عاجل:

الانتخابات البلدية في جولتها الأولى تُطْلِق مسار تعافي لبنان (الراي الكويتية)

  • ١٤

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار:

شكّلتْ الانتخاباتُ البلدية والاختيارية التي انطلقت جولتُها الأولى من محافظة جبل لبنان أحد مَظاهر «التعافي» لـ«بلاد الأرز» التي تَزامَنَتْ معاودةُ دورانِ عجلة «تَداوُل السلطة» على مستوى مجالسها المحلية (بتأخير 3 سنواتٍ) مع «هديةٍ» بدت أقرب الى «وديعةِ ثقةٍ» بعهد الرئيس جوزف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، وتمثّلت في إعلان الإمارات العربية المتحدة إلغاء قرار منْع سفر مواطنيها الى بيروت والسماح لهم بذلك اعتباراً من 7 مايو الجاري، ليكتمل مشهدُ استردادِ الدولة زمام المبادرة على المستوى السياديّ بخضوعِ حركة «حماس» لتوصية المجلس الأعلى للدفاع اللبناني وقرار مجلس الوزراء وتسليمها في خطوةٍ غير مألوفة الجيش أحد المطلوبين المتورطين في إطلاق صواريخ من الجنوب على شمال إسرائيل.

وفي وقت كان «الكرنفالُ الديمقراطي» المستعادُ يتمّم الحلقةَ الرابعة من مَسارِ وقوف الدولة «على قدميْها» الذي بدأ في 9 يناير بانتخاب عون ثم تكليف سلام فتشكيل حكومته، وسط رصْدٍ لصيق لنتائج انتخابات جبل لبنان و«أخواتها» تباعاً باعتبارها «ميزاناً شعبياً» للمزاج السياسي يمكن إسقاطه على الاستحقاق النيابي بعد سنة، جاءت «المفاجأةُ السارة» من أبوظبي لتُعْطي مزيداً من الدفْع لـ «لبنان الجديد» الذي يَمْضي بخطى ثابتة، وإن بتحسُّبٍ وتأنٍّ، نحو العودةِ بالبلاد إلى رحاب «الدول الطبيعية»، عبر تفعيل المؤسسات تدريجاً وضخّ الحيوية في «النظام التشغيلي» للحُكْم و«انتزاع» المَهمات الحصرية للشرعية من «فم» حالتيْ «الفوضى والتفويض» اللتين أتاحتا للسلاح خارج الدولة «التحكم والسيطرة» على قراراتها وتموْضعها الإقليمي.

ولم يكن انتصف بعد النهارُ الانتخابي في أقضية الشوف عاليه، بعبدا، المتن، كسروان وجبيل، حيث دُعي نحو 900 ألف ناخب إلى الاقتراع والاختيار بين أكثر من 9 آلاف مرشح (بينهم 1179 إناث) في 333 بلدية (فازتْ بالتزكية 68 بلدية)، حتى خطفتْ الأضواءَ من صناديق الاقتراع «الإحاطةُ الإماراتية» التي عبّر عنها بيان الخارجية الذي «زفّ» نبأ إلغاء حَظْر السفر الساري منذ نحو 4 أعوام، معلناً أنه جاء تنفيذاً لتوجيهات رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفي إطار تعزيز العلاقات الأخوية، وعقب زيارة العمل التي قام بها عون لأبوظبي (الأربعاء) «ولقائه صاحب السمو حيث اتفق الجانبان على السماح بسفر المواطنين بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل حركة التنقل بين البلدين ووضع الآليات المناسبة التي تكفل ذلك».

وبحسب بيان الخارجية الإماراتية، فإن «على مواطني الدولة التسجيل في خدمة تواجدي قبل السفر لضمان التواصل الفعّال، سواء كان السفر مباشرة عبر المنافذ الجوية لدولة الإمارات، أو من أي دولة أخرى في العالم»، مهيباً «بالمواطنين تعبئة جميع البيانات المطلوبة، وتحديد مقر الإقامة في لبنان، وتحديث البيانات عند تغييرها، وتحديد أرقام التواصل للطوارئ وأسباب الزيارة»، ومشدداً على «أهمية الالتزام بهذه الإجراءات لضمان سلامة المواطنين وأمنهم».

ورحّب لبنان الرسمي بهذا التطور البالغ الأهمية، إذ أعلن سلام أن «هذه الخطوة هي دليل على عمق العلاقة الاخوية، وتستحق كل الشكر والتقدير، لدولة الإمارات ورئيسها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان»، مشيراً إلى أن «لبنان واللبنانيين ينتظرون بشوق رؤية أشقائهم الإماراتيين كما كل الأخوة في الخليج وسائر العرب في الربوع اللبنانية».

كما رحبّت الخارجية اللبنانية بإلغاء حظر سفر الإماراتيين، مؤكدة «أهمية هذا القرار الذي صدر على أثر زيارة الرئيس عون إلى الإمارات الشقيقة ما يعزز العلاقات الاخوية ويدفعها قدماً لما فيه خير الشعبين والبلدين»، معلنة أنها تتطلع إلى «استمرار تعزيز العلاقات اللبنانية وتطويرها مع الدول العربية كافة، لِما يجمع بينها وبين لبنان من روابط تاريخية وانتماء ومصير مشترك».

«فاتحة» لمبادرات مماثلة

وفي وقت يَسود تَرَقُّبٌ لِما إذا كانت خطوة أبوظبي تشكّل «فاتحة» لمبادرات ممثالة من دول خليجية أخرى، وذلك في إطار ملاقاةِ التحولات المتدحرجة التي يشهدها لبنان، في السياسة والأمن حيث تتوغّل الدولة في السعي لاستعادة سيطرتها على كامل أراضيها وفي مسار حصْر السلاح بيدها، سواء في ما يتعلّق بحزب الله أو السلاح الفلسطيني داخل المخيمات بعدما تم تفكيكه خارجها.

استجابة «حماس»

وفي هذا الإطار، توقّفت أوساط سياسية عند سرعة استجابة «حماس» في لبنان للإنذار الذي تبلّغتْه من الحكومة اللبنانية «من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني، تحت طائلة اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية»، وتنفيذها وعدها ببدء تسليم مطلوبين بإطلاق الصواريخ في مارس الماضي على شمال إسرائيل.

وقد أعلنت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه، أنه «بناء على توصية المجلس الأعلى للدفاع وقرار الحكومة اللبنانية (…) ونتيجة سلسلة اتصالات أجرتْها مديرية المخابرات والمديرية العامة للأمن العام، تسلمت مديرية المخابرات من حركة حماس الفلسطيني (م.غ.) عند مدخل مخيم عين الحلوة – صيدا، وهو مشتبه بتورطه في عمليتَي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة بتاريخَي 22 و28 /3 /2025. وبوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص».

«إقلاع» الانتخابات البلدية

وتَقاسَمَتْ «الانفراجةُ» التي هبّتْ على لبنان، وتثبيتُ الدولة لهيبتها و«تأسيسها» لنمطٍ غير مسبوق في التعاطي مع العامل الفلسطيني منذ العام 1969 (تاريخ اتفاق القاهرة)، المشهدَ الداخلي مع «إقلاع» الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى أمس والتي تُستكمل تباعاً الأحد المقبل والذي يليه في الشمال، ثم بيروت والبقاع، وأخيراً الجنوب في 24 الجاري.

وبين السابعة صباحاً والسابعة مساءً، 12 ساعة تحوّلت معها صناديق الاقتراعُ في جبل لبنان قُبلةَ الأنظار، وسط معاينةٍ على مدار الساعة لـ«عدّاد» المشاركين الذين تَجاوزتْ نسبتهم قبالة الخامسة عصراً 40 في المئة مع تفاوُت نسبي في الإقبال بين قضاء وآخَر (الأعلى كانت في كسروان وجبيل)، وفي ظل مظاهر ارتياحٍ لـ «الأمن الانتخابي» الذي «حَرَسَه» ما بين 15 و18 ألف عنصر من جيش وقوى أمن داخلي ولم تعكّره إلا بعض إشكالات عابرة، كما للتنافس الديمقراطي بين المرشحين واللوائح في استحقاقٍ اختلط فيه السياسي – الحزبي بالعائلي والإنمائي.

وحرص عون على أن يواكب ميدانياً وباكراً مسار الانتخابات الأولى في عهده، حيث جال على وزارة الداخلية وعرّج على الغرفة المخصصة للخط الساخن، ثم انتقل الى غرفة العمليات المركزية التي تُعتبر المركز الأساسي لإدارة العملية الانتخابية التي يترأسها وزير الداخلية وتعمّد أن يتلقى شخصياً اتصاليْ شكوى من مواطنيْن، قبل أن يزور سرايا بعبدا ووزارة الدفاع وبعدها تلفزيون «لبنان الرسمي».

وأكد عون «من المهم أن هذا الاستحقاق الانتخابي أقيم في موعده، خصوصاً أن نحو 90 في المئة من البلديات في لبنان قد تم حلّها، والمواطن يشكو عدم وجود هذه البلديات لمواكبة حاجاته وطلباته في قريته ومدينته»، مشدداً على «أن لا دور للدولة في هذه الانتخابات إلا تأمين أمنها وسلامتها وحمايتها، ونبارك لمَن يفوز فيها، وندعو بالتوفيق في الاستحقاق المقبل لمن لم ينجح».

تحالفات

وفي جبل لبنان، تَرَكَّزَ الاهتمام على مجريات الانتخابات في الأقضية ذات الغالبية المسيحية، خصوصاً في المتن الشمالي حيث بدت المعارك التي طغى عليها تحالف «القوات اللبنانية» مع «الكتائب اللبنانية»في العديد من البلديات في إطار منحى «مرسوم» لتسديد ضرباتٍ قاسية لـ«التيار الوطني الحر» في مناطق – مفاتيح له، بما يشكّل بروفة للانتخابات النيابية بعد سنة، وأيضاً لانتزاع رئاسة اتحاد بلديات المتن من رئيسته الحالية ميرنا ميشال المر (تشغل المنصب منذ 27 عاماً) وتأمين انتقاله لرئيسة بلدية بكفيا – المحيدثة نيكول أمين الجميل.

ولم تقلّ دلالة المواجهات الانتخابية في مدينة جبيل وقرطبا، لينافس «دوي» معركة جونية هديرَ بحرها، حيث كانت منازلة بين لائحة مدعومة من تحالف عريض سياسي حزبي – عائلي وبين أخرى يؤيدها «التيار الحر» ورئيس البلدية جوان حبيش.

أما في بعض مناطق ساحل المتن، فبدت الانتخابات بمثابة امتحانٍ للنواب الخارجين من «التيار الحر» خصوصاً إبراهيم كنعان (كما في بلدية الجديدة – البوشرية السد).


المنشورات ذات الصلة