كتب جورج شاهين في جريدة الجمهورية:
عكست التناقضات بين أهل الحكم والحكومة في موازاة المؤّيدين للإسراع في التجاوب مع النصائح والرغبات الدولية والأميركية والرافضين لها، ردّات فعل متضاربة حول ما يتردّد عن مستقبل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، وفي انتظار الكلمة الفصل في ما سيكون غدها، يجمع العارفون على انّ كلاً منهم ماضٍ في استراتيجيته المعتمدة على خلفية أن لا قدرة لأحد على تغليب رأيه ومواجهة ما هو آتٍ. وعليه، ما الذي سيتغيّر أياً كان يومها التالي؟
عبّرت مراجع ديبلوماسية وسياسية مطلعة عن عدم استغرابها لحجم ردات الفعل المتباينة تجاه الروايات المتناقضة التي تحدثت عن مستقبل أورتاغوس ومهمتها في لبنان والمنطقة. ذلك أنّها من عادات اللبنانيين الذين يصرّون على تقديم كل أشكال الأمنيات والرغبات على المعلومات والوقائع، وخصوصاً في ملف بمثل هذه الأهمية. فتلاحقت الأخبار العاجلة التي تحدثت عن استقالتها اولاً، لأنّ مطلبها من إدارتها ضمّ الملف السوري إلى الملف اللبناني لم يُلبَّ. كان ذلك قبل أن يُقال إنّها فشلت في مهمتها اللبنانية نتيجة المقاومة التي واجهتها وعدم القبول أو السماح بتحقيق رغباتها، وكأنّها تسعى إلى مصالح أميركية تتناقض واللبنانية منها، ولا بدّ أن تدفع الثمن. إلى أن قيل أخيراً إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعاقب إسرائيل بإخراج أصدقائها من مواقعهم الديبلوماسية وفي مكتب الأمن القومي الذي طاولته المناقلات قبل أي دائرة أخرى.
وفي ظل هذه السيناريوهات المتعددة، رفضت مراجع أميركية في واشنطن وبيروت الردّ على أي سؤال يتناول اليوم التالي لاورتاغوس، قبل ان تتبلّغ قراراً رسمياً يصدر عن المراجع المعنية في وزارة الخارجية او البيت الأبيض. وقبل الكشف عن أي خطوة من هذا النوع، فإنّ اورتاغوس ما زالت على رأس عملها وتقوم بمهماتها المكلّفة بها حتى الأمس القريب، ولم تجمّد أي خطوة مقرّرة على جدول اعمالها اليومي الحافل بأكثر من نشاط إداري وديبلوماسي حتى أمس. ذلك أن ليس ضرورياً أن تخبر احداً بما تقوم به، فكثير من مهمّاتها مرتبط بنوع من السرّية المطلقة، ولا يُنشر ولا يُذاع سوى ما يتقرّر نشره وتعميمه على الرأي العام الأميركي وفي أي دولة يعنيها هذا القرار مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
على هذه الخلفيات، سألت مراجع ديبلوماسية عن المغزى الذي يمكن البعض أن يستنتجه من هذا الضجيج المحيط بمصير اورتاغوس، قبل أن يقول أصحاب القرار كلمتهم النهائية. وبعيداً من التعليقات الهزلية التي تناولت خطابها وأداءها السياسي والديبلوماسي، والاسترسال في إدعاء الانتصارات الوهمية وكأنّ ما حصل - وهو ما لم يحصل بعد - أنّه كان انجازاً حقّقه أركان الممانعة في حفاظهم على ما تبقّى من سلاحهم في لبنان وعدم تسليمه لأحد، بمن فيهم الجيش اللبناني، وعدم السماح بإمرار الأهداف الأميركية في لبنان والمنطقة. وهو من أظهر فشلها في تحقيق المهمّة المكلّفة بها نصرة لإسرائيل بكل المعايير الأمنية والسياسية والديبلوماسية، بعدما سعت إلى تحقيق أي هدف إثر تجميد العمليات العدائية، ما لم تتمكن منه في الحرب المدمّرة، وبالتالي عدم قدرتها على تطويع اللبنانيين، لا بدّ ان يكون له أي ثمن وأنّ عليها وعلى إدارتها دفعه.
وإن سُئل هؤلاء عن المنافع المباشرة التي يمكن تحقيقها من ترك اورتاغوس مهمتها، وما هو متوقع لاحقاً، يبرز الفشل في تقدير أي خطوة غير تلك التي تتحدث عن قدرتهم وصمودهم للحؤول دون تسليم ما تبقّى من أسلحتهم، ومنع التطبيع مع العدو وفرض الآليات التي يمكن أن تأتي بالمساعدات والقروض الكافية لإعادة بناء ما دُمّر وتوفير مقومات العيش في منطقة دُمّرت وافتقدت الحدّ الأدنى من البنى التحتية والطرق التي تسمح بعودة أي وجه من وجوه الحياة اليومية لأهاليها إلى عشرات القرى الجنوبية كما في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع بمختلف مناطقه.
وانطلاقاً مما تقدّم، تعترف المراجع الديبلوماسية نفسها، بأنّ ما هو ثابت هو أن ليس هناك أي فضل لأي طرف إقليمي في ما يمكن أن يطاول اورتاغوس بعد المناقلات والتشكيلات في مكتب الأمن القومي والخارجية وبعض الدوائر الأميركية. وإن تعددت التقارير التي تحدثت عن أخطاء ادارية وديبلوماسية قد ارتكبتها وستحاسب عليها، فإنّ هناك من يدّعي أنّ هناك قصاصاً أراد ترامب توجيهه إلى أركان إدارته المتعاطفين مع إسرائيل ورئيس حكومتها تحديداً، على حساب توجيهاته التي تناقضت في الفترة الأخيرة بطريقة أخرجتها عن منطق توزيع الأدوار بينهما أو غيره من أركان حكومته، وهو اعتقاد قد يكون خاطئاً، فمهما اختلفت استراتيجيتا الطرفين فإنّ هناك عناوين كبرى تشكّل سقوفاً مشتركة لا يمكن المسّ بها. وأياً كان الخيار البديل من أورتاغوس فإنّه لن يخرج عن أولوية التوجّه الأميركي. ومن اعتقد انّه سيكون لمصلحة العرب بدلاً من إسرائيل فهو مخطئ، بعدما أثبتت كل التجارب السابقة صحة هذه المعطيات التي تحولت إقتناعات راسخة لا يمكن تعديلها او حتى المسّ بها أو تشويهها بين ليلة وضحاها.
ولذلك كله، فإنّ المراجع المعنية تصرّ على الإعتقاد عند ترجمتها لموازين القوى في المنطقة، بأنّ القطيع الإقليمي وما يجمعه من قوى في وادٍ، والراعي الأميركي بعد زيارته الخليجية في وادٍ آخر. وإنّ الإسهاب في تفسير المواقف وتقدير الخطوات المقبلة قد يوقع كثراً في مزيد من الغموض غير البنّاء، إلى أن تُقال الكلمة الفصل في كل ما يدور في الإدارة الأميركية، وما يمكن ان تعكسه على واقع المنطقة من حيث يجب ان تصدر. وقد يثبت عندها أنّ ما هُدر من حبر ووقت كان من الأفضل توفيره وصرف الجهد الذي بُذل في اتجاهات أكثر نفعاً للبنان واللبنانيين بالحدّ الأدنى المستحق، عند تقدير المخاطر المحيطة بالاستحقاقات المقبلة، بما يشكّل هدراً إضافياً لفرص ذهبية عبرت وقد لا تتكرّر الّا بعد فوات الأوان، وكان يمكن استغلالها، لكن العمى السياسي أدّى إلى تجاوزها من دون الإفادة منها او الاستثمار في نتائجها.