كتب أنطوان مراد في "نداء الوطن"
تعجب "القوات اللبنانية" من تذاكي البعض في تناول موقفها من مسألة فرض رسم إضافي على المحروقات، وكأن الشغل الشاغل لهذا البعض من أهل الممانعة وحلفائهم اللدودين، ومن فئة يفترض أنها سيادية وتغييرية، هو اقتناص أي فرصة سانحة للانقضاض على "القوات" ومهاجمتها وإضعافها لغايات شتى ومختلفة بحسب أصحابها. وهذا ما كشفته قصة الزيادة على المحروقات، بعدما تم تهريبها في مجلس الوزراء وعلى أطرافه وقبله وبعده، بمزيج من الاحتراف والتنصّل، ومحاولة تحميل "القوات" وزر قرار اتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً وبغطاء ودعم من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والرئيس نبيه بري بخاصة، عبر وزير المالية ووزيرة البيئة بالأصالة والطاقة والمياه بالوكالة، بعد تحضير مدروس من قبل من أعد الطبخة مضموناً وتوقيتاً، لا سيما في غياب وزير الطاقة الأصيل.
وإذا كان أحد وزراء "القوات" قد سأل وتحفظ وطرح بديلاً، فإن المناخ الطاغي كان لإمرار الزيادة وكأنها تفصيل بسيط. والحجة أن سعر صفيحة البنزين كان سبق وقارب المليوني ليرة ولم يعترض أحد أو طالب بتخفيض الرسوم، ولو أن السبب هو ارتفاع السعر العالمي، فأين المشكلة إذا ما ارتفع سعر الصفيحة مئة ألف ليرة، من أجل تقديم دعم بسيط للقوى العسكرية التي تعمل بطاقة استثنائية وسط ظروف وتحديات استثنائية؟
وتقول الأوساط القواتية إنه كان في إمكان الوزراء الذين يمثلونها في الحكومة التعاطي من زاوية مختلفة مع المسألة خلال جلسة مجلس الوزراء، لكنهم حرصوا، وفي ظل جو شبه إجماعي على عدم الظهور بمظهر من يعرقل منح القوى العسكرية بعضاً مما تستحق، فضلاً عن رفض الوقوف في وجه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أمام الآخرين، وكأن هناك خلافاً طويلاً عريضاً أو مشكلة كبيرة تبرر حصول مواجهة في غير محلها، ولذلك الأفضل أن تسلك الأمور الطريق المتاح دستورياً وقانونياً من دون أي طابع سياسي نافر.
فالرئيس جوزاف عون بحسب الأوساط نفسها، وبقدر ما تقدم "القوات اللبنانية" بعض الملاحظات الموضوعية بهدف لفت النظر أو تصويب بعض التوجهات التي يحاول جماعة الممانعة استدراجه إليها، بقدر ما تحرص على أفضل علاقة معه وعلى التشاور الدائم معه، سواء من خلال الاتصالات الهاتفية بينه وبين الدكتور سمير جعجع أو من خلال الوزراء والموفدين، لأنه يحتاج إلى دعم نوعي لتعزيز موقفه السيادي والتزامه بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ولو بدا أنه يغلّب الحوار وتجنب المواجهة المباشرة مع "حزب الله".
فـ "القوات اللبنانية" تريد للعهد أن ينجح وأن يستغل الفرصة السانحة والتي قد لا تتكرر لاستعادة السيادة الكاملة للدولة وإطلاق عجلة الإصلاح الجدي، لأن السيادة تعني انتظام الحياة الدستورية والسياسية من دون استقواء من فئة على أخرى، أو تدخل خارجي لمصلحة فئة دون أخرى. كما أنها تحرص على أفضل علاقة مع رئيس الحكومة نواف سلام الذي أثبت في الممارسة أنه رجل دولة ثابت على مواقفه ويتخطى في الكثير من الأحيان الحسابات الفئوية الضيقة.
وتشدد الأوساط القواتية على أن "القوات اللبنانية" لم تتمسك يوماً بأي موقع أو منصب، وغالباً ما رفضت المشاركة في الحكومات، أو عارضت من الداخل في حال المشاركة. ولذلك وعند استشعارها بأي توجه يشكل خطراً على لبنان السيد والمتنوع، فإنها لن تتوانى عن اتخاذ أي خطوة مهما كان وقعها، من داخل الحكومة أو من خارجها، ولا سيما في ما خص أولوية الدولة وحصرية السلاح والشراكة الفعلية بعيداً من الهيمنة، وتالياً وضع النقاط على الحروف بما يلتقي مع تطلعات اللبنانيين بأكثريتهم الساحقة إلى خيار الدولة والوطن الحر المتنوع.
على أن الموقف من زيادة الرسوم على المحروقات، هو بحد ذاته موقف سيادي، لأن كل ما يضعف المناعة الداخلية والقدرة على الصمود يناقض مبدأ السيادة الوطنية، وأهمية توافر العيش الكريم من دون تمنين أو ربطه بشروط سياسية. ولذلك لن توفر "القوات" وسيلة شرعية ومشروعة متاحة إلا وستلجأ إليها لتصويب مسار التعاطي مع السيادة المالية إذا جاز التعبير، لأن الحري قبل البحث في إضافة أعباء على المكلّف اللبناني، أن تبادر السلطات المعنية إلى مكافحة التهريب والتهرب الضريبي والجمركي، وحينها يمكن معالجة الفجوة الكبيرة ليس في رواتب العسكريين فحسب بل في رواتب مختلف موظفي الدولة، فضلاً عن تأمين كلفة الكثير من المشاريع والخطط التي تصب في خانة خدمة المواطن.