بقلم: وليد موسى
مع انتهاء الانتخابات البلدية، يدخل لبنان مرحلة مفصلية تُعوّل فيها الدولة والمجتمع المحلي على المجالس البلدية المنتخبة حديثًا للقيام بدور محوري في إعادة تنشيط التنمية المحلية، وخلق فرص عمل واستثمار، وبناء مدن وقرى أكثر عدالة واستدامة.
ورغم أن الأنظار تتجه إلى إقرار قانون اللامركزية الإدارية الذي طال انتظاره لتكريس الحكم المحلي الفعّال، إلا أن البلديات تملك اليوم صلاحيات قانونية واسعة يجب تفعيلها فورًا، كما ورد في المادة ٤٩ من قانون البلديات، والتي تخوّلها إنشاء وإدارة المشاريع ذات الطابع المحلي، بما يشمل:
القطاع الصحي: من خلال دعم المراكز الصحية والوقاية المجتمعية.
القطاع التربوي: عبر تحسين المدارس الرسمية والبنى التحتية التعليمية.
الإسكان: من خلال إطلاق مشاريع سكن شعبي وتنموي.
الأشغال العامة: بصيانة الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي.
النقل: بتنظيم حركة النقل ضمن نطاق البلدية.
الثقافة والسياحة: بإحياء التراث وتنشيط الفعاليات المحلية.
تمويل معطّل... وتنمية مؤجّلة
من أبرز التحديات التي تواجه البلديات اليوم، هو حجب الأموال المستحقّة لها منذ سنوات من قبل الدولة.
وهنا تبرز ضرورة أن تتحمّل الحكومة مسؤوليتها كاملة، عبر الإفراج الفوري عن أموال الصندوق البلدي المستقل، التي تُعتبر حقًا شرعيًا للبلديات وليست هبة أو منّة، إذ إن استمرار هذا الحجز يعيق التنمية ويُضعف من قدرة البلديات على أداء مهامها الحيوية.
نحو بلديات منتجة ومستقلة
في المقابل، المطلوب من البلديات أيضًا تفعيل الجباية المحلية بشكل عادل وشفاف، لتأمين مداخيل ثابتة تُمكّنها من تنفيذ مشاريعها بفعالية.
كما أن الشراكة مع القطاع الخاص باتت ضرورة، سواء في مجال إدارة النفايات، النقل، الإنارة، أو حتى مشاريع الإسكان والرقمنة، ما يفتح الباب أمام التمويل والابتكار والاستثمار المحلي.
الشفافية والكفاءة والتحوّل الرقمي:
شروط أساسية لحُكم بلدي فعّال
ولا يكتمل أي مسار إصلاحي بلدي دون الالتزام بمبدأ الشفافية الكاملة في العمل البلدي، بعيدًا عن المحسوبيات والزبائنية السياسية التي عطّلت لسنوات الأداء البلدي وأضعفت ثقة الناس بالمؤسسات.
كما لا بد من اعتماد كفاءات مؤهلة في المواقع التنفيذية والإدارية، على أساس الجدارة والخبرة لا على أساس الانتماء السياسي أو الطائفي، إذ إن التنمية لا تُدار بالمصالح، بل بالكفاءات.
وفي موازاة ذلك، بات من الضروري الإسراع في التحوّل الرقمي على مستوى العمل البلدي، سواء في تقديم الخدمات أو إدارة المعاملات أو التواصل مع المواطنين. فالرقمنة تمثّل اليوم مدخلًا فعليًا لتعزيز الشفافية، تسريع الإجراءات، وضمان حق المواطن بالمعلومة والمحاسبة.
الإرادة تصنع الطريق
التحديات لا تُخفى، لكن الفرص موجودة.
فحين تتوفر الإرادة السياسية والإدارية، يمكن للبلديات أن تتحوّل إلى قاطرة تنمية محلية حقيقية تلامس حياة المواطنين وتعيد الثقة بالدولة من باب الحكم المحلي.