في 9 حزيران المقبل تنتهي ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، بالإضافة إلى رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، وثلاثة أعضاء معينين كخبراء في هيئة الأسواق المالية.
تأتي هذه الاستحقاقات بعد نحو شهرين على تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان إثر شغور في المنصب امتدّ لأكثر من سنة ونصف سنة شغله نائب الحاكم الأول وسيم منصوري. وهذه التعيينات هي جزء أساسي مما سُمّي «المواقع المالية» التي يضاف إليها المدير العام للمالية ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، وهي ستتم من خارج آلية التعيينات التي أقرّها مجلس الوزراء، أي إن اختيارات المرشحين تخضع مباشرة لمباركة زعماء الطوائف مع تعديل واحد أساسي عما كان يحصل سابقاً، وهو أن «صندوق النقد الدولي» سيكون شريكاً في المحاصصة على لجنة الرقابة على المصارف.
الباقي، أي كل ما يتعلق بالوجهة والمهام والمشروع، يبدو، قياساً إلى عملية الاختيار، مجرّد تفاصيل تناقش بين وصاية دولية مستجدّة يقابلها تمسّك بالحفاظ على ما يسمّى «استقلالية المصرف المركزي» بما في ذلك من حفاظ على حقوق الطوائف ورغبات القوى السياسية.
قبل أكثر من أسبوع، زار حاكم مصرف لبنان كريم سعيد رئيس مجلس النواب نبيه برّي وسأله عن الاسم الذي يرغب به أن يكون في موقع نائب الحاكم الأول الذي يكون من حصّة الشيعة، فأجابه: وسيم منصوري.
ونُقل أيضاً عن أن وليد جنبلاط سُئل عن مرشّحه للنائب الثاني الذي يكون في العادة من حصّة الدروز، فأجاب سريعاً بأنه يريد المدير التنفيذي في مصرف لبنان مكرم بونصّار.
وتفاوتت الإجابات المتعلقة بالحصّة السنية، أي النائب الثالث الذي يشغله حالياً سليم شاهين، بين التجديد له وبين تعيين مازن سويد الذي يرعاه الرئيس فؤاد السنيورة وذلك ربطاً بتعيينات لجنة الرقابة التي يكون رئيسها سنّياً وما إذا كان سيتم تعيين سويد في موقع رئيس اللجنة أو في نيابة الحاكمية، كما أن النائب الرابع المعروف بـ«الأرمني» جاءت إجابة الطاشناق عليه، وهي إجابة أولية، بأنه لا مانع من بقائه.
أيضاً يمكن سرد الكثير من هذا النقاش السياسي - الطائفي عن تعيينات لجنة الرقابة على المصارف. فعلى سبيل المثال، أبلغ الرئيس برّي، أنه يريد ربيع نعمة في موقع العضو الشيعي في الهيئة، ويبدو أن النقاش ما زال دائراً في الأسماء التي تشغل مواقع مخصّصة في العرف للمسيحيين، أو في موقع رئيس اللجنة الذي تشغله حالياً ميا الدباغ والتي قالت في أكثر من مناسبة إنها لا تريد الاستمرار في اللجنة، وأن موقعاً معروضاً عليها للعمل لدى صندوق النقد الدولي. ويجري الحديث عن تعيين سويد رئيساً للجنة أو محمد علي حسن (مدير المحاسبة في «مصرف لبنان» وعضو اتحاد «إرادة»).
رغم كل هذا الحوار عن الحصص السياسية - الطائفية، إلا أنه لا يوجد أي نقاش يتعلق بأهمية هذه التعيينات، باستثناء أن كريم سعيد قال إنه لم يبدأ العمل بعد بانتظار «فريق العمل».
وفريق العمل هو المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يتألف من نواب الحاكم الأربعة ومن المدير العام للمالية ومن مدير الاقتصاد. ووحده الأخير، محمد بوحيدر، معيّن وباقٍ في موقعه، بينما المدير العام الحالي للمالية، أي جورج معراوي، لا يحضر جلسات المجلس المركزي، كونه مديراً عاماً للمالية وكيلاً وليس أصيلاً، وها قد شارفت ولاية النواب الأربعة على الانتهاء.
وفريق العمل لا يقتصر على المجلس المركزي، إذ إن لجنة الرقابة لا تقلّ أهمية بوصفها جزءاً أساسياً من «فريق العمل» الذي يريده سعيد تحت إشرافه وليس خارجه. وهنا العقدة التي برزت أخيراً.
فالاقتراحات التي قدّمها صندوق النقد الدولي بشأن مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، والرامية إلى توسيع صلاحيات رئيس لجنة الرقابة على المصارف لتصبح موازية لحاكم مصرف لبنان، جاءت في سياق معركة أطلقها الحاكم في لجنة المال والموازنة يوم قدّم ورقة قانونية تدعو إلى الحفاظ على استقلالية مصرف لبنان وإبقاء لجنة الرقابة بوصفها جهة تابعة له تعمل تحت جناحه وليس بشكل مستقلّ ومساوٍ له.
لكن يبدو أن الصندوق لم يكتف بإرسال ملاحظات تطالب بتوسيع الصلاحيات، إذ توافرت معطيات عن أنه وبمبادرة من نائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي، يجري الترويج لعدد من العاملين حالياً في صندوق النقد الدولي ليكونوا من أعضاء لجنة الرقابة على المصارف.
من أبرز الأسماء المطروحة، محمد جزيني الذي يعمل في إدارة المخاطر، ورشيد عواد الذي يعمل لدى الصندوق بصفة خبير في الأسواق المالية، ومروان مخايل الذي سبق أن عُيّن في حزيران 2020 واستقال بعد أربعة أشهر من أجل العمل لدى الصندوق. وبحسب المعلومات، فإن عواد طلب إجازة غير مدفوعة من عمله في الصندوق لمدة خمس سنوات وقد وافقت الإدارة على منحه سنتين ربطاً بنظام الصندوق، كما أن مخايل سبق أن أخذ إجازة بلا راتب لمعاونة سعادة الشامي على مشروع قانون يعالج الفجوة المالية ويعيد هيكلة المصارف ثم عاد إلى عمله في الصندوق.
إذاً، الصندوق سيكون شريكاً في المحاصصة على التعيينات. وكل هذا الأمر يدور حول محور أساسي يتعلق بتوزيع الخسائر والمقاربات المتناقضة التي سيقدّمها كل طرف.
حتى الآن لم يُعرف ما هي المقاربة التي سيقدّمها كريم سعيد، باستثناء بعض الأفكار العامة عن أنه لا يريد إقصاء أي مصرف بل يسعى لمزيد من التعاون مع المصارف من أجل تحقيق الأهداف التي رسمتها الإدارة الأميركية والرامية إلى وقف اقتصاد الكاش عبر إعادة إحياء المصارف والمطالبة بإقفال القرض الحسن.
عملياً، تمثّل هذه التعيينات، بمعزل عن الأسماء وكفاءتها في التعامل مع تبعات الانهيار المصرفي، فصلاً جديداً من تضييق الخناق والحصار على حزب الله. لذا، كان لافتاً ما قالته نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس لجهة أن لدى لبنان خياراً آخر في التعامل مع الأزمة المالية غير صندوق النقد، إذ استكملت العبارة بكلمة تسليم السلاح.
أما كل ما يقال عن أن بقاء اسم يعني بقاء الجميع وتغيير واحد يعني تغييير الجميع فليس سوى قاعدة للهرطقة في واحدٍ من التعيينات التي تمارس فيها قوى السلطة الطائفية أقصى درجات الحذر في مقابل ضغوطات دولية بأعلى وتيرة.
تغيير المحسوبين على التيار
حالياً يشغل مواقع الخبراء الثلاثة في هيئة الأسواق المالية كل من واجب قانصو (شيعي)، فؤاد شقير (درزي)، وليد القادري (روم كاثوليك). لكن ليس واضحاً ما إذا كان هناك تجديد لتعيين اسم أو اسمين بينما يبدو واضحاً أن الأسماء المسيحية مطلوبة أكثر من أجل استبدالها مع وجود رغبة لدى أكثر من طرف في هذا الأمر، سواء من رئاسة الجمهورية أو من القوات اللبنانية، وبالتالي كل شخص محسوب على التيار الوطني الحرّ سيتم تغييره. وهذا الأمر يسري أيضاً على تعيين المدير العام للمالية ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان.