C.QPC 28 Mai 2020 et 3 juillet 2020 numéro 843 et 851

وحيث أن مثل هذا الأمر يتردد صداه في لبنان إلى حد كبير وخصوصاً في المادة 86 من الدستور التي تنص على أنه:" إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً بشأن مشروع الموازنة قبل الإنتهاء من العقد المعين لدرسه، يقوم رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة بدعوة المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء (له صلاحية اختيارية في هذا المجال) ان يتخذ قراراً يصدر بناءً عليه رئيس الجمهورية مرسوماً يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به، ولا يجوز لمجلس الوزراء ان يستعمل هذا الحق الا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقدة بخمسة عشر يوماً على الأقل". وهذا ما حصل فعلاً إذ اُحيل مشروع موازنة العام 2025 إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 14076 بتاريخ 4 تشرين الأول 2024 واستلمته الأمانة العامة لمجلس النواب بتاريخ 7 تشرين الأول 2024.

وحيث أنه يتبين مما تقدم أن مشروع قانون الموازنة لعام 2025 الموضوع موضع التنفيذ بموجب المرسوم المطعون فيه، هو مشروع قامت بتحضيره الحكومة واودعته مجلس النواب ضمن المهلة المحددة في الدستور، وان السلطة التشريعية عندما تمتنع عن اقرار مشروع الموازنة وفقاً لأحكام الدستور، ما يمّكن الحكومة من ادخال الموازنة حيز التنفيذ بموجب مرسوم يُتخذ في ضوء متطلبات استمرارية الحياة الوطنية، وضرورة المحافظة على الانتظام العام المالي للدولة والذي لا يمكن تحقيقه الا في اطار الموازنة العامة، على ان ترفع منازعات مثل هذا المرسوم امام القضاء الإداري.

وحيث أن المادة 19 من الدستور حدّدت بشكل واضح وصريح صلاحية المجلس الدستوري بمراقبة دستورية القوانين والبت بالنزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية ما يعني حكماً عدم اختصاص المجلس الدستوري بالنظر في مشروعية أعمال إدارية وإن كانت موضوعاتها تتناول مادة تشريعية، وبالتالي فإن القول بأن المرسوم الذي وضع موضع التنفيذ قانون موازنة عام 2025 هو نص له قوة القانون ويدخل ضمن نطاق اختصاص المجلس الدستوري هو قول لا يستقيم بحسب رأينا قانوناً، وذلك بموجب المادتين 51 و 56 من الدستور اللبناني.

وحيث ان المادة 51 من الدستور تنص على ما يلي:" يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت الموافقة النهائية عليها خلال شهر بعد احالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها".

أما المادة 56 فتنص بدورها على أنه:" يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد ان يكون قد وافق عليها المجلس ويطلب نشرها...". وبالتالي فإن صلاحية المجلس الدستوري ترتبط أشد الارتباط بمدى الزامية اصدار القوانين، إذ أنه وعند الزامية مثل هاتين المادتين(ماعدا طبعاً في حالتي طلب مداولة جديدة أو احالة الأمر على المجلس الدستوري) يقتصر دور السلطة التنفيذية على الإقرار بإرادة البرلمان مكتفيه بمصادقة شكليه ليس إلا، والقول بغير ذلك معناه تمتع السلطة التنفيذية بحق النقض (الفيتو) ضد القانون، ما يعني حتماً عدم إمكانية إنسحاب مثل هذا الأمر على الاعمال المتخذة بموجب المادة 86 من الدستور اللبناني.

وحيث ان صلاحية تطبيق هذا الاجراء المنصوص عليه في المادة 86 تبقى اختيارية، لأن تدخل الحكومة هنا يفترض غياب إرادة الهيئة العامة لمجلس النواب، أي امتناع البرلمان عن اتخاذ القرار ضمن المهلة المحددة على الرغم من أهمية الموازنة، وهنا يعود للحكومة صلاحية تقييم مخاطر هذا الامتناع واتخاذ القرار بتنفيذ مشروع القانون بموجب هذه المادة الدستورية، ما يعني عدم امكانية اصداره، ونشره بموجب المادتين 51 و56 من الدستور مالم يقرر مجلس الوزراء عكس ذلك.

وحيث ان امتناع البرلمان عن التصويت على مشروع القانون ضمن المهلة الدستورية المحددة يسهم بظهور سلطة دستورية (تفويض دستوري) للحكومة تقضي بتنفيذ مشروع قانون الموازنة بمرسوم يتخذه رئيس الجمهورية بناءً على طلبها.

وحيث أنه، وتلافياً للانعكاسات السلبية الناجمة عن امتناع البرلمان عن القيام بواجبه الدستوري على الرغم من أهمية الموازنة والتي هي ركيزة من ركائز الانتظام المالي العام، يعود للحكومة صلاحية إتخاذ الاجراء المناسب وفقاً لإرادتها الخاصة والمنفردة، ما يخرج هذا المرسوم المطعون فيه من دائرة اختصاص المجلس الدستوري ويبعده في نفس الوقت عن شبح العمل الحكومي.

وهذا ما أكده مجلس شورى الدولة حيث اعتبر أن المراسيم التي تصدرها الحكومة بموجب صلاحياتها الاستثنائية والتي تجعل مشاريع القوانين المحالة على المجلس النيابي بمقتضاها نافذة بدون إقرارها منه، والتي تمارس الحكومة فيها سلطة ذاتية اختيارية، إذ هي لا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ولا تعتبر من أعمال الحكم أو الأعمال الحكومية، وبالتالي تكون قابلة للإبطال بسبب تجاوز حد السلطة.

شورى لبنان قرار رقم 8 تاريخ 13/9/1963  م.إ 1970 ص 1963

وحيث أن المهلة المحددة لإعمال المادة 86 من الدستور والتي يحصل في نهايتها التأخير المبرر لممارسة الحكومة صلاحيتها الاستثنائية المقررة في المادة 86 المذكورة اعلاه، يجب ان تكون من ضمن دورات الانعقاد التي يمكن للمجلس خلالها إقرار المشروع ابتداءً من تاريخ طرحه عليه، فهي تشمل دورة الإنعقاد العادي التي يُتاح فيها للمجلس النيابي صلاحية النظر بمختلف مشاريع القوانين المُحاله عليه، بدون تحديد، وأما الدورات الاستثنائية فلا تدخل في الحساب إلا إذا كان مرسوم افتتاحها يتضمن مشروع الموازنة أو يشمل كافة مشاريع القوانين المحالة على المجلس باعتبار ان جدول اعمال العقد الاستثنائي يجب ان يحدّد على سبيل الحصر في مرسوم الدعوة عملاً بالمادة 33 من الدستور معطوفة على المادة 86 منه.

وعلى سبيل الاستطراد فأن القول بتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري لتشمل حق النظر بمشروعية مرسوم تم بموجبة وضع الموازنة موضع التنفيذ بالقياس إلى الصلاحية التي اعطيت للمجلس بمراقبة مشروعية الأعمال التمهيدية للانتخابات النيابية هو قول مردود ولا يستقيم قانوناً.

C.C. 117, C.C. 23 Aout 2000, n 2000 24, Hauchemaille 2 Rec ; C.C. 134 C.C. 23 Aout 2000, n 2000 – 23 Larroururou 1, Rec. C.C. 137 ; C.C. 6 Sept 2000 n 2000-26 Hauchemaille 3 Rec. C.C. 140

وحيث أن هذه الصلاحية تبقى استثنائية ما يحتم تفسيرها بشكل حصري وضيّق، في حين تبقى صلاحية القاضي الإداري هي الأساس هنا؛ وتوخياً لعدم التوسع في هذه الصلاحية الاستثنائية.

فإن الاجتهاد شدّد على أن الأخذ بها يتم في شروط ضيّقة وهي:

إعادة النظر بفعالية الرقابة على كافة العمليات الانتخابية.

خطر داهم يشوه كافة مراحل العملية الانتخابية.

تهديد جدّي لعملية سير المرافق العامة بشكل طبيعي.

ما يعني استبعاد الأعمال الإدارية التمهيدية الدائمة من اختصاص القاضي الدستوري، إضافةً إلى استحالة الأخذ بها في الانتخابات النيابية الفرعية، وهذا إن دلّ على شيء فعلى حصرية وأحادية خضوع مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية في فرنسا فقط لرقابة المجلس الدستوري، في حين تبقى مشروعية باقي المراسيم الأخرى خاضعة لرقابة القضاء الإداري.

لهذه الأسباب المثارة أعلاه نخالف رأي الأكثرية بإعطاء حق النظر في المرسوم المطعون فيه للمجلس الدستوري، بداعي أنه من النصوص التي لها قوة القانون، لأن التمادي في منح المجلس الدستوري صلاحيات بموجب قوانين عادية أو بالقياس على اجتهادات قضائية قد يطيح بإستقلالية هذا المجلس، ويجعله تابعاً وخاضعاً لمزاجية التعديلات التي تقررها السلطة التشريعية، والتي هي من المفترض خاضعة لرقابة المجلس الدستوري.

وعليه،لانرى من موجب في بحث سائر النقاط القانونية التي تطرق إليها قرار الأكثرية لعدم الفائدة.

المنشورات ذات الصلة