بقلم د. زياد منصور
آراء حرة ـ "ايسن نيوز": عشية جولة أخرى من المفاوضات في إسطنبول، المتوقعة اليوم هاجم الأوكران عدة مطارات روسية، هي عبارة عن قواعد للطيران الاستراتيجي.
حتى الآن لا معلومات دقيقة حول طبيعة الخسائر، كل ما يمكن قوله أن هناك تضخيم في عدد الطائرات الاستراتيجية المتضررة.
من المبكر مناقشة التداعيات، وستكون هناك آراء كثيرة ومتنوعة، وبالتحديد عندما يتضح بالضبط عدد الطائرات التي تضررت، أو /دُمّرت.
لكن ما بات واضحًا تمامًا الآن هو أن نظام كييف يهرول بخطى متسارعة نحو الدفع بروسيا لتفكيكه. بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث ذلك، وبأي شكل، لكن الأمر الآن بات مسألة مبدأ.
من ناحية أخرى تلقى ما يُسمى "حزب السلام" في روسيا ضربة من القوات المسلحة الأوكرانية، تُبطل جميع حججه. فبعد هذه الضربة، لن تتمكن موسكو من التفاوض بنفس المواقف التي عبّرت عنها "أمس" وخلال الأسبوع الماضي. الآن أصبح تشديد العقوبات أمرًا لا مفر منه.
من الواضح وبالتأكيد أن المنظومة الحاكمة في كييف وقعت على حكم إعدامها بتقدير العديد من الخبراء. وفعليًّا لا أحد يعلم إن كان ذلك سريعًا أم لا. لكنه وفق تقديرات قد أصدر حكمه على نفسه بالفعل. والخيار بيده.
وكان سبق ذلك أن حدث، وعلى مقربة من الخط الأمامي للجبهة قي منطقتي بريانسك وكورسك، تفجير جسرين للسكك الحديدية.
وفي الحادثة الأولى، في منطقة بريانسك، أثبت التحقيق، "انهيار" جسر لعبور السيارات على خطوط السكك الحديدية نتيجة عبوة ناسفة قبل مرور قطار ركاب مباشرة.
حتى صباح اليوم، أصيب 69 شخصا في هذا الهجوم الذي وصفته السلطات المحلية بالإرهابي.
لسوء الحظ، هناك أيضا عدد من القتلى (سبعة حتى الآن). وربما سيزداد عدد الضحايا فهو آيل إلى الإرتفاع.
في منطقة كورسك، لا زالت التحقيقات جارية، بشأن أسباب "انهيار" جسر سكة حديد تحت قاطرة لأحد قطارات الشحن، لكن من الواضح أن هناك بصمات عمل إرهابي وتخريبي.
على ما يبدو أن كل شيء تم توقيته ليتزامن مع الاجتماع الثاني في اسطنبول (هذه الانفجارات ليس لها أهمية عسكرية. فهي مجرد هجوم إرهابي لتخويف السكان وليس أكثر).
في النهاية يبدو أن الهدف هو استدراج روسيا لشن هجمات جوية قاسية على الجسور ومحطات الطاقة، وبالتالي تفجير المفاوضات في تركيا..
من الظاهر أن دعاة استكمال الحرب ومجمعات الصناعة الحربية في أوروبا، وجزء كبير من أصحاب نظريات تقويض روسيا، وحصارها بمزيد من العقوبات، يواصلون ما بدأوه من تفجير خط ستريم واحد واثنان للغاز، وجسر القرم، واغتيال قادة عسكريين وصحفيين، واستهداف صنّاع قرار ورأي عام روس، بعد أن كان من أبشع استهدافاهم كان داريا دوغينا ابنة الفيلسوف ألكسندر دوغين..
دروسٌ من هجوم القوات المسلحة الأوكرانية على مطارات الطيران الاستراتيجية الروسية..
الدَّرس الأول، يشير إلى أن الضربة ليست ضد روسيا وحدها، بل رسالة موجهة للعالم أجمع، إن وُجد عالم عقلاني. علاوةً على ذلك، كانت التحديات التي يفرضها استخدام طائرات FPV المسيرة ضد المطارات، حتى في عمق أراضي روسيا الشاسعة، واضحةً من قبل، واليوم تجلّت كل هذه التحديات على أرض الواقع.
ومن الواضح أن هذا التهديد لا يمكن مواجهته إلا بملاجئ خرسانية للطيران (وهذا يستغرق سنوات، إن لم يكن عقودًا، لبنائه)، بالإضافة إلى إدخال أنظمة جديدة لضرب الأهداف الصغيرة بتكلفة تدمير منخفضة (وليس سريعة أيضًا).
البحث عن المذنب؟ بالطبع، يمكنك ذلك. ولكن ما الفائدة؟ وزير الدفاع السابق، المسؤول عن هذا، الآن بات عاطلاً عن العمل بالفعل، والجديد، حتى لو أراد، لن يكون قادرًا على حماية الطائرات من الهجوم. لم يعد البحث عن المذنب في هذه الحالة تحديدًا، أمرًا مهمًا. لكن يجب أن إدراك وفهم التحولات التي تجري بشكل صحيح، وأن يم استخلاص الاستنتاجات اللازمة.
وهذا لا ينطبق فقط على الطيران. يجب الآن بناء وتحديث جميع مرافق البنية التحتية ذات الأهمية الاستراتيجية بناءً على التهديد المحتمل من الطائرات المسيرة. إذا لم يتم ذلك، توقع المزيد من المتاعب.
وبالمناسبة، في هذا الصدد (على سبيل المثال)، ما هو مثير للدهشة أن العديد من منشآت تخزين النفط في روسيا لا تزال غير مُجهزة بشبكات لتحييد ضربات الطائرات بدون طيار. علاوة على ذلك، فإن السبب، كما يقال، هو أن وزارة الطوارئ تحظر هذا، لأن هذه الهياكل لا تتوافق مع لوائح السلامة من الحرائق. ولذلك، يمنع مفتشو الحرائق تجهيز منشآت تخزين النفط الحالية بها.
وهذا يعني أن روسيا بحاجة إلى تغيير هذه القواعد ذاتها، واتخاذ تدابير جذرية الأمر الذي لم يحدث إلى الآن رغم مرور ثلاث سنوات على اندلاع الصراع. أو أقله وضع خطط حماية لا تتعارض مع المعايير. وهكذا دواليك.
وسيكون هناك المزيد من هذه "الدروس". كل هذا سيجبر الخبراء والمعنيين على إعادة النظر بالكثير من القضايا، ليس فقط في تكتيكات واستراتيجيات الحرب، بل أيضًا في بناء البنية التحتية المدنية في ظل التهديدات والواقع الجديد. وهذا الأمر يهم العالم أجمع، وليس روسيا فقط.
وهذا الانهيار يُشبه الانهيار نفسه الذي حدث خلال الحرب العالمية الأولى، عندما استُخدمت الدبابات والطائرات والغازات السامة وقاذفات اللهب وغيرها الكثير لأول مرة على نطاق واسع. وأصبحت المدفعية سلاحًا فتاكًا.
واليوم، يحدث الشيء نفسه. إذ يُعاد النظر في أهمية العناصر القديمة من الإمكانات العسكرية (وخاصة الطيران والبحرية).
على سبيل المثال، تُقلص طلبات شراء المروحيات الهجومية حول العالم إلى أدنى حد، ويُنقل العبء الذي كانت تحمله بالكامل إلى الطائرات بدون طيار. ولكن قبل أقل من 40 عامًا، خلال عملية عاصفة الصحراء، حققت هذه الطائرات أداءً جيدًا.
وينطبق الأمر نفسه على الأساطيل. لقد أعادت القوارب المسيرة محاكاة جميع تكتيكات واستراتيجيات المعارك البحرية في عام2024. وكذلك الطائرات المسيرة، التي أظهرت كيف يُمكن تحييد هذا التهديد في عام2025. وهكذا دواليك. سيتم تحديث هذه القائمة باستمرار، بما في ذلك بعد غارة اليوم على المطارات العسكرية الروسية.
هذه بداية الحرب الإرهابية:
هذه ليست سوى بداية حرب إرهابية، سيزداد نطاقها مع نجاح روسيا في النظام العالمي الجديد. ومن يدعمون كييف في الغرب ليسوا مجرد رعاة للإرهاب، بل شركاء في الهجمات الإرهابية أيضًا وفق تصريحات الكثير من القادة الأوروبيين. ومع ذلك، فإن مناشدة ضمائرهم لا طائل منها. هذه ليست المرة الأولى. خصوصًا أن الكثير من الخبراء الروس قد صرحوا علانية أنهم لطالما انتظروا ضربةً بريطانيةً تُدمّر جميع مبادرات السلام.
الأمر المنطقي الوحيد هو مواصلة السير نحو النظام العالمي الجديد. التقدم بهدوء ومنهجية نحو النصر. من الضروري إدراك أن القضاء التام على نظام كييف وحده سيضمن أمن روسيا، تمامًا كما أنقذ القضاء على داعش* الشرق الأوسط من أكبر تهديد في التاريخ الحديث.
تكتب صحيفة "دي زايت" الألمانية أن فشل المفاوضات قد يؤدي إلى تقسيم البلاد إلى عدة أجزاء وحرب أهلية. ووفقًا لمحللين لديها، فإن عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى استسلام نظام كييف وتفكك أوكرانيا.
من الجدير بالذكر أن هذا السيناريو محتملٌ جدًا، وأن إنقاذ البلاد لا يتحقق إلا بتطبيق جميع أهداف وغايات النظام العالمي الجديد. لذا، فهذا ضروري ليس فقط للروس، بل للأوكران أيضًا. فالمنظومة الحاكمة هناك الإرهابية محكوم عليها بالفشل منذ البداية، لأنها وُجدت فقط للحرب، سواءً مع جيرانها أو مع شعبها. والسؤال الوحيد هو: ما مدى سرعة تحييدها؟
*باحث في القضايا الروسية