كتب طوني عطية:
في خطوة متأخرة منذ 50 عاماً، تواجه السلطة السياسية أخيراً الامتحان المؤجّل. هذه المرّة لا مجال للهروب أو لدفن رأسها في الرمال. إما أن تنجح في نزع السلاح غير الشرعي الفلسطيني واللبناني، وإما أن تفشل وتتحمل عواقب خيبتها. لا مكان للرمادية و”ما بين وبين”. هي اليوم وبعد حرب الإسناد التي افتعلها “حزب الله”، وأدت إلى هزيمته وتدميره، أمام فرصة تاريخية تستدعي اقتناصها من أجل تطهير هيكل الدولة، مع سقوط المحرّمات والمقدّسات التي دنّست وأذلّت سيادتها وهيبتها طوال العقود الماضية. ويُشكّل تسليم السلاح الفلسطيني والأهم منه تسلّم المخيمات، اختباراً مسبقاً لتفكيك منظومة “الحزب” العسكرية والأمنية، وقدرة الحكم على تطبيق القرارات الدولية واتفاق الطائف وما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري. كما أنّ حصر السلاح، ليس امتيازاً ولا هبةً، بل حقّ ملازم لوجود الدولة ومفهوم امتلاكها الحصري لـ “العنف الشرعي” المتمثّل بالجيش اللبناني والأجهزة العسكرية والأمنية.
في هذا السياق، ترى مصادر أمنية وعسكرية سابقة، أنّ المتغيرات التي شهدتها المنطقة بعد “طوفان الأقصى” وانهيار “محور الممانعة” وسقوط نظام بشار الأسد، تشكّل حافزاً قويّاً للسلطة اللبنانية في تنفيذ قرارها. وأن أي تقصير في هذه المهمّة الوجودية والمصيرية، تتحمل وحدها المسؤولية، وليس الجيش اللبناني، كما يروّج بعض المؤيدين لـ “حزب الله” بشكل غير مباشر، من خلال التشكيك بقدرات المؤسسة العسكرية والتهويل بجرّ البلاد إلى خضّات أمنية من باب المخيمات. ففي كل مرّة تطرح هذه القضية، تنطلق ماكينات “التمييع” والتخويف، كأن هذا السلاح الذي فقد دوره وعلّته منذ وجوده، لم يكن هو السبب في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ولا في جلب الحروب والصراعات الإقليمية إلى أرضه. وأيضاً، لم تسلم السلطة الفلسطينية المؤيدة لبسط الدولة اللبنانية سلطتها داخل المخيمات، وما أكده “أبو مازن” خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، من سهام “نظرية المؤامرة”. إذ بدأت “الغرف السوداء” تبثّ شائعات مفادها أن أحد ضباط السلطة الفلسطينية الذي وصل إلى بيروت، يحمل في جعبته، مخططاً يهدف إلى إشعال فتنة داخل المخيمات، لا سيما في الجنوب تمهيداً لتدميرها وتهجير سكانها نحو الشمال، ما يهدّد السلم الأهلي اللبناني عشية الموسم السياحي.
في الغضون، تذكّر تلك المصادر بأن معركة نهر البارد التي جرت في ظل موزاين قوى “طابشة” لصالح “الممانعة” ومناهضة لسيادة الدولة، أثبتت عزيمة وجهوزية الجيش اللبناني في بسط السيادة والمحافظة على تمساكه ووحدة البلاد. أما اليوم، فتشكّل الاتجاهات الدولية الداعية إلى محاصرة الميليشيات في المنطقة لصالح الجيوش النظامية والشرعية، سنداً قويّاً، سياسيّاً ومعنويّاً للحكومة اللبنانية.
والمطلوب بحسب تلك المصادر، أبعد من تسليم السلاح، إنما تسلّم المخيّمات ووضعها تحت سيطرة الدولة اللبنانية مباشرة، كما كانت قبل اتفاق القاهرة 1969، حيث كان يوجد داخل كلّ مخيّم مخفر للدرك، من أجل ضمان استقراره، وعدم تحوّله مستقبلاً إلى بؤرة للفلتان أو ملجأ للهاربين من العدالة.
وتُقرّ بأن المهمّة ليست سهلة، لأن صعوبتها تكمن في مدى وضوح وحزم القرار السياسي من ناحية، والاختلاط الهائل داخل المخيمات بين القوى والأجندات والامتدادات الخارجية والداخلية وتعدد انتماءاتها، بين مؤيّد للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس ومعارض لها من ناحية أخرى.
وفي نظرة سريعة إلى خريطة القوى الرئيسية، تعد “حركة فتح” (أقدم فصيل مسلّح في لبنان) الثقل الأكبر داخل المخيمات، وهي التي تقود “منظمة التحرير الفلسطينية” الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
“حركة حماس”، إذ تشكل الفصيل الإسلامي الأبرز في المخيمات وتنشط بالتنسيق مع “حركة الجهاد الاسلامي”. أما التيارات اليسارية المسلحة، فتشمل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، و”الجبهة الشعبية -القيادة العامة” وهي الجناح المنشق والذي كان مقرباً من سوريا الاسد، وأيضاً “الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين”.
إلى ذلك، هناك تنظيمات متطرفة مرتبطة بشكل متفاوت بـ “القاعدة”، أبرزها: “عصبة الانصار”، “جند الشام”، “كتائب عبدالله عزام” وفلول “فتح الاسلام”، إذ يُعتقد أن التنظيم، خسر معظم عناصره بعد سقوطه أمام الجيش اللبناني في معركة نهر البارد. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه التنظيمات تتمركز بشكل أساسي في “عين الحلوة” لكن عند أطرافه، بسبب سيطرة “فتح” وتمركز قوّتها داخل المخيم.