عاجل:

"مطاردة أميركية "جيرونيمو".. أسامة بن لادن": بعد 14 سنة.. وثائقي "نتفليكس" يكشف الحقيقة!

  • ٦٧

صدر وثائقي جديد الشهر الماضي على شبكة "نتفليكس"، تحت عنوان "مطاردة أميركية.. أسامة بن لادن"، تكشف العديد من تفاصيل تتبع أثر "المطلوب الأول حول العالم" آنذاك، بالرغم من مرور 14 سنة على العملية الأميركية التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، لا تزال العديد من تفاصيل تلك المطاردة التي امتدت سنوات طي الكتمان.

فعلى مدى 3 أجزاء يروي العديد من المسؤولين في البيت الأبيض والسي آي إي والبنتاغون، كيف جرى هذا العمل المضني على مدى أكثر من 10 سنوات في تتبع أي خيط يوصل إلى بن لادن.

ولعل المحطة الفاصلة في هذا المشوار الذي بدأ مباشرة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن واستمر حتى ولاية باراك أوباما بشكل مكثف أكثر، كانت في تفجير قاعدة خوست على الحدود بين أفغانستان وباكستان.

تفجير خوست والطبيب الأردني

في ذلك الوقت، كان ليون بانيتا رئيس جهاز السي آي إي، عندما وصلتهم معلومة بوجود طبيب (يدعى البلوي) مؤيد للقاعدة موقوف في الأردن. إذ أبلغت السلطات الأردنية نظيرتها الأميركية بإمكانية تجنيده كمخبر. فأرسل الرجل إلى أفغانستان، عساه يأتيهم بمعلومات عن كبار قادة القاعدة وعلى رأسهم بن لادن.

إلا أن الرجل اختفى لفترة طويلة امتدت أشهرا، ليتصل بهم فجأة بين ليلة وضحاها، ويتفق على لقائه في قاعدة خوسنت الأميركية.

وهكذا كان فأتى الرجل ودخل الموقع شديد الحراسة، دون تفتيش سبق، لكن عندما طلب منه الترجل من السيارة فجر نفسه، ليقتل 7 ضباط أميركيين في حادثة قلبت الموازين، وحثت واشنطن على المضي قدما، لتظهر لاحقا تسجيلات للطبيب المذكور تحت اسم "أبو دجانة الخرساني"، متوعدا الأميركيين.

هل هي "مسألة شخصية"؟

وقال أحد المسؤولين الأميركيين المتابعين للقضية إن "تحول الأمر عندها إلى مسألة شخصية" بمعنى ثأر شخصي، لتبدأ رحلة طويلة من جمع الداتا والمداهمات المتعددة في أفغانستان استناداً إلى معلومات مخبرين على الأرض تبين أنها كانت زائفة.

حيث كان كل فيديو يظهر فيه بن لادن يحلل بدقة، لتسمع فيه عبر تقنيات متطورة كل شاردة وواردة من صوت العصافير في الخلفية أو المعامل، أو حتى أي تفصيل يظهر إلى جانبه.

المراقبة.. تسجيلات بن لادن

بعد ذلك، راحت المراقبة تتركز على كيفية إرسال تلك التسجيلات إلى إحدى محطات التلفزة العربية آنذاك، وهوية "الساعي الموثوق" الذي يتسلمها من بن لادن، إلا أن البحث المضني لم يسفر سوى عن معلومة واحدة وهي أن كنية الساعي "أبو أحمد".

وبدأ البحث عن أبو أحمد سابقا في 2002 دون نتيجة. فاستكمل جمع المعلومات عبر التحقيق مع القيادي في القاعدة خالد شيخ محمد الذي كان معتقلا في غوانتانامو، إلا أن الأخير أكد أن أبو أحمد تقاعد منذ فترة ولم يعد يعمل مع القاعدة.

المخابرات الأميركية.. مكالمة أبو أحمد

وإستكمل مجتمع المخابرات الأميركية بحثه عنه، حتى تلقف مكالمة هاتفية عام 2010 بين "الساعي المتقاعد" وأحد أصدقائه القدامى، الذي أصر على معرفة أحواله وماذا يفعل حاليا، فما كان منه إلا أن قال له بعد إلحاح، أنه "عاد إلى عمله السابق".. ففهم عناصر السي آي إي حينها أنه عاد لخدمة بن لادن.

عندها بدأ ترقب تحركاته بالتفصيل من بيشاور إلى آبوت آباد في باكستان، عبر الأقمار الصناعية.

وعندما تكثفت زياراته لأبوت آباد، وتحديدا إلى مجمع كبير في المنطقة مسيج بجدران عالية، بدأت الشكوك تتصاعد.

آبوت آباد.. منطقة سياحية

وأكد بانيت في الوثائقي أن آبوت آباد منطقة جميلة بجبالها الخضراء لا بل سياحية أيضا، متسائلا "من يبني أسوارا عالية 5 أمتار في منطقة سياحية ويحجب المناظر الخلابة"، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك بالتأكيد شخص مختبئ في المكان.

حينها تركز التدقيق في هذا المكان، إلا أنه لم يكن بحوزة المخابرات إلا المراقبة عبر الأقمار الصناعية، ولاسيما أن المجمع كان خاليا من الهواتف أو الإنترنت، كما أن أبو أحمد كان يفصل هاتفه عن البطارية عند التوجه إلى المجمع.

ما هو ظل "المتمشي"؟

ولاحظ عناصر السي آي إي وجود 3 عائلات في المجمع الكبير الأبيض، عائلتان تخرجان وتدخلان وعائلة لا تتحرك من المكان أبدا.

ومع استمرار المراقبة، لوحظ خروج رجل بشكل يومي لكي يمشي في حديقة المجمع، على شكل دوائر أو حلقات وكأنه حبيس في سجن. فأطلقوا على الرجل اسم المتمشي.

وفي يوم مشمس لوحظ "ظل" الرجل أو خياله، فبدأت دراسة طوله وترجيح حجم قامته، ليتبين أنه طوله قريب جدا من طول بن لادن.

إلا أن السي آي أي أرادت التأكد فطلبت من الصحافي جون ميلر الذي قابل بن لادن عام 1998 الإتيان بكل ما لديه من تسجيلات مصورة أيضا للتثبت من المعلومة التي توصلوا إليها، ومعرفة من يرافقه عادة ويحيط به أيضا. فتثبتوا من "عرجة خفيفة" في مشيته مطابقة لطريقة سير "المتمشي".

عندها بدأ التخطيط الجدي لاقتحام المجمع. فكلف مدير السي آي إي أنذاك (ليون بانيتا) قائدا في البحرية الأميركية بوضع المخطط التنفيذي واختيار الجنود المناسبين والمدربين لمثل تلك المهمات.

 من هو "جيرونيمو"؟

كانت وحدة "سيل 6" التي ترأسها روبرت أونيل، وبدأ التدريب على عملية "رمح نبتون"، وأطلق على بن لادن اسم "جيرونيمو".

فأنشئ مجمع مشابه تماما من الخارج لمجمع أبوت آباد. لكن تقسيمات المجمع من الداخل بقيت مجهولة. فتدرب الجنود على 100 محاكاة مع تغيير تقسيم الجدران من الداخل.

وبعد أشهر قليلة من التدريبات المكثفة، أعطى أوباما الأمر بالمضي في عملية الانزال، فيما رفض حينها الرئيس السابق جو بايدن الأمر معتبراً أنه يحمل مخاطر كبيرة وغير مضمونة.

كما وضعت المخططات وبدأ العمل في قاعدة جلال آباد في أفغانستان، البعيدة عن الحدود الباكستانية بنحو ساعة. ووضعت مروحيتان شبحيتان تستعملان لأول مرة، لقدرتهما على تجنب الرادارات الباكستانية، في دلالة على أهمية التكنولوجيا في مثل تلك العمليات الاستخباراتية.

وفي الأول من أيار/مايو عند الساعة 11 تقريبا انطلقت المروحيات نحو الهدف، مجمع أبوت آباد.

تعطل مروحية

وصلت المروحيات قرابة الساعة 12 ونصف إلى المجمع. وفيما كان يرتقب أن تحط على سطحه، ترنحت إحدى المروحيات إذ اضطرت إلى الهبوط دون أن تنفجر.

ما أحدث بلبلة، خصوصاً أن بعض الأخبار بدأت ترشح على مواقع التواصل حول تحطم مروحية عسكرية باكستانية.

عندها تغيّرت المخططات ونزلت مروحية أخرى أمام المجمع، وترجل منها جنود البحرية ودخلوا المجمع عبر باب "موقف للسيارات".

الإقتحام.. "دروع بشرية"

وحين دخلت الفرقة ظهر في وجهها أولا "أبو أحمد"، فأردوه قتيلا، ثم ارتمت زوجته أمامهم، وكأنها درع بشري بحسب ما وصف أونيل اللحظة، قائلا "النساء تحولت دروعا بشرية".

ثم ظهر لاحقا نجل بن لادن، خالد ابن العشرين عاماً، فأردوه أيضا، وتوجهوا نحو الطابق الثالث من المبنى، مرجحين وجود بن لادن هناك.

فما كان من زعيم القاعدة إلا أن ظهر أمام أونيل، فأطلق رصاصه نحوه وقتله.

لكن المهمة لم تنته هنا فعمد الجنود إلى جمع كل ما أمكن من وثائق وصور ومحفوظات موجودة في المجمع، ثم غادروا عائدين إلى جلال آباد.

ويصف أونيل تلك اللحظات،خصوصاً بعدما حلقت الطائرات الباكستانية في السماء، إثر اكتشافها لدخول المروحيات الأميركية، قائلا إنه راح يعد الدقائق.

السعادة.. "أهلا بكم في افغانستان"

وبعد نحو 80 دقيقة دخلت المروحيات الأجواء الأفغانية، فتنفس أونيل وفريقه الصعداء، قائلا في الوثائقي إنه "كانت المرة الأولى التي أسعد فيها لسماع عبارة "أهلا بكم في أفغانستان"!

هكذا انتهت رحلة 10 سنوات من البحث عن مفجر برجي التجارة الأميركيين، ومبنى في البنتاغون يوم 11 سبتمبر 2001.

سنوات من العمل الإستخباراتي

أهم ما في الوثائقي أنه يلقي الضوء على العمل الاستخباراتي الذي يتطلب في الغالب سنوات، فضلا عن أهمية التكنولوجيا التي لم تكن حينها بالتقدم الحاصل اليوم، مع قدرات الذكاء الاصطناعي الآيلة إلى التطور، فجمع الداتا وتحليلها الذي كان قبل أكثر من 25 سنة يتطلب أشهرا وسنوات، بات اليوم ربما يأخذ أياما أو أسابيع وربما أقل.

كما يلقي الضوء على فعالية المخبرين على الأرض إن كانوا موثوقين، ولعل هذا ما بدأ بوضوح أكثر خلال الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.

كذلك يذكّر بكيفية تمهيد ثغرة واحدة لفك العديد من الشفرات في مسيرة الملاحقات!

المنشورات ذات الصلة